|
دروس وعبر في ذكرى النكبة
نشر بتاريخ: 10/05/2016 ( آخر تحديث: 10/05/2016 الساعة: 10:31 )
الكاتب: هاني المصري
فكرت كثيرًا حول ماذا أكتب في ذكرى النكبة، ووجدت أنه من المناسب تقديم ما اعتبِره بعض العبر والدروس المستخلصة من التجربة الفلسطينية منذ قيام إسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني وحتى الآن.
سأبدأ بأكذوبة أن الرفض الفلسطيني والعربي لقرار التقسيم هو الذي ساهم في وقوع النكبة وجعل مساحة إسرائيل تصل إلى 78% من مساحة فلسطين الانتدابية، أي أكبر من المساحة التي خصصت لها في قرار التقسيم، وتصوير أنّ هذا "الخطأ" هو الذي منع قيام دولة فلسطينية على الضفة الغربية وقطاع غزة، وليس الرفض الصهيوني المدعوم من الدولة المنتدبة بريطانيا، ومن التواطؤ العربي، وبعد ذلك ساهم في حدوثه أخطاء فلسطينية. تفنيد هذه الأكذوبة يمكن من خلال الإحالة إلى الوثائق الصهيونية التي باتت متاحة الآن، والتي تشير إلى وجود خطة صهيونية كانت موضوعة سلفًا لاستئناف العدوان والسيطرة على مزيد من الأراضي وممارسة تطهير عرقي لطرد أكبر عدد ممكن من السكان الأصليين، وتوسيع مساحة إسرائيل على أكبر مساحة ممكنة من الأرض، وهذا يؤكد أن إسرائيل ادّعت أنّ العرب برفضهم قرار التقسيم وشن الحرب على الدولة الوليدة لم يجعل أمامها مجال سوى الدفاع عن نفسها، وبما أنها هزمت العرب الذين حاولوا القضاء عليها فمن حقها بعد أن انتصرت عليهم أن تحصد الغنائم، مع العلم أن عدد وتسليح العصابات الصهيوينة العسكرية فاق كمًا ونوعًا مجموع "الجيوش" العربية التي هبّت لنجدة فلسطين، وهذا بالإضافة إلى دعم دولة الانتداب للصهاينة أدى إلى هزيمة العرب وليس رفضهم لقرار التقسيم. لقد شُكّلت حكومة عموم فلسطين لكي تمارس سيطرتها على الأراضي الفلسطينية التي لم تكن ضمن إسرائيل، ولكنها لم تقف على رجليها بحكم رفض الحكام العرب وتواطئهم وتبعيتهم ورهانهم على حليفتهم العزيزة بريطانيا "صاحبة وعد بلفور". لا يمكن محاسبة الشعب والقيادة على رفضهم تقسيم الوطن التاريخي على يد حركة استعمارية استيطانية إحلالية، لأن الموافقة كانت ستقسم الوطن والشعب والقضية، ولو حصل ذلك ووافقت القيادة الفلسطينية على قرار التقسيم لما بقيت قضية فلسطين حية حتى الآن. لقد أحيت الثورة الفلسطينية المعاصرة القضية الفلسطينية بعد سنوات من وقوع النكبة، وما زالت حية رغم جميع المخاطر والتحديات التي تواجهها حاليًا وتهددها بالتصفية. طبعًا، كان بإمكان الفلسطينيين والعرب إعطاء اهتمام أكبر للشق الذي تحدث عن إقامة دولة فلسطينية (عربية وفق نص قرار التقسيم)، والتعاطي الإيجابي مع هذا الشق من دون الموافقة على القرار، وهذا كان سيفضح حقيقة الموقف الصهيوني منه، ولكن هذا على أهميته مجرد تفاصيل، لأن الأمر الحاسم كان ولا يزال الاختلال الفادح في ميزان القوى لصالح إسرائيل ومن يدعمها. فلسطينية القضية وعروبتها وعالميتها واستقلالية القرار الفلسطيني من الدروس المستفادة من التجارب الفلسطينية أنه كان من الأخطاء الفادحة طمس البعد الفلسطيني في الصراع لصالح البعد العربي، خصوصًا في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، أو العكس كما حصل منذ توقيع "اتفاق أوسلو" بتغليب البعد الفلسطيني بشكل طاغٍ طَمَسَ البعد العربي. ومن الخطأ الآن وضع ناصية القرار الفلسطيني في يد اللجنة الرباعية العربية. كما من الخطأ رفع الراية الأممية أو راية أي مشروع باسم القومية أو الدين على حساب البعد الفلسطيني الذي كان ولا يزال ويجب أن يبقى حاسمًا في إنجاز الحقوق الوطنية الفلسطينية. الفلسطيني صاحب الأرض والضحية ورأس الحربة في مواجهة المشروع الصهيوني الذي هو تجسيد وامتداد لمشاريع الهيمنة الخارجية على المنطقة، وعلى هذا الأساس من الخطأ إهمال البعدين العربي والدولي، لأن احتلال فلسطين لم يستهدف فلسطين فقط، وإنما يهدف إلى إبقاء المنطقة العربية أسيرة التخلف والجهل والفقر والتبعية والتمزق حتى تبقى مهيمن عليها ومنهوبة ثرواتها ومستغلة أسواقها. لن يستطيع الفلسطينيون وحدهم تحرير فلسطين، بحكم تداخل المشروع