وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

نقابة العاملين بجامعة بيرزيت تطالب بالغاء قانون الضمان الاجتماعي

نشر بتاريخ: 31/03/2016 ( آخر تحديث: 31/03/2016 الساعة: 23:43 )
نقابة العاملين بجامعة بيرزيت تطالب بالغاء قانون الضمان الاجتماعي
رام الله -معا- رفضت نقابة العاملين في جامعة بيرزيت، قانون الضمان الاجتماعي الجديد، وطالبت بالغائه فورا.

وقالت النقابة في بيان وصل لـ معا انه تبين لها بعد الدراسة والتحليل، أن القانون يعتريه العديد من الإشكاليات وأوجه القصور التي تمس جوهر الحق في الضمان الاجتماعي وتلغي مبررات وجوده. وهذا يقتضي الوقوف تفصيلياً على هذه الإشكاليات وأوجه القصور وإعادة النظر في السياسات التي يقوم عليها.

وفيما يلي نص ورقة موقف صادرة عن نقابة العاملين في جامعة بيرزيت بخصوص المطالبة بإلغاء قانون الضمان الاجتماعي

استكمالاً لمتابعة نقابة العاملين في جامعة بيرزيت لموضوع قانون الضمان الاجتماعي الجديد، فقد تبين لها بعد الدراسة والتحليل، أن القانون يعتريه العديد من الإشكاليات وأوجه القصور التي تمس جوهر الحق في الضمان الاجتماعي وتلغي مبررات وجوده. وهذا يقتضي الوقوف تفصيلياً على هذه الإشكاليات وأوجه القصور وإعادة النظر في السياسات التي يقوم عليها. وعليه، فإننا نطالب بإلغاء هذا القانون وعدم تطبيقه بصورة قطعية.
هذه الورقة ستسلط الضوء على بعض النقاط الأساسية في القانون الجديد والتي تهم العاملين بشكل أساسي، كما ستعمل على إبراز أهم الإشكاليات وأوجه القصور التي يمكن أن تشكل دعائم أساسية في اتخاذ القرار المناسب بشأنه من قبل الجميع. لكن، وبغض النظر عن الاتفاق على بعض أو كل هذه المسائل، تبقى هذه المسائل سواءً ما يتعلق بالإجابة عنها أو توضيحها أو الاقتناع بها والتجاوب معها مطلباً أساسياً للعاملين، وبخلاف ذلك، يمكن اعتبار هذا القانون تراجعاً عمّا تم تحقيقه سابقاً في مجال النضال النقابي العمالي، مما يستتبع ضرورة العمل لوقف تطبيقه وإلغائه قطعياً إلى حين تحقيق مطالب وطموحات العمَّال المشروعة في وجود إطار تقاعدي ملائم يضمن لهم حد أدنى حقيقي من العيش الكريم، ودون أن ينال أو يجحف بالاستحقاقات السابقة أو القفز عليها بأي طريقة كانت.
مرفق تفصيلاً ورقة الموقف.

ملاحظات على قانون الضمان الاجتماعي رقم (٦) لسنة ٢٠١٦
خلفية عامة
في الثاني من آذار من العام الحالي، أصدر رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية القرار بقانون رقم (٦) لسنة ٢٠١٦ بشأن الضمان الاجتماعي، والذي نشر في الوقائع الفلسطينية بتاريخ ٢٠ آذار ٢٠١٦، ونص على سريانه بعد ٣٠ يوماً من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية. وبالتالي، يصبح القانون الجديد نافذاً وساري المفعول بتاريخ ٢١ نيسان ٢٠١٦.
تفاجأنا نحن في جامعة بيرزيت إدارة ونقابة عاملين، كما هو حال غيرنا بصدور هذا القانون، وذلك من جانبين؛ الأول، هو: أننا كنقابات عاملين في الجامعات المختلفة، أو كاتحاد نقابات العاملين في الجامعات الفلسطينية، لم تجرِ استشارتنا بشأن هذا القانون المهم والحيوي، ولم نُدع لأي من اجتماعات نقاشه. أما الجانب الآخر، هو: أن القانون الجديد حاول أن يعالج موضوع في غاية الأهمية، والمتمثل في تعزيز حماية العمَّال من الفقر والعوز وتوفير حياة كريمة أفضل، مع مراعاة ما تم تحقيقه في قانون العمل الحالي والبناء عليه، إلا أنه لم يوفق في ذلك، حيث اعتراه العديد من الإشكاليات وأوجه القصور؛ منها الهيكلي، ومنها الدستوري، ومنها القانوني، ومنها التنظيمي.
بدايةً، لا شك أن الانضمام إلى نظام تقاعد جيد، هو أحد الطموحات البسيطة والمشروعة التي هي حق أساسي للعاملين، وواجب على السلطة العامة أو المؤسسات المشغلة، أن تعمل على إحقاق ذلك الحق، بالنظر إلى ما يشكله العمَّال من عناصر بناء أساسية في المجتمع. مع تأكيدنا في هذا السياق على ما حققه العاملين ونقاباتهم خلال الفترات الصعبة السابقة، والأزمات التي خاضوها من أجل تحسين ظروف حياتهم في ظل أوضاع اقتصادية عامة، أقل ما يقال عنها أنها صعبة ومعقدة.
