|
لماذا كل هذا التحامل على أردوغان؟!
نشر بتاريخ: 07/05/2016 ( آخر تحديث: 07/05/2016 الساعة: 11:24 )
الكاتب: د.احمد يوسف
في 2 مايو 2016، وتحت عنوان: (مؤامرة أردوغان لأسرلة غزة و"أتركتها" لإقامة "مملكة اسرائيل"!)، كتب الصديق حسن عصفور مقاله الافتتاحي في موقع "أمد للإعلام"، وكان المقال بعنوانه والتحليل الذي قدَّمه صديقنا العزيز صادماً بكل ما تعني الكلمة من معان. لقد أخطأ صديقنا (أبو علي) وجانبه الصواب في كل ما ذكره بحق رجب طيب أردوغان، وهذا ما استدعى قلمي للرد عليه.
أردوغان كما عرفته: فلسطيني المواقف والهوى تعود معرفتي لتركيا لبداية السبعينيات، حيث ذهبت هناك إلى الدراسة وكان الإسلام غائباً عن الحياة في سياسات هذا البلد الخارجية؛ بل كانت علاقاته مع إسرائيل وطيدة واستراتيجية لحد التشكيك بأنه كان يوماً عنواناً أممياً لأمتنا، ومجدنا الإسلامي التليد لأكثر من ستة عقود، بسطت فيها الخلافة العثمانية هيبتها على العالمين. ومع دخول الإسلاميين في تركيا على خط السياسية في مطلع السبعينيات، ونجاحهم بعد أكثر من ثلاث عقود من الصراع مع العلمانية من تخطي عقبة الوجود في مشهد الحكم والسياسة. اليوم، نحن نشهد مواقف متقدمة لتركيا أردوغان، وتحركات تعكس صدقيَّة في السياسة لدعم الفلسطينيين ونصرة قضيتهم. لقد التقيت أردوغان عدة مرات، وكنت إلى جانبه في لقاء خاص كمستشار لرئيس الوزراء إسماعيل هنية في 2007، وتحاورت معه في الشأن الفلسطيني وما يمكن لتركيا تقديمه لنا على مستوى الدعم الإنساني والإغاثي، وفي مجال تقديم النصيحة والمشورة السياسية قرابة الساعتين، وكان ذلك بحضور مستشاره السياسي – آنذاك - أحمد داود أوغلو، وقد شعرت بأن الرجل يعيش قضيتنا ويحمل همَّنا الفلسطيني، ووعد بأن يبذل الجهد - إقليمياً ودولياً - للتخفيف من معاناتنا، والعمل لتسريع رفع الحصار عن قطاع غزة. إن مواقف أردوغان تجاه قضيتنا الفلسطينية تكفيه شاهداً على حسن انتمائه لأمته، وحرصه على الوقوف إلى جانبها والدفاع عن حياضها، وقد أبلى بما تسمح به صلاحياته ومصالح الدولة التركية الكثير من أجل شعبنا وقضيتنا. في أكثر من لقاء تمَّ بعد ذلك، وخلال مؤتمرات تخص الشأن الإسلامي والربيع العربي، كنت أنصت له وأتفرس في ملامحه وانفعالاته، وقد وجدت نفسي أمام رجل لن يداهن في قضايا أمته، ولن يخذلنا كفلسطينيين، ولكن السياسة – يا صديقي - تتطلب الحكمة والنباهة والمداراة، وليس المواقف المتهورة وخبط العشواء. الإنسان موقف: شهادة التاريخ لأردوغان في دافوس 2009، ربما كانت الإطلالة الأولى لأردوغان، والتي دفعتنا فيما بعد لمتابعته، والتعرف إلى مواقفه الجريئة في انتقاد إسرائيل. كانت كلمته التي وجهها وبكل قسوة إلى الرئيس الإسرائيلي شمعون بيرس، حيث قال: "إن إسرائيل هي من تقتل الأطفال في غزة"، وانسحب من الجلسة، وكانت تصريحاته في التعليق على تلك الحرب