|
بين أماني تحقيق إمبراطورية الخير وممارسة سلوك الفصيل ... بون شاسع
نشر بتاريخ: 16/05/2016 ( آخر تحديث: 16/05/2016 الساعة: 12:00 )
الكاتب: د. مجدي جميل شقورة
تعقيباً على المقال "الثوري" بعنوان "الذنوب السياسية" للدكتور غازي حمد
لم تفاجئني الجرأة التي كتب بها الدكتور غازي حمد مقالته الأخيرة المعنونة بالذنوب السياسية، لأن الرجل اعتاد على التفكير بصوتٍ عالٍ خارج الصندوق في كل مرة، وآراؤه الجريئة معروفة للقاصي والداني، وهو بقدر ما يجد من يؤيد ما يقول بقدر ما يجد معارضة في بعض الأحيان، لكن حتى من يخالفونه الرأي يجدون فيما يكتب متنفساً في ظل الرواية الواحدة التي يصر البعض على ترديدها على مسامع الناس، بمنطق "عنزة لو طارت"، وعلى الرغم من أن "محاولات" غازي حمد تتواصل دون أن يحدث حراكاً في السلوك السياسي، إلا أنه لا يلتفت للأمر من زاوية آنية التغيير المأمول، بقدر ما إنه يسعى في كل مرة إلى أن يوصل للعالم كله أن القضايا المطروحة فيها تأويل واجتهادات، وهو بذلك لا يغادر مربع التفكير والتنظير ضمن "المشروع الإسلامي" الذي ينتمي له الدكتور غازي فكراً ومنهجاً، بل إنه أكثر وعياً وانتماءً لمشروعه من أولئك الذين درجوا على مخالفة كل من يفكر خارج صندوق الحزب وقوالب الأيديولوجيا. أصاب الدكتور غازي عندما عقد مقاربة من التاريخ الإسلامي لجماعات امتهنت السياسة ثم غادرت المشهد بسبب السلوك السياسي الذي ينم عن عدم دراية، بدءاً من ظاهرة الخوارج، مروراً بالقاعدة قم طالبان، وانتهاءً بداعش، لكن إصابته كانت أدق عندما قارب المشهد المتعلق بالحكم من جهة القدرة على الذكاء السياسي وفن التعاطي مع السياسة واستجلاب المصالح, ودرء المفاسد، على قاعدة أن من لا يفعل ذلك بعقلية المحترف سيعاقب من الله تعالى "بإبعاد فرص النصر والتمكين والانشغال بالذات واختلال الأولويات وتباعد الأهداف". بدا الدكتور حمد أكثر وضوحاً وصراحة عندما توقف عن نجاحات الفصيل في العمل الدعوي والخيري والجهادي، وهو هنا يقصد جماعة الإخوان المسلمين، وبالأخص حركة حماس، ويرى أنها حين تصل الى مربع السياسة/الحكم فإنها تواجه الفشل بسبب "افتقادها للمهارات السياسية وتقدير المصالح والتوازن بين المراحل والقدرة على تجاوز العقبات بحكمة"، ويرجع ذلك، ونحن نوافقه الرأي، إلى أن عقلية الدولة تختلف اختلافاً كلياً عن عقلية الحزب, ويدعو هنا إلى تجاوز تبرير الاخفاق بزعم أنه (ابتلاء) يجب الصبر عليه, أو أنها (مؤامرة) تقعده عن العمل لمواجهتها, فمشكلة الكهرباء في غزة ليست إبتلاءً ولا مؤامرة، هي مشكلة إدارية وتقنية وفنية ومالية، ولو غادرت حماس مربع التفكير بعقلية الفصيل ومصالح الفصيل لانتهت معظم جوانب هذه الأزمة منذ زمنٍ طويل. يرى الدكتور غازي أن غياب المراجعات الذاتية وتحريم ثقافة النقد ساعد في مراكمة ذنوبٍ سياسية لدى الحركات والأحزاب الاسلامية، واعتبر أنها ظاهرة مدمرة ومهلكة, لأنها تؤدي إلى القداسة وتضخيم الذات والتغاضي عن الأخطاء وتبرير القصور عن بلوغ الأهداف, فالكياسة السياسية تقتضي الحديث الدائم عن "زمن الاستضعاف" واللجوء إلى خطاب "المعاناة الدائمة، وقصة "طالوت" الفلسطيني في مواجهة "جالوت" الصهيوني، لكن الغطرسة التي وصل لها بعضنا جعلته يتحدث عن "زمن التمكين" وفرصة "التحرير" بعدما امتلك شيئاً من القدرات والإمكانات المادية، علماً بأن الخصم يتوفر على أحدث معطيات القوة المادية على