كان من المتوقع أن يأتي هذا القانون، كما هو الحال بالنسبة لقانون العمل الساري، بأن يضمن سياسة توزيع متوازنة وتحقق غاية وجوده، لكن النظرة العامة على هذا القانون، توحي بتبنيه سياسة تقوم بشكل أساسي على الأخذ من العمال بنسب عالية (مقارنة مع قانون التقاعد العام، والقوانين ذات العلاقة في الدول المجاورة) من جهة، وتشح عليهم في احتساب المنافع والتعويضات والتقاعد من جهة أخرى. إضافة إلى سياسة غير واضحة في التعامل مع ما هو قائم من قوانين وأنظمة وما يترتب عليها من منافع أو أنظمة تتعلق بالتوفير أو الادخار أو مكافأة نهاية الخدمة، وهذا كله في ظل غموض وعدم تماسك مقنع بشأن عامل الديمومة والثبات والاستقرار، على نحو يضمن وجود التقاعد لحظة استحقاقه، أو استمرار دفعه للمنتفعين مباشرةً أو لورثتهم المستحقين من بعدهم.
القانون يكرر إنشاء مؤسسة للضمان على غرار مؤسسة هيئة التقاعد الفلسطينية (التي أنشئت لتقوم بنفس العمل وتحقق نفس الأهداف مع اختلاف المسميات وطبعاً الآليات والضمانات)، فلماذا هذا التخبط؟ أليس هذا تكرار لسيناريوهات سابقة؟! سواءً بمسميات "تأمينات اجتماعية" أو "تقاعد عام" أو "ضمان اجتماعي". مع التأكيد هنا على غرابة المؤسسة التي ستنشأ بمقتضى أحكام القانون الجديد، حيث إنه بخلاف أي منطق أو تجربة مقارنة، سيتم إدارة تلك المؤسسة بشكل رئيسي من قبل السلطة الفلسطينية، دون أدنى مسؤولية عن استدامتها. إضافة إلى مشاركة مشروطة ومعززة بموافقة رسمية، لممثلين عن العمَّال وأصحاب العمل، وصولاً إلى حالة مربكة ومركبة من المؤسسات والقواعد التي تتعلق بذات سوق العمل والعمَّال ومتجاهلةً واقع الانقسام.
ووفقاً لهذا القانون، فإن انضمام جميع الفئات التي ينطبق عليها قانون العمل هو إجباري، ومنها بالطبع العاملين في الجامعات الفلسطينية. بالمقابل، ينص قانون التقاعد العام الذي لا يزال ساري المفعول حتى اللحظة، ولا يوجد ما يلغي نصوصه صراحةً في القانون الجديد، على إمكانية انضمام الجهات التي ينطبق عليها قانون العمل لأحكامه، ومنها العاملين في الجامعات الفلسطينية أيضاً، هذا التضارب الكبير في الأحكام ما بين القانونين، لم يعالجه القانون الجديد ، علماً أن التضارب في الأحكام بين القانونين يشمل أيضاً القواعد والأحكام التي تعالج موضوع التقاعد أو آليات الاحتساب، أو ما يتعلق بالجهات المنضمة لهذا القانون أو القانون الآخر، أو ما يتعلق بالانتقال بين النظامين، سواءً في المرحلة الانتقالية أو في المراحل اللاحقة، باعتبارها حالة واقعية ستحدث وهي مؤكدة الحدوث مستقبلاً. وهذا ما سنوضحه في هذه الورقة.
أمام هذه الحالة المربكة، والتي نعتقد أنه يشاركنا بها العديد من المؤسسات. وبخاصة، الجهات الممثلة للعاملين فيها، حيث هناك قانونين ساريين المفعول، ومؤسستين قائمتين للضمان الاجتماعي، ويضاف إليهما قانون العمل الذي أجهد القانون الجديد في التعامل مع أحكامه دون أن يكون موفقاً في أحيان أو واضحاً في أحيان أخرى، وهو ما سنأتي عليه أيضاً. وأخيراً، هناك ترتيبات المؤسسات الأهلية والخاصة المتعلقة بصناديق الادخار أو التوفير أو مكافأة نهاية الخدمة التي أتى القانون الجديد على تناولها بإرباك وغموض وتعارض أحياناً، ومساساً غير مبرر في هذه الحقوق في أحيان أخرى، وهذا يمكن أن يؤدي بالنتيجة إلى إهدار هذه الحقوق أو الانتقاص منها أو تعويمها، على نحو يشكل مساساً محظوراً بها، باعتبارها حقوقاً سابقة ناضل العمال ونقاباتهم نحو تحقيقها واستمرارها ويأملون أن ينالوها بطريقة كريمة ولائقة مع كامل الضمانات المتوفرة في قانون العمل والمؤسسات القائمة حالياً لتمكين جميع العمال من نيلها.