الصهيوني مع مشاريع الهيمنة على المنطقة، ولكنهم لا يمكنهم الانتظار حتى يستيقظ المارد العربي أو الإسلامي أو الأممي، بل من واجبهم إبقاء جذوة الصراع مشتعلة وإنجاز أقصى ما يمكن تحقيقه في كل مرحلة. فالثورة فلسطينية الوجه عربية العمق عالمية الآفاق والأبعاد. المقاومة المسلحة والسلمية والعمل السياسي لقد أعطت الثورة الفلسطينية بعد انطلاقتها، وخصوصًا حركة فتح المقاومة المسلحة اهتمامًا طاغيًا، لدرجة إطلاق شعار "هويتي بندقيتي"، وأن الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد، وبعد ذلك أصبح الرئيسي لتحرير فلسطين، ثم انقلبت القيادة الفلسطينية على منطلقاتها واعتبرت أن المفاوضات وبقية أشكال العمل السياسي السلمية هي الطريق الوحيد لإنجاز الحقوق والأهداف الوطنية، لدرجة تجاوزت في تنازلاتها التخلي عن الكفاح المسلح عند توقيعها لاتفاق أوسلو لتصل إلى إدانته وإعلان نبذه والتخلي عنه واعتباره نوعًا من الاٍرهاب، إضافة إلى الاعتراف المشؤوم بحق إسرائيل في الوجود على 78% من أرض فلسطين من دون اعترافها بأي حق من الحقوق الفلسطينية. وعندما فشل نهج المفاوضات حياة وإلى الأبد، وعندما تفشل المفاوضات، فالحل يكمن في المزيد من المفاوضات أو انتظار انطلاقها، وأقصى ما يتم فعله العمل من أجل تحسين بعض شروطها، وتوفير رعاية دولية شكلية لها. الخلاصة التي يمكن الخروج بها من تجربة الكفاح الفلسطيني أنه يمكن ويجب الجمع ما بين المقاومة المسلحة والسلمية. كما يمكن التركيز على شكل دون آخر، أو اعتبار هذا الشكل أو ذاك الرئيسي في هذه المرحلة أو تلك، على أساس حساب مقتضيات وظروف المرحلة والجدوى لجهة حساب التناسب بين الأرباح والخسائر، ولكن من دون التنازل على ما أكدته الخبرة المستفادة بعد أكثر من قرن من الكفاح من أنّ حق الشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال في المقاومة المسلحة مقدس ومكفول في قرارات الأمم المتحدة وفي القانون الدولي الإنساني وفي جميع الأديان، وتخضع ممارسة هذا الحق للإستراتيجية السياسية في كل مرحلة والمرجعية الوطنية المعتمدة لتجسيدها. ما يحدد شكل أو أشكال النضال ليس طرفًا واحدًا أو عنصرًا واحدًا، وإنما طبيعة الصراع، وخصائصه، وموازين القوى، والأطراف والعوامل المؤثرة فيه، واستعداد أو عدم استعداد طرف أو طرفي الصراع للتوصل إلى تسويات، ومدى استخدام القوة والدمار والموت، فلا يمكن مواجهة المجازر الإسرائيلية واستخدام القوة المفرط من قبل إسرائيل بالمقاومة السلمية وحدها، مع الأخذ بعين الاعتبار تأثير غياب العمق العربي والإقليمي والدولي والإستراتيجي على الكفاح المسلح بعد المتغيرات المحلية والعربية والإقليمية والدولية، وانهيار الاتحاد السوفييتي ومنظومته الاشتراكية وحركة التحرر العالمي والتضامن العربي، وخصوصًا في ظل الأوضاع التي تعيشها المنطقة العربية حاليًا. الممكن والمستحيل ... كل شيء أو لا شيء انطلقت الحركة الوطنية الحديثة من مسلّمة مفادها أنه يمكن تحرير فلسطين بضربة واحدة أو دفعة واحدة بعد تحقيق الوحدة العربية، أو قيام دولة الخلافة الإسلامية، وأن لا مكان للمراحل والتسويات المؤقتة؛ لذا اعتبرت في البداية كل من يتحدث عن التسوية أو الدولة على جزء من فلسطين خائنًا، ثم انقلبت أوساط رئيسية نافذة في الحركة الوطنية واعتبرت أن تحقيق "شيء أفضل من لا شيء"، وطالبت "بإنقاذ ما يمكن إنقاذه"، ومضت بعيدًا في هذا الاتجاه، لدرجة وصلت فيها إلى التنازل عن معظم فلسطين والمساومة على حق العودة وعلى سيادة ومساحة الدولة الفلسطينية دون أن يؤدي ذلك إلى تحقيق أي شيء، بما في ذلك إقامة الدولة على جزء من فلسطين. محصلة هذا النهج ضياع كل شيء، فلم يتم الحفاظ على وحدة القضية والأرض والشعب، ولا على الرواية والحقوق التاريخية، ولم يُحرر أي جزء من فلسطين. الدرس المستفاد من كل ما سبق، أن تحقيق شيء أو الممكن، والأصح أقصى الممكنات، في كل مرحلة لا يمكن أن يتعارض مع الحقوق والمبادئ والأهداف، شرط ألا يكون ثمنه التنازل عن المصالح والحقوق الأساسية. فما قيمة تحقيق إنجاز إذا كان ثمنه التنازل عن القضية |