|
"أمِثناة كمثناة اليهود"
نشر بتاريخ: 23/04/2016 ( آخر تحديث: 23/04/2016 الساعة: 17:25 )
الكاتب: فراس ياغي
غِياب الرؤيا الشخصيه في المفهوم الإستراتيجي مُسَلّمه عِلميه، وكل مُحلل سياسي حين يريد أن يتحدث عن الواقع السياسي والإجتماعي والإقتصادي والجيوسياسي لمنطقة الشرق الأدنى القديم وبالذات منه المشرق العربي، فعليه الحذر وعدم إطلاق توصيفات شخصيه نابعه من فَهم سَطحي وتُعبر عن رؤية شخصيه لا تستند في حقيقتها وجوهرها لجوهر الأشياء ولا ترى سوى المُعلن على السطح المُقَنن في إعلانه، وهي تجد في التصريحات المُعلنه هنا أو هناك وكأنها رؤيا إستراتيجيه، وتجد بعد عناء في التحليل والتمحيص والدراسه أنّ الولايات المتحده تنسحب تدريجيا من منطقة الشرق الأدنى القديم وستترك فراغ، وأن دولة إسرائيل وبحلفها مع ما يُسمى الدول العربيه المُعتدله السّنيه وتركيا تعمل على ملء هذا الفراغ، مما يستدعي كما يرى البعض حربُ لا مفرّ منها لإعادة ترتيب الجغرافيا من جهة، ومن جهة أخرى تغيير موازين القوى لعقود من الزمن.
قبل مئة عام قام الغرب الإستعماري (فرنسا وبريطانيا) بتقسيم منطقة المشرق العربي على أساس ما يُعرف ب "سايكس- بيكو" على أساس الثروات وبالذات الطاقه البتروليه، ووفقا لقاعدة "سكان أقل وبترول أكثر"، وخلق دولة "إسرائيل" في قلب المشرق العربي لتكون قاعدة غربيه متقدمه تقوم على حماية مصالح الغرب من جانب، ومن الجانب الآخر حلاً للمسألة اليهوديه في أوروبا في ذاك الوقت، هذه الإتفاقيه مفعولها يستمر لمدة قرن من الزمن، ونحن الآن في العام 2016 حيث ينتهي هذا المفعول مما يتطلب إعادة التقسيم الجيوسياسي ووفقا لقواعدة جديده. روسيا البلشفيه بقيادة "لينين" عام 1917 فضحت إتفاقية "سايكس – بيكو" بإعتبارها مشروع إستعماري، واليوم روسيا "بوتين" تواجه المشروع الجديد لصالح مفهوم سيادة الدول ووفقاً للشرعيه الدوليه وميثاق الأمم المتحدة. نظره سريعه على الوضع في الشرق الأدنى القديم وشمال أفريقيا يشير إلى أن الهزّات العنيفه التي بدأت منذ العام 2011 لا زالت مُستمره، وما رافقها من ظهور عنيف للأسلمه السياسيه المتطرّفه والإرهابيه ك "القاعدة وداعش" والعديد من الفصائل الأخرى التي تسير على نفس المَنهج "فصائل الأسلمه المُتعدده في سوريا وعلى رأسها جيش الإسلام وأحرار الشام"، وكلها مدعومه مما يُسمى الدول العربيه المُعتدله وتركيا الإخوانيه، إلى جانب ذلك ظهرت الأسلمه الإخوانيه نصف المُعتدله ونصف الإرهابيه، حيث ما يسمى التحالف الإسلامي بدوله المُختلفه يَنظر لهم في جزءِ منه بأنهم جزء أصيل من التحالف السّني، والجزء الآخر يراهم إرهابيون ويجب محاربتهم، أما إسرائيل فترى الهدنة طويلة الأمد مع "حماس" ستخرجها من التصنيف الإرهابي. بل سيؤدي ذلك لدخولها معسكر التحالف السّني بدون أي عوائق من أي دوله إقليميه أو دوليه. القاعده الجديده للإستعمار العالمي والإقليمي متمثلاً في "إسرائيل" يرى أن التقسيم الجديد للجغرافيا السياسيه يكون على أساس "الهويات الدينيه والطائفيه والقوميه للأكراد"، مما يعني ممالك جديده ومتعدده ترتبط بمحيطها وفق مفهوم المملكة الأقوى، منذ آلآف السنين كانت سوريا الكبرى "من أنطاكيه وحتى غزة" مُقسمه إلى إثنتي عشره مملكه، وكانت مملكة آرام "دمشق" أقواها، وكانت تُشكل حلف مع بعضها في مواجهة الإمبراطوريه الأشوريه أو الحثيه أو غيرها، ولكن التاريخ أثبت أن هذه الممالك لم تستطع الوقوف في وجه هذه الإمبراطوريات وإندثرت، وأصبح الباقي منها يتبع إلى الإمبراطوريه الأقوى، فمثلا مملكة إسرائيل "السامره" الكنعانية حاصرها الإمبراطور الآشوري "شلمنصر الخامس" عام 724ق.