هذه الورقة ستسلط الضوء على بعض النقاط الأساسية في القانون الجديد والتي تهم العاملين بشكل أساسي، كما ستعمل على إبراز أهم الإشكاليات وأوجه القصور التي يمكن أن تشكل دعائم أساسية في اتخاذ القرار المناسب بشأنه من قبل الجميع. لكن، وبغض النظر عن الاتفاق على بعض أو كل هذه المسائل، تبقى هذه المسائل سواءً ما يتعلق بالإجابة عنها أو توضيحها أو الاقتناع بها والتجاوب معها مطلباً أساسياً للعاملين، وبخلاف ذلك، يمكن اعتبار هذا القانون تراجعاً عمّا تم تحقيقه سابقاً في مجال النضال النقابي العمالي، مما يستتبع ضرورة العمل لوقف تطبيقه وإلغائه قطعياً إلى حين تحقيق مطالب وطموحات العمَّال المشروعة في وجود إطار تقاعدي ملائم يضمن لهم حد أدنى حقيقي من العيش الكريم، ودون أن ينال أو يجحف بالاستحقاقات السابقة أو القفز عليها بأي طريقة كانت.

أولاً: الإشكاليات العامة في قانون الضمان الجديد

الديمومة والاستقرار والهيكلية

‌أ. عدم ضمانة أموال الصندوق من قبل أي جهة
لم ينص القانون على وجود أي جهة تضمن حالة عجز الصندوق عن أداء استحقاقات المشتركين فيه، وهذا يعني أن كل المساهمات والأموال في حال عجز الصندوق الجزئي أو الكلي بقصد أو بدونه، ستكون مهددة بشكل جدي، بدون وجود جهة يحددها القانون تكون مسؤولة عن ذلك، أو وجود جهة تضمن سداد عجزه. والنصوص الوحيدة التي احتواها القانون في هذا الإطار، تضمن المسؤولية الشخصية لأعضاء مجلس إدارة الصندوق، وهذا غير كافٍ لعدة أسباب؛ أولاً: عدم إمكانية ضمان هكذا مبالغ بصورة شخصية من أعضاء مجلس الإدارة. وثانياً، إن أموال الصندوق معرضة لخط إجراءات الاحتلال الإسرائيلي، بالنظر إلى الأوضاع الاقتصادية والظروف السياسية غير المستقرة التي نعيشها، ، الأمر الذي يشير إلى بيئة مخاطر عالية غير مأخوذة بالاعتبار في هذا القانون. فالسلطة الفلسطينية حذفت هذا البند الذي احتوته المسودات السابقة لهذا القانون "بند الجهة الضامنة لأموال الصندوق"، بسبب معرفتها وتجربتها في القطاع العام والخطورة التي تلفه، والمتتبع لقانون هيئة التقاعد يعلم مدى أهمية وجود مثل هذه الضمانات، حيث إن الضمان الأساسي حالياً لصندوق التقاعد العام هو التزام السلطة الفلسطينية بضمان أمواله.
‌ب. ازدواجية أنظمة التقاعد الفلسطينية
جاء القانون فجأة بالانتقال من نظام هيئة التقاعد إلى نظام صندوق التضامن، وبالرغم من أن السياسة العامة منذ قدم السلطة الفلسطينية، كانت تتبنى نهج توحيد صناديق التقاعد، لكن جاءت سياسة هذا القانون بعكس جميع التوقعات السابقة، حيث قررت السلطة ازدواجية هذه الصناديق، دون أن تعالج هذه الازدواجية أو تتعرض لها، وكأن الأمر غير واقعي أو غير حاصل فعلاً، فالتقاعد العام يضم حالياً موظفي البلديات، كما يضم عدداً من المؤسسات الخاصة، الأمر الذي يعني وجود أكثر من نظام تقاعد. وإذا كان الحديث يدور عن سياسة توحيد، فهذا القانون لا يحقق هذه السياسة مطلقاً، فالاختلاف بأحكام التقاعد وقواعده أو آليات الاشتراكات والاستقطاعات والاحتساب؛ اختلاف جلي وواضح، . ولم يحاول القانون وضع أسس التوحيد مستقبلاً، الأمر الذي يكشف عن سياسة ضمنية بالازدواجية مع ما تحمله هذه السياسة من تمييز غير مبرر بين العاملين، سواءً بين العاملين في القطاع العام والخاص، أو بين العاملين في ذات القطاع ممن انضموا إلى أي من النظامين، وهو ما سنركز عليه، سواءً لغايات توضيح سياسة الازدواجية على نحو ينال من فكرة ديمومة الضمان لاعتبارات تتعلق بالحوكمة والإدارة الرشيدة، فأي حوكمة ستكون في حالة وجود مؤسستين للضمان مع ما تحمله هذه الحالة المربكة من تكاليف إدارية باهظة ورواتب مكررة لذات المناصب وسياسات استثمارية مكررة أو متضاربة لنفس سوق العمل ومع عدم إمكانية الانتقال بين هذه الأنظمة بأي صورة من الصور؟! أو لغايات توضيح مساسه بالحقوق الدستورية المصونة في القانون الأساسي، وفي الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، والتي التزمت السلطة الفلسطينية بها. وبخاصة، الحق في المساواة، وفي الحقوق المكتسبة.
