وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

اليوم- الذكرى 77 لاستشهاد قائد الثورة أبو كمال

نشر بتاريخ: 25/03/2016 ( آخر تحديث: 26/03/2016 الساعة: 17:21 )
اليوم- الذكرى 77 لاستشهاد قائد الثورة أبو كمال
بيت لحم- معا- هو الذي طالب الشعب بارتداء الكوفية والعقال بدلا من الطربوش، لإخفاء أثار المجاهدين الذين كانوا يرتدون الكوفية لإخفاء ملامحهم بالتلثم، ولأن البريطانيين طاردوا كل من يرتديها، واستجاب أفراد الشعب الفلسطيني للنداء –باستثناء أعضاء حزب الدفاع.

في مدينة (وادي السير) إلى الغرب من عمان –عاصمة الأردن- من جهة الغرب، بين منطقة (تلاع العلي) و(صويلح) شمالا، و(بلدية الوادي الأخضر) جنوبا، و(منطقة زهران) شرقا، و(منطقة بدر الجديدة) غربا.. تم إطلاق اسم (الشهيد عبد الرحيم الحاج محمد) على شارع كبير يربط بين أحياء المدينة الأردنية. ويتردد المئات من الأردنيين على مطاعم هذا الشارع التي تحمل أسماء غريبة مثل (برجر كنج) و(ماكدونالدز) و(لبنان سناك).. من دون أن يستوقفهم اسم القائد الكبير الشهيد عبد الرحيم الحاج محمد. الذي دوخ الإنكليز إبان قيادته للثورة الفلسطينية بين عامي 1936-1939، ولو سألت أكثرهم لقلبوا شفاههم نفيا أو تعجبا..

لكن أهالي قرية (ذنابة) القائمة بين طولكرم والبحر، يتذكرون جيدا تفاصيل كثيرة عن سيرة ومسيرة دفين قريتهم الشهيد عبد الرحيم الحاج محمد (أبو كمال) القائد العام للثورة الفلسطينية بين عامي 1936و 1939، والذي سقط شهيدا هو ورفيقه في الجهاد (سليمان أبو خليفة الحوراني) في السابع والعشرين من آذار/مارس عام 1939 في قرية (صانور) بعد معركة بطولية في مواجهة قوة عسكرية بريطانية كبيرة تساندها الطائرات، ضربت ثلاثة أطواق حول القرية طالبة من أبي كمال الاستسلام، لكنه رفض واشتبك معها في قتال استمر من السادسة صباحا حتى الرابعة مساء، استطاع القائد عبد الرحيم خلاله أن يخترق مع إخوانه المجاهدين الطوق الأول والثاني، ليشتبك مع الطوق الثالث بالسلاح الأبيض، لكن رصاصة أصابت القائد في بطنه قضت عليه، أما رفيقه (أبو خليفة الحوراني) فقد جرح وأسر لكنه ما لبث أن قضى نحبه متأثرا بجراحه –كما قيل، وإن كان المرجح أن الإنكليز أجهزوا عليه-. وعثر الجنود البريطانيين على مسدسين مع أبي كمال، وعلى ثلاثة مسدسات مع رفيقه..

الشهيد عبد الرحيم الحاج محمد 1936

وحين تم نقل الخبر إلى القيادة البريطانية ، جاء كبار المسؤولين البريطانيين لمعاينة أرض المعركة التي شهدت استشهاد الرجل الذي وضع البريطانيون جائزة مقدارها عشرة آلاف جنيه لمن يقدم معلومات عنه، وبين الذي حضروا (الجنرال هايننغ) –القائد العام للقوات البريطانية في فلسطين آنذاك- و(اللورد غورت) –رئيس أركان حرب الإمبراطورية قبل الحرب، والذي أصبح بعدها مندوبا ساميا على فلسطين-.

وقد أمر قائد الحملة البريطانية التي اغتالت القائد الكبير (بيرنارد مونتغمري) بالإسراع بدفن الشهيدين (عبد الرحيم ورفيقه الحوراني) في قرية (صانور) بسرعة –حفاظا على الأمن- لكنه لم يملك نفسه وهو يشهد عملية الدفن، فقام بتأدية التحية للشهيد الكبير!!