بأن الموقف الإسرائيلي "غير إنساني"، و"ظالم وغير مقبول"، وقد وصفها "بالبلطجة السوداء في تاريخ الإنسانية".. وعندما قامت البحرية الإسرائيلية في مايو 2010 بالاعتداء على سفينة كسر الحصار (مافي مرمرة )، وسقط شهداء وجرحى أتراك، حينها تمَّ طرد السفير الإسرائيلي من أنقرة، وتجميد الاتفاقات العسكرية معها، ووضع أردوغان شروطاً ثلاثة لعودة العلاقات كان من بينها رفع الحصار عن قطاع غزة. وفي اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء؛ إسماعيل هنية، بعد حادث الاعتداء على السفينة التركية لكسر الحصار، قال أردوغان في سياق تطمين الأخ أبو العبد هنية: "سنظل ندعمكم حتى لو بقينا وحدنا"، وقال في خطاب آخر له، تعقيباً على ذلك الحادث: "أقول مرة أخرى، لو سكت الكلُّ وأغمض عينيه وأدار ظهره، فإننا في تركيا لن ندير ظهورنا للفلسطينيين وللشعب الفلسطيني ولغزة، ولن نغمض عيوننا، وسنواصل رفع صوتنا عالياً من أجل غزة. وفي الحرب العدوانية الأخيرة عام 2014، أعرب أردوغان عن دهشته واستغرابه من الصمت الدولي حيال ما ترتكبه إسرائيل بحق أهالي قطاع غزة، وتساءل: "أين الديمقراطيون والحقوقيون مما ترتكبه إسرائيل الإرهابية؟!". وأوضح قائلاً: "إن البعض يريد من تركيا أن تصمت حيال ما ترتكبه إسرائيل من جرائم، ويريدها حارسة لها.. لكن، ليعلموا جميعاً أننا لسنا حرَّاساً لدولة إرهابية"، وأكد أنه لو صمت العالم بأسره، فنحن لن نصمت على الإطلاق". هذا يا صديقي هو أردوغان الذي عرفناه، الرجل صاحب المواقف الصلبة، والذي تجرأ على اتهام إسرائيل بأنها الدولة المارقة التي ترعى الإرهاب، وهو الذي قدَّم العديد من الأفكار والمبادرات من أجل تخفيف الحصار الظالم المفروض عن قطاع غزة منذ أكثر من عشر سنوات، وما فكرة الميناء ومحطة الكهرباء إلا إحدى تلك المحاولات لكي يتنفس القطاع، ويتحرر أهله من هذا السجن الكبير، بعدما سدَّ العرب في وجهنا كل المنافذ والأبواب. قل هاتوا برهانكم؟! لصديقي العزيز حسن عصفور، والذي صدمنا بموقفه الذي يفتقر للعدل والانصاف تجاه أردوغان، واتهامه الظالم له بأن مشروعه السياسي هو لـ"أسرلة" قطاع غزة و"أتركته"، وفتح الباب عريضاً لفصله السياسي - الكياني، هو بوابة إعادة بناء "مملكة إسرائيل"، التي يزعمون وجودها في التاريخ القديم، حلمٌ لن يرى النور إلا بكسر "الوحدة الجغرافية" للضفة والقطاع والقدس، وإقامة "محمية غزة الخاصة"، ويبدو أن الحصار الإنساني العام على قطاع غزة، هو "التميمة" الاستغلالية لتمرير مشروع أردوغان لخيانة فلسطين وخدمة "مملكة اسرائيل". يؤسفني أشد الأسف - أيها العزيز - أن يخرج مثل هذا الكلام منك، فأنا أعرف أنك لست إسلامياً بالمعنى الأيديولوجي للكلمة، وأن جذورك الفكرية يسارية الهوى، ولكنك مثقف عالي الثقافة، وسياسي مخضرم، ولا أتوقع منك أن تكون ظالماً في تحليلك إلى هذا الحد، بحيث يستدعي أن نواجهك بالسؤال: (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين)؟ يا صديقي العزيز.. إن غزة عصيَّة على "الأسرلة"، وقد حاولت إسرائيل مع كل جبروتها وبكلِّ الطرق إخضاعها، ولكنَّ الفشل كان نصيبها، وانتهى بأن حمل الاحتلال عصاه ورحل، وكما شاهدت كان يجرجر أذيال الخيبة والعار. إنك تعلم يا صديقي بأن تركيا في عهد الراحل العظيم ياسر عرفات (رحمه الله) قد أقامت مثل هذه المشاريع الصناعية في الضفة الغربية وعلى حدود قطاع غزة في منطقة بيت حانون، وكنت أنت وقتها إما في الحكومة أو قريباً من جهة صُنع القرار، ولم نسمع – يومذاك - احتجاجاً من أحد، حيث كانت تلك المشاريع لتعزيز صمود أهلنا في مناطق السلطة الفلسطينية، ولم يفكر أحدٌ في القيادة السياسية بمثل ما تطرحه أنت - اليوم - من شكوك واتهامات بالغة الظلم والتجني، وتفتقر إلى الدليل والبرهان، فضلاً على عدم واقعيتها، وجنوحها لفنتازيا الخيال اللاأخلاقي، التي يلخصها قول: (وإذا خاصم فجر). لقد أغضبتني اتهاماتك يا صديقي وأوجعتني، وليس من العدل والإنصاف وشرف الخصومة أن يصدر عنك مثل هذا القول، حيث إن تركيا هي دولة مركزية في المنطقة، ولها هيبتها ومكانتها بين دول وشعوب أمتها، وهي تحاول أن تقدم ما تستطيع للمحاصرين والموجوعين في قطاع غزة، وقد ركبت الصعب، وكادت أن تدخل في مواجهة عسكرية مع إسرائيل من أجل قطاع غزة عام 2010، بعد حادث الاعتداء الشهير على سفينة كسر الحصار "مافي مرمرة"، إلا أن حسابات السياسة، وتقديرات الموقف ومخاطره الاستراتيجية جعلها تؤثر خيارات أخرى، وأن تكون القطيعة السياسية ووقف التنسيق الأمني هو الخيار الاستراتيجي البديل لحكومة رجب طيب أردوغان. ومن الجدير ذكره، الإشارة إلى أن تركيا هي حليف استراتيجي لأمريكا، وهي عضو في حلف الناتو، وبالتالي فإنها ليست طليقة في سياساتها الخارجية، وهذا يفرض عليها معالجة الأمور في سياق أمنها القومي، ومصالحها الوطنية، وعلاقاتها الدولية. إن تركيا أردوغان – يا صديقي العزيز - تحظى باحترام أمتها العربية والإسلامية، وهي - الآن - تتصدر زعامة منظمة التعاون الإسلامي، وهي حريصة على أن تأخذ أمتنا مكانتها تحت الشمس وأن تكون صاحبة قرار بين الأمم، وهي تسعى بكل استطاعتها على تسوية مشاكل دول المنطقة وحلِّها، وقبل خلافها الأخير مع روسيا كان الجميع من إسلاميين وعلمانيين يتغنى بالتجربة الأردوغانية في ديمقراطية الحكم والسياسة، وبما أنجزته نهضتها الاقتصادية، وأدوارها في حلِّ بعض نزاعات المنطقة. إن مملكة إسرائيل - يا صديقي العزيز - لن يبنيها إلا هذا التعنت والفشل في تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام، وهذا الحصار الذي يشارك فيه البعض لخنق غزة، ودفعها للاستسلام ورفع الرايات البيضاء.. لقد حاولنا - وفي أكثر من مناسبة - التأكيد أنه "لا دولة في قطاع غزة، ولا دولة بدون قطاع غزة"، ولم