‌ج. موضوع تأمين الشيخوخة التكميلي
يعتبر النص على ما أطلق عليه القانون الجديد "تأمين الشيخوخة التكميلي" من أكثر النصوص إثارة للجدل، بسبب عدم وضوح الصياغة والهدف، ووجود إمكانية لمط هذه النصوص مستقبلاً، بحيث تشمل صناديق التقاعد والادخار ومكافأة نهاية الخدمة القائمة حالياً. فبالاستناد إلى نص المادة ١٠ من القانون، فإن محل تأمين الشيخوخة التكميلي، هو ما يتجاوز ثمانية أضعاف الحد الأدنى للأجور، بسبب عدم خضوع ما يجاوز هذا المبلغ للتقاعد. الإشكالية الأساسية في هذا التأمين هو أنه اختياري، وكان يجب أن يكون كذلك على الأقل بالنسبة لأصحاب العمل، حيث إنه وفقاً للأحكام المتعلقة بمكافأة نهاية الخدمة، فإن هذا يعني خصم جزء من نهاية الخدمة عن المبلغ الذي يتجاور ثمانية أضعاف الحد الأدنى للأجور. لكن المسألة الأكثر أهمية هنا، نص المادة ١١٦ التي جاءت في باب الأحكام الانتقالية في القانون الجديد، والتي تحدد محل التأمين التكميلي بما يتجاوز الحقوق المنصوص عليها في قانون العمل بشأن مكافأة نهاية الخدمة، ثم يعود في حكم جديد ليقرر استمرار سريان النظم والترتيبات المتعلقة بصناديق الادخار والتوفير على أن تنتقل إدارتها لتأمين الشيخوخة التكميلي (صندوق التضامن)، وهو ما يعني ضمناً الالتزام بتحويل المبالغ الموجود حالياً في الصناديق القائمة كمتطلب لهذه الإدارة، وهذا يعني أحد أمرين؛ الأول، عدم وضوح النص أصلاً، وهذا يعني عدم دستوريته، لأن الأحكام الانتقالية ليست خاضعة للاجتهاد والتفسير، فالنص الانتقالي يجب أن يكون واضحاً ومحدداً وقابلاً للتطبيق بسهولة، لأنه وجد أصلاً في القانون لتحقيق غاية الانتقال السلس لأحكام القانون الجديد. والأمر الآخر، أن النص مقصود كما أن الغموض مقصود، ويهدف إلى تحقيق التدرج في انتقال المؤسسات إلى صندوق التضامن، حيث ستكون مسألة الانضمام بالبداية إلى الصندوق هي مسألة النقاش الأساسية مع المؤسسات المختلفة، لكن ستطلب مؤسسة الضمان لاحقاً انتقال كامل الصناديق وموجوداتها لها، وهذا يعني وفقاً لحالة عدم الاستقرار وعدم الخبرة في إدارة هكذا مؤسسات في ظل ظروف استثمارية صعبة ومعقدة، وفي ظل عدم النص على كفالة أموال الصندوق من قبل السلطة الفلسطينية، أن المؤسسات ستجبر على تحويل أموال العاملين لديها إلى صندوق التضامن بدون الضمانات الحقيقية والواضحة بدفع المستحقات وفقاً للترتيبات الخاصة والمستقرة طويلاً بهذه الصناديق، وهذا يشكل خطورة كبيرة على أموال العاملين المستحقة لهم وفقاً للأنظمة والترتيبات المعمول بها حالياً في المؤسسات المختلفة.


ثانياً: الإشكاليات الدستورية

1. الإخلال بمبدأ المساواة
يشكل القانون الجديد بصورته الحالية إخلالاً بمبدأ المساواة ما بين الموظفين في القطاع العام والخاص، دون وجود مصلحة عامة ومشروعة ومبررة من هذا الإخلال. حيث يقتضي مبدأ المساواة، خضوع جميع المراكز القانونية المتماثلة لمعاملة قانونية واحدة على نحو يتناسب بطريقة منطقية مع الهدف الذي يسعى القانون أو مجموعة القوانين لتحقيقها. هذا يعني أنه يجب أن يتحقق مبدأ المساواة بين نظامي الضمان؛ الاجتماعي، والتقاعد العام، بما أنه من المفترض أنهما يسعيان إلى تحقيق غاية واحدة. فاختلاف الغايات التي يسعى كل واحد من النظامين لتحقيقها، أو وجود خلل في السياسة المتبعة سابقاً، هي الحالات التي يمكن من خلالها تبرير عدم المساواة بين النظامين. وهذا يقتضي افتراض أن الغاية التي يسعى قانون التقاعد لتحقيقها تختلف عن الغاية التي يسعى قانون الضمان الاجتماعي الجديد لتحقيقها، وهو فرض لا يستقيم والمنطق السليم. والحالة الثانية تقتضي إبراز أوجه الخلل في النظام القديم، وتحديد طريقة الإصلاح بوضع أسسها في النظام الجديد، وهذا غير متحقق في القانون بصورته الحالية. بل يذهب القانون الجديد أبعد من ذلك، بحيث يخلق حالة شاذة من خلال إدارة مؤسسة تستهدف بطريقة أساسية القطاع الخاص من قبل موظفين من القطاع العام غير مسؤولين تجاه أي جهة تمثيلية أو هيئة عامة، ولا تنطبق عليهم أيضاً نصوص القانون وأحكامه، وهو ما يفسر تشجيعهم للضمان أو على الأقل عدم أخذهم موضوع الضمان بجدية. وهذه بعض الصور التفصيلية المتعلقة بالإخلال بمبدأ المساواة.

