وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

رسالة مفتوحة إلى الأديب زياد خدّاش

نشر بتاريخ: 16/05/2016 ( آخر تحديث: 16/05/2016 الساعة: 20:07 )
رسالة مفتوحة إلى الأديب زياد خدّاش
الكاتب: رأفت صوايفه
على درج الوصول لقاعة (توفيق زياد) في المعرض الترويحي برام الله صوتٌ ربعُ مبحوح يقتربُ بقديمينا؛ أنا والنبرة "الأنتيك" ..
أنا أنزلُ الدرج والصوت يصعدهُ قائلاً: "هذا الشاب مهذّب ولطيف وأنا أحبّه .. " مكملاً حديثهُ بالوشوشةً ..
لا علم لي بمن قصدُ زياد خداش إلى أنني بادلتُه محبتُه لذلك الشاب عندما انتحرَ الفراغ بين جسدينا على المنعطف، ملتقطًا خدّه بقبلة تقول: وأنا أحبّك أيضًا .. مكملاً طريقي بهدوء وتاركًا خدّاشنا بالتفاتةٍ للخلف جارًا وراءه الدهشة، أكملتُ طريقي متدحرجًا "كسفرجلةِ حيدر" التي اقتنيها مجازًا بالخفاء ، عدتُ إلى البيت أحملُ بقجةً على ظهرِ يومي بها الكثير من فرائس الأحداث والأفكار، أنزلتُ البقجة بعنف مستأثراً لراحتي المسكينة، واستقلّيتُ السرير لأعود إلى مأواي في بيتِ المجانين، عوّدتني البقجة على هدوئها الساكن كظلالِ الصبّار أو كقطيعِ من الأسود المتخمة بعد يومِ صيد سهل، البقجة تحرّكت !
فتحتُ زمّتها فوجدتُ على وجهها زياد، علمتُ حينها بأن يومي لم يؤدِ واجبه، يومي لم ينتهِ بعد .. أمسكتُ هاتفي وبحثتُ عن حسابه في (الفيس بوك) وأرسلتُ له الرسالة :
عزيزي زياد ..
لا أعلمُ إن كنتٓ مستيقظًا، كل ما في الأمر بأني أردتُ أن أقولٓ لك بأني الشاب ذاك صاحب القميص الأزرق الذي سحب وجهكٓ بقبلةٍ مع منتصفِ درج يومِ أمس وأنت صاعد باتجاه قاعة توفيق زياد .. زياد أبو توفيق .. إن أنجبتٓ يومًا كن أبا توفيق .

عزيزي زياد ..
أنا أعاني قليلاً، فأخلاقُ المهنة حتّمت عليّ أن أكونٓ لوطني رصاصةْ! فكنتها، مستبدلاً بارودها عطرًا، ومتحايلاً على العباريد بالقُبل، فأي البنادقِ -يا تُرى- تطلقُني ؟
عزيزي زياد ..
حلمتُ يومًا بأننا صديقان قريبان جدًا حد الابتسام بلا مناسبة، وحد البلاد "المسخّم" أهلها، فأنا دائمًا أتباهى بزياد عندما يسألني الكثير عن مكان سكني .
عزيزي زياد ..
أنا ثرثار، أعتذر، تصبحُ على التوفيق، محبتي .

واشتريت بتلك الرسالة تذكرًة للنوم راحلًا بيومي للآخر .

في اليوم التالي ردّ الطفل الخمسينيّ زياد بدهشة النادلة الصغيرة ، فلا يليقُ به الشيب كما يليق به الاندهاش،أذكرُ كيفَ أصابني بها في "بقجةٍ سابقة" عندما تناولتُ وجبةً من يدي طفله (خطأ النادل)، وتأكدتُ بعد قراءته بأن الله خلق زياد من صلصال الذهول، وأن الشياطين عندما تصعدُ إلى السماء ترشقها الملائكة بكتبِ زياد .

دعاني في اليوم التالي للقاء .. عرفتُنِي بهِ قصيدةً موجزة المجاز متعرقلةٓ بأذيال قوافيها، وعرّفني بهِ التزامه حضورًا ومشاركة في معرض الكتاب الدوليّ، فانتاجاته تتقافز على الرفوف ولا تهدأ الا بعدَ أن تراه وهو يسير في متاهات المعرض .

زياد، لا أنكرُ أن لي غريزةً ليست بلطيفة انزعجٓت منكٓ يومًا، ولا أنكرُ أني قلت من ذا الذي كتب، ولا أكذبُ عندما سببتُك بلطفٍ شديد عندما وصفتكٓ بالشجاع، وأذكرُ أني كتبتُ : على رمشِ الدهاء حفرٓ لنفسهِ حفرةً وهمسٓ لأذنه : أن تٓذكري مكانها جيداً، البهلوان يخيّل للغبي بأنه طيفٌ على الغباء؛ فامتهنوا ما وراء الألوان فهناكٓ حكاياتٌ أخرى مالحة في رغيف الوطن .
الرهان يكون على "الذهن" وسباق التسلّح هو سلاحُ المعرفة وٓ المثقفون على الدوام هُم رعبُ الاحتلال يهابونهم أكثرٓ من رعد البنادق ، لأن عقلاً مثقفاً حراً واحداً يشعلُ ألف حرب، أما البندقية الواحدة فـٓ ماسورتها تبرد بعد الـ90 طلقة ونزفِ صاحبها الشجاع .
فالشجاعة بلا ذكاء هي لغمٌ يتفجر بصاحبه على حين عاطفة ، والذكاء بلا شجاعة هي قنبلة تعيش أبد الدهر باردةً بلا فتيل ، فأضرموا الفتائل في عقولكم كي ننجو بهذا الوطن إلى بر الأمان .

عزيزي زياد ..
هل قلتُ لكَ بأنّ رأسكَ مرشوقة بأجنّة من عرانيس السهر، تلك الخصلات من كوكبٍ آخر مرّ عليها عقود وهي تحاولُ بعنادها الوصولَ لعينيكَ .. أحببتها .
عزيزي زياد، أنا شابٌ متهمٌ بحبّ البلاد الشاسعة، يتيهُ كلّ ليلةٍ بين همزتي الوصلِ والقطع، يُقال بأني أنظمُ شعرًا ويقال أيضًا بأني ... ، لا عليك، فكلّ ما أردتهُ هو دعوتك لتناول طبخةِ عكوب شهيّة أو لوجبةٍ خبيزة أعدّها محنّك .. تسيلُ فينا على إحدى ضفاف الوطن، زياد (وهي الثامنة عشرة) محبتي .