|
بي دي أس: قول الحقّ في وجه السلطة و تحرير العقل الفلسطيني
نشر بتاريخ: 18/05/2016 ( آخر تحديث: 18/05/2016 الساعة: 15:28 )
الكاتب: حيدر عيد
لا يختلف اثنان على أن هذه المرحلة التاريخية من أهم و أصعب المراحل التي تمر بها القضية الفلسطينية. فمن انتصارات غير مسبوقة على الاطلاق لحملة المقاطعة و عدم استثمار و فرض عقوبات على اسرائيل(بي دي أس) على نمط ما حصل ضد نظام التفرقة العنصرية البائد, و العزلة الدولية الكبيرة التي تعاني منها اسرائيل , تحاول الأخيرة و بمساندة الاتحاد الأوروبي, الذي قام سفيره بالقاء كلمة في مؤتمر يديعوت المناهض لحركة المقاطعة, إعادة عجلات الزمن الى الوراء لتبقى الطفل المدلل للغرب, و"واحة الديمقراطية" في صحراء "التخلف" الشرقي! ومن هنا تأتي استماتة الرئيس الفرنسي لايجاد "حل" لكل القضايا العالقة, أي جوهر القضية الفلسطينية.
و تبعا للمبادرة الفرنسية, التي تم تأجيلها بسبب رفض اسرائيل القبول بها عقاباً لفرنسا على تصويتها في اليونسكو لصالح الحفاظ على التراث الفلسطيني في القدس الشرقية, فإن الدويلة الفلسطينية المزمع قيامها ستكون منزوعة السلاح, شبيهة بمعازل جنوب أفريقيا سيئة الصيت. أما القدس فهي عاصمة للدولتين! و لن يكون هناك أي ضغوط على الطرف القوي, بل تترك المفاوضات "للطرفين" للتوصل لحل خلال عامين. أما قضية عودة اللاجئين و تعويضهم, و هي صميم القضية الفلسطينية, فلم يتم التطرق إليها. من اللافت للنظر قبول "الطرف" الفلسطيني للمبادرة و اعتراض اسرائيل عليها.بمعنى آخر, فإن الخيار الرسمي الفلسطيني لا زال يتمحور حول الاستسلام كما حصل من خلال توقيع اتفاقيات أوسلو, كما جادل إدوارد سعيد, و بالتالي الاستمرار على نفس النهج الذي سيؤدي إلى تصفية القضية الفلسطينية مرة و للأبد. و في المقابل فإن ما يتم من طرحه من الغالبية الساحقة من القوى الحية في فلسطين و الشتات هو الرفض و تحمل مسئولية توجيه حركة مقاومة شعبية شاملة مرتبطة بحملة مقاطعة دولية بدأت نتائجها بالظهور بشكل لافت للنظر, لا ينكرها إلا أولئك الذين جعلوا التطبيع و "صناعة السلام" نهجاً سيؤدي إلى تحقيق "المشروع الوطني الفلسطيني" الذي تم تصغيره ليمثل مصالح الفئات الحاكمة في بانتوستانات الضفة الغربية و سجن غزة! عندما تقوم أكبر صحيفة اسرائيلية بعقد مؤتمر في مدينة القدس بحضور كل وزراء الحكومة اليمينية و زعماء المعارضة, والسفير الأمريكي و سفير الاتحاد الأوروبي, و التأكيد من خلال التهديدات المباشرة لنشطاء المقاطعة أن الحركة قد استطاعت عزل اسرائيل كما عُزل نظام الفصل العنصري الجنوب أفريقي, فإننا نستطيع أن نجادل أننا ندخل مرحاة جديدة في نضالنا من أجل الحرية و العدالة و المساواة. كان الهدف من اتفاقيات أوسلو إنهاء الانتفاضة الشعبية الأولى و البدء بترسيخ فكرة إمكانية "حل" القضية الفلسطينية عن طريق "الحوار" بين "الطرفين المتنازعين". و انتشرت صناعة "السلام" المبنية على الفكرة الزائفة أن هناك "طرفين متساويين في القوة" يتحاوران لانهاء "خلاقاتهما" حول مناطق "مُتنازع عليه!