|
حين "يشمئز" المسؤول من المواطنين .. تموت الدولة
نشر بتاريخ: 21/05/2016 ( آخر تحديث: 23/05/2016 الساعة: 10:36 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
يعمل الناس في أرزاقهم وبساتينهم ومصانعهم ، ويأتي السياسيون يلبسون لباسا أنيقا وفاخرا ويقسمون بالله أنهم يريدون خدمة العاملين في المصانع والحقول ، وبطريقة مقبولة او غير مقبولة يعيّنون أنفسهم مسؤولين وقادة على الشعب .. وهكذا تتأسس الدولة .
ثم سرعان ما يقرر السياسيون للناس كيف يعيشون ، وبعد ذلك يتمادون في تقدير ذواتهم ، وانهم يريدون أن يقرروا للناس كيف يفكرون ؟ وكيف يعملون ؟ وكيف ينتخبون ؟ وكيف ينامون ؟ وكيف يتزوحون وكيف ينجبون ؟ وفي مرحلة لاحقة يقرر السياسيون ان الناس الذين يمثلونهم ( موكليهم ) مجرد أشقياء ودهماء وأغبياء ومملون . ورغم ان الناس هم الذين يعملون . والسياسيون لا يعلمون أساسا ولكنهم قرروا هم انهم يريدون ان يعملوا كمسؤولين للناس الذين ينتجون ويكدحون . واسوأ مرحلة في عمر الدولة الحديثة ، ان يشمئز المسؤول من الجماهير ، يقرف منهم ، يكرههم ، لا يطيق رائحتهم ، ولا يحبّ ان يراهم الا عبر التلفزيون ، ولا ينزل من سيارته لمصافحتهم ولا يطيق احاديثهم عن هموم الحياة !!! واذا تحدث معهم عدة دقائق كل عدة اسابيع فانه لا يطيق " غباءهم " و"ثرثراتهم " و"شكواهم " المستمرة من الاحتلال والعمل ومعبر رفح وحواجز الضفة وعدم قدرتهم على الوصول الى المسجد الاقصى للصلاة . هنا يضع المسؤول يده على رأسه في اشارة الى امتعاظه من هذه " الثرثرات الغبية ونفس الكلام المكرر " ويطلب منهم ان يكفوا عن ذلك ، فهم يزعجونه ويكدرون سعادته ، انهم يظهرون له كم هو فاشل . في أية دولة في العالم وحين ترى المسؤول يجلس في سيارة فارهة وثمينة وينظر الى الجماهير من خلف الزجاج ، ومن وراء ظهر الحرس والبودي جارد ، حين ترى المسؤول لا يحب ان يصلي في المساجد مع الناس ، ولا يحب ان يشترى ملابسه وحذاءه من متاجرهم ، حين تراه لا يأكل من حمصهم وفلافلهم وبقدونسهم وألبانهم وأجبانهم ، ولا يفطر رمضان معهم . فاعلم ان الدولة ماتت ولم تعد سوى خزنة ينهب منها المسؤول والمنافقين له . حين ترى المسؤول ، اي مسؤول ولو كان رئيس قسم او ضابط في جهاز أمن - وصل الى مرحلة الاشمئزاز من أهله واقربائه واصدقاء عمره - فاعلم أنه وصل الى مرحلة التعفن ولا يمكن اصلاحه ، بل وجب تغييره فورا قبل ان يتفشى في باقي مؤسسات الدولة . كنت قبل سنوات اقترحت على الرئيس وكتبت ذلك ، انه يجب لزاما على كل وزير ورئيس حكومة وكل قائد وكل مسؤول وكل محافظ وكل سفير وكل قائد أمن ، ان يفتح أبواب مكتبه يوما واحدا في الاسبوع أمام جمهور المراجعين وأن يسمع لهم حتى النهاية من دون أن يصرخ مثل " العاهرة " في وجوههم ويثبت انهم لا يفهمون وانه الوحيد الذي يفهم في هذا الوطن . وانه هو وحده الذي ناضل وقاتل ودخل السجن وأبدع وفكّر وقرر ودمّر وزمجر . ايها الناس في اية وزارة وأي تنظيم وأية جهة حين يشمئز القائد من شعبه ويكرههم ، وجب ان يشمئز الشعب من قائده ويكرهه . |