أسمع أحداً بين قيادات الحركة في الداخل أو الخارج تلفظ بغير هذا القول. لذا، فإن مقولتك حول إقامة "محمية غزة الخاصة"، مردودة عليك يا صديقي، وهي أشبه بمن كان يردد القول بعد الأحداث المأساوية في يونيه 2007 بأن حركة حماس تريد إنشاء دولة "حماسستان".!! إن "مملكة إسرائيل" يا صديقي هي في رؤية الوطنيين والإسلامين "مشروع إزالة" في سياق عودة أرض فلسطين التاريخية لأهلها الشرعيين، وإن ما يطرحه البعض حول "إسرائيل" إنما هو السياسة خيارات الممكن، بسبب ما نحن فيه من حالة الضعف والهوان، ليس إلا. إن محاولات التشكيك في أردوغان، والحكم المسبق على توجهاته واتهام نيَّاته، هي سقطات سياسية يلجأ إليها البعض – للأسف - خدمة لأجندات تعاظم من خلافات المنطقة وتحالفاتها الممقوتة.. كم كنت أتمنى وأرجو على كل من يتعمد الإساءة من الفلسطينيين إلى تركيا أردوغان أن يدرك أنه بهذا العمل إنما يُسيء إلى قضيته الوطنية، وعليه أن يتفهم بأن الشعب الوحيد الذي يحظى باحترام الأتراك هو الشعب الفلسطيني؛ لاعتبارات دينية وتاريخية. ولذلك، فإن ما نشاهده من دعم إنساني ومواقف سياسية إنما يخرج من مشكاة هذا الحب، الذي ننفرد به بين أبناء أمتنا العربية والإسلامية. في الواقع، فإن الكثير من الانتقادات التي طالعناها ضد رجب طيب أردوغان، جاءت بعد تردي العلاقات التركية - الروسية، وكانت تأتي في سياق التحامل والانتصار لأيديولوجيا الانتماء، وكانت قائمة على فرضيات زائفة، وتفتقر إلى الصدق والموضوعية، وكان الرد المناسب لها هو القول: (كبرت كلمة تخرج من أفواههم) . ختاماً: عذراً.. أخطأت يا صديقي إن مسيرة أردوغان وسيرته تشي بأننا أمام زعيم يصنع لأمته مجداً، وهذه حقيقية لا تغيب عن كل من يرقب مطلع الشمس ومغربها، ويتابع سياسات المنطقة، فأردوغان ليس متآمراً – يا صديقي - ولكنه رجل عاقل حكيم يقدّر لقدمه قبل الخطو موضعها، وهو خير نصير لنا، وكان خلال الحروب التي تعرض فيها قطاع غزة للعدوان الإسرائيلي، هو من أكثر من تحرك لوقفها، وتعبئة الرأي العام ضدها، وكانت كلماته القوية في الساحات والمحافل الدولية بإدانة إسرائيل، لانتهاكاتها للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، واتهامها بارتكاب جرائم حرب بحق الفلسطينيين، غير مسبوقة عربياً وإسلامياً. إننا، وخلال السنوات العشر الأخيرة، والتي يتعرض فيها القطاع لحصار ظالم، وتشهد فيه القضية الفلسطينية تراجعاً كبيراً، لم نلحظ في أفق الدعم والمساعدات والمواقف السياسية المؤيدة لقضيتنا إلا تركيا أردوغان وقطر، فيما دول عربية تتفنن في التضيق علينا، وحشرنا في الزاوية لنرفع الرايات وإعلان الاستسلام. ما زلت أراك يا صديقي تمارس قول الظلم في كلِّ رأي أو تحليل تذكر فيه أردوغان.. آمل أن تُثبت لك الأيام أنك كنت مخطئاً في اجتهاداتك بالحكم على الرجل، وأن تجد الوقت لكي تراجع النفس وأن تعتذر. |