وبعد أسبوعين من عملية الدفن، قام الثوار الفلسطينيون بنقل الجثمانيين إلى قرية (ذنابة) ودفنهما في مقبرة القرية بكل مظاهر التبجيل للبطلين، وظلوا يحرسون القبر عدة أيام خوفا من أن يقوم الإنكليز بسرقة الجثمانيين.

لقد وجد إخوانهم الثوار أن التعبير عن الاحترام لقائد الثورة هي في دفنه في مسقط رأسه. في التراب الذي نشأ عليه.

الولادة والنشأة:

وقرية (ذنابة) هي مسقط رأس الشهيد عبد الرحيم الحاج محمد، ولد فيها عام 1892 لأسرة فلاحية من آل سيف الذين ينسبون أنفسهم أو ينسبهم بعض النسابيين إلى (سيف بن ذي يزن)، ويقال أن أجداد آل سيف قدموا من اليمن ضمن نجدة لبت نداء القائد صلاح الدين الأيوبي، واختار المجاهدون اليمانيون –بعد معركتي حطين والقدس- سكنى (ذنابة) و(برقة) و(البروة).

ومن قرية (ذنابة) نبه –في القرن التاسع الهجري- ذكر علماء أجلاء أمثال: أحمد بن محمد بن عبد الله بن شهاب الذنابي، وعبد الرحمن بن إبراهيم الذنابي الحنبلي وغيرهم..

كما ذاع صيت (الشيخ ياسين) –أحد أجداد عبد الرحيم الحاج محمد- بعد مشاركته في التصدي ببسالة مع إخوانه المجاهدين لحملة نابليون بونابرت، وكذلك ابنه (عبد الوهاب) الذي حارب إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا.

في هذا البيت الكريم ولد (عبد الرحيم الحاج محمد)، وتلقى تعليمه الأولي في أحد كتاتيب القرية.. وحين أصبح شابا طلبته السلطات العثمانية للجيش، وتم فرزه إلى الوحدات العثمانية المرابطة في طرابلس بلبنان، نقل بعدها إلى بيروت حيث تم إلحاقه بمدرسة عسكرية تخرج منها وفي جعبته الكثير من العلوم العسكرية. التي وظفها في المعارك التي خاضها العثمانيون في مواجهة القوات البريطانية.

ولما انتهت الحرب العالمية الأولى عام 1918 سرح عبد الرحيم من الجيش وعاد إلى مسقط رأسه، ليجد أن كل فلسطين باتت خاضعة للاحتلال البريطاني.

في سنة 1921 اقترن عبد الرحيم بـ (بديعة بنت حسن حطاب) من (قرية فرعون) المجاورة لـ (ذنابة)، وانجب منها ستة أبناء، مات أولهم وثانيهم في سني الطفولة، فيما عاش الأربعة الآخرون وهم: كمال، جواد، عبد الكريم، وجودت (كمال ولد عام 1925 ودرس الثانوية في فلسطين، وعمل مدرسا في مدارسها، أبعدته سلطات الاحتلال سنة 1967 إلى الغور، لكنه عاد، وجواد ولد عام 1928 درس في الكلية العسكرية في سوريا سنة 1948 وعمل ضابطا في الجيش السوري ومن ثم فرز إلى جيش التحرير الفلسطيني بعد تأسيس هذا الجيش، وتقاعد عام 1972، وعبد الكريم ولد عام 1929 ودرس هندسة النسيج في مصر وعمل في العراق حيث حصل على الجنسية العراقية. وهو الآن متقاعد، أما جودت المولود عام 1930 فقد درس الهندسة المدنية وعمل في الكويت وهو يقيم الآن في عمان بالأردن).

وفي هذه الأثناء عمل عبد الرحيم في تجارة الحبوب والبطيخ داخل فلسطين ومع البلدان العربية (سورية ومصر)، وحقق أرباحا لم يدخرها وإنما انفقها على عمل الخير، وأفلس مع كثيرين بسبب الأزمة الاقتصادية التي ضربت فلسطين عام 1928 وهجوم الجراد والوباء والزلزال والإرهاب البريطاني والصهيوني، وتيقن أن الوباء الأكبر هو الاحتلال وما جره.

