|
قطع الأعناق ولا قطع الأنفاق
نشر بتاريخ: 07/05/2016 ( آخر تحديث: 07/05/2016 الساعة: 14:31 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
في اطار حربها المتواصلة على الشعب الفلسطيني تعمد اسرائيل الى تضليل الرأي العالمي بقصة ما ، ويجري تضخيمها امام الاعلام العالمي لتصبح مسوغا لعدوانها المتواصل ، وسرعان ما ينجرّ الرأي العام الامريكي والغربي نحو هذه الرواية وتمضي سنين قبل البدء بذريعة أخرى وهكذا دواليك . ويذكر الجيل السابق ذريعة الكاتيوشا في جنوب لبنان ، وذريعة التواجد في منطقة " فتح لاند ، " وذريعة رشق الحجارة في القدس ، وذريعة الصرف المالي ومؤامرة قادها شارون حملت اسم الفساد المالي ولا تزال مستمرة حتى يومنا هذا لاظهار كل الفلسطينيين انهم فاسدون ولصوص ، ومنذ سنوات فتحت اسرائيل حريا اعلامية ضد غزة اسمها " الانفاق " لتصرف الانظار عن الموضوع الاساسي وهو الحصار الذي حوّل قطاع غزة الى أكبر سجن في العالم . وبدلا من انشغال العالم والصحافة والرأي العام بحصار غزة صار العنوان البديل هو الانفاق . ويجري تحويل المجني عليه الى جاني ، ولا تكتفي اسرائيل بذنب الحصار وانما تسعى الى تحميل المجني عليهم مسؤولية الجريمة .
ان حماس لن تستطيع وقف الانفاق حتى لو أرادت ذلك ، لان عرفات لم يستطع من قبل . واسرائيل لم تستطع حين كانت تحتل رفح ، وان اية جهة قادمة ستحكم غزة لن تستطيع وقف ظاهرة الانفاق حتى لو أرادت ذلك . فالانفاق نشات بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين السادات وبيغن ، وكانت ردة فعل شعبية تلقائية على تقسيم رفح وتشتيت ابناء العائلة الواحدة ، وتطوّرت الامور حتى تحوّل بعضها الى انفاق عسكرية ، واقتصادية ، وتجارية ، وحدودية ، وانفاق مقاومة .. وربما هناك انفاق اخرى في غزة لا نعرف غاياتها . ومن المهم التأكيد على ان الثورة الفلسطيني لا تربط مصيرها بالانفاق كما لم تربط مصيرها بخطف الطائرات او السيارات المفخخة او الاحزمة الناسفة او المولوتوف والار بي جي . فالانفاق وسيلة وليست غاية ، وأنفاق المقاومة ( كل نفق يكلف مبلغا وجهدا ووقتا غاليا وثمينا ) ليست هجومية وان كانت استخدمت لهذا الغرض في بعض العمليات ، فان انتصار الثورة ليس محتوما بالانفاق ، وان ثورة الفيتكونغ في فيتنام استخدمت الانفاق احيانا في مباغتة المحتل الامريكي ، لكن ثورة الفيتكونغ كانت كثيرا ما تستخدم هذه الانفاق لتخبئة الفلاحين المساكين وحمايتهم من قنابل النابالم وبطش الجنود الامريكيين . ان اطفال القدس لا يملكون انفاقا وقد هزموا الاحتلال ، وجماهير الضفة لا تملك أنفاقا ، وحزب الله لا يملك أنفاقا ، وكتائب القسام في نابلس والخليل والقدس وبيت لحم لا تملك أنفاقا . ومع ذلك فانها نجحت في تنفيذ عمليات اقوى واهم ، وقتلت عددا اكبر من جنود الاحتلال مما فعلته أنفاق غزة ولو عدنا الى ارشيف المقاومة وحسبنا كم مستوطنا وجنديا اسرائيليا قتلوا بسبب الانفاق ، لوجدنا ان العدد لا يتجاوز اصابع اليد الواحدة ، وبالمقارنة مع شاب عربي غاضب في شوارع تل ابيب قتل اسرائيليين أكثر مما قتلت الانفاق . ان الارتهان الى فكرة ان بقاء الثورة منوط ببقاء الانفاق والمبالغة في طرح الامر بهذه الطريقة سيجرّنا الى مربع خاسر من ناحية ثورية ومن ناحية مادية ومن ناحية الابتعاد عن الجماهير . لان جماهير غزة لا تملك انفاقا تحميهم ولا تحمي منازلهم التي قصفها الاحتلال . الى جانب خطر ان يعتقد الكثير من احرار العالم ان نجاح المقاومة في حفر انفاق كان ردا كافيا على حصار الاحتلال . الانفاق ليست استراتيجية تحرير ، وستبقى ولن تنتهي وانما هي تكتيك حماية للبقاء والاختفاء والنقل احيانا ، وان كل تضخيم في هذا الامر واستحقاقاته سيدفع العالم للاعتقاد ان هناك مدن تحت رمال القطاع المحاصر ، وان فيها سيارات ومولات ومحلات تجارية وأسواق ومقاهي وكوفي شوب وسينما وهذا غير صحيح . رفع الحصار عن قطاع غزة واعادة حقوق المواطن المسلوبة هناك واعادة تشغيل مطار عرفات وميناء غزة هو شعار المرحلة المستمر ... اما الانفاق الحقيقية فهي موجودة اساسا في عقل نتانياهو وجنرالاته ، وموجودة في عقدة البقاء عند المستوطنين في غلاف قطاع غزة . |