ا". و بقراءة دقيقة لتصريحات قادة اسرائيل, فإن العزلة الكبيرة التي بدأت تعاني منها نتيجة لحركة المقاطعة الدولية ذات القيادة الفلسطينية , تثير أسئلة ليس فقط عن إحتلال الضفة الغربية و قطاع غزة بل عن كل المنظومة القهرية التي تمارسها اسرائيل من احتلال و تطهير عرقي و أبارتهيد. فإذا كانت أوسلو قد نجحت باجهاض الانتفاضة الشعبية الأولى و تصغير القضية الى مسألة احتلال عسكري لمناطق ال67, فإن حركة المقاطعة قد أعادت الاعتبار للقضية الفلسطينية و للشعب الفلسطيني بمكوناته الثلاث, من منظور الشرعية الدولية, على أساس أنها حركة من أجل حقوق و ليس حلول. و من الجدير بالذكر أن حملة المقاطعة قد حققت انتصارات غير مسبوقة و اختراقات في دول كان يعتبر انتقاد اسرائيل فيها من التابوهات السياسية التي لا تستطيع أي قوة سياسية المخاطرة بتحديها. فها هي تسع مؤسسات أكاديمية أمريكية تقرر الاستجابة لنداء المقاطعة الأكاديمية, أكبرها جمعية الدراسات الأمريكية, و اخرها مؤسسة دراسات علم الانثروبولوجيا, بالإضافة لجمعية دراسات السكان الأصليين و جمعية الدراسات الأسيوية. و القرارات المتلاحقة لاتحادات طلاب في العديد من الجامعات الأمريكية و الكنائس بسحب استثماراتها من شركات لها مصالح في العديد من المستوطنات الاسرائيلية. بالاضافة الى كل ذلك قيام صناديق التقاعد الحكومي في بعض الدول سحب استثماراتها من بنوك و شركات اسرائيلية. و الخسارات الهائلة التي لحقت بكبرى الشركات فيوليا للسكة الحديد, جي 4أس الأمنية, أورانج للاتصالات, و قرار كل هذه الشركات الانسحاب من اسرائيل. أضف لذلك قائمة الفناين و الفنانات الذين يرفضون الغناء أو زيارة اسرائيل. و ما يهمنا في هذا السياق هو أن هذه االانجازات تأتي استجابة لنداء المضطهَد الفلسطيني الذي عبر عنه بيان المقاطعة الشهير عام2005, مسبوقا بنداء المقاطعة الأكاديمية و الثقافية عام 2004. و هذا يُفسر قلق اسرائيل "الوجودي" المشابه لذلك القلق الذي عانى منه, عن حق, نظام الأبارتهيد العنصري في أواخر الثمانينيات من القرن المنصرم. و لكن من الملاحظ أيضا هو أن هذه الأداة النضالية الأكثر فعالية في هذه المرحلة تعتمد بذكاء, لاحظته المؤسسة الحاكمة في إسرائيل, على ما توفره الشرعية الدولية. و هنا اتكمن قوة خطاب المقاطعة من حيث دمجه بين قول الحق, بذكاء, في وجه السلطة الدولية و في نفس الوقت عدم التخلي عن الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني بمكوناته الثلاث, أي المساهمة بطريقة فاعلة في تحرير العقل الفلسطيني بعد سنوات من استعباده و استعماره و أسلوته و أنجزته! إذاً هو خطاب قوة يستثمر القانون الدولي, بعلاته, لصالح الشعب الفلسطيني, بعيدأ عن الأيديولوجيا التي تشكك بنجاعة أي أداة نضالية لا تخرج من تحت عباءتها الضيقة التي تعمل على احتكار تعريف المقاومة بشكل واحد متعال لا يأخذ بعين الاعتباران قوة المقاومة الشعبية تكمن في تعدد أساليبها. إن محاولات بعض التوجهات السياسية ركوب الموجة من خلال إدعاء تبنيها المقاطعة و هي تقوم بالتطبيع نهاراً جهاراً, أو من خلال خلق حملات مقاطعة محلية موسمية موالية لنظام حكم شبيه بالمجالس اليهودية التي كانت تدير شئون الجيتوات البولندية إبان الاحتلال النازي لبولندة, لهو دليل على فعالية نهج المقاومة الذي تتبعه حركة المقاطعة و خطابها في مواجهة السلطة و تحرير العقل. |