على خطى القسام

في عام 1934 توفيت زوجته فتفرغ للجهاد في سبيل الله، تاركا أولاده الأربعة في كفالة عمتيهم (حليمة) و(سارة).
وكرس نفسه تماما بعد الإضراب العام في فلسطين في 20 نيسان/أبريل 1936، فقاد مجموعة من الثوار لتنفيذ بعض أعمال المقاومة ضد البريطانيين والمغتصبين الصهيونيين، فلاحقته سلطات الاحتلال مما اضطره إلى ترك بيته وقريته وأولاده منتقلا إلى العمل السري، ومصعدا من أعمال المقاومة.

وظل كذلك حتى ظهر علنا في أكبر معركة منظمة نفذها المجاهدون وهي معركة (نور شمس) وتتالت بعدها هجمات الثوار بقيادة عبد الرحيم الحاج محمد موقعة إصابات كبيرة في صفوف البريطانيين،وخسائر مادية جسيمة في المنشآت العسكرية البريطانية وطرق مواصلاتها، وفي صفوف المستوطنين ومنشآتهم ومزارعهم.

وقد شهد له عارفوه بالتدين والنزاهة ودماثة الخلق، وصلابة العود، إلى جانب الكاريزما القيادية والهيبة، وهذا جعله مسموع الكلمة وهو يدعو الناس للجهاد ضد أعداء الأمة من مستعمرين بريطانيين صهيونيين، موضحا خططهم ومشاريعهم وأهدافهم، متبعا في ذلك خطى الشهيد الشيخ عز الدين القسام.

قام (أبو كمال) أولا بجمع التبرعات من القادرين، وتنظيم المجاهدين وتدريبهم في سرية تامة، موظفا خبراته العسكرية التي اكتسبها في مدرسة بيروت العسكرية، والمعارك التي خاضها كعسكري في الجيش العثماني.

ومما يروى عن أمانته أن بعض المجاهدين استولوا على أموال كبيرة من بنك (باركليس) البريطاني في نابلس، ووضعوها تحت تصرف عبد الرحيم، فما كان منه إلا أن شكل لجنة أحصت الأموال وسلمتها إلى أيد أمينة، وأرسل إشعارا بذلك الى مركز قيادة الثورة في دمشق. وحدث في هذه الفترة أن أولاده الأربعة جاؤوا لرؤيته ولأخذ نفقاتهم المدرسية منه، فقال لهم: "إن لنا موارد خاصة عليكم أن تأخذوا منها" ثم أعطى لكل واحد منهم شلنا!!.

تكتيكه:

تميز عبد الرحيم عن القادة الآخرين من أمثال: عبد القادر الحسيني، وفخري عبد الهادي، وعارف عبد الرزاق.. بتنظيم قواته في فصائل، يمثل كل فصيل إحدى القرى، ومنها قرى: قاقون، وشولي، وسفرين، وشوفي، وبيت ليد، وكفر عباد..

وتعداد كل فصيل من 40 – 50، وعلى رأس كل فصيل قائد يأتمر أفراد الفصيل بأمره بينما اختار القادة الآخرون المعيار الجهوي البدائي، بمعنى العمل في محيط أماكن سكنهم أو أماكن قريبة منه. يضاف إلى ذلك أنه اهتم باللوجستيك (الشؤون الإدارية) والاستخبارات للحصول على المعلومات السرية عن تحركات البريطانيين وخططهم في عموم فلسطين، وتضليل البريطانيين بتسريب معلومات غير صحيحة عن الفصائل التي يقودها، الأمر الذي جعله يتبوأ عن جدارة بدءا من أواخر سنة 1938 منصب القائد العام الميداني للثورة في فلسطين، مع أنه كان فعليا القائد العام للثورة منذ أواسط عام 1936، أي أن تعيينه في المنصب من قبل اللجنة المركزية للجهاد (الحاج أمين الحسيني والآخرين) كان تحصيل حاصل.

