نشر بتاريخ: 21/03/2016 ( آخر تحديث: 21/03/2016 الساعة: 18:25 )
البيرة – معا - قال الدكتور غسّان الخطيب، نائب رئيس جامعة بيرزيت للتنمية والاتصال، إنّ النظام السياسي الفلسطيني يعاني من أزمة عميقة، وإنّ الجذر الأساسي لهذه الأزمة يتمثل في غياب الانتخابات، والتراجع التدريجي لثقافتها، فبات المجتمع يتعايش مع غياب الانتخابات في معظم أوجه الحياة التنظيمية.
وأشار إلى وجود تداعيات وخيمة لغياب الانتخابات وتراجع ثقافتها، لا سيما أنها هي الآلية الأساسية، إن لم تكن الوحيدة، في العصر الحديث لتنظيم الحياة العامة في المؤسسات العامة، فهي المسؤولة عن تدوير النخب في مؤسسات الحكم، وعن تجديد الأجيال، وتجديد الدم، وإدخال الأفكار الجديدة والمتنوعة لدوائر القرار، وهي كذلك الضمانة الأساسية للصلة الحيوية بين الحاكم والمحكوم، وآلية المساءلة اللازمة لضمان سلامة الحكم واستجابة الحاكم لأولويات الجمهور، وغيابها يحوّل المؤسسات العامة إلى ما يشبه الماء الآسن.
وساق الخطيب مجموعة من الحقائق التي تشير إلى تراجع ثقافة الانتخابات، حيث مضت عشر سنوات على انتخابات رئاسة السلطة الوطنية وتسع سنوات على انتخابات المجلس التشريعي، ولم يعقد المجلس الوطني جلسة منذ ربع قرن من الزمن. كما أن انتخابات بعض الفصائل لم تجر منذ مدد طويلة، إضافة إلى أن حركة فتح تحاول منذ ثلاث سنوات عقد مؤتمرها السابع لانتخاب الهيئات التنظيمة لها دون أن ينعقد. كما أن هناك تحايل على الانتخابات في المؤسسات المحلية والبلدية والمهنية والنقابية من خلال الفوز بالتزكية، وهناك تأجيل لانتخابات بعض مجالس الطلبة بناء على نتائج انتخابات المجالس في جامعات أخرى. وأكد على أهمية توفر أساس سياسي قبل إجراء الانتخابات.
بينما رأى الباحث معين رباني، عضو مجلس أمناء مركز مسارات، أن الانتخابات لا تشكل مدخلًا لإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني، بل هناك متطلبات وقضايا سياسية يجب التوافق عليها أولًا ومن ثم الانتقال إلى الانتخابات.
وأشار رباني إلى أن الشعب الفلسطيني في هذه الفترة يعاني من تحديات عدة تتمثل بتآكل شرعية المؤسسات وتراجع دور الحركة الوطنية والانقسامات، وعدم وجود أفق لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، إضافة إلى غياب خارطة طريق لإعادة بناء النظام السياسي والحركة الوطنية. كما أنه لا يمكن إجراء انتخابات نزيهة في ظل وجود سلطتين قائمتين في الضفة والقطاع خاضعتين للاحتلال، مؤكدًا أن الانتخابات في حال إجرائها بعد التوافق على نظام وبرنامج سياسي يجب أن تكون عمل مقاومة، ولها مساهمة سياسية في حل القضايا الأساسية، بما فيها تقرير المصير.
