وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

"عاشق من فلسطين"

نشر بتاريخ: 08/05/2016 ( آخر تحديث: 08/05/2016 الساعة: 14:15 )
"عاشق من فلسطين"
الكاتب: د. حسن عبد الله
اقتبست عنوان ديوان الشاعر الكبير محمود درويش "عاشق من فلسطين" عنواناً لهذا المقال، وهو ديوان شكل بصمة مهمة في بدايات تجربة درويش الشعرية، بخاصة وأن هذا الديوان، كان الجسر الشعري الحقيقي الذي عرّف العرب والعالم بشاعرية فلسطينية فذّة ذات صوت مختلف و ذات حس إبداعي استثنائي، حيث امتازت قصائد الديوان بالروح الوطنية عميقة الإنتماء التي تم التعبير عنها بصور مدهشة محمولة على أكف غنائية شعرية تجعل من القصيدة أغنية منغمة ملحنة تنسرب في الأذن والوجدان بتلقائية أو تجعل من الأغنية قصيدة شديدة التكييف وشديدة الاسترسال ولا تناقض هنا.

لم أحتج إلى كثير من الوقت والجهد في السنة الجامعية الأولى لكي أنقش كلمات الديوان في ذهني أو لأرسم صور هو دلالاته في مخيلتي، فقد حفظت الديوان صماً عن ظهر قلب، بينما لم أسع لذلك وربما لو سعيت لوجدت صعوبات في الحفظ، لكن شفافية وحميمية القصائد جعلت الحفظ تلقائياً وسلساً.
وبعد سنوات حينما فكرت في عنوان مناسب لبرنامج الثقافي الإبداعي الذي أقوم بإعداده وتقديمه على شاشة "فضائية معاً"، فلم أجد أنسب وأكثر تكثيفاً وعمقاً ودلالة من "عاشق من فلسطين"، إضافة إلى أنه لشرف عظيم أن يلتف برنامجي بغطاء مخملي من شعر وأن يكون عنوان ديوان درويش هو بداية وختام البرنامج.

أما هل يجوز تسمية كل ضيف أديب أو إعلامي مبدع أستضيفه في البرنامج بـ "عاشق من فلسطين" ؟

في قاعة المربية هيام ناصر الدين، حيث اسجل حلقات البرنامج، تخرج التجارب الإبداعية من مخزن الذاكرة وتنطلق تحدث نفسها عن نفسها، وتحدث الآخرين عن تجربة تضمخت وتخصبت بعبق الكلمة ووجعها للكلمة ليكن الضيف قصته على جدار الليل بحروف مضيئة من تصميم و إرادة.
هل أنا أروج بهذه الكلمات للبرنامج، الجواب كلا، بل إنني أروج للتجارب الإبداعية التي تستحق التوثيق والتعميم، فلا مبدع يأتي من فراغ، ولا مبدع يسبح في فراغ، فكيف إذا كان المبدع قد ولد وترعرع في ظروف موضوعية طافحة بالمرارة والألم والتحديات، ولادة من رحم الجوع وصفيح المخيمات وفقر القرية ونزيف المدينة.

مبدعون جاءوا من اللجوء، ومن المعتقلات، ومن كنتونات صغيرة في وطن يعاني استنزافاً مستمراً، ومن عوز ٍ وضنك عيش فجر الإبداع تمرداً بالقلم أو الريشة أو الكلمة المنطوقة، ألا يستحق كاتب يحدد تاريخ ولادته بالقول إنني ولدت بين النكبة والنكسة أن نحمله صوتاً وروحاً إلى كل أصقاع الأرض، وبعد أن نهض وتقوى وانطلق بين تاريخين مفجعيين.
وألا يستحق شاب – كهل أن نُعرّف بتجربته، بخاصة وقد زج به في المعتقل أمياً وتخرج من مدرسة الاعتقال كاتباً ليشق طريقه بعد التحرر أكاديمياً وباحثاً ويحصل على أعلى الدرجات العلمية، ألا يستحق أن نحمل على أجنحة الإعلام تجربته ونقول هذا هو الفلسطيني الذي فجر الحياة في الموت، وخصَّب العشب الأخضر على أنقاض اليباس؟!!

أجل انه جدير بالاحتفاء بينابيعه حتى لو فاضت على الشاشات وغمرت الميكرفونات فرحاً وأملاً ورسائل مفعمة بالغد.
وكيف لا نحتفي ثقافة وإعلاماً بتجربة تعلّم صاحبها حروف اللغة العبرية في غرفة اعتقالية مظلمة؟، وانكب على صحفهم يقلبها ويبحر فيها ، ليعرف تفاصيل حياتهم وإلى أين هم ذاهبون وكيف يفكرون بأنفسهم وكيف يصيغون مخططاتهم وبرامجهم لاحتوائنا وطمسنا، ليتخرج بعد سنوات كاتباً ومحللاً و خبيراً في الشؤون الإسرائيلية، يثقفنا ويعلمنا يحصننا

لقد شبعنا من الأصوات التي تصر على اقناعنا بأننا مجرد أرقام في صفحات دفتر شعب عاقر، لا حول له ولا قوة، وشبعنا أيضاً من الأقلام والأصوات التي تصر على حشرنا في السواد، انطلاقاً من مرحلة لا تتحرك إلى الأمام، لأننا نؤمن أن سكون المرحلة ليس مطلقاً، وتسّمر تاريخ الفلسطينين في متاهات السياسة ليس مطلقاً وليس قدراً، ففي المنظور اللحظي يبدو التاريخ لا يتحرك، وهو في حقيقية الأمر يتحرك متلاحماً متماهياً مندغماً بحتميةعجلة تدور إلى الأمام، بصرف النظر عن بطء الحركة، فالبطء لا يعني أن التاريخ قد تنصل من حتميته، لأنه لا يستطيع، ولأنه لا يملك الحق ولا يخضع لمزاج المحللين أو هواة التخفي وراء"نظّارات" فصلوها من حلكة سواد الليل، وأصروا على الابحار في قوارب مطلية بالأسود و أمواج شربت السواد حتى الغصة لتتكفن و تنتهي في الأسود.