‌أ. الاختلاف بالاقتطاعات الخاصة بالتقاعد
يقتطع بموجب قانون هيئة التقاعد ٧٪ من العامل، و٩٪ من صاحب العمل، بينما الاقتطاعات بموجب قانون الضمان هي ٧.٥٪ من العامل، و٨.٥٪ من صاحب العمل. من الواضح أن هذه النسبة قررت بهذه الصورة بسبب عدم إمكانية موافقة أصحاب العمل على أي زيادة عن النسبة البسيطة المقررة لعلاوة غلاء المعيشة في قانون العمل الساري المفعول، وهذا بحد ذاته رداً على من يقول: "بأن وجود القانون أفضل من عدمه وأن هذه النسبة يمكن أن تعدل مستقبلاً"، حيث إن رفض أصحاب العمل زيادة مساهمتهم عما هو مقرر في قانون العمل، يعني عدم إمكانية تعديل هذه النسبة مستقبلاً بموافقتهم، وأن أي تعديل لأي عجز في القانون سيكون على حساب العمال وبتمويلهم. وبالمقارنة مع الأردن، فقد تم إجراء تعديل إصلاحي لقانون التقاعد سنة ٢٠١٤، وكانت نسبة الزيادة السنوية على العامل ربع في المائة لمدة أربع سنوات، في حين على أصحاب العمل نصف في المائة لمدة أربع سنوات، والقانون الأردني الجديد يفرض بالنتيجة على العامل ٦.٥٪ وعلى صاحب العمل ١١٪، وهذه النسب مبررة منطقياً في عملية توزيع عادلة للأعباء ما بين العمَّال وأصحاب العمل.
‌ب. عدم إدراج نظام المساهمات المحددة في القانون الجديد
من المعروف في أنظمة التقاعد أن أحد أهم أعمدتها هو ما يسمى بنظام المساهمات المحددة، ومع أن جميع الدراسات السابقة على هذا القانون كانت تشير الى أهمية هذه المساهمات باعتبارها أحد الأعمدة الأساسية لديمومة نظام تقاعدي سليم، فهي تمكن العامل من الحصول على تعويض الدفعة الواحدة بالإضافة إلى راتب التقاعد عند انتهاء خدمته، إلا أن القانون الجديد لم ينص على هذا النوع من المساهمات كما هو الحال بالنسبة لقانون التقاعد العام الذي يفرض على كل من العامل وصاحب العمل نسبة ٣٪ كمساهمات محددة تدفع للعامل دفعة واحدة أو بصورة دفعات شهرية، إذا رغب عند انتهاء خدمته. والسبب أيضاً في عدم الأخذ بهذا النظام، هو رفض أصحاب العمل لأي مساهمة تزيد الأعباء المفروضة عليهم بموجب قانون العمل الساري المفعول. بما يعني بالنتيجة أن المنضمين لقانون التقاعد العام يجمعون ما بين الدفعة الواحدة والتقاعد، وتصل نسبة مساهمة المشغل الإجمالية في تأمين الشيخوخة والعجز والوفاة إلى ١٢٪ تشمل راتب التقاعد وتعويض الدفعة الواحدة، في حين قانون الضمان لا يوجد فيه سوى راتب التقاعد، أو تعويض الدفعة الواحدة في حال عدم استحقاق راتب التقاعد، وفقاً لنسبة مساهمة تقتصر على ٨.٥٪ من قبل المشغل "صاحب العمل".
‌ج. الاختلاف بنسبة احتساب راتب التقاعد
كما هو الحال بالنسبة لمعظم الأحكام ذات العلاقة بالتقاعد، هناك اختلاف أيضاً في طريقة احتساب الراتب التقاعدي، فوفقاً لقانون التقاعد يحتسب راتب التقاعد في القطاع العام بضرب متوسط راتب آخر ٣ سنوات ب ٢٪ بعدد سنوات الخدمة، ودون سقف للراتب الخاضع للتقاعد، لكن وفقاً للقانون الجديد، فإن نسبة ٢٪ تضرب فقط في المبلغ من الراتب المساوي للحد الأدنى للأجور و١.٧٪ في باقي المبلغ وبما لا يتجاوز ٨ أضعاف الحد الأدنى للأجور. هذه المعادلة ذات العلاقة بالاحتساب مطبقة في معظم الأحكام المتعلقة باستحقاق راتب الوفاة والعجز الطبيعيين. وبالمقارنة مع الأردن، يتم احتساب راتب التقاعد بمعامل احتساب ٢.٥٪ لأول ١٥٠٠ دينار وبمعامل ٢٪ لباقي المبلغ وبما لا يتجاوز سقف التأمين ٣٠٠٠ دينار.
‌د. الاختلاف بمعظم الأحكام المتعلقة بالتغطيات واستحقاق الدفعات
يوجد اختلافات عديدة ما بين قانوني الضمان والتقاعد من جهة الأحكام الخاصة بالتغطيات واستحقاق الدفعات، فمثلاً، هناك اختلاف بشأن قواعد الحصول على تقاعد مبكر من حيث عدد الاشتراكات المطلوبة والسن المقبولة، ونسبة الخصم من الراتب التقاعدي بحسب عدد السنوات المتبقية لبلوغ سن الستين. كما أنه لا يوجد في قانون التقاعد حد أعلى لراتب التقاعد سوى النص على عدم زيادة الراتب التقاعدي عن ٧٥٪ من الراتب الخاضع للتأمين، وبالمقابل وفقاً لقانون الضمان يتوقف الاشتراك عندما يزيد الراتب عن حد معين، وهو ما يبقي نسبة راتب التقاعد حكماً ضمن نسبة معينة لا تزيد في أقصاها عن ٦٠٪ من الراتب، وهو ما سنأتي عليه عند الحديث عن الغاء مكافأة نهاية الخدمة. وجود سقف للتأمين هو إيجابي حتى لا يتم استغلاله، لكن أن يقرر هذا السقف بهذه الطريقة وبهذه النسبة ومربوطاً بثمانية أضعاف الحد الأدنى للأجور المتدني أصلاً، فهذا يعني تحديد قواعد جديدة للدخل في فلسطين، وهو ما يتعارض مع غلاء الأسعار والظروف المعيشية الصعبة، وبالمقارنة مع الأردن، فإن الإصلاح التشريعي مؤخراً حدد مبلغ ٣٠٠٠ دينار أردني كسقف للتأمين، ويشمل هذا السقف كل من موظفي القطاع العام والخاص. وهذا بخلاف الحال في فلسطين، حيث يشمل السقف فقط الذين سينضمون لقانون الضمان الجديد.
‌ه. العلاوة الشخصية، والعائلية والربط مع جدول غلاء المعيشة
وفقاً لقانون التقاعد العام، يحصل كل منتفع على علاوة شخصية، إضافة إلى علاوة عائلية حسب قانون الخدمة المدنية. وفقاً لقانون الضمان لا يوجد مثل هذه العلاوات، كما لا يتم ربط راتب التقاعد بجدول غلاء المعيشة، وهذا يعني بالنتيجة اشتراكات أعلى من قانون التقاعد، وحسبة راتب أقل وبسقف محدد لا يتناسب مع الظروف الاقتصادية القائمة، وتآكل في الراتب التقاعدي.
‌و. التمييز المباشر ضد المرأة العاملة
استحقاق بدل الأجر عن إجازة الأمومة هو استحقاق قانوني واضح وصريح وفقاً لقانون العمل الساري المفعول، وهذا الحق للمرأة العاملة يلتزم به صاحب العمل دون أن يكون معلقاً على أي شرط، سوى أن تمضي المرأة في العمل مدة لا تقل عن ١٨٠ يوماً قبل الولادة، هذا الحق وفقاً للقانون الجديد أصبح معلقاً على التزام المرأة بدفع ما يسمى اشتراك تأمين الأمومة، ووفقاً لهذا القانون يحل محل التزام صاحب العمل بدفع الأجر في فترة إجازة الولادة، التزامه؛ أي صاحب العمل، في تأمين الأمومة بمقتضى هذا القانون. وهذا يعني أن المرأة العاملة، يجب أن تتخذ قراراها إذا رغبت بالحصول على إجازة أمومة بأن تقوم بدفع الاشتراكات المطلوبة منها (ما لا يقل عن اشتراك ٦ شهور قبل الولادة)، وبخلاف ذلك يسقط حق العاملة ببدل الإجازة، ويسقط التزام المؤسسة بدفع بدل إجازة الولادة. وهذا يعني ضمناً التمييز بين العاملين على أساس الجنس، وأيضاً التمييز بين المرأة العاملة المتزوجة وغير المتزوجة. وأيضاً فيما إذا كان دفعها للاشتراك والاتفاق مع صاحب العمل على دفع الاشتراكات عنها إشارة منها إلى إمكانية دخولها في إجازة ولادة مستقبلاً، وهذا يعني مشاركتها لصاحب العمل بشأن من أخص خصوصياتها، مما قد يكون سبباً في عزوف المرأة عن الاشتراك إما لأسباب مادية، أو لأسباب تتعلق بطبيعة المجتمع وتركيب العلاقات داخله، وهذا يؤدي إلى انتهاك ليس فقط حقها في المساواة، بل أيضاً حقها في الخصوصية والاستقلالية.

