وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

ربيحة ذياب مناضلة وقائدة طلابية من "الزمن الجميل"

نشر بتاريخ: 26/04/2016 ( آخر تحديث: 26/04/2016 الساعة: 18:51 )
ربيحة ذياب مناضلة وقائدة طلابية من "الزمن الجميل"
الكاتب: د. حسن عبد الله
كانت ربيحة ذياب طالبة علم الاجتماع في جامعة بيت لحم في نهاية السبعينيات، قائدة طلابية بامتياز، وكانت مثالاً يقتدى في النشاط والفعل، تمضي يومها في الجامعة تدرس وتعمل وتستقطب وتجمع المؤيدين لأفكارها السياسية.

وقد تقلبت على الجامعة أفواج من الطلبة، تخرجوا والتحقوا بالعمل، بينما سلسلة الاعتقالات، التي تعرضت لها، أخرت حصولها على شهادة البكالوريوس مدة ربع قرن من الزمن.
وإذا كان الإعلاميون والنقاد يطلقون على السبعينيات والثمانينيات على المستوى الفني أو الأدبي بـ"الزمن الجميل"، الذي كان فيه العطاء والإبداع مختلفاً عن المرحلة التي نعيش، من حيث الكيف والكم ، فهل يجوز أن نطلق على النضال الطلابي في تلك السنوات بنضال الزمن الجميل؟

السؤال صعب والإجابة أصعب، لأن الجمال المطلق لا يستقيم مع الملاحقة والسجن ومصادرة الحريات هذا هو التشخيص العام. بيد أن الجمال الداخلي كان موجوداً في العقل والوجدان، وفي نظرة الناس للحاضر والمستقبل، حيث كانوا يشتقون الجمال وينتزعونه من بين أنياب البؤس.
أما مصدر الجمال فتمثل في الانتماء النقي للوطن والفكرة وفي حب الناس لبعضهم بعضاً وحرص الفرد على الجماعة، واحتضان الجماعة للفرد.

في تلك الفترة من الزمن الجميل في التجربة الطلابية ، شاركت ربيحة في التأسيس عبر كتلتها"الشبيبة" وبالشراكة والتكامل مع الكتل الطلابية الأخرى، لحياة طلابية نقابية ديموقراطية احتكمت للانتخابات، ولم يدع أحد القدرة على السيطرة والاستحواذ على الحقيقة، والدليل أن الكتلة التي كانت تفوز في سنة معينة وتتولى قيادة الحركة الطلابية في هذه الجامعة أو تلك، كانت تسلم القيادة لكتلة أخرى عن طيب خاطر إذا حكم صندوق الاقتراع بذلك في السنة التالية.

في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي أصبحت المؤسسات التعليمية قلاعاً للوطنية والوطن، علمت وجذرت وخرجت ، في ظل ادراك الكتل الطلابية، بأن يداً واحدة لا تصفق وأن كتلة واحدة ليس بمقدورها التأصيل لتجربة وطنية ديموقراطية دون مشاركة الكتل الأخرى.

كانت ربيحة منتمية لحركة فتح وظلت الحركة وتطورها هاجسها، لذلك استثمرت نهارها وليلها في الارتقاء بهذه الحركة، لدرجة تغييب "ذاتها" بمتطلبات الفتاة واحتياجاتها في سنها ، وكأنها وجدت في هذه الحياة لكي تناضل لا لكي تعيش كفتاة تعتبر الحياة الجامعية بالنسبة إليها فرصة لتحقيق الذات الفردية. فقد همشت "الأنا" وعاشت الـ "نحن" في انصهار للذات في بحر المجموع.

فلاحة بسيطة في الجامعة، وفلاحة بسيطة في الوزارة والمجلس التشريعي بعد سنوات وسنوات من انطلاق مشوارها النضالي الطلابي. واليوم وأنا اتابع كإعلامي وكاتب الانتخابات الطلابية في الجامعات الفلسطينية، ارى أن الحركة الطلابية مدينة للفريق المؤسس الذي تسامى على كل التناقضات والمنافسات والانتماءات ونجح في وضع المداميك الأولى للتجربة، ولولا أن الأساس كان صلباً ومتيناً لتاهت الحركة الطلابية في هذه المرحلة كما تاه وضاع كثير من المفاهيم والاعتبارات والحسابات، نتيجة انحراف البوصلة واشتداد حلكة المرحلة و الغرق في بحر الذات، بعد الابتعاد عن العام و التنكر له، حيث يتم نفخ وتضخيم الفصيل أو الحزب أو القائد ليصبح الجزء في مرحلة " عمى الألوان" أكبر من الكل وأكبر من الوطن في عملية خلط بين الوسيلة والهدف بين الأداة والغاية.

لم تنكسر بالرغم من الاعتقالات والضغوط واستمرت كما هي وفية لفكرتها ومسكونة بالوطن، لكن جسمها النحيل لم يحتمل كل هذه المعاناة، لم يستطع مجاراة صلابة استثنائية وروح معنوية متقدة ، فتوقف النبض في القلب، بينما إرادة ربيحة في أوجها.

ومن المنطقي كقائدة طلابية قديمة، فإن آخر ما تابعته قبل رحيلها نتائح الانتخابات في الجامعات والمعاهد والكليات لهذا العام، واجزم انها عادت بذاكرتها إلى سنوات"نضال الزمن الجميل" حيث مرحلة غياب الاستعراضات الفردية، والمواقف الفجة، فالطالب كان يعطي ولا يأخذ، ويخصص للانتخابات جزءاً من مصروفه الذي هو في الأصل لا يسد احتياجاته الأساسية، ولا ينتظر كتلة أو جهة ما لتفتح على الانتخابات"حنفية" مال، ولعلها تذكرت أن الحملة الانتخابية كانت تحتاج فقط إلى بعض أقلام "فلوماستر" ومجموعة من الأوراق الكرتونية، لتخط عليها الكتلة أسماء مرشحيها، وبعض شعاراتها".

ترحل ربيحة ذياب وتغيب جسداً، إلا أن الروح ستظل مفعمةً بالحياة وعامرة ً بالوطنية الحقة، لأنها روح مجبولة بالعمل والنشاط والتضحيات، ومجبولة قبل شيء بالجماعة،ولأن روحها سكنت منذ سنوات طوال الجماعة، فإنها ستبقى، فالفرد يموت ويرحل ويوارى التراب، لكن الجماعة مستمرة بما ضخه الفرد المخلص فيها.