م، ودمرها وإنتهت إلى الأبد كجغرافيا وسكان الملك الآشوري "صارغون الثاني" عام 721ق.م، لأنها وقفت مع مملكة آرام "دمشق" وحاصرت مملكة "يهوذا" المتواضعه في "أورشليم" ( هذا إسم كنعاني وليس عبري يهودي) في عهد الملك "آحاز" الذي إستغاث بالآشوريين حيث كانت مملكة "يهوذا" عَميلَه للآشوريين، أما مملكة "يهوذا" التي قَويَت بإسناد من الآشوريين، فقد دُمرت على يد البابلية الجديده بقيادة "نبوخذنصر" عام 587ق.م، وسُبيَ سكانها إلى بابل لأنها تجرأت وتحالفت مع الفراعنه في مصر. ( الحدث التوراتي والشرق الأدنى القديم – فراس السواح). الشرق الأدنى القديم وفي مركزه بلاد الشام لا زال وسيبقى أساس ليس لطريق الحرير فقط ولا لمرور أنابيب الغاز إلى أوروبا، بل أيضا أساس للميثولوجيا الدينيه التي هيمنت عليه منذ آلآف السنين، هذه الميثولوجيا التي تطوّرت إلى أديان ثم تغَلّفت بالسياسه وأصبح الجزء الأكبر منها وعداً إلهيا لأصحاب هوية دينيه مُحدده هي "اليهوديه"، ولهوية دينية ثانيه (المسيحيه) هي الجذور وميلاد المسيح عليه السلام، ولهوية دينية ثالثه (الملة المحمديه) الجغرافيا المباركه والقبلة الأولى والإسراء والمعراج وثالث الحرمين الشريفين، حيث لا تُشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد...سياسه ومصالح تغلّفت بفكر ديني يؤدي للتطرف ويمنع الشعوب من أن تبحث عن هوية وطنية جامعه بدل الهوية الدينيه التي تُحدث الفرقه بتفسيرتها ومروياتها غير الدقيقه والتي لا تمت للحقيقه لشيء، خاصة أنها روحانيه وتحمل صفة الغيب ولا يُقصد منها السيطرة المنفرده للهويه الدينيه بقدر ما يؤسس إلى مفهوم التعايش بين الأديان التي كلها (مُسلِمَه)، فالدين واحد هو "الإسلام" والرسالات مُتعَدّده، ووفق المصحف الشريف هي (الصابئه واليهوديه والمسيحيه والمؤمنيين"مِلة محمد عليه الصلاة والسلام")، قال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ" صدق الله العظيم (البقره 62). وفي سورة الحج الآية 17، يفصل الله بين هذه الديانات ويضيف لهم "المجوس والذين أشركوا" يوم القيامه، قال تعالى: "إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ" صدق الله العظيم. وعليه فإن الواحد ألأحد لم يطلب من أحد أن ينوب عنه أو يقرر بإسمه أو يأخذ وعداً منه كمُسَلّمه كونيه وليست روحانيه، الله الواحد الأحد لا يرى بعيون الحاخامات ولا الباباوات ولا علماء الفقه ورجال الدين، ولا بأقولهم كمُسلّمات ولا بتفسيراتهم كشيء مُقدس، كل شيء بشري هو قابل للصح والخطأ وقابل للنقاش ومهما كان مصدره حتى لو كان من قولاً أو فعلاً أو عملاً من "نبي"، فالنبي هو بشر وهو يجتهد فيما يقول ويفعل، في حين "الرسول" شيءٌ آخر وهوَ معصوم بالعصمه الإلهيه ولا ينطق إلا بما يريد الواحد الأحد، وهنا يجب التفريق بين ما قاله ومارسه مُحمد "النبي" و مُحمد "الرسول" عليه الصلاة والسلام. ( السنه الرّسوليه والسنه النبويه- د. محمد شحرور). تعَمَدّت أن أشرح بعض الشيء في المفهوم الميثولوجي الديني بسبب أن الإستعمار