2. الإخلال بالحقوق المكتسبة

‌أ. المساس بالحقوق المكتسبة وبما يقل عمَّا هو وارد في قانون العمل
وضع القانون الجديد، سقفاً للراتب الخاضع للتقاعد بما لا يزيد عن ثمانية أضعاف الحد الأدنى للأجور، وهذا الترتيب مع الترتيب المتعلق باحتساب راتب التقاعد وفقاً لمعادلة يكون الراتب فيها متوسط راتب آخر ثلاث سنوات، هدف القانون منها مجتمعة، الحفاظ على حالة متوازنة ومعقولة من الالتزامات على مؤسسة الضمان الاجتماعي، إلا أن الإشكالية التي لم يعالجها القانون بطريقة تتفق مع الحقوق المكتسبة، تتعلق بحق العاملين بمكافأة نهاية الخدمة وفقاً لقانون العمل الساري حالياً، عندما نص القانون على إلغاء مكافأة نهاية الخدمة وإحلال الالتزام من قبل صاحب العمل بدفع الاشتراك في تأمين الشيخوخة (٨.٥٪) محل التزامه بدفع مكافأة نهاية الخدمة، وهذا يعني أن الرواتب التي تزيد عن ثمانية أضعاف الحد الأدنى للأجور لن تكون خاضعة بعد سريان القانون أو الانضمام لا لنهاية الخدمة ولا للتقاعد فيما يزيد عن الحد ٨ أضعاف الحد الأدنى للأجور، وإذا كان الأمر كذلك، فإن هذا يشكل مساساً مباشراً بحق مكتسب؛ أي الحق في مكافأة نهاية الخدمة وفقاً لقانون العمل، وإحلال نظام جديد محل النظام السابق ينتقص بموجبه النظام الجديد من الحقوق المضمونة في النظام السابق.
‌ب. المس بالحق في الحصول على مكافأة نهاية خدمة متزايدة
يقرر قانون العمل الساري مكافأة نهاية خدمة للعامل بواقع ١ إلى ١٢ من الراتب عن كل سنة عمل (تعويض نهاية الخدمة)، وهذه المكافأة تدفع للعامل في نهاية خدمته وتحسب وفقاً لآخر راتب تقاضاه (الشهر الأخير)، وهذا معناه أن التزام صاحب العمل بمكافأة نهاية الخدمة هو التزام متزايد بتزايد راتب العامل، فهذه النسبة بسهولة يمكن أن تتضاعف مرتين أو أكثر بسبب الزيادة الطبيعية في الراتب. بالمقابل، جاء القانون بحكم يثبت فيه التزام صاحب العمل بهذه النسبة (٨.٥٪) من الراتب تحول شهرياً، كما حدد أيضاً هذه النسبة براتب لا يتجاوز ثمانية أضعاف الحد الأدنى للأجور، فهذا يعني أن هذه النسبة محددة، ولن تكون متزايدة، كما أنها ستبدأ في التناقص عندما يصل راتب العامل إلى ثمانية أضعاف الحد الأدنى للأجور. وبالنظر الى صناديق نهاية الخدمة في المؤسسات المختلفة ومنها الجامعات الفلسطينية، سيجد المتتبع لها حجم الزيادة في تعويضات نهاية الخدمة للعاملين في حال تحقيق أي زيادة مهما كانت بسيطة على الكادر، خصوصاً في سنوات الخدمة الأخيرة للعاملين الذين أمضوا فترات طويلة في الجامعات.
‌ج. تسوية الحقوق العمالية السابقة بطريقة لا تراعي طبيعة الحق في مكافأة نهاية الخدمة
نص القانون على تسوية الحقوق العمالية السابقة وفقاً لاتفاق تسوية ما بين صاحب العمل والعمال، وأداء الحقوق المستحقة في أي وقت، وهذا النص بالرغم من أنه يقرر أداء الحقوق السابقة دون إجحاف، إلا أن الحق في مكافأة نهاية الخدمة لا يقبل التسوية بهذه الطريقة، وذلك لعدة أسباب؛ أولاً، كون هذا الحق يستحق أداؤه عند انتهاء الخدمة، لأنه بغير ذلك يكون تحديده في أي وقت سابق فيه إجحاف للعامل، نظراً لاحتسابه وفقاً لآخر راتب تقاضاه العامل في المؤسسة. وثانياً، لأن النص على تسوية الحقوق العمالية في أي وقت، دون تحديد أي سقف زمني أو أي آلية مرجعية لهذه التسوية، سواءً أكانت آلية مؤسساتية مثل تشكيل هيئة مؤقتة لهذه الغاية، أو تكليف جهة رسمية قائمة مثل وزارة العمل للقيام بهذا الدور، فيه أيضاً إهدار لضمانة أساسية من ضمانات حصول العمال على حقوقهم كاملة، وفي حال النزاع يكون هناك إمكانية للجوء لجهة موثوقة ومحايدة بهذا الشأن. إضافة لكل ما سبق، يثور تساؤل جدي بشأن قدرة المؤسسات "المشغلين" على تسوية الحقوق العمالية السابقة جميعها ولجميع العمَّال دفعة واحدة؟ ومدى معقولية هذا النص وقابليته أصلاً للتطبيق في المرحلة الانتقالية؟
