وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

رحلتي في القطار الخفيف

نشر بتاريخ: 27/05/2016 ( آخر تحديث: 27/05/2016 الساعة: 09:36 )
رحلتي في القطار الخفيف
الكاتب: دارين الجعبة
في شعفاط الأرض التي حملت جراحات عائلة الشهيد محمد أبو خضير المكلومة وقفت على محطة القطار انتظر مجيئه وفي لحظات معدودة تذكرت مشهد جنازة الطفل أبو خضير ، تذكرت المواجهات التي اندلعت هناك كانت مواجهات عنيفة ، أتذكرها كساحة حرب.

لم تمض أكثر من دقيقة وصل القطار وكان زوجي قد أعطاني بطاقته لأسدد ثمن سفرتي، وقفت امام الباب بانتظار أن يفتح فبادرني رجل وضغط أيقونة في واجهة الباب، صعد قبلي وهو أيضاً لديه بطاقة، سدد ثمن سفرته وجلس ، وأخذت انا أحاول إدخال بطاقتي في جيب جهاز التسديد بلا جدوى فتطوع ذات الرجل مرة أخرى:" حزي يختي على الصورة " وهكذا فعلت ابتسمت وطأطأت رأسي خجلا واخذت أبحث بين الكراسي الفارغة تماما إلا من بعض المسافرين أين أجلس وبأي اتجاه، اخترت ان اجلس في ركن فيه أربعة مقاعد ويجلس على أحدها إسرائيلي مسن، جلست قبالته ولا زلت مطأطأة رأسي وعلى وجهي ابتسامة لم تفارق وجهي، نظرت من النوافذ الواسعة ذات الزجاج النظيف الذي يجعل المشهد يأخذ طابعاً أكثر جمالا، هدأت قليلاً نظرت إلى المسن الجالس امامي، كانت التجاعيد التي تملأ وجهه ليست بسبب كبر سنه فحسب بل وبسبب كشرته التي لم تفارق وجهه خلال سفرنا، عبرنا عدة محطات سمعت أسماء المحطات بالعربية والعبرية لم تكن الأسماء غريبة عني كنت هادئة حتى وصلنا إلى محطة بإسم " شمعون هتصديق " شمعون الصديق، هنا تذكرت جيداً ذلك اليوم الذي استيقظنا فيه على وقع أنباء عملية دهس جديدة بعد شهر من بداية موجة عمليات الطعن والدهس التي شهدتها الأشهر الاخيرة من عام 2015 وهنا انزاحت الابتسامة عن وجهي واحسست بلعيان في معدتي، وبدأ عقلي الباطن ينسج حوادث امامي هلع داخل القطار الأبواب مفتوحة الناس تهرول إلى الخارج وفي الجزء الأخير من القاطرة الاخيرة وبين البابين رايت طفلين ممددين على الأرض يحيط بهم رجال امن مسلحون وآخرون بلباس مدني يوجهون أسلحتهم إلى الطفلين بينما يقوم أحدهم بخلع ثياب احد الطفلين شعرت أنني أبكي واسأل الطفل ما هو إسمك

توقف الترام ها قد وصلنا إلى محطة جديدة صعدت سيدة إلى القطار محجبة تلبس جلباباً ومنديلاً وجلست إلى جانبي وبدات تهمس بكلام لم افهمه، ولكنني توقعت ان يكون وببساطة دعاء السفر ، استمرت تهمس، واستمر القطار بسفره خفيفاً إلا من بعض الالتواءات الحادة التي كنا نشعر بها، عيناي تنتقلان بين السيدة التي لم تدرك بعد انني فلسطينية تماما مثلها وبين المشاهد التي أراها من نوافذ الترام، بدات اجري حواري معها في عقلي الباطن، سالتها: ما الذي همست به عند صعودك إلى القطار؟ اجابت دعاء السفر.

توقف الترام نزل المسن المتجهم فغيرت مكاني بسرعة لاجلس مقابل السيدة المحجبة، صعد إلى الترام سيدة مسنة تحمل معها رائحة الكبر معمقة معتقة، وجلست إلى جانبي، وصعد مسن آخر يضع على رأسه كيباه، ويلبس ساعة جرداء في معصمه وبنطال أسود وجاكيت أزرق غامق مخطط أعادني إلى الوراء كثيرا شعرت بانه من المهاجرين القدامى بدأ يتحدث في هاتفه وانا لا زلت أرمقه ارمق كبره وتجاعيده، صداع قوى أصابني والمحجبة امامي لا زالت تهمس، فقلت لها : هذه هي المرة الأولى التي تصعدين فيها إلى القطار؟ قال: نعم ، قلت لها وانا، لم أستطع ان احتفظ بمشاعري حتى كتابة هذه السطور، فقلت لها أشعر بانك خائفة؟ قالت نعم وإنت؟ قلت نعم خائفة ومرتبكة وأشعر بالأسى في داخلي مشاعر مختلطة لا أنساها ولن اعاود استخدام القطار الخفيف مرة اخرى . بادرتني بالسؤال: انا بدي اروح على عين رافة؟ قلت لها : يجب ان تنزلي في المحطة الأخيرة ستسمعينه يقول المحطة المركزية، ومن هناك تركبين في الحافلة التي تاخذك إلى عين رافة. وبدات السيدة التي شعرت بشيئ من الامان بسبب وجودي تحدثني اكثر : أنا ذاهبة لزيارة صديقتي تزوجت وجاءت لتعيش في عين رافة ، انا من العيزرية، هادي محنيودة صح: صحيح اجبتها، كنا نجيها زمان مشي ، انا بعرف كل هاي المناطق، ومن هنا انتهى حديثنا تمنيت لها سفرة موفقة وان تصل سالمة إلى عين رافة ومضيت أنا بعدها أحمل في داخلي كل هذا الحنق، كيف لهذا الصراع ان يستمر، كيف لنا ان نعيش مع كل ما تحمله ثنايا المدينة من آلام ، كيف لهم ولنا ان نتمسك بالحياة وان نستمر وفي داخل كل واحد منا فجوة باردة يستحضرها كلما دقت ذكريات الصراع أبواب ذاكرتنا