|
" ثقافة القطيع " وهرم مازلو
نشر بتاريخ: 27/02/2016 ( آخر تحديث: 27/02/2016 الساعة: 10:42 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
منذ أشهر ، تشهد الاراضي المحتلة حالة من عدم الاستقرار وانتشار الظنون تحسبا مما قد يحدث . ولان البوابات مفتوحة على جميع الاحتمالات يزداد قلق الناس وتتعاظم الحاجة الى البحث عن ملاذ اّمن ، وهو تعبير مباشر عن نقص الشعور بالامان كحاجة اساسية للبشر على رأس ( هرم مازلو ) .
ولو عدنا الى العلوم الانسانية لوجدنا ان نظرية ابراهيم مازلو تظهر لنا ان حاجات المجتمعات في لحظات تاريخية هامة تشبه حاجات الافراد ، فالمجتمع يخاف ويعطش ويفرح ويصخب ويجوع وينجح ويفشل مثل الفرد تماما . وحين يعجز ( الفرد او المجتمع ) في سد احتياجاته الاساسية فانه يخلّف وراءه حاجات غير مشبعة ( غزة اكثر من الضفة والضفة أكثر من داخل الخط الاخضر ) وهذا يسبب توتراً لدى الفرد فيسعى للبحث عن إشباع هذه الاحتياجات. و" الحاجات غير المشبعة لمدة طويلة قد تؤدي إلى إحباط وتوتر حاد قد يسبب آلاماً نفسية، ويؤدي ذلك إلى العديد من الحيل الدفاعية التي تمثل ردود أفعال يحاول الفرد من خلالها أن يحمي نفسه من هذا الإحباط ". وفي هذا المقام ، نحن نتحدث عن جميع الاحتياجات التي رسمها مازلو على شكل هرم وهي بالترتيب ، الحاجات الفسيولوجية والامن والشعور بالتقدير والحاجة لتحقيق الذات ، ولعلنا سنقفز هنا عن الحاجات الفسيولوجية ( رغم انها غير موجودة غالبا ) مثل الحاجة للتنفس والطعام والماء والتوازن والجنس والنوم بشكل طبيعي . فهناك الاف من الاسرى او المحاصرين لا يحظون بهذ الاحتياجات الفسيولوجية بشكل طبيعي منذ سنوات عديدة . وسنقفز ايضا عن القول ان نقص هذه الاحتياجات يتسبب في انتشار نزعة استهلاكية مريضة عند الفرد وعند المجتمع فترى ان الانسان الفقير والمواطن المحاصر في الارض المحتلة يفرط في اشبع حاجاته الاساسية ولهذا نرى ان معظم موارد الفلسطينيين تذهب الى النفقات على الاكل والشرب والجنس وشراء الاثاث والادوات الكهربائية بشكل مبالغ فيه . وفي صلب حديثنا عن الامن والامان نستطيع الان ان نفسر لماذا تصرف السلطة غالبية ميزانيتها على الامن ، فهناك " وعي مجتمعي " يدفعنا للبحث عن حاجة الامن المفقود ، عن طريق السلامة الجسدية والامن الوظيفي والامن النفسي وأمن الاسرة والتأمين الصحي ، وهذا سيجعل طريقة بحث المجتمع عن العلاقات العاطفية والاسرة والزواج واكتساب الاصدقاء بطريقة غير منتقاة امرا مفروغا منه ، وهذا ما يفسر ان فلسطين فيها اقل نسبة عنوسة في العالم العربي ، فكلما تعاظم الخوف عند الرجل كلما تعاظمت حاجته للزواج ( لانه خائف ان يعيش لوحده ويفنى قبل ان يتكاثر ويحضر للعالم اطفالا يشبهونه ) وهو غالبا لا يعي ذلك ، وان يعي فانه سيسارع الى الانكار . والاخطر في هذه المرحلة هو الشعور بالقلق وفقدان الامن ، فكل واحد فينا صار يسأل نفسه : من سيكون الرئيس بعد ابو مازن ؟ هل هو الاسير مروان البرغوثي ام الجنرال فلان ام الجبّار علان ام اللطيف فلان ... ما يفقد الفرد والمجتمع الشعور بالتوازن ... فترانا نهرع بلا عقل الى تصديق اي شئ يشعرنا بالامن والقوة ولو كان كذبا ، فنبحث عن انتصارات وهمية وشعارات فاقعة وتزداد الرغبة عند الشبان للانضمام الى الاجهزة الامنية ، ومن لا يستطيع او لا يجري قبوله في الاجهزة الامنية لاسباب تتعلق باللياقة والانضباط والانتماء السياسي ، سوف تقبله التنظيمات بشروط اقلّ وأسرع ، ومن لا يستطيع او يخاف الدخول في دوامة الاجهزة الامنية والتنظيمات يلجأ الى النوادي الرياضية والجيم ، وقد لفت انتباهي ان الذين يسجلون في النوادي الرياضية والجيم اكثر عددا من اعضاء الاجهزة الامنية ومن التنظيمات . وامّا الذي لم نكتب عنه بتوسع ، انه كلما ارتفع الشعور بنقص الامن تزداد الحاجة إلى الحب (الجنسي وغير الجنسي) من الآخرين، وفي غياب هذه العناصر الكثير من الناس يصبحون عرضة للقلق والعزلة الاجتماعية والاكتئاب والتعلّق بالصور والافلام والعالم الافتراضي . واعتقد ان المجتمعات الفقيرة التي تعاني من الحروب والصراع تكتب عن الحب أكثر من كل قارة اوروبا وبشكل اعمق من كل العواصم الاخرى في العالم . والاخطر هو البحث عن التقدير ، ولا اقصد هنا ما قاله مازلو عن التركيز على حاجات الفرد في تحقيق المكانة الاجتماعية المرموقة والشعور باحترام الآخرين له والإحساس بالثقة والقوة. بل ان النخبة المثقفة في فلسطين تعاني من الشعور بالتقدير ، وينخفض لديهم الثقة بالذات والرضى عن النفس ، فترى الطبيب يحلم ان يصبح في الامن الوقائي ، وناشط المعارضة يأمل ان يصبح في السلطة ، والوزير يتمنى لو أنه يقود المعارضة . وهو مشهد سريالي يشبه خللا في كهرباء سيارة ، وان كان تبدو السيارة من بعيد جيدة الا انها تعاني من مشاكل كهربائية خطيرة ... ولو دققنا في كلام المسؤولين والذين يرشحون انفسهم للرئاسة لاصابتنا الحيرة : هل هؤلاء سلطة ام معارضة ام حقوق انسان ام أمن ؟؟؟ ماذا يقولون ؟ ولو دقّقنا أكثر بكلام زعماء المعارضة لما استطعنا ان نفرق بين الطرب وبين الصراخ من الالم ، ولو نجرب فقط ان نشاهد فيديو لاحد زعماء المعارضة ونقوم بكتم الصوت ونشاهد الصورة فقط ، لما عرفنا اذا هم يبكون ام يفرحون !!! الصوت مختلف عن الصورة ، والشكل متناقض مع المضمون . وامام هذه الحالة التي نعيشها ، ويبدو اننا لا نزال في بدايتها يكون امام الفرد او المجتمع ان يقوم بحيل دفاعية للبقاء ( البكاء - الصراخ - الضحك والسخرية - الانزاوء - الانطواء - الهجوم - الاختباء ) ، وقد يستخدم الفرد او الجماعة او المجتمع كل هذه الحيل مرة واحدة ( فنرى زعماء الاضرابات يتباكون امام الكاميرات وفي نفس الوقت يهدّدون ويتوعدون ) ونرى ان الوزراء والقادة يهدّدون ويتوسلون في نفس الوقت ، ولكن هذا لن يجدي نفعا على المدى الطويل . لاحقا سيضمحل دور الفرد وتزداد الرغبة في الانصهار داخل القبيلة او التنظيم او الجهاز الامني او المؤسسة ... وتقل حركة النقد ، ويلجأ الناس الى التورية والاخفاء والاختفاء وراء أقنعة وشعارات ( انتصارات وهمية لا قيمة لها ) على أمل ان هذا يجلب لهم الرضى واللايكات على الفيس بوك . |