كما أن عبد الرحيم ساهم ومنذ تموز/يوليو 1936 في محاولات التنسيق بين فصائل الثورة المختلفة، وعقد اجتماعا لبعض القيادات في منطقة (طوباس)، تلاه اجتماع في أيلول من نفس العام –بعد وصول القاوقجي على رأس قوة من 300 متطوع عربي- ضم إلى جانب عبد الرحيم: الشيخ فرحان السعدي، والشيخ عطية عواد، ومحمد الصالح، وعارف عبد الرزاق وفخري عبد الهادي، وانضوى الجميع تحت قيادة القاوقجي، وخاض المجاهدون بنجاح بعدها معارك نابلس 24 أيلول/سبتمبر 1936 وبلعا 25 أيلول/سبتمبر 1936 وجبع، ودير شرف.. فضاعفت سلطات الاحتلال جهودها في ملاحقة المجاهد عبد الرحيم الحاج محمد، ورصدت جائزة مالية كبرى لمن يأتي به، وقامت بنسف بيته.

ولما غادر القاوقجي فلسطين –في أواخر تشرين الأول/أكتوبر1936- بعد نداء الملوك والأمراء العرب الشهير-، أوكل القاوقجي قيادة الثورة في فلسطين لعبد الرحيم، على أن يواصل ربط الفصائل بعضها ببعض، وتأمين احيتاجاتهم بواسطة اللجان المشكلة لهذا الغرض، والحفاظ على أسلحتهم وعتادهم، وحمل اللجان على شرائها من الثوار وتخزينها في القرى خوفا من تسربها لليهود.

وفي تشرين الثاني/نوفمبر 1936، لجأ أبو كمال –بعد توقف العمليات العسكرية للثوار- إلى دمشق، مستأنفا نشاطه السياسي مع من قدم إلى عاصمة سوريا من الثوار الفلسطينيين، واتخذ من قرية (قرنايل) اللبنانية مكانا لتجميع الأسلحة وإرسالها إلى فلسطين.

وبعد صدور تقرير (لجنة بيل) في السابع من تموز/يوليو 1937، عاد عبد الرحيم الحاج محمد إلى فلسطين، ليصبح في أواخر عام 1938 القائد العام للثورة، يساعده مجلس قيادة من رؤساء فروع الشؤون الإدراية والمخابرات والإعلام، بالإضافة إلى قادة المناطق الرئيسية وما يتبعها من المناطق الفرعية (تضم كل منطقة من 150-200 مجاهد موزعين إلى فصائل، في كل فصيل 15 مجاهدا) وحدد عبد الرحيم اختصاصات الفصائل بالإشراف على القطاعات المحلية وشؤون الأمن. بالإضافة إلى الاشتراك في المعارك التي كانت تدور في كل فلسطين، من الجليل إلى غزة، صدرت عنها بلاغات باسم (ديوان الثورة العربية في فلسطين) موقعة باسم عبد الرحيم الحاج محمد.

وقد قدرت قوات الاحتلال البريطاني عدد الثوار الذين هم بقيادة عبد الرحيم بين ألف وألف وخمسمائة مجاهد، متفرغون للجهاد، بالإضافة إلى المتطوعين الذين كانوا يشاركون في المعارك من مناطق قريبة. يختفون بين الجماهير بعد انتهاء المعركة.

أما نقطة الضعف عند هؤلاء المجاهدين فهي قلة السلاح الذي يتكون من بنادق تركيبة وألمانية الصنع من مخلفات الحرب العالمية الأولى، أو بنادق إنكليزية انتزعت من قوات الجيش والشرطة خلال المواجهات، وهي بنادق تكون غالبا غير صالحة.

ولذلك قرر (أبو كمال) الذهاب إلى دمشق –في مطلع عام 1939- للاجتماع مع قادة اللجنة المركزية العليا، لعرض الأوضاع والاحتياجات اللازمة للمجاهدين من سلاح ومال، ومن دمشق اتجه إلى لبنان –حيث اجتمع مع الحاج أمين الحسيني-.

معاركه العسكرية:

قاد (أبو كمال) عددا من المعارك بنفسه، وخطط لبعضها الآخر، وشارك في بعضها الثالث مع القاوقجي، ومن المعارك التي قادها (معركة نور شمس) و(بلعا الأولى)، كما شارك في معارك: بلعا، جبع، كفر صور، -تحت قيادة القاوقجي-.

كان هدفه في (معركة نور شمس) في -الحادي والعشرين من حزيران/يونيو 1936- تدمير قافلة يهودية –ست سيارات ركاب- تحرسها قوة بريطانية مؤلفة من فصيل مشاة بريطاني محمول ومعزز بمصفحتين، وقدر عدد اليهود والبريطانيين بحوالي 170 فردا، عززوا بعد الاشتباك بثلاث طائرات حربية، ونجدة بريطانية قدمت من نابلس تقدر بفصيلين محمولين، تمكن الثوار من إشعالها لمنع وصولها بواسطة كمين نصب لها قرب (دير شرف).

وضع القائد أبو كمال خطته بتقسيم قواته -50 مجاهدا- إلى ثلاث مفارز، الأولى تحاصر القافلة بالنيران من الأمام، والثانية تضرب قلب القافلة، بعد وقوعها في المصيدة، والثالثة تضرب مؤخرة القافلة. واختار القائد مكانه في مركز المفرزة الثانية.

استمرت المعركة حوالي سبع ساعات، قتل خلالها ما يقارب خمسين جنديا بريطانيا، وتم تدمير ثلاث سيارات، وإسقاط طائرة حربية، ومن جانب الثوار سقط ثلاثة شهداء.

وجرت معركة (بلعا الأولى) التي اشتهرت أيضا باسم (معركة المنطار) في العاشر من آب/أغسطس 1936 التي خطط لها أبو كمال وقادها بنفسه فتمت حين احتل الثوار جميع الاستحكامات والخنادق والواقعة بين قرية بلعا ومدينة نابلس، وما أن مرت القوات البريطانية من تلك المنطقة حتى اشتبك معها المجاهدون، فتعطلت السيارات ونزل منها الجنود للاختباء بين الصخور، فقتل الكثير منهم قبل أن تجيء النجدات المكونة من خمسة وعشرين سيارة بينها خمس مدرعات وخمس طائرات، واستمرت المعركة حتى غروب شمس ذلك اليوم حيث انسحب الإنكليز إلى الوراء مخلفين 60 قتيلا، ولما كان الثوار قد لغموا طريق انسحاب الإنكليز، فقد انفجر أحد الألغام تحت سيارة إنكليزية، قتل فيها ضابط وأربعة جنود، وتمكن المجاهدون من الانسحاب حاملين أربعة شهداء.

وتلا ذلك معركة أخرى في المنطقة ذاتها في الثالث من أيلول/سبتمبر 1936، التي اشترك فيها خمسون مجاهدا –خطط لها القاوقجي وشارك فيها القائد عبد الرحيم- اسقط فيها الثوار ثلاث طائرات وقتلوا 80 جنديا وضابطا عدا الجرحى، وبلغت خسائر المجاهدين تسعة شهداء.

وهناك معركة (كفر صور) و(معركة النزلة) ومعركة (دير غسانة) ومعركة (لية بلعا) ومعركة (طريق نابلس –طولكرم) ومعركة (بيت إمرين)..

ولم يقتصر جهاد عبد الرحيم الحاج محمد على العمليات العسكرية، وإنما اشتغل بالعمل السياسي معتمدا على حسه الحاد، وتبين ذلك البيانات التي أصدرها مع رفاقه في الجهاد، وبينها الرد على تقرير لجنة (وودهيد)، ورفضه هجرة القادة الفلسطينيين إلى الدول العربية المجاورة، ورفض الجهاد في المنفى لأنه لا يضر العدو بل يسعده، ودعوته الشعب الفلسطيني للمشاركة في الجهاد بكل فئاته، وكذلك تصديه للمتعاونيين مع الأعداء ومنحهم فرصة للتوبة، وعزل المتعاونيين وحث أسرهم على ردعهم، والدعوة للوحدة الوطنية، وقمعه للمعتدين على الكنائس والأديرة وقناصل الدول والرعايا الأجانب، وكذلك للمخربين الذين ادعوا الانتماء إلى الثورة لتغطية انحرافهم وسلبطتهم وزعرنتهم، مستعينا بالشباب المثقف وعلى رأسهم الشاعر المجاهد عبد الرحيم محمود لتوعية الناس، وعين لهذا الغرض ممدوح السخن سكرتيرا خاصا وأحمد جميل ورفعت النمر وقدري طوقان والمهندس فريد الطه.

