|
القرار بقانون رقم (6) لسنة 2016 بشأن الضمان الاجتماعي
نشر بتاريخ: 25/05/2016 ( آخر تحديث: 26/05/2016 الساعة: 10:54 )
الكاتب: عبدالرحيم الحسن
القرار بقانون رقم (6) لسنة 2016 بشأن الضمان الاجتماعي
ما بين الحاجة الماسة لسرعة التطبيق والضرورة الملحة للتأني مما لا شك فيه ان الضمان الاجتماعي بمفهومه الأشمل يشكل حاجة ماسة ترتقي الى مستوى الحلم لدى كل فلسطيني يعاني من شدة وطأة الضبابية وغياب اليقين بما يخفيه المستقبل سواء على مستوى العجز الطبيعي أو المرضي المحتمل للقادرين على العطاء في الوقت الراهن، ناهيك عن كونه متطلبا بموجب المواثيق والعهود الدولية وشرطاً لتبوء فلسطين مكانتها كدولة كاملة العضوية في المجتمع الدولي. من هذا المنظور، نتفهم برحابة صدر السعي لتسريع العمل بالقانون مع التحفظ على تطبيقه دون معالجة شاملة لكافة الاشكاليات الناجمة عن الغموض القاتم في بعض الجوانب، مما يوجب تقديم الايضاحات الواجبة بكل شفافية في ذات القانون، والعمل على اصدار الأنظمة واللوائح التفسيرية بشكل متزامن مع القانون كي يشكلا معاً مرجعية لمختلف الأطراف ذات العلاقة. لا يخفى على أحد أن إصدار القرار بقانون قد استغرق قرابة ست سنوات، وهي بلا أدنى شك فترة مطولة وأكثر من كافية لإصدار منظومة قانونية متكاملة. لكن، وفي ظل حالة الاضطراب التي امتدت إلى كافة أطياف المجتمع والسلطات بفعل الحاجة لتعديلات وايضاحات تتعلق بالعديد من مواد القرار بقانون، فإن الحكمة تقتضي أن يتم تكريس ما تقتضيه الحاجة من أسابيع وشهور – اذا اقتضت الضرورة - لمعالجة القضايا الخلافية التي تمس جوهر العدالة الاجتماعية من أجل إعادة حالة التوازن التي كانت قائمة قبل نشره بالجريدة الرسمية بتاريخ 20/03/2016. إن الإعلان عن وجود نية لمعالجة القضايا الخلافية في المستقبل، سواء من خلال تشريع جديد أو لوائح تفسيرية، لن يكون مقنعاً للشاعرين بظلم أو إجحاف لكونهم وبكل بساطة في حاجة ماسة إلى يقين وعدالة في أعلى مرتبة بمقاييس النسبية. كما أن التطبيق دون معالجة شاملة سيكون بمثابة طعنة للأجيال القادمة مع رسالة مفادها أن ما عجز أسلافكم عن تحقيقه سيستحيل عليكم أن تحققوه، وسنرسخ في ذاكرة أبنائنا قصة سلف تقاعس عن أداء الواجب تجاه نفسه وتجاه بناة مستقبله أو سنتصف بالحد الأدنى بالوهن والعجز عن انتاج قانون متوازن لا يترك صغيرة ولا كبيرة في دائرة المجهول أو تعدد التأويل والاجتهادات؛ وهن وعجز قد ينتقل نفسياً لهم، لا بالوراثة ويحول دون تمتعهم بأمن وأمان اجتماعي كاف لتعزيز حب الوطن والفخر بالانتماء له. وتقتضي الامانة التنويه للتيار الذي كان مندفعاً نحو التطبيق الفوري تحت شعار "شيء افضل من لا شيء" بأن هذا الشعار ينطوي على محاذير خطيرة لأن مستقبل أبناءنا يحتم علينا أن نسعى لتحقيق "الشيء" الأمثل من خلال تدعيم ركائز الضمان الشامل الذي انتظرناه طويلاً لا مجرد "أي شيء"، وبالتالي فإن التروي بمزيد من الوقت لمعالجة ثغرات وإشكالات جوهرية لن يمضي سدى. يجب أن تكون عملية إدارة التغيير اللازمة بالضرورة لحشد الدعم اللازم لنجاح تطبيق قانون الضمان الاجتماعي المُعدل بالسرعة والفعالية المطلوبة مستندة إلى معايير علمية وممارسات فضلى تأخذ بعين الاعتبار خصوصية الواقع الفلسطيني، وبشكل يضمن أكبر قدر من الفعالية والمشاركة التي لن تتحقق إلا من خلال بناء أكبر قدر ممكن من التوافق، بالإضافة إلى معالجة شاملة تحول المقاومة التي أبدتها قطاعات واسعة إلى دعم واجب لعملية إدارة التغيير على نحو أمثل. وقبل الخوض في طبيعة وتفاصيل تلك التعديلات الجذرية المتوقعة، ينبغي أن نُشيد بحكمة صانعي القرار التي تجلت في تعليق سريان القانون وطمأنة الحراك الشعبي نسبياً من خلال تشكيل لجنة وزارية لمعالجة الإشكاليات القائمة وصولاً لمشاركة كتل برلمانية عدة في جهود إعادة اللُّحمة، ونأمل أن تمتد هذه الحكمة لتجعل من قانون ومؤسسة الضمان الاجتماعي بوصلةً تتجه نحوها أفئدة كافة الفلسطينيين من خلال: 1. التمهيد لنجاح تطبيق قانون الضمان الاجتماعي وضمان سريانه على مختلف الفئات المحددة في المادة (4) من خلال تطبيق الحد الأدنى للأجور قبل إنفاذ القانون، ذلك أن عدم تطبيقه سيصدر عبئا ثقيلاً إلى مؤسسة الضمان الاجتماعي مستقبلاً على مختلف المستويات المالية والإدارية والقانونية. ومما لا شك فيه أن وزارة العمل هي الأقدر على ضمان الالتزام بالحد الأدنى للأجور بحكم مسؤولياتها عن تنظيم العلاقة بين العاملين وأصحاب العمل وفق أحكام قانون العمل ساري المفعول، ناهيك عن أن إمكانات الوزارة المتمثلة بانتشار طواقمها في مختلف المحافظات والمدن الرئيسية يجعلها الأقدر لوجيستياً وفنياً على ضمان الالتزام بالحد الأدنى للأجور، وبالتالي ضمان سريان قانون الضمان الاجتماعي على أكثر من مئة ألف عامل وعاملة يتلقون أقل من 1495 شيقل شهرياً. كما أن جسامة تصدير اشكالية الحد الأدنى للأجور إلى مؤسسة الضمان تتفاقم إذا ما إخذنا بعين الاعتبار أنه سيتعين على مؤسسة الضمان الاجتماعي العمل مستقبلاً على تحقيق الالتزام التام لأصحاب العمل غير الملتزمين بالحد الأدنى للأجور عند سريان القانون بدفع 10.4% إضافية لتغطية مساهماتهم المدفوعة إلى مؤسسة الضمان الاجتماعي عن أولئك العاملين، وفي حال أخفقت المؤسسة في تحقيق الالتزام الواجب، ستبقى تلك الشريحة من العاملين خارج نطاق قانون الضمان الاجتماعي، الأمر الذي سيقوض بالدرجة الأولى جوهر القانون ويقزم دور مؤسسة الضمان الاجتماعي إلى أبعد الحدود. 2. اتخاذ ما يلزم من ترتيبات لضمان سريان القانون في المحافظات الشمالية والجنوبية على حد السواء، خاصةً وأن حاجة العاملين في قطاع غزة للتأمينات الاجتماعية لا تقل عن – إن لم تكن أكثر من – حاجة أخوتهم في الضفة الغربية لتلك التأمينات. والأمل كبير في تحقيق هذه الضرورة لكون الضمان الاجتماعي بمفهومه الشامل يشكل مطلباً شعبياً يُفترض أن تتفتت على صخرته أية اعتبارات ومسائل خلافية على المستوى السياسي. 