وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

واقع... وتأملات؟؟!

نشر بتاريخ: 02/06/2016 ( آخر تحديث: 02/06/2016 الساعة: 11:40 )
واقع... وتأملات؟؟!
الكاتب: د. سهير قاسم
تتطلب المرحلة الراهنة العمل الدؤوب والجاد في تأمل إنجازاتنا الفعلية على الأرض، كيف لا وقد مرت السنوات تلو السنوات على إعلان دولتنا الفلسطينية التي تستحق المزيد من الاهتمام وتضافر الجهود على المستويات الرسمية وغير الرسمية لتصحيح المسار وإصلاح ما يمكن إصلاحه في هذه المرحلة الصعبة. ودون تردد أو خوف علينا طرح التساؤلات العميقة لا الشكلية، فهل قيّمنا السياسات والخطط فعليا على أرض الواقع، أين نحن من المشروع الوطني الذي نفخر به وأين هو منا؟ هل خطواتنا مدروسة تسير في الاتجاه الصحيح؟ هل ثمة تغيير ينبغي له أن يكون؟ ألم يحن الوقت لتجاوز الركود والجمود والسكون حتى لا ينحرف المشروع الوطني عن المسار؟!

أسئلة عديدة وغيرها الكثير باتت تلقي بظلالها وهي حتما لو طُرحت على طاولة البحث ستقود إلى مراجعة الواقع وتشخيصه، فلا ضير في العودة إلى مرحلة التأسيس وبناء أعمدة ذلك المشروع لدولتنا الواعدة، لتعد عقارب الساعة إلى الوراء، إلى زمن الحلم بالدولة باعتباره الهم الكبير حيث كان أصحاب الحلم يبذلون الغالي والنفيس لأجله، أؤلئك الذين خططوا واجتهدوا، نخبة هم قدوة في النضال والكفاح، كيف لا وقد صلُحت النوايا وجمعهم هدف واحد أوحد وقد عقدوا العزم على التحرر من الاحتلال وكانت طريقهم إلى فلسطين بالعودة والبقاء والثبات على الأرض الفلسطينية المحتلة.

وتتجول التساؤلات الممزوجة بالدهشة والاستغراب بما يخص بنية ذلك المخطط أو المشروع وهيكليته وآلياته، فهل تركّز ذلك المخطط الأصيل على شكل الدولة أو على مضمونها؟! هل تمثل الحلم والتأسيس بالوصول إلى تصميم مؤسسات وهيكليات متينة بشكلها الخارجي ومسميات تولّد عنها صراعات وتنافسات سلبية، أم أن ذلك المخطط قد حمل بذور الأصالة لبناء دولة ذات مقومات حقيقية وموارد تركّز على البشر والبناء في الأفراد أولا بما يعزز التلاحم والانتماء للنهوض بقيم المجتمع ومبادئه لا العمل على تكريس نزعات غريبة شاعت وباتت تداهم مراكزنا ومؤسساتنا وحتى بيوتنا!

وللاستنتاج والتحليل موقع عبر هذه السطور، فهل وقعنا في فخ الاحتلال إن صح التعبير أم أن الأمل والحلم قادم لا محالة؟! أظن الإجابة واضحة لكل فرد ومجموعها يساوي التوقعات المحتملة. ومن باب التذكير وجلد الذات فالتركيز على شكليات الأمور يؤدي إلى المزيد من الصراع وتقليد دول كبرى مصيبة أخرى قد تبدد الحلم في ظل عدم امتلاكنا لمقومات هذه الدول، فما الحاجة إلى طقوس رسمية ومواكب وقيادة ومسميات مستحدثة في كل يوم تأكيدا على سياسة الإرضاء لأكبر عدد ممكن من الأفراد تبعا لمصالح شخصية وخاصة رخيصة، ألا يكون ذلك عائقا أمام تنفيذ الحلم في ظل ازدياد العجز المادي، وفي ظل البحث المستمر عن الموارد المادية لتغطية كشوفات وحسابات لا تصب في الغايات المرجوة. ألسنا في غنى عن شكليات مرهقة تتطلب مصروفات باهظة وتنهك كاهل دولة فتية تجمع قوت يومها من المانحين والممولين!

إن التقشف وتسيير الأعمال والنهوض بالمؤسسات لا يعني غياب المسميات التي يجدر وجودها لكن المطلوب تسيير الأعمال بالتقنين والابتعاد عن التبذير بيسر ومرونة وسهولة وبتكلفة أقل وبجودة عالية، مما يخفف من الأعباء المادية وقد يسهم في تحقق الهدف المهم وهو التخفيف من حدة الصراع والتنافس الهدام على السلطة التي باتت جلّ هم الكثيرين؟1

لا نريد الوصول إلى مرحلة الشكل على حساب المضامين إن لم نكن قد وصلنا فعلا لتصبح المؤسسة قائمة بشكلها مفرغة من روحها وقد سُلبت شريانها الرئيس، تذهب الروح ويبقى الجسد، لا قدر الله؟ وهنا يجدر تذكر حