وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

أزمة إضراب المعلمين بين العمل النقابي والاستغلال الموجَّه

نشر بتاريخ: 11/03/2016 ( آخر تحديث: 11/03/2016 الساعة: 10:16 )
أزمة إضراب المعلمين بين العمل النقابي والاستغلال الموجَّه
الكاتب: د. عاطف محمد شعث
تشكل المؤسسات النقابية المهنية والاتحادات الشعبية مرتكزاً أساسياً في الحياة المدنية في كافة الأنظمة والمجتمعات، وإن الحق في تأسيس النقابات والإتحادات الشعبية والانتماء النقابي من الحقوق الأساسية التي نصت عليها القوانين الدولية وأكدتها القوانين والتشريعات الوطنية، وقد شكلت الاتحادات الشعبية والنقابية دعامةً أساسية لمؤسسات منظمة التحرير الوطنية الفلسطينية، فكانت رافداً نضالياً ثورياً قوياً في المعركة الوطنية من أجل ترسيخ الهوية الفلسطينية والتعبير عن الكيانية الفلسطينية بأبعادها الدينية والوطنية والثورية والاجتماعية والثراثية والقيَّمية والمهنية والثقافية والحضارية، وقد إلتزمت تلك الاتحادات الشعبية بالميثاق الوطني الفلسطيني على قاعدة العمل وسط الشرائح المجتمعية في الساحة الفلسطينية ضمن استراتيجية موحدة نحو تحرير فلسطين وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم.

كواحدة من تلك المنظمات الشعبية الأساسية؛ فقد تأسس الاتحاد العام للمعلمين الفلسطينين في عام 1969 هادفاً إلى تقديم الدعم المادي والمعنوي والسياسي للمعلمين، والدفاع عن حقوقهم، والاهتمام بتوفير فرص أفضل للطلاب الفلسطينيين، وقد لعب الاتحاد العام للمعلمين الفلسطينين دوراً بارزاً في زيادة الوعي الوطني ورفع الهمم النضالية لدي المعلمين في كافة أماكن تواجدهم؛ داخل الأراضي المحتلة وفي الشتات، وللاتحاد العام للمعلمين الفلسطينين أهداف نضالية وطنية وأهداف نضالية نقابية وأهداف تربوية واجتماعية وقيَّمية وتعزيز مجتمعي، إضافةً الى أنه قد جَسَّدَ الجهة الرسمية الشرعية والقانونية الوحيدة التي تمثل شريحة المعلمين والتي تُعتبر الشريحة الأكبر والأهم بين المنظمات الشعبية الفلسطينية لما يقوم به المعلمون من دور جوهري في بناء الشخصية الفلسطينية وترسيخ الهوية الفلسطينة وتعزيز القيم الوطنية الفلسطينة، فكان المعلم مربياً ومعلماً ومصلحاً وثائراً ونموذجاً في العطاء والتضحية، وفي نفس الوقت كان هدفاً لغطرسة الإحتلال الإسرائيلي فتحمل بكل بطولة وشجاعة، وأبدع في تأدية واجبه المهني والوطني، وعانى من شح وضيق الموارد في سبيل خدمة أبناء شعبه ووطنه.

وللاتحاد العام للمعلمين الفلسطينين وحدة تنظيم نقابي، و يندرج تحت هذه الوحدة تعددية قوى فصائلية، ولعل تعددية القوى الفصائلية بكينونتها وأسسها ومبادئها هو الباعث لحالة من التنافس للسيطرة على قيادة الاتحاد نحو النضال المشروع للدفاع عن حقوق المعلمين والحفاظ على مصالحهم تناغماً وانسجاماً مع سيايات واستراتيجيات القيادة السياسية والمصالح الوطنية العليا، مع التأكيد على ضرورة إحترام المطالب المشروعة للمعلمين بالطرق والاجراءات المشروعة، وهنا لايجوز الخلط بين تعددية القوى المؤثرة المنضوية داخل الاتحاد وحدود صلاحياتها وبين صلاحيات الاتحاد كإطار جامع مخول للعمل من أجل المطالب النقابية، ولا يجوز ان تتحول حالة التنافس لحالة صراع محتدم بين تعددية القوى الفصائلية، كما أن وجود أجسام وأطر موازية خارجة عن وحدة تنظيم الاتحاد العام للمعلمين الفلسطينين تحت شعار مصلحة المعلمين إنما هي تعبير عن حالة فوضوية في العمل النقابي.

إن أزمة إضراب المعلمين الراهنة في المحافظات الشمالية التي اقتربت من شهر ألحقت ضرراً بالغاً بالعملية التربوية برمتها مما خلق حالة قلق وتوتر مجتمعية عند الطلبة والأسر الفلسطينية، كما أنها تنبيء بإنهيار قيَّمي لم يعتد عليه المعلمون بوجهِ خاص والمجتمع الفلسطيني بوجهِ عام قد يؤدي إلى انقلاب مدني وحالة من الفوضى المبرمجة في لحظات مخاض للقرار الفلسطيني تخلصاً من مرحلة عدمية في التاريخ الفلسطيني، فالشعب الفلسطيني مايزال يزرخ تحت سلطات الاحتلال في شكل حكم ذاتي في ظل غياب تأسيس دستور دولة، وما يزال أكثر من نصف الشعب الفلسطيني في حالة تشرد يعانون من عبث الدول المضُيفة، وهذا ما يدعو للعودة لتشريعات منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية بعيداً عن تدخل أي جهة محركة سواء كانت إقليمية أم فصائلية، جماعية أم فردية قد تَستغل حسن نوايا المعلمون ومشروعية مطالبهم لأهدافٍ بعيدة عن المصلحة الوطنية العليا، فللمعلمين إطار مؤسساتي مهني متمثل في وزارة التربية والتعليم وإطار مرجعي نقابي متمثل في الاتحاد العام للمعلمين الفلسطينين، أما ما تقوم به بعض الجهات المحرضة والمهددة فهذا أمرٌ له أهدافٌ مغايرة، وعلى الجهات القيادية السلطوية والفصائلية إدارة الأزمة بشكل واعٍ تجنباً للإنفجار المجتمعي والتخريب المؤسساتي، وخوفاً من انهيار المنظومة التربوية التي تمثل عصب الحياة الفلسطينية.

إن محاولة عدم الوصول إلى حلول موضوعية وعلاقية مرضية، وتبني طريقة التشدد في ايجاد حلول منصفة جادة عبر الأُطر الرسمية: مهنياً ونقابياً، لهما مؤشران على وجود حالة استغلال سياسي مقصودة تلتقي مع مجموع الإشكاليات التي تهدف إلى وئد هبة القدس الجماهيرية واضعاف التماسك الوطني وارباك الساحة الوطنية وتعزيز حالة الإنقسام وتقويض السلطة وايجاد البديل خدمةً للمشاريع التصفوية للمشروع الوطني، وإنه لمن المؤكد أن فصائل العمل الوطني قادرة على استعادة زمام الأمور بإعادة ترتيب الأوراق داخل صفوف المعلمين بالتأثير على القوى النقابية داخل الاتحاد من خلال أطرها التنظيمية لإعادة الهيبة لقواعد منظمة التحرير الفلسطينية وفي مقدمتها الاتحاد العام للمعلمين الفلسطينين، وللحفاظ على الثوابت الوطنية والفكر الوطني الاستراتيجي، كي لا تُشكل سابقة في انهيار المؤسسات الوطنية، وليكن إجماعاً وطنياً على قدسية العمل النقابي بشكله السليم والصحيح والمتدرج وعدم تعارضه مع المصالح الوطنية العليا، وللعابثين الخروج من الساحة الوطنية، ولتُلغى كل الأجندات التي تحاول اخراج المعلم الثائر من سياقه الوطني، فالمعلم الفلسطيني صاحب رسالة وطنية سامية شكل ركيزة أساسية في كافة مراحل النضال الوطني.