3. توسيع نطاق الفئات المغطاة بموجب أحكام المادة (4) من القرار بقانون رقم (6) لسنة 2016 بما يمكن من سريان أحكام القانون على الفلسطينيين المغتربين وفي الشتات، ما أمكن، من خلال اتاحة المجال لهم للإنضمام اختيارياً وتسديد الاشتراكات المطلوبة من المشترك وصاحب العمل على النحو المنصوص عليه في المادة (9) من القرار بقانون رقم (6) لسنة 2016 و/أو الترتيب مع الدول التي يعملون فيها – كدول الخليج على سبيل المثال – لتحويل مساهمات العاملين الفلسطينيين وأصحاب العمل (الخليجيين على سبيل المثال) الى مؤسسة الضمان الاجتماعي في فلسطين، مع مراعاة اتاحة المجال للعاملين الفلسطينيين للإختيار بين الانضمام الى الضمان الاجتماعي الفلسطيني أو نظام مكافأة نهاية الخدمة سارية المفعول في تلك الدول أو مزيج من كليهما بحسب ما يرونه مناسباً. كلنا سمعنا عن حكايات قام فيها مغتربون فلسطينيون بالهجرة من دول عربية أو أجنبية يعملون بها إلى أوروبا وكندا لاعتبارات اقتصادية من ضمنها الضمان الاجتماعي المعمول به في تلك الدول. كما لا بد أن الجميع قد سمع عن حكايات ذاق فيه البعض الأمرين بعد نفاذ مدخراته وعدم تمكنه من الحصول على عمل يوفر له نصف الدخل الذي كان متاحاً له في الدول التي كان يعمل بها قبل عودته إلى أرض الوطن. سنزرع الأمل ونعمق شعورهم بالأمن الاقتصادي-الاجتماعي مستقبلاً اذا أتحنا لهم المجال للأنضمام الى الضمان الاجتماعي في بلدهم فلسطين، التي سنكون قد جعلنا منها بامتياز قبلة أولى لهم، مرةً أخرى.... فيما يتعلق بالتعديلات المتوقع اجراؤها جذرياً في المسودة التي سترفعها الحكومة قريباً الى سيادة الرئيس، فينبغي أن تشمل على سبيل المثال لا الحصر: أولاً: تعديل الفقرة 1- ب من المادة (116) على أساس الإبقاء على مكافأة نهاية الخدمة عن فترة ما قبل سريان القانون لدى صاحب العمل لقاء استمرار الأخير باحتساب كامل تعويض نهاية الخدمة على اساس آخر راتب، الامر الذي من شأنه أن ينطوي على عدالة مثلى لصاحب العمل والعاملين لديه على حد السواء وفقاً للمسوغات التالية: • الحيلولة دون وقوع اضطرابات في سوق العمل جراء اختلاف تفسير كل من العاملين وأصحاب العمل على الأسس التي سيتم بناء عليها "أداء مكافأة نهاية الخدمة....في أي وقت، وفقاً لاتفاق تسوية... ودون اجحاف أو تغيير في شروط العقد"؛ ذلك أن تلك الفقرة لم تبين ما إذا كان أداء مكافأة نهاية الخدمة سيتم على أساس راتب شهر أو أقل للذين تقل مدة خدمتهم عن 10 سنوات عند تاريخ صرف مكافأة نهاية الخدمة. • إن تفسير أداء مكافأة نهاية الخدمة على أساس استقالة سينطوي على إجحاف بحق العاملين الذين تقل مدة خدمتهم عن 10 سنوات عند تاريخ أداء المستحقات العمالية؛ ذلك أن اعتماد ثُلث أو ثُلثي راتب كأساس لاحتساب وأداء المكافأة يكون متوافقاً مع أحكام قانون العمل ساري المفعول في حالة الاستقالة فقط، وبالتالي فإن صرف مستحقاتهم على أساس استقالة بينما هم لا يزالون على رأس عملهم سيقوض أركان العدالة التي يرمي لها قانون الضمان الاجتماعي. • إن تفسير أداء مكافأة نهاية الخدمة على أساس إقالة سينطوي على إجحاف بحق أصحاب العمل الذين يأخذون مخصصات مكافأة نهاية خدمة للعاملين لديهم على أساس ثلث راتب (للذين تقل مدة خدمتهم عن 5 سنوات) و ثلثي راتب (للعاملين الذين تزيد مدة خدمتهم عن 5 سنوات وتقل عن 10 سنوات)؛ وبالتالي فإن إلزام أصحاب العمل بأداء مكافأة نهاية خدمة على أساس راتب شهر كامل عن كل سنة بصرف النظر عن مدة الخدمة سيتسبب في إرهاقهم مالياً بما قد يؤثر سلباً على استمرارية أعمالهم. • ستحول صيغة التعديل المقترحة دون وقوع شرائح عدة من أصحاب العمل في ضائقة مالية قد تهدد استمرارية أعمالهم