وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

على قدرِ أهل الحزنِ تأتي المصائبُ

نشر بتاريخ: 08/05/2016 ( آخر تحديث: 08/05/2016 الساعة: 12:19 )
على قدرِ أهل الحزنِ تأتي المصائبُ
الكاتب: رأفت صوايفه
ليسَ أيّ حزنٍ يزور غزة .. فغزة شاهقةٌ في الألم لا يدغدغُ نصف موتها أي حزن .. فحتى إن زارت الجحيمُ غزّة اقشعرّت ألسنُ نارها حزنًا وبكت، لكنّها صامدة أمام نفسها، منذ أن خُلقنا وهذه البقعة من أرضنا تُشلُّ بالنار، فنارُ المحتل لاكت نساءنا وشيوخنا وأطفالنا وشبابنا وتفلت معها معاني الإنسان، ونارُ الانقسام أحرقت ملايين اللوحات التي كانت سترسم للبحر من أهل الضفة، واليوم تتلف النار إهمالنا وتقصيرنا تحت مبرر "العين بصيرة والايد قصيرة"، الأيادي مبتورة وليست قصيرة بترتها المصالح الشخصيّة وفخّ المنصب والاستحواذ على السلطات، الأيادي تنبت لتطال الموت فقط، لكنّ الأطول منها هي الألسن المحشوّة بالألوان التي اعتادت على تبادل التهم ونقش المجرم على جبين الآخر الفلسطني، الآخر هو المحتل فقط، الذي ضربَ تلك المحطة اليتيمة حتى أُنهكت من اطعام صنابير الضوء بالكهرباء، والتي ساهمَ أصحابُ بيتِ مال "المؤمنين" في جبايةِ موت أطفالنا ومصادرة حياتهم، فمتى سنتعلّم!

متى سيأتي اليوم الذي تتجه فيهِ العقول والأيادي إلى مسارها الحقّ، متى سنجتث الجشع من بطونِ أصحابه، أكتبُ الآن بعد أن شاهدتُ أمًا تعانقُ ثلاثة أطفال صاروا فحمًا جراء احتراقِ منزلٍ من "شمعة"، الشمعة التي نرسمها منذ طفولتنا في حلكةِ يأسنا لتشحذنا بالأمل، اليوم تصبُح نفس الشمعة مفتاحًا لثلاثة قبور صغيرة سالت حتى بخّرت الأجسادَ أرواحًا ناعمة لبارئها، لم أستطع إلا البكاء الذي بالتأكيد لن يطفأ نار قلبِ تلك الأم، والذي أيضًا لن يعيد الملائكة الثلاثة للحياةِ مجددًا، لكنّه سيلهي يدي قليلاً من توجيه اصابعها نحو الجاني، فبوصلةُ الانسان لا تعرفُ شمالها من جنوبها في محافظات الوطن الجنوبية، فكيفَ لمن يمتلك البوصلة في غزّة أن يقولَ للجميع: ابكوا فهذا حزن، وليسَ مظاهرةً لرشقِ الكره، اخفضوا برفقٍ النحيب فهذا ألم لا يصلحُ لهُ نفيرُ العسكر، أعلنوا الحداد ومدّوا أياديكم لكتفِ الأم، فهي غزّة، السيد الرئيس مدّ اليومَ يدهُ بالمساعدة، مدّ يدهُ متحسسًا برفقٍ حرقةَ قلبِ العائلة، لكنّه مدّها قبل ذلك مرارًا كي لا تحترق هذه العائلة، مدّها لكي تكونَ الشمعة التي حَرقتْ بالأمس .. شمسًا للحمةِ أبناء الوطن في الغد، نحنُ فلسطينيون أبناء النخوةِ والشهامة ومن يردُّ يدًا ممدودة بالخير ليسَ فلسطينيًا، لا تردوا يدَ هذا الرجل .. أعيدوا الوطن مثلما كان .. كي نحتضنَ ألفَ أم ونكونَ لهنّ ألفَ طفل.