غزة- تقرير معا - تدخل منظمة التحرير الفلسطينية عامها الـ 53 ولا تزال تمر في مفترق طرق ومنعطفات شديدة التعقيد منذ هزيمة الـ 67 وتشكيل وانطلاقة حركة فتح التي ساهمت في بلورة الهوية الفلسطينية والانتقال بالمنظمة خطوة نحو الإطار الوطني الجامع من خلال ضم كل القوى إليها وإقرار برنامجها الوطني الذي ساهم في الحفاظ على الهوية الفلسطينية واستمرار الكفاح الوطني في إطار الإجماع وبرنامج المنظمة.
وكان انعقاد أول جلسة للمجلس الوطني الفلسطيني في القدس برئاسة الراحل أحمد الشقيري في الـ 28 من مايو عام 1964 والذي انبثق عنه المجلس المركزي واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير علامة فارقة في تاريخ النضال الفلسطيني، فيما أقرت القمة العربية في دورة الرباط العام 1974 إن المنظمة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده.
وفي ذكرى تأسيس منظمة التحرير التي تمر هذه الأيام ، تثور تساؤلات عديدة حول أهمية المنظمة ودورها في الوصول إلى الدولة المستقلة وتحقيق حق العودة للاجئين، والمطلوب بعد ظهور تيارات جديدة على الساحة الفلسطينية تتمتع بشعبية كحركتي حماس والجهاد الإسلامي اللتين لم تنضما إلى المنظمة حتى الآن.
ويؤكد سياسيون فلسطينيون في أحاديث منفصلة لمراسل "معا" على ضرورة إعادة بناء المنظمة على أسس ديمقراطية تضمن مشاركة جميع القوى الفلسطينية بما فيها حركتا حماس والجهاد الإسلامي حتى تحقق أهداف الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف والعودة للاجئين.
وقال النائب في المجلس التشريعي عن حركة حماس يحيى العبادسة :"هناك فرق كبير بين بدايات المنظمة ونهاياتها .. بدايتها بدأت كمنظمة تحرير تعلقت بها آمال وتطلعات الشعب الفلسطيني بالعودة والتحرير وتقريره مصيره.. لكن ما ألت إليه الأمور أصبحت عبارة عن صورة لا معني ولا قيمة ولا دور لها وأصبحت مفرغة وتوغلت عليها السلطة والأفراد".
وأضاف العبادسة أنه لا تتوفر إرادة إقليمية ولا رسمية فلسطينية أن تبقي المنظمة حاضنة للتحرر الوطني أو أن تقوم بتوحيد الشعب الفلسطيني ورعايته بالشتات وجميع كل أماكن تواجده.
وطالب بإعادة بناء منظمة التحرير على أسس وطنية وديمقراطية لتصحيح المسار وفتح أبواب المنظمة لجميع القوى لتتحول إلى إطار جبهوي ناظم للعقل الجمعي الفلسطيني والقيام بمهماتها الأساسية لتحقيق الأهداف الوطنية في التحرير والعودة.
وتابع :"ليس هناك أي شروط لدى حماس والجهاد للدخول في المنظمة وهذه قضايا تم التوافق عليها عام 2005 .. لكن إرادة الرئيس عباس والإقليم والدول المتحكمة هي التي تحول دون فتح المنظمة لهذه القوى".
بدوره ، قال طلال أبو ظريفة عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية :"رغم أن العلاقة كانت تقوم نظريا بين منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة على أن الأولى هي المرجعية العليا للثانية، ورغم أن منظمة التحرير كموقع تمثيلي وقانوني أمنت الغطاء للمفاوضات إلا أن واقع الحال كان يشير إلى عكس ذلك فآليات العمل اليومي كانت تهمش المنظمة لصالح تعزيز السلطة".
وأضاف "في هذا السياق لعبت عدة عوامل دورا في إحداث هذا الخلل فرئيس المنظمة هو نفسه رئيس السلطة ولا فواصل بين صلاحياته الواسعة وبالتالي كان يملك هامشا واسعا من المناورة مكنته من تهميش كل الهيئات لصالح دوره المنفرد , أما أفراد الفريق الفلسطيني المفاوض , فقد كانوا يحتلون في الوقت نفسه مواقعهم داخل السلطة ( وزراء – مسؤولين كبار في الأجهزة الأمنية ).
وتابع :"من العوامل الأخرى التي لعبت دورا في تهميش المنظمة لصالح السلطة أن الثقل المالي انتقل إلى رئاسة السلطة ومجمل وزرائها ومعها كافة الأجهزة الأمنية والإدارية والخدمية في الضفة وغزة بينما كانت منظمة التحرير الفلسطينية تشكل كيانا معنويا تسلل الشلل إلى مؤسساتها واتحاداتها الشعبية والمهنية , حتى صارت هيكلا يتآكله القدم ويعشش في أركانه الفراغ والبطالة السياسية وفق سياسة واعية مارستها السلطة".