جراء اضطرارهم لصرف مستحقات جميع العاملين لديهم دفعة واحدة عند بدء سريان القانون، وسيؤدي إبقاء المستحقات لدى صاحب العمل الى حين انتهاء خدمة او تقاعد العامل إلى تعزيز قدرة صاحب العمل على تحمل الاعباء المالية الاضافية التي ستترتب عليه جراء احتساب تعويض نهاية خدمة العامل على أساس اخر راتب. • كما أن استمرار احتساب مكافأة نهاية الخدمة حسب قانون العمل سيحد من معدل الدوران الوظيفي للعاملين الذين تقل مدة خدمتهم لدى نفس صاحب العمل عن 10 سنوات، الأمر الذي سيحافظ الى حد ما على الخبرات والكفاءات ويحول دون تزايد وتيرة تنقلها من صاحب عمل إلى آخر لمدة كافية تمكن أصحاب العمل من ادارة عملية نقل سلسة ومنظمة للخبرات من جيل الى جيل دون التعرض لازمات قد تنجم عن التنقل السريع للعمالة من صاحب عمل إلى آخر. • سيسهم ابقاء المستحقات لدى صاحب العمل وفق الصيغة المقترحة في تعزيز قدرة صاحب العمل على تحقيق العائد على استثماراته في الموارد البشرية؛ والتي تتمثل إحدى طرق تحقيقها في توقيع العاملين على سند/تعهد التزام بالخدمة لمدة محددة لقاء تحمل صاحب العمل كافة التكاليف المترتبة على تدريب العاملين وتزويدهم بمعارف ومهارات جديدة. وفي حال قيام عاملين بترك العمل قبل استكمال الفترة الزمنية المنصوص عليها في سند/تعهد الالتزام بالخدمة، يقوم صاحب العمل باقتطاع تكاليف استثماره في تدريب وتأهيل العاملين من مكافأة نهاية الخدمة قبل دفعها للعامل. • في ظل عدم ادراج تأمين البطالة ضمن التأمينات الاجتماعية المشمولة في نطاق التطبيق عند سريان القانون، فان الابقاء على مكافأة نهاية الخدمة وصناديق التوفير والادخار لدى صاحب العمل وصرفها للعامل عند انتهاء خدمته قبل بلوغ سن الستين سيمكن العامل من مواجهة اعباء البطالة و/أو الاستمرار باداء اشتراكاته (حصته وحصة صاحب العمل) إلى مؤسسة الضمان الاجتماعي حتى يوفق بالحصول على عمل. ومن الأهمية بمكان أن يتضمن التعديل المقترح إشارة واضحة إلى حق صاحب العمل بأن يطرح من مكافأة نهاية الخدمة المدفوعة للعاملين قبل و/أو عند بلوغ العامل سن الستين كامل قيمة الاشتراكات التي أداها (صاحب العمل) الى مؤسسة الضمان الاجتماعي طوال فترة خدمة العامل. ثانياً: في سياق متصل، تقتضي الحكمة أن يتم أيضاً الإبقاء على إدارة أنظمة التأمين الصحي على النحو المعمول به حالياً؛ وذلك لأن تخوفات العاملين (بشأن مدى جودة خدمة التأمين الصحي بعد نقل إدارتها إلى نظام تقاعد الشيخوخة التكميلي وفق الفقرة 4 من المادة (116)) وقلق الشركات التي تقدم خدمة التأمين الصحي (من حيث خسارتها المتوقعة للدخل المتحقق من بوالص التأمين الصحي بعد نقل إدارتها الى النظام التكميلي سابق الذكر) سيشكلان عنصر ممانعة لا دعم لعملية التغيير اللازمة لنجاحنا في تطبيق الضمان الاجتماعي على نحو أمثل. أما في حال كانت مقتضيات الصالح العام توجب عملية نقل إدارة أنظمة التأمين الصحي إلى نظام تقاعد الشيخوخة التكميلي، فينبغي أن تتم طمأنة جمهور المستفيدين والمزودين لخدمة التأمين الصحي على حد السواء من خلال تسليط الضوء على المزايا والمنافع التي ستترتب على نقل إدارة أنظمة التأمين وفق الفقرة 4 من المادة (116). ثالثاً: إلغاء