3. النقابات والتمثيل
نص القانون على طريقة إدارة المؤسسة من قبل أطراف الإنتاج، وبالرغم من عدم وجود أي علاقة للحكومة في هذا الصندوق لا من ناحية الالتزامات والتطبيق، ولا من ناحية ضمان أمواله، إلا أن الحكومة ستشارك في إدارة هذ المؤسسة بستة أعضاء، وهذا يشمل رئيس المؤسسة والخبير المالي، وسيكون لأصحاب العمل أربعة أعضاء وللعمَّال أربعة أعضاء أيضاً، وبالرغم من كثافة الإدارة الحكومية، إلا أن هذا القانون لا ينطبق على موظفيها، وهذا بحد ذاته تناقض، أي أن أعضاء الحكومة لن يكونوا مسؤولين عن قراراتهم أمام أي جهة أو هيئة عامة تمثيلية، كما أنهم لن يكونوا مسؤولين عنها أمام موظفي القطاع العام. وبالنسبة للأعضاء من أصحاب العمل والعمال سيتم تسميتهم من قبل الحكومة، أي أن الحكومة هي التي ستقرر من هي الجهات الأكثر تمثيلاً للعمال وأصحاب العمل، وهذا يعني تنافساً لإرضاء الحكومة من قبل نقابات العاملين من أجل تسمية أعضائها، أخذاً بالاعتبار ما يمكن أن يمثله هذا القرار من عائد مادي ومعنوي للأعضاء المسميين في الصندوق. لكن، ستعكس هذه الترتيبات في النتيجة تمثيل حقيقي للجهات المختلفة. وبخاصة للعمال باعتبار أن القانون يتعلق مباشرة بحقوقهم ورواتبهم. إن مسألة التمثيل الحقيقي في هذه الأجسام تتعلق مباشرةً بالحق في الانضمام للنقابات، وما يستتبعه ذلك من مشروعية التمثيل النقابي، ووفقاً للنصوص القائمة حالياً، فإن هناك خطورة واضحة تتعلق بمشروعية التمثيل. هذا مع بقاء التساؤل الأساسي قائماً بشأن علاقة التمثيل بكفاءة إدارة الصندوق، طالما لا يوجد هناك تنظيم أو إطار قانوني نقابي يضمن مثل هذا التمثيل الحقيقي والمسؤول.
4. إصدار قانون الضمان الاجتماعي استناداً إلى الصلاحيات التشريعية الاستثنائية
يعتبر إصدار هذا القانون استناداً إلى صلاحيات رئيس السلطة الفلسطينية الاستثنائية، أحد أوجه الانتقادات التي يمكن أن توجه إليه، فبالإضافة إلى مسألة مدى توفر حالة الضرورة التي لا تحتمل التأخير كمبرر للجوء للصلاحيات التشريعية الاستثنائية، وتجاوزاً لمسألة الانقسام بالرغم من أهميتها، إلا أن هناك اتجاه يعتبر رزمة القوانين ذات العلاقة بالعمل والضمان الاجتماعي أكثر خطورة من القوانين المالية والضريبية كون الأخيرة ستفرض أعباء مالية على المواطنين، في حين أن القوانين المتعلقة بالعمل والضمان الاجتماعي تحدد مباشرة مقدار الدخل وتوزيع الأعباء بين أطراف الانتاج بما يحقق توازن معقول ما بين الأطراف المختلفة. وهذه المعادلة من أخطر المعادلات الاجتماعية، كونها تمس أكبر شريحة في المجتمع، وهي شريحة العمَّال وأصحاب العمل، وأي تنظيم يجب أن يقوم على توافق متوازن ومعقول ما بين الأطراف المختلفة، وأي استئثار من قبل إحدى الجهات بالقرار وتجاهل وجود تمثيل حقيقي يمكن أن يشكل عبثاً خطيراً بالأمن الاجتماعي، مما يتطلب الحذر الشديد والتوافق قدر الإمكان بمشاركة واسعة وإجراءات شفافة ذات مصداقية، وعلانية ونقاش مجتمعي متخصص وقطاعي. وهذا يعني عدم الاقتصار على الاجتماعات المغلقة والخبراء وموازين القوى والصلاحيات التشريعية الاستثنائية.
وهذا القانون تحديداً بالرغم من ادعاء الجهات الداعمة له بحصول النقاش والمشاركة بشأنه، إلا أن طبيعة العملية التشريعية الاستثنائية. وبخاصة، في مراحلها الأخيرة، يمكن أن تشكل مساساً أساسياً بفكرة المشاركة من خلال إحداث تغيير جوهري في نصوصه يمس سياساته مباشرة ويخل بالتوازن والتوافق الذي تقوم عليه عملية التشارك. والمتتبع للنقاشات بشأن هذا القانون يلاحظ التخبط في مواقف الجهات التي شاركت في اجتماعات اللجنة الوطنية لصياغته، من خلال الادعاء بحدوث تعديلات على القانون في مراحله الأخيرة مست جوهرة ونالت من حقوق العمال فيه، سواءً ما تعلق منها بالنسب أو الاحتساب أو الصناديق التكميلية أو ضمان أموال الصندوق من قبل السلطة الفلسطينية.