وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

انسحاب روسي غير مفهوم عالميا

نشر بتاريخ: 15/03/2016 ( آخر تحديث: 17/03/2016 الساعة: 11:00 )
انسحاب روسي غير مفهوم عالميا
بيت لحم- معا- باغت القرار الروسي بسحب غالبية القوات الروسية المتواجدة في سوريا، وزير الدفاع الامريكي خلال اجتماع أمني مع وزير الجيش الاسرائيلي "يعلون" الذي أظهر مفاجأة كبيرة من القرار، ليبقى السؤال الكبير ماذا كان يعرف مضيفه الوزير الامريكي "اشتون كارتر"؟ ربما تحمل الايام القادمة الجواب على هذا السؤال.

فيما توصل روسيا اذهال العالم بكل ما يتعلق بالأوضاع في سوريا حيث قامت وتقوم بانعطافات حادة جدا دون ان تعطي اية اشارات مسبقة، مكتفية باعطاء القليل جدا من التفسيرات بعد ان تقوم بالانعطاف الحاد، حسب تعبير "عاموس هرئيل" المحلل العسكري لصحيفة "هارتس" الناطقة بالعبرية صاحب التحليل المنشور اليوم "الثلاثاء" تناول فيه القرار الروسي وذهول العالم المحتار في تفسير نوايا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ورافق نمط الانعطافات الحادية ايضا بداية التدخل الروسي الفاعل في سوريا في ايلول الماضي حينما ارسل الرئيس "بوتين" الطائرات الروسية دون سابق انذار مستجيبا بذلك لطلب رسمي قدمه الرئيس السوري بشار الاسد بداية الصيف، حيث تقدم المتمردون واخذوا ينهشون بقية المناطق التي تخضع لسيطرته.

ونجحت الغارات والضربات الجوية الروسية التي جاءت بعد شهر تقريبا من الطلب السوري وبسرعة كبيرة في اعادة الاستقرار والتوازن لخطوط دفاع الجيش السوري، وحقق التحالف الذي يقاتل الى جانب الجيش السوري خلال شهري يناير وفبراير الماضيين مستفيدين من الغارات الروسية الكثيفة التي لم تميز بين منظمة "متمردة" وأخرى انجازات اضافية، حيث نجحت قوات الجيش السوري بدعم من الحرس الثوري الايراني ومقاتلين من مليشيات شيعية مختلفة من السيطرة مجددا على عدد من المدن والبلدات شمال سوريا وغربها، فيما اقتربت هذه القوات نهاية الشهر الماضي من محاصرة المتمردين في كبرى المدن السورية (حلب) في شمال سوريا، حسب تعبير المحلل العسكرية "عاموس هرئيل".

ويواصل اتفاق وقف اطلاق النار الذي شكل مدخلا لحراك سياسي يبحث عن حل سياسي لهذه الحرب الصمود وبشكل افضل بكثير مما توقعت غالبية التقديرات الاستخبارية الغربية.

مكثت القوات الروسية على الاراضي السورية ضعف الوقت الذي خصصه الرئيس "بوتين" في البداية لإنهاء المهمة، ليأتي قراره يوم امس على مشارف الذكرى الخامسة لاندلاع الحرب السورية التي اوقعت حتى الآن حوالي نصف مليون قتيل وهجرت أكثر من نصف السكان، لكن يبقى اعلان الرئيس الروسي الانسحاب فقيرا من حيث المعلومات والتفسيرات، خاصة وانه اكد ان بلاده ستواصل الاحتفاظ بقواعدها البحرية والجوية في حميميم وطرطوس، لذلك من المنطقي ان تحتاج هذه المهمة "الاحتفاظ بالقواعد" الى قوات برية بحجم صغير من بينها مئات الجنود الذين يشغلون المنظومات التسليحية المختلفة.

ويبدو أن روسيا غير مستعجلة بالمرة لتقديم الكثير من التفسيرات التي توضح اعتباراتها ويبدو أن الامر يتعلق بإدراكها لحدود القوة التي يمكنها استخدامها، لكنها بكل تأكيد حققت اهدافها الرئيسية مثل اعادة الاستقرار للنظام السوري وضمان تراجع الولايات المتحدة عن طلبها بضرورة تخلي الرئيس السوري عن منصبه فورا، واستئناف المفاوضات السياسية، لكن لو رغبت روسيا بتحقيق هدف اخر يتمثل بإعادة سيطرة النظام على مساحات الاراضي الهائلة التي فقدها النظام السوري فانها ستحتاج الى اكثر من تكثيف الغارات الجوية بل ستحتاج الى نشر قوات برية مقاتلة كبيرة على الارض السورية وهذه الخطوة ستشكل عبئا كبيرا على الاقتصاد الروسي المتململ.

هددت السعودية الاسبوع الماضي بتسليح منظمات المتمردين بصواريخ متطورة مضادة للطائرات، بما ان لكل دولة عقدتها العسكرية الخاصة بها يبدو ان الروس قد قرروا ان يوفروا على انفسهم تورطا جديد على طريقة تورطهم منتصف ثمانينيات القرن الماضي في افغانستان، حيث تكبدوا خسائر في المروحيات والطائرات وفقدوا الكثير من الطواقم الجوية والمقاتلين نتيجة اصابتهم بصواريخ "ستينغر" التي سلمتها امريكا للمتمردين الافغان في تلك الفترة.

حاليا يمكن لبوتين ان يفعل كما فعل الرئيس الامريكي جورج بوش الابن بعد انتهاء المرحلة الاولى من غزو العراق عام 2003 حين خرج بإعلان قال فيه "انتهت المهمة" ونجح بوتين في اعلانه ذلك بالعودة الى الساحة الدولية كلاعب اساسي ومفتاحا هاما يجب اخذه بالاعتبار، لكنه غير متعجل في ارسال جنوده للموت حتى يعيدوا سيطرة الاسد على جزر نائية فقدها وفقا للمقاييس الروسية اذا ما تم ضمان استمرار وقف اطلاق النار وحتى ان نتج عن وقف دائم لإطلاق النار الى جانب نوع من التسوية السياسية تقسم سوريا فعليا بين معسكرات "النسور" يسيطر فيها الاسد على دمشق والمناطق العلوية فيما تواصل روسيا الاحتفاظ بقواعدها في حميميم وطرطوس هذه القواعد بالغة الاهمية بالنسبة لها.

يمكن القول ان روسيا قامت بدورها لكنها ليست اللاعب الوحيد على هذا الملعب المعقد وحتى لما قلصت عديد قواتها، تبقى العديد من الأسئلة المفتوحة وما يبقى علينا سوى انتظار كيف ستتصرف المنظمات المسلحة السنية وهل ستستغل الانسحاب الروسي لشن هجوم عسكري جديد ضد قوات النظام؟ وكيف سترد السعودية وتركيا؟ ماذا سيكون مصير المعركة التي تقودها الولايات المتحدة ضد داعش؟ هل سيسلم الغرب ببقاء واستمرار بشار الاسد؟.