التمييز الحاصل بين موظفي القطاعين العام والخاص من خلال توحيد صناديق التقاعد تحت مظلة قانون ضمان اجتماعي وطني شامل لمختلف القطاعات بما يعزز العدالة الاجتماعية ويزيل أي شعور بالإجحاف لدى موظفي القطاع الخاص ويجعل من مؤسسة الضمان الاجتماعي مؤسسة لكل الفلسطينيين وفق التصور التالي: - يستمر التزام الحكومة وصناديق التقاعد قائماً بدفع مخصصات التقاعد للمتقاعدين حالياً والذين يبلغون سن التقاعد قبل تاريخ سريان القانون الجديد على النحو المعمول به حالياً. - تلتزم الخزينة بدفع تعويضات/مساهمات/الحقوق العمالية للمدنيين والعسكريين عن فترة ما قبل سريان القانون الجديد عند بلوغ أي منهم لسن التقاعد أو عند انتهاء الخدمة قبل بلوغ سن التقاعد، سواء كان ذلك حسب قانون العمل أو قانون الخدمة المدنية ساري المفعول، أيهما أفضل. - تقوم الحكومة شهرياً بتحويل الاشتراكات/المساهمات المقتطعة من رواتب المدنيين والعسكريين ومساهماتها كمشغل الى مؤسسة الضمان الاجتماعي شأنها وشأنهم في ذلك شأن أصحاب العمل والعاملين في القطاع الخاص والأهلي ومختلف شرائح المجتمع الفلسطيني. وبذلك، فإن العدالة ستكون في مرتبة متقدمة على مستوى الحكومة لعدم قدرتها على دفع المستحقات والمساهمات عن فترة ما قبل سريان القانون دفعة واحدة؛ وبالنسبة للعاملين من مدنيين وعسكريين، سيحصل كل منهم على تعويضات نهاية خدمة وراتب تقاعدي عند بلوغ سن التقاعد. وسنطوي صفحة قاتمة من صفحات التمييز بين قطاعات المجتمع الواحد، وسنكرس على الأرض حقيقة أننا شعب واحد على نفس الأرض ونتقاسم تبعات ومتطلبات ومزايا انتمائنا لنفس الوطن والمصير المشترك... رابعاً: كما ونتمنى أن تمتد المعالجة لتشمل إنهاء التمييز بين الرجل والمرأة على مستوى حرمان الزوج من الراتب التقاعدي للزوجة المتوفاة لاعتبارات أبرزها: - أن المرأة والرجل متساوون من حيث الواجبات والحقوق وفق القانون الأساسي الفلسطيني وبحسب الأوصاف الوظيفية التي تحددها واجبات ومتطلبات العمل في مختلف القطاعات. - أن الشرائع السماوية قد أرست ركائز عدالة (حتى وإن رآها البعض نسبية) بالنسبة للحق في الميراث، الأمر الذي ينطبق بالضرورة على الراتب التقاعدي للزوجة المتوفاة. لقد أقحمت الدين في هذا الموضوع بعد أن تم مؤخراً تداول اعتبارات دينية واجتماعية تبرر حرمان الزوج من الراتب التقاعدي لزوجته المتوفاة لأسباب من قبيل أن "الرجال قوامون على النساء" أو أن الزوج ملزم دينيا بالانفاق على زوجته. - أن الطرح الوارد في القرار بقانون يشكل تراجعاً عما هو مكتسب في قانون العمل رقم (7) لسنة 2000م ساري المفعول من حيث أن قانون العمل لا يجحف بحق الزوج في تعويض نهاية الخدمة للزوجة المتوفاة حتى وإن كان عاملاً، والعكس صحيح. خامساً: ومن الضرورة بمكان أن يأخذ التعديل المرتقب بعين الاعتبار خصوصية أخواتنا وأخوتنا ذوي الاحتياجات الخاصة وأولئك الذين تحتم عليهم إصابتهم بأمراض مزمنة التقدم إلى مؤسسة الضمان الاجتماعي بطلب تقاعد مبكر قبل بلوغ سن الستين، حيث أنه من المجحف خصم 6% من رواتبهم التقاعدية عن كل سنة قبل بلوغ سن الستين كما هو منصوص عليه في الفقرة 2 من المادة (52). سادساً: يتناول الباب التاسع من قانون العمل رقم 