الإمبريالي الغربي يُريد أن يستغل هذا الفكر الروحاني لتحقيق مطامعه في جغرافيا سياسيه يستطيع من خلالها السيطره على منطقتنا ولعقود طويله من الزمن، لذلك فإن الرد على ذلك يكون بفهوم "الإندماج" وليس بمفهوم "الإنفصال" على الهويات، فالمخطط الدائر وحربه المركزيه في "سوريا" وعلى "سوريا الكبرى" يتحتم على شعوب المنطقه أن تتوحد في مواجهة تلك الممالك والمفاهيم الدينيه المقيته وتتوحد على أساس المواطنه وعلى أساس الإحترام المتبادل للهويات الدينيه والقوميه والمذهبيه وترك الفصل فيها لله وفقا للآية الكريمه في سورة الحج(17) " إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، وغيرَ ذلك ليست سوى وصفات إمبرياليه غربيه أساسها الإستعمار وإستمراره. "أمثناة كمثناة اليهود" مقوله للفاروق الخليفه العادل "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه، كان يقولها في رفض كتابة أي مرويات عن النبي "محمد" صلوات الله عليه وسلم غير المصحف الشريف، بُعد النظر هذا الذي تمتع به تؤَكّده معطيات حدثت في الأمة العربية والإسلاميه ولا زالت، فالمرويات والأحاديث أصبحت الكتب لا تتسع لها وأدت إلى وجود أكثر من مليون ومائتي ألف قانون شرعي في الفقه الإسلامي، وأدت لدى بعض من العلماء حتى لنسخ الآيات الكريمه بالحديث المروي كما فعل الإمام الشافعي رضي الله عنه مثلاً، في مفهوم الوصيه والإرث حين أتى بحديث عن النبي صلوات الله عليه وسلم، " لا وصية لوارث، ولا يقتل مؤمن بكافر" وهو من رواة عامه قريش في عام الفتح وحديث مرسل عند البعض ومنقطع عند البعض الآخر ، كما أنها أدت إلى التفرقه في داخل الدين الواحد نفسه، بل كانت مُجمل المذاهب أساسها المرويات التي رُوَيت عن نبينا الأكرم صلوات الله عليه وسلم. وهذا دفع للتطرف والتمترس على اساس الهوية الطائفيه والمذهبيه، وجعَل الإستعمار الغربي يستغلها في محاولة لفرض أجندة تخدم أهدافه الإستراتيجيه في السيطره على طريق الحرير وعلى جغرافيا طُرق أنابيب الغاز، الطاقه النظيفه للقرن القادم، وفي نفس الوقت الحفاظ على دويلات الإستعمار في الإقليم قويه وقادره على الدفاع عن نفسها بدون أن تأتي بأساطيلها وعساكرها التي ستكون مشغوله في مواجهة المارد الصيني القادم من الشرق. مُعطيات الواقع ورغم حجم التدمير الكبير في المنطقه وبالذات في "سوريا" تشير إلى أن المُخطط في تفتيت المشرق العربي مرة أخرى وعلى أساس الهويات الدينيه لن يُكتب له النجاح، والتغيرات القريبه والبعيده يبدو أنها تتجه نحو تقسيم المصالح على أساس الطاقه والتنميه وإرتباط ذلك دوليا بالصين وروسيا ومعهما في الإقليم إيران والعراق وسوريا ولبنان، وفي المقابل محور الغرب ومعهم الدول الخليجيه والعربيه المعتدله وإسرائيل وفق رؤيا تَحدّ من طموحها التوسعي في الشمال لصالح الحفاظ على مصالحها الأمنية والإقتصاديه والجغرافيه في الضفتين الشرقيه والغربيه، وحتى نصل لنوع جديد من الإستقرار يأخذ بعين الإعتبار حَلٌ مَسِخ للقضيه الفلسطينيه وبموافقه من دول الإعتدال العربي، سوف تسيل دماء كثيره ويحدث دمار هائل خاصة في سوريا التي هي البوصله وهي المركز وهي بؤرة الحل، وروسيا القادمه برئاسة "بوتين" لن تتنازل عن سوريا بكامل حدودها بما فيها الجولان ومزارع شبعا، ولن تسمح للإرهاب بالبقاء، و "داعش" فانية وتتبدد وغيرها إلى زوال. |