|
الأنثى بين الشرق القديم والحديث
نشر بتاريخ: 07/03/2016 ( آخر تحديث: 07/03/2016 الساعة: 15:17 )
الكاتب: سائد ابو غنام
إن الصورة الذكورية لعالمنا عامة والشرقي خاصة ليست سوى محصلة ونتيجة نهائية للعديد من الصراعات التي حدثت بين الذكر والأنثى في فترات متأخرة من التاريخ البشري. هذا الصراع الذي انتهى بهزيمة الأنثى ونَزعها من مكانتها المرتفعة والمؤثرة في تفاصيل وحياة المجتمعات القديمة ووضعها في خانة أو مستوى قبلته عنوة كنتيجة لخسارة الحرب المذكورة. لقد بدأت ملامح هذا المنعطف البشري تاريخياً في الظهور أكثر مع بزوغ فجر حضارات قديمة كحضارة السومريين وإمبراطوريتي ما بين النهرين بالمقابل إنتقال الحكم الفرعوني لسلالات عائلية تدعم الحكم الذكوري على المكانة الأنثوية التي حرصت العائلات الفرعونية الاولى على الحفاظ عليها. لقد أنتج هذا التحول مجموعة من الاعراف والمعتقدات الدينية والمسلمات المجتمعية التي رفعت من مكانة الذكر في شتى تفاصيل الحياة بينما بقيت مكانة الأنثى تتهاوى تدريجيا مع مرور الزمن ليظهر كمحصلة ما سأسميه في هذه المقالة بمجتمعات الراديكالية الذكورية. فماذا كانت مكانة الأنثى في التاريخ القديم والشرقي خاصة ؟ ما هو الحل بعد أن وصل المجتمع الى راديكالية ذكورية متفردة ؟
بالرجوع الى معنى كلمة الراديكالية حسب المعجم الوسيط نجد انها تعبر عن الاتجاه الفلسفي أو السياسي الذي يدعو الى الاصلاح الشامل والنظر الى مشاكل المجتمع بعين شمولية لتحقيق أكبر نتيجة من الاصلاح والنمو الحضاري والمجتمعي (أصبح حالياً صفة تطلق على الجماعات المتشددة في رأيها ومعتقداتها) ومع نهاية الانقلاب الذكوري على الطبيعة الأنثوية أصبحت الحركات الاصلاحية ذكورية بامتياز لا تشرك المكانة الأنثوية في مشاريع الاصلاح أو اي تشريع وقانون جديد. فهل نجح الذكر وافكاره الثورية في بناء مجتمع عادل وحضارة مختلفة متطورة وانسانية أفضل مقارنة بعصور الحكم الأنثوي ؟ للإجابة على هذا السؤال والأسئلة التي سبقته، لابد من مقدمة تاريخية لمكانة المرأة في المجتمع الشرقي القديم. إن المرأة في مجتمعات ما قبل التاريخ و ما تسمى بالفترة النيولوتية(8500 ق.م - 4500 ق.م) كانت تتمتع بمكانة مطلقة لا يشاركها فيها احد. فهي الأم الاله، من تحمل في احشائها الحياة والامتداد الطبيعي للبشرية وهي الام الكبرى المسؤولة عن تفاصيل المجتمع أو المؤسسة الجماعية التي يعيش فيها مجموعة من الافراد. فهي من تكتشف أسرار الطبيعة وتحاكيها وتتحكم بها، من تُرفع اليها الصلوات وبطبيعتها تتحدد هوية المجتمع ومجموعة الاعراف والتقاليد المرتبطة به. إن بعد بدء ما يسمى تاريخيا بالانقلاب الذكوري على هذه الصفات، بدأت تشارك مكانة المرأة على مستوى أفقي مجموعة من الآلهات الذكورية، فنجد في الثقافة الكنعانية الإله إيل مقابل الأم الإله عشتاروت والإله جلجامش مقابل عشتار البابلية وأما عند الاغريق فنجد الإله زيوس بمقابل رحيا أو جيا. يتعدد نفس المثال في مجموعة أخرى من الثقافات والحضارات من ما يطيل هذا المقدمة ويخرج الفقرة عن هدف المقالة الحالي. ليس الهدف من هذه المقالة المطالبة بإرجاع هذه المكانة، وإنما محاولة لفهم المجتمع الحالي والشرقي خاصة وإنصاف الأنثى بعد أن ظهرت الراديكالية الذكورية كمحصلة مستمرة لهذا الصراع. إن الراديكالية الذكورية خرجت من المعنى الحرفي للكلمة وصارت أكثر شمولية واتساع، فهناك الراديكالية الذكورية عند المرأة وكذلك بطبيعة الحال والمنشأ عند الرجل. كما أنها تمتد لتصل الى مستويات أكثر في الهرم العائلي لتشكل مجموعة من المسلمات السلوكية عند الاطفال بكلا الجنسين. إن المرأة التي تتبنى طرح الثورة الذكورية تعتقد على سبيل المثال وليس الحصر ( وما أصعب الحصر) أن المعاملة الحسنة والزواج السعيد يكمن بالمستوى المادي الذي يجب أن يوفره الذكر والعكس صحيح، ناهيك عن قناعتها الداخلية بالنقص إذا ما قورنت بنجاحات الذكر في مجتمعاتنا وإنجازاته. إن هذه القناعة هي نموذج حي لمحصلة الصراع ونتيجة للإصلاح المجتمعي الذي هدف اليه هذا الانقلاب وقام بتعريف أساسياته الراديكالية الذكورية. أما الذكر، فليس هنالك حاجة لتعريف مظاهر ذكوريته في المجتمع، فهو الحر، المحصن من معايير العيب المجتمعي، القائد، القادر وغيرها من الصفات التي يستطيع تشريعها وتحريمها في أي وقت يشاء كونه يملك المطلق. إن الخطر الذكوري يتسلل أيضا الى الهرم العائلي، فترى الطفل الذكر يتصرف كصورة لوالده أو كمثاله الذكوري فيتدرج في تكوينه الذكوري ويمارسه على مستواه المجتمعي (على سبيل المثال إخوته الإناث) ليكمل ما وصل اليه مثاله. أن هذه المقالة ليست للتعميم، ولكنها مخصصة لشريحة أخشى ان تصبح يوماً عامة. فهنالك أمثلة أنثوية في مجتمعاتنا تعرف تماما مكانتها وليست في حاجة الى قوانين أو أعراف لتقزّم نفسها في خانتها. إن الطبيعة ثنائية التكوين وهذا ما أدركه أجدادنا وفشلنا نحنالى الان في فهمه. فكما هنالك سماء، هنالك أرض. وكما هنالك ليل فهنالك نهار. وليس في هذه الثناثية أو غيرها فضل أو تميز عن الاخر فلماذا نضع ذكورا كنا أو إناث الثنائية الخاصة بنا. حتى في العصر الذي نعيش، حيث تكثر الجهات الرسمية أو غير الرسمية للدفاع عن حقوق المرأة، فحتى فكرة هذا الجهات ليست إلا نتيجة للراديكالية الذكورية بشكل لطيف وناعم. فهل تحتاج الطبيعة الى مؤسسات ؟ وهل يأخذ القمر إذناً من الشمس للجلوس في سماء الليل والعكس صحيح ؟ وهل تخضّر الأرض ربيعاً من دون أن تسقط الاوراق خريفاً ؟ واخيراً ايها القارئ هل تستحق من تحمل الحياة في أحشائها نصف المجتمع ؟ لربما كما أدرك أجدادي فقد تستحق ما هو أكثر |