7 لسنة 2007 اصابات العمل وأمراض المهنة، حيث تنص المادة رقم 116 من ذات القانون على وجوب قيام صاحب العمل بالتأمين "على العاملين لديه عن إصابات العمل لدى الجهات المرخصة في فلسطين"، بحيث يتم التأمين والتعويض في حال وقوع إصابة عمل على أساس الراتب الشهري للعامل بالغاً ما بلغ وليس على أساس 8 أضعاف الحد الأدنى للأجور أو الراتب الذي اتخذ اساساً لتسديد الاشتراكات كما هو منصوص عليه في الفقرة (1) من المادة (74) والمادتين (78) و (79) من القرار بقانون رقم (6) لسنة 2016 بشأن الضمان الاجتماعي؛ الأمر الذي قد يفسر على أنه انتقاص من حق مكتسب للعامل بموجب قانون العمل ساري المفعول. يتعين أخذ ذلك بعين الاعتبار عند اجراء التعديل المرتقب جنباً إلى جنب مع اعادة النظر في الاشتراك الواجب على صاحب العمل أداؤه بدل تأمين إصابات العمل (1.6% من أجر العامل المؤمن عليه) خاصةً وأن تكلفة تأمين إصابات العمل لقطاع واسع من المشغلين تبلغ 0.5%. من المجدي دراسة تخفيض النسبة المدفوعة عن اصابات العمل واضافة الفرق الى الاشتراك الذي يؤديه صاحب العمل عن العامل الى مؤسسة الضمان الاجتماعي سيما وأن مساهمة رب العمل محدودة من منظور العاملين الذين يستشهدون بارتفاع مساهمات صاحب العمل في دول الجوار عن النسبة المنصوص عليها في القرار بالقانون. سابعاً: تعديل المادة (18) من القرار بقانون رقم (6) لسنة 2016 بما يمكن من تفويت الفرصة على إسرائيل لاتخاذ تركيبة مجلس إدارة مؤسسة الضمان الاجتماعي كذريعة للامتناع عن تحويل مستحقات العمال الفلسطينيين الى مؤسسة الضمان الاجتماعي مستشهدةً في ادعائها بتمثيل حكومي بارز وبتعيين ممثلي العمال وأصحاب العمل بقرار حكومي بناء على تنسيب من وزارتين حكوميتين. ونقترح في هذا السياق أن يتم تخفيض عدد ممثلي الحكومة في مجلس إدارة الصندوق وتعديل آلية اختيار بقية الأعضاء لتصبح دون تدخل من جانب الحكومة أو أي وزارة؛ وبحيث يقتصر تمثيل الحكومة على وزارتي العمل والمالية بحد أقصى واتاحة المجال لانضمام ممثلين عن ادارات وموظفي المنظمات الأهلية والمؤسسات التعليمية. ثامناً: لم ينص القرار بقانون بشكل قاطع على ضمانة خزينة الدولة لسلامة المركز المالي لمؤسسة الضمان الاجتماعي، الامر الذي شكل مصدر قلق منقطع النظير خاصةً مع الحديث الدائر عن أن المسودة التي قدمت من مجلس الوزراء إلى مؤسسة الرئاسة تضمنت اشارة صريحة لضمانة الدولة، وأن الأخيرة أسقطتها لاعتبارات أبرزها أن الدولة ضامنة لكافة القوانين بحكم مسؤوليتها عن تطبيق القانون. لكن، ومع محدودية الموارد التي تمكن الحكومة من الوفاء بالتزاماتها، خاصةً وأنه لا يخفى على أحد مدى العجز القائم في الموازنة العامة ولا حتى الكيفية التي يتم فيها تأمين دفع فاتورة الرواتب لقرابة 150,000 موظف، تفاقمت حالة الارتياب والقلق من اسقاط ضمانة الدولة من مواد القانون، وتجلت في تعالي الكثير من الأصوات لاسقاط القانون ورفضه جملة وتفصيلا ما لم يصدر اي تعديل أو ايضاح من جانب أعلى سلطة تنفيذية بأن الدولة ضامنة للصندوق. بصرف النظر عن طبيعة الأسباب الكامنة وراء اسقاط ضمانة الدولة، من البديهي أن نتوقع من حكومة الشعب أن تكون عند مستوى استحقاقات الشعب وأن تعمل على تكريس مبدأ ضمانة الدولة ولو حتى على قاعدة "تفاءلوا خيراً تجدوه"؛ ذلك أن مختلف مؤسسات الدولة لا تقبل بأن يقال بأنها ستقدم لشعب فلسطين أقل مما قدمته دول شقيقة كالأردن، ومصر، وتونس، وليبيا، وعُمان، ولبنان وغيرها من الدول العربية ودول أجنبية أوردت في قوانين الضمان الاجتماعي الخاصة بها نصوص واضحة بشأن ضمانة الدولة والتزامها بتغطية أي عجز في المركز المالي لمؤسسة الضمان الاجتماعي على شكل منح أو قروض. كلنا ثقة بأن دولة فلسطين لن تقبل تحت أي ظرف أو حال من الأحوال بأن يكون الشعب الفلسطيني أقل مرتبة و/أو أقل استحقاقاً لضمانتها المطلوبة من شعوب تلك الدول، حتى وإن كانت تلك الضمانة افتراضية بحكم الوضع المالي الذي لا يخفى على أحد. ونتوقع أيضاً أن يتضمن القانون المعدل نصوص غير قابلة للتأويل بتحريم التصرف و/أو اللجوء إلى موجودات الصندوق تحت أي ظرف من الظروف بما لا يفسر الضمانة المنشودة كحق للدولة في التصرف بمقدرات صندوق الضمان تحت قاعدة أنها ضامنة للصندوق، مع التأكيد على أن ذلك لا يقل أهمية عن تأكيد ضمانة الدولة كي لا تصبح الضمانة مستقبلاً مغرماً يكدر صفو المجتمع الفلسطيني. كما أثار عنصر الثقة في ادارة مؤسسة الضمان الاجتماعي المستقبلية جدلاً منقطع النظير لدرجة أوجبت اصدار حكم الاعدام بحق القرار بقانون من وجهة نظر الكثيرين. لمعالجة هذه الأزمة، يتعين علينا كعاملين وأصحاب عمل أن نعزز الثقة بمجلس إدارة مؤسسة الضمان الاجتماعي من خلال فرز ممثلين على القدر اللازم من الكفاءة والمهنية لتعزيز قدرة الصندوق على الوفاء بالتزاماته المستقبلية تجاه فلذات اكبادنا الذين يستحقون منا المساهمة الفاعلة في صنع مستقبل أقل ضبابية، وذلك من خلال ترشيحات و/أـو انتخابات و/أو استفتاءات ان اقتضى الصالح العام لافراز ممثلين قادرين على إرساء أسس متينة للثقة التي نحن بأمس الحاجة لها. ولا اقصد بهذا الانتقاص من القيم المضافة لاي من المشاركين، خاصةً وأن الشهرين الأخيرين قد شهدا زخما منقطع النظير من اعتراضات ومقترحات ومطالبات مشروعة بتعديلات وايضاحات تقدم بها ممثلون عن مختلف الجهات التي يمسها القرار بقانون رقم (6) لسنة 2016 بشأن الضمان الاجتماعي. نتوقع من اللجنة الوزارية أن تفتح المجال على مصارعه لاستقبال اسهامات وملاحظات موثقة لمدة زمنية محددة من أجل ضمان امتداد الحوار الى كافة الأطرف، بما يمكنها ويمكننا جميعاً من التحقق من امتداد وتغطية الحوار لمختلف الهموم والاعتراضات والمقترحات والمطالبات المشروعة، مع مراعاة الرد على كل من تقدم باسهامات وملاحظات بما يفيد تأكيد و/أو تفنيد ما تقدم به، ومع الشكر في كل الأحوال. ولا بد من أن تمتد الدعوة إلى كافة أعضاء المجلسين التشريعي والوطني بمن فيهم القابعون في السجون وقطاع غزة والشتات للإدلاء بدلوهم بهدف خلق أكبر اجماع وطني قادر افتراضياً وواقعياً على منح السيد الرئيس تفويضاً يعالج القيود التي تضمنتها المادة 43 من القانون الأساسي. وإذا ما تحقق ذلك، فلن يكون بمقدور أي مجلس تشريعي مستقبلاً إلا أن يقر قراراً بقانون اجمعت عليه مختلف الهيئات التمثيلية للشعب الفلسطيني. كما تقتضي الحكمة أن تتم طمأنة المتوجسين منا من خلال تسليط الضوء على