وجه الأرض، ويفسر الدكتور حمد هذا الحال من خلال مقارنة من "عمل بتواضع" في العهد الإسلامي الأول، ونجح خلال عشر سنوات في بسط الإسلام في الجزيرة العربية وهدم الامبراطوريتين الرومية والفارسية وامتدت حدودهم إلى مصر وبلاد المغرب العربي, فيما هنالك حركات وجماعات "العمل بغرور ونرجسية وشعور دائم بالتفوق" تجاوزت السبعين عاماً وتصر على أنها لا زالت في مرحلة البناء (نشأت جماعة الإخوان المسلمين سنة 1928)!! إن من أعظم الذنوب/الكبائر السياسية التي ارتكبتها الحركات والجماعات الإسلامية، بحسب مقالة غازي حمد، "فقدان الرؤية الاستراتيجية والجهل بإدارة الحكم والاستعداد له وتقدير تبعاته، وضعف الكوادر المؤهلة, والفشل في استقطاب الآخرين, والبقاء رهائن في دائرة عقلية الحزب, وعدم استيعاب التنوع والتعدد في المجتمع, والقدرة على قراءة المتغيرات السياسية بعين بصيرة وعقل منفتح"، فلو تعاملت حماس بعقلية "أنا والآخر" لا بعقلية "إما أنا أو الآخر" لما بقيت أزمة معبر رفح البري حتى يومنا هذا، وسؤال نوجهه إلى كل عاقلٍ في هذه الدنيا، أيهما أكثر عزة وكرامة للفلسطيني الذي يعيش في غزة، المرور عبر الحدود إلى مصر وفقاً لاتفاقية 2005 التي تعتبرها حماس مذلة ومجلبة للعار، أم المرور بمنطق 800 مواطن كل 45 يوماً مع كمية إذلال وعدائية لم يسبق لها مثيل في علاقات الدول التي تعيش ضمن حدودٍ مشتركة؟!! . العقدة، بحسب مقالة غازي حمد، أنك تجد دائماً لكل خطأ تبرير ولكل قصور تفسير، وبالرغم من أن "المؤامرة" موجودة بالفعل، إلا أنه لا ينبغي استخدامها شماعة لتبرير الفشل أو القصور، لأن المعيار الوحيد لنجاح وتمكن الجماعات هو (النتائج), أي تحقيق أهدافها وايصال الناس إلى مفاهيم الحرية والعدالة والديمقراطية, وليس بكثرة الأعداد والأعمال, ولا حتى بكثرة التضحيات !! يعطي الدكتور حمد للجماعات الإسلامية التي تمتهن السياسة ثلاثة نماذج في منهج الممارسة "المثالي" أولهما في "تونس – الغنوشي" الذي نهج تغليب الشرعية التوافقية على الشرعية الانتخابية رغم أنه حاز على الأغلبية تقديراً، والثانية في تجربة "تركيا – أردوغان" الذي نجح في رسم الصورة الباهرة لفن إدارة السياسة وقوة الاقتصاد وتصفير المشكلات , والثالثة في تجربة "المغرب – بن كيران" التي ضربت مثلاً في خلق توازنات دقيقة مع النظام الملكي وقوى المجتمع بمختلف مشاربه السياسية . "ليس مطلوباً من الإسلاميين أن يخرجوا من جلدهم الأيديولوجي حتى يصبحوا أسوياء بنظر الآخرين، لكن مطلوب أن يقدموا أجوبة شافية وحلولاً عملية تقنع الآخرين بصحة خياراتهم وبدائلهم"، بهذه الكلمات ختم الدكتور غازي حمد مقالته "الثورية"، موجهاً نصيحة، هي الأثمن من وجهة نظرنا، إلى قادة حركة حماس، يدعوهم فيها إلى التمييز بين الخطاب التعبوي التحشيدي، وبين الخطاب السياسي المبني على معطيات وتقديرات وأرقام واحصائيات وبيانات دقيقة عن حجم الإنجاز وحجم الإخفاق، دون التوقف يومياً عند محطات التبرير من أجل تفسير القصور والعجز عن إدارة الشأن العام، ولو فعلوها وأخذوا بالنصيحة وانفتحوا أكثر على غيرهم ممن لا يحملون ذات البرنامج، لكم يشتركون معهم في نفس الوطن وذات المصير فلربما يتغير شكل المشهد الحالي في قطاع غزة الذي ينقصه شاهد على بوابة رفح وشاهد آخر على بوابة بيت حانون، لكي يقال (هنا يرقد أهل غزة بسلام بعدما ذبحتهم سكين الاحتلال تارة، ومناشير الانقسام تارات أخرى). |