وهو الذي طالب الشعب بارتداء الكوفية والعقال بدلا من الطربوش، لإخفاء أثار المجاهدين الذين كانوا يرتدون الكوفية لإخفاء ملامحهم بالتلثم، ولأن البريطانيين طاردوا كل من يرتديها.. واستجاب أفراد الشعب الفلسطيني للنداء –باستثناء أعضاء حزب الدفاع-.

وعارض عبد الرحيم الحاج محمد أي اعتداء على أي مؤسسة اقتصادية وطنية، من شركات وبنوك ودوائر أعمال، معتبرا أنها الحجر الأساسي في بناء الاستقلال الوطني.

كما حرص على المدارس والمؤسسات التعليمية بمنع إغلاقها، وكون لجنة لجمع الأموال لدعم الجهاد من سبعة أعضاء بينهم سوري وعراقي، كما شكل (محكمة الثورة العربية لفلسطين) برئاسة المجاهد عبد القادر اليوسف عبد الهادي، وظل هو المرجعية لأحكام هذه المحكمة، حتى أنه أصدر عفوا عن مهندس يهودي حكم عليه بالإعدام، بعد ان تثبت (أبو كمال) من بعده عن الصهيونية.

الاستشهاد:

في السادس والعشرين من آذار/مارس 1939 وصل أبو كمال إلى فلسطين قادما من دمشق، ونزل مع عدد من المجاهدين للاستراحة في قرية (صانور) –قضاء طولكرم-، ووصل الخبر إلى البريطانيين عبر الجواسيس، فوجهوا إلى القرية قوة عسكرية من الكتيبة الأولى في فوج الحدود بالاشتراك مع القوات الجوية، وضربت هذه القوة ثلاثة أطواق حول القرية، ورفض القائد عبد الرحيم الحاج محمد الهرب واختار المواجهة مع إخوانه المجاهدين، وسقط شهيدا كما أسلفنا القول، ومع إذاعة نبأ استشهاده أغلقت كل حوانيت البلاد حدادا على القائد الذي تمتع بأسمى درجات الاحترام، وخيم الحزن على كل فلسطين من غزة إلى صفد مرورا بطولكرم ويافا ونابلس والناصرة والرملة والقدس وحيفا وطبرية واللد وعكا وبيسان والخليل وبيت لحم وبئر السبع ورام الله، والمجدل وسائر المدن.. وأضربت جميع القرى، ورفعت المنازل أعلام الحداد السوداء، وأقامت المساجد صلاة الغائب عن روحه وروح رفيقه، وفتحت أغلب المنازل التعازي.

ورثاه صديقه ورفيق نضاله عبد الرحيم محمود –وقد لحق به بعدها بسنوات حين سقط شهيدا هو الآخر- بقصيدة خلدت جهاده. منها:

أ إذا أنشدت يوفيك نشيدي

أي لفظ يسع المعنى الذي

لا يحيط الشعر فيما فيك من

كملت فيك المروءات فلم

أيها القائد لم خلفتنا ولمن

أقفر الميدان من فرسانه

أيها القائد هذي ميتة

جمدالدمع بعيني جزعا

فأذبت الروح أبكيك بها
حقك الواجب يا خير شهيد

منك استوحيه يا وحي قصيدي

خلق زاك ومن عزم شديد

يبق منها زائد للمتزيد

وليت تصريف الجنود

وخلا من أهله غاب الأسود

طالما رجيتها منذ بعيد

يالنار القلب من دمعي الجمود

بدل الدمع فسألت في نشيدي

ونظمت له قريته (ذنابة) حفلا تأبينيا شارك فيه أهالي القرية والثوار، ورثاه الشيخ إبراهيم القطان بقصيدة طويلة مطلعها:

عبد الرحيم تحية وسلام
لا الشعر مغن لا ولا الإلهام..

وباستشهاد القائد العام الميداني للثورة في فلسطين، وتفاقم عجز القادة الآخرين، وقلة السلاح والذخائر في أيدي المجاهدين، وظهور سحب الحرب العالمية الثانية، انطوت أعلام وبنود الثورة الكبرى في فلسطين بهدوء مفجع. لكن اسم عبد الرحيم الحاج محمد (أبو كمال) بقي في الذاكرة.

"كتب محمد أبو عزة- مؤسسة فلسطين للثقافة- موقع الصفصاف".