ودعم رباني موقفه بتداعيات الانتخابات التشريعية التي جرت عامي 1996 و2006، فلم تؤد هذه الانتخابات إلى تعزيز شرعية المنتَخَبين، ولا إلى تعزيز الوحدة الوطنية. فقد كانت انتخابات 1996 تعبيرًا عن أقصى درجات التشرذم التي أصابت الفلسطينيين عبر تقسيمهم إلى مجموعة تعيش في المناطق الفلسطينية المحتلة، لها الحق في التصويت أو تعمل في البرلمان، ومجموعة أخرى هي كل الفلسطينيين الآخرين. كما أن انتخابات العام 2006 قد رسخت الانقسام الجغرافي السياسي داخل الأراضي المحتلة. كما لم تؤد تلك الانتخابات أيضًا إلى تشجيع مؤسسات أكثر تمثيلية أو مشاركة شعبية أكبر في العملية السياسية، إضافة إلى أن المطالبات المتزايدة بإجراء الانتخابات والمتضمنة في "اتفاق القاهرة" و"إعلان" الدوحة و"إعلان الشاطئ" لم تحرز تقدمًا نحو إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية.
جاء ذلك خلال حلقة النقاش الثالثة التي نظمها المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات) ضمن سلسلة حلقات النقاش بعنوان "ما العمل؟"، بمشاركة عشرات الشخصيات السياسية والأكاديمية والناشطة في مدينتي البيرة وغزة عبر نظام الفيديو كونفرنس، وقد أدار الجلسة في البيرة خليل شاهين، مدير البحوث والسياسات في مركز مسارات، بينما أدارها في غزة صلاح عبد العاطي، مدير المكتب هناك.
وتساءل شاهين: كيف سنعالج مسألة تآكل الشرعيات؟ وكيف يمكن أن نحمي النظام السياسي من الاستبداد والتفرد؟ وهل الانتخابات ضمان لإعادة تجديد وبناء النظام السياسي الفلسطيني؟ وهل تعطي الانتخابات في ظل محددات اتفاق أوسلو وشكل ووظائف السلطة شرعية للقيادة والحركة الوطنية دون أن تضفي في الوقت ذاته شرعية أخرى لاستمرار اتفاق أوسلو والتزاماته خلافا لقرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير ومكانة فلسطين كدولة بصفة مراقب في الأمم المتحدة؟ وهل نحن ذاهبون إلى انتخابات برلمان ورئيس للدولة أم لانتخاب مجلس تشريعي ورئيس لسلطة الحكم الذاتي المقيدة باتفاق أوسلو؟
وأشار المشاركون إلى ضرورة الجمع ما بين إجراء الانتخابات وأهمية وجود متطلبات أساسية تسبق الانتخابات مثل الاتفاق على طبيعة النظام السياسي، استنادًا إلى الخصوصية التي تمر بها القضية الفلسطينية، وكونها تمر في مرحلة تحرر وطني. فالانتخابات في ظل الاحتلال ستكون مقابل ثمن، حيث كان ثمن الانتخابات السابقة منح وتجديد الشرعية لاتفاق أوسلو، فيجب أن تكون الانتخابات في سياق إستراتيجية مقاومة تتبناها حركة تحرر وطني، كجزء من إستراتيجية وطنية هدفها التخلص من الاحتلال وإقامة الدولة وتقرير المصير. ورأى بعض المشاركين أن من ضمن هذه المتطلبات التوافق على عقد اجتماعي (ميثاق) يضعه مجلس تأسيسي ومن ثم تجرى الانتخابات بناء على هذا العقد.
وبيّن آخرون ضرورة إعطاء الأولوية لإعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير بوصفها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، والعمل على إجراء الانتخابات في المنظمة من تحت لفوق، عبر إجراء الانتخابات في الاتحادت الشعبية والنقابات المهنية، وفي مجالس الطلبة، والمجالس المحلية والبلدية ومؤسسات المجتمع المدني حتى تتعزز الديمقراطية السياسية، مؤكدين أن الانتخابات هي جزء من الديمقراطية التي تشمل التعددية والشراكة وحرية الرأي والتعبير.
ودعا المشاركون إلى استلهام تجربة فلسطينيي 48 في الانتخابات عبر تشكيل قائمة موحدة ولجنة المتابعة التي تضم ممثلي مختلف الأحزاب والأطياف السياسية والمجتمعية داخل أراضي 48. وتساءلوا عن الفائدة من إجراء الانتخابات في ظل أنها تجري في الضفة وغزة فقط.