قدرتنا كفلسطينيين على إرساء أسس لثقة ومهنية يحتذى بها؛ وذلك من خلال الاستشهاد بالثقة والمهنية التي تتحلى بها سلطة النقد الفسطينية كمنظم ومراقب على أداء القطاع المصرفي وفقا للقانون ولأسس من المهنية والنزاهة التي حالت دون أن تمتد أية يد للأصول والأموال التي تديرها طوال سنوات عديدة من التجويع الذي تعرض له الشعب الفلسطيني، حيث أننا لم نسمع أن عيناً قد أومأت لسلطة النقد بكسر الثقة واستغلال احتياطيات البنوك وودائعها في صرف رواتب او غيرها. وفي هذا السياق، سيدعم عنصر الثقة من خلال تعزيز وتفعيل دور وزارة العمل تجاه العاملين وأصحاب العمل ومؤسسة الضمان الاجتماعي مستقبلاً إلى مستوى لا يقل عن دور سلطة النقد الفلسطينية، التي يمتج دورها الى مستوى يسمو فوق مجرد التحقق من التزام البنوك المحلية والعربية والإجنبية بالعمل بموجب أحكام القانون، حيث أنها تواظب على تعزيز هذا الدور من خلال إصدارها دورياً لتعليمات وتعاميم ارشادية ورقابية إلى الجهاز المصرفي ككل، مع متابعة ورقابة وتفتيش عن كثب على أعمال المصارف والمؤسسات المالية من خلال أنظمة معلوماتية متطورة وطواقم فنية. في الختام، من الخطأ أن يعتقد أي كان بأن أياً ممن كانت لهم اسهامات في اصدار القانون بصيغته الأخيرة يقبل بأن تشكل حصيلة جهوده وسعيه مصدر خيبة أمل له بالدرجة الأولى ولأبناء شعب انتظر طويلاً ولادة مفهوم الضمان الاجتماعي، حتى وان كان قد قدر للضمان الوليد أن يخضع لعناية مركزة اقتضتها ضرورات المحافظة عليه. علينا التقدم لهما جميعاً بكل الشكر على ما قدموه حتى وإن لم تكن بعض الاسهامات والاجتهادات موفقة بالقدر المطلوب والمتوقع؛ ونتقدم لهم بدعوة لمزيد من المساهمات التي توحدنا جميعاً خلف قانون يحتذى به بين الأمم على مستوى تحقيق التوازن المطلوب من خلال حفظ حقوق العاملين دونما اجحاف بحقوق ومقدرات اصحاب العمل. تعبر هذه المقالة عن رأي الكاتب حصراً، ولا تمثل بالضرورة وجهة نظر المؤسسة التي يعمل بها أو قطاع الأعمال الذي ينتمي إليه ولا أي من المؤسسات التي تم التطرق لها بالذكر في المقالة. من شأن تحقيق هذه الدعوة أن يشكل حلاً منطقياً للإشكالية الدستورية التي أثارها الأستاذ المحامي هيثم لطفي الزعبي في البندين "سابعا" و "ثامنا" من مقالة "الضمان الاجتماعي..." المنشورة في صفحة 13 من جريدة القدس بتاريخ 29/04/2016؛ وذلك استناداً إلى منطق مفاده أن الحراك الشعبي منقطع النظير ومشاركة ومساهمات أعضاء المجلسين التشريعي والوطني المرتقبة في اعداد واعتماد مسودة قانون الضمان الاجتماعي يشرعان صفة "الضرورة التي لا تحتمل التأجيل" في إصدار القرار بقانون رقم (6) لسنة 2016 بشأن الضمان الاجتماعي بحسب المادة 43 من القانون الأساسي، الأمر الذي سيشكل مرجعية وطنية شاملة لا بد لأي مجلس تشريعي منتخب مستقبلاً أن يأخذها بعين الاعتبار عند عرض القرار بقانون عليه للمصادقة. وهذا التصور قائم على أساس أن روح وجوهر القانون الأساسي لا يقلان أهمية عن نص مواد القانون، وبالتالي فإن المجلس التشريعي القادم سيعتبر أن مشاركة الهيئتين التمثيليتين للشعب الفلسطيني في تعديل واخراج قانون ضمان اجتماعي مقبول بمثابة اجماع وطني لا بد له من البناء عليه. |