وسرد يقول :"ورغم التأكيدات اللفظية على أن المنظمة هي المرجع للسلطة وأنها هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وأن السلطة معنية فقط بالشأن الفلسطيني في الضفة والقطاع إلا أن آليات العمل اليومية بقيت تفعل فعلها في نقل مركز الثقل إلى السلطة وفي تهميش المنظمة ودورها التمثيلي" .
وحول العلاقات الداخلية بين الفصائل المكونة لمنظمة التحرير الفلسطينية رأى أبو ظريفة أن السياسات التوتيرية في العلاقات الوطنية التي تعتمدها القيادة المتنفذة لا تخدم خيار الانتفاضة ولا المصلحة الوطنية العليا بل من شأنها أن تقود إلى تسميم الأجواء الوطنية في منظمة التحرير وأن تغرقها في الخلافات وأن تغلب المواقف الفئوية على حساب التفرغ للصراع ضد الاحتلال والاستيطان وتضعف من مكانة المنظمة الائتلافية وموقعها في أعين الفلسطينيين باعتبارها الجهة الوطنية العريضة والشراكة الوطنية وأن تبرر السياسات الانقسامية وتشجع التيار التنازلي في الحالة الفلسطينية للانزلاق أكثر فأكثر على حساب الحقوق الوطنية المشروعة لشعبنا الفلسطيني وأن تعزز سياسات رهن المصلحة الوطنية لحساب السياسات المحورية الإقليمية.
ودعا إلى إحداث إصلاحات ديمقراطية على أوضاع منظمة التحرير عبر إعادة بناء المجلس الوطني الفلسطيني بالانتخابات الشفافة والنزيهة وعلى أساس التمثيل النسبي الكامل وتفعيل دور اللجنة التنفيذية باعتبارها القيادة اليومية لشعبنا, والمرجعية السياسية العليا للسلطة الفلسطينية وتفعيل الاتحادات الشعبية , والنقابات المهنية وتكريس الديمقراطية ومبدأ الشراكة الوطنية تحت شعار " شركاء في الدم.. شركاء في القرار " بالإضافة لوضع حد لسياسة التفرد والاستفراد وتجاوز المؤسسات وانتهاك قراراتها وإصلاح أوضاع الصندوق القومي في المنظمة وصندوق الاستثمار في السلطة الفلسطينية وإصلاح وتفعيل مؤسسات المنظمة وتطبيق اتفاق القاهرة 2005 فيما يتعلق بتفعيل وتطوير هذه المؤسسات وفق جدول زمني ملزم .
وأكد أبو ظريفة على ضرورة الدعوة الفورية لانعقاد اللجنة العليا ( الهيئة القيادية المؤقتة ) المشكلة من رئيس وأعضاء اللجنة التنفيذية ورئيس المجلس الوطني والأمناء العاملين للفصائل الفلسطينية كافة وشخصيات وطنية متفق عليها بهدف الاتفاق على أسس عملية التفعيل والتطوير وجدولها الزمني .
وطالب بإيجاد صيغة مؤقتة تضمن مشاركة جميع القوى الفلسطينية بما فيها حركتا حماس والجهاد الإسلامي في أعمال الهيئات القيادية لمنظمة التحرير ( وبخاصة اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي ) بما يضمن توحيد القرار القيادي الفلسطيني لحين استكمال انتخاب وتشكيل المجلس الوطني الجديد .
ودعا إلى تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني الجديد بالانتخاب الديمقراطي وفق نظام التمثيل النسبي الكامل والتوافق الوطني على كيفية تمثيل مناطق اللجوء والشتات التي يتعذر إجراء الانتخابات فيها، بالاضافة إلى تطوير عمل وأداء دائرة شؤون اللاجئين في المنظمة ومشاركة جميع القوى في تشكيلها ورسم سياساتها بهدف توحيد الجهود والمرجعية في الدفاع عن الحقوق السياسية والمدنية للاجئين وتحسين شروط حياتهم وتنظيم حركتهم النضالية .
كما دعا إلى تشكيل مرجعية وطنية موحدة لمدينة القدس تشارك فيها جميع القوى والفعاليات السياسية والاجتماعية والدينية والمؤسسات الحكومية المعنية لمعالجة ملف المدينة المقدسة بمختلف محاوره . مؤكدا ضرورة تفعيل سائر دوائر المنظمة وإحياء الصندوق القومي وفصله عن خزينة السلطة الوطنية والعمل على توحيد النقابات والاتحادات الشعبية وإعادة بنائها على أسس ديمقراطية بانتخابات تعتمد مبدأ التمثيل النسبي .
من جهته ، أشار داوود شهاب الناطق باسم حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين إلى أن المنظمة تأسست قبل ٥٢ عاما ووضعت لنفسها هدفا كبيرا واتخذته اسما لها هو هدف التحرير وسميت منظمة التحرير الفلسطينية .
وقال شهاب في حديث لمراسل "معا" :"اليوم الخلاف الذي نشأ حول المنظمة سببه أنها باتت وكأن دورها تغير من رعاية مشروع تحرير فلسطين إلى رعاية وإدارة ملف المفاوضات مع الاحتلال ورغم أن المفاوضات وصلت لطريق مسدود إلا أنها ظلت سياسة لعمل المنظمة الحالي".
وأضاف "منظمة التحرير تواجه تحديات فمنذ تأسيس السلطة ذابت مؤسسات المنظمة في السلطة وما بقي منها جرى تهميشه". وأردف "هناك إجماع فلسطيني على ضرورة إعادة ترتيب وإصلاح المنظمة وإحياء دورها وميثاقها ، وجرت توافقات مهمة لإعادة مأسسة المنظمة لكن للأسف عطلت كل هذه التفاهمات"، مؤكدا حرص حركته على المنظمة ودورها
وحول انضمام حركة الجهاد للمنظمة، قال :"الجهاد سلكت مع المكونات السياسية الوطنية مسارات صحيحة في الحوارات التي جرت حول المنظمة وقطعنا شوطا مهما في ذلك وصولا إلى الاتفاق على تشكيل الإطار القيادي ، لكن من المؤسف أنه جرى الالتفاف على كل هذه التوافقات".
وأضاف هناك أسئلة مهمة تتعلق بالمنظمة خاصة عدم تطبيق قرارات المجلس المركزي واتخاذ ووقف مخصصات فصائل مهمة في المنظمة مثل الشعبية والديمقراطية وطريقة اختيار وتعيين أعضاء في مؤسسات المنظمة كل ذلك يعزز من قناعتنا بأن هناك ضرورة لإعادة النظر في كل الإجراءات والآليات التي أوصلت المنظمة إلى ما هي عليه اليوم.
وأكد شهاب على ضرورة العمل على حماية منظمة التحرير كمظلة لمشروع التحرير وعدم استبداله بأي عناوين أخرى .
وكان أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية د.صائب عريقات أعرب في بيان صحفي اليوم في ذكرى تأسيس المنظمة عن ثقته بإرادة أبناء الشعب الفلسطيني وفصائله الوطنية والإسلامية بإعادة اللحمة للوطن وتحقيق المصالحة الوطنية باعتبارها أمرا واجبا من أجل مواجهة التحديات المحيطة به ، كما فعلت منظمة التحرير عندما جمعت بين جميع أبناء شعبنا في الوطن والمنافي ومخيمات اللجوء في العام 1964.
وشدد عريقات على ضرورة انضمام القوى والفصائل غير المنضوية إلى عضويتها، وإجراء الانتخابات وتفعيل المنظمة، وقال :" إن العام القادم الذي يؤرخ لنصف قرن على الاحتلال وقرن على وعد بلفور المشئوم يتطلب منا جميعا الوقوف موحدين في جبهة واحدة من أجل جعل العام القادم عام استحقاق فلسطيني على العالم من أجل إنهاء الاحتلال وتحقيق العدالة لفلسطين".
وأضاف: " خلال النصف قرن الماضي، خاضت القيادة الفلسطينية معارك حقيقية من أجل حماية أبناء شعبنا وحقوقهم، تمثل آخرها في اعلان فلسطين دولة مراقب في الأمم المتحدة في عام 2012، وحصولها على اعتراف 138 دولة حول العالم ، وانضمامها إلى المعاهدات والمواثيق الدولية كافة وفي مقدمتها المحكمة الجنائية الدولية، من أجل ضمان عدم إفلات مجرمي الحرب الإسرائيليين ومستوطنيهم من العقاب، وناضلنا في جميع المنابر الدولية، وحشدنا الجهود السياسية والدبلوماسية للانتصاف لحقوق شعبنا وتحقيق العدالة".
وتابع:" وحثينا الدول من أجل تحمل مسؤولياتها السياسية والقانونية واتخاذ المبادرات الجدية لإنهاء الاحتلال وترسيخ السيادة الفلسطينية على الأرض وتجسيد الاستقلال واستجابة لجهودنا الحثيثة، أعلنت فرنسا مبادرتها من أجل السلام، واليوم نقف أمام إمكانية حقيقة للتوصل إلى حل سياسي عادل وشامل للقضية الفلسطينية على أساس الشرعية الدولية، يتمثل في إنهاء الاحتلال وتجسيد قيام دولة فلسطين، ونطلب من الجميع دعمها وإنجاحها، فلا يمكن أن ينعم العالم والمنطقة بسلام حقيقيي أو أمن واستقرار في غياب حل عادل للقضية الفلسطينية، هذا هو الامتحان الحقيقي للإرادة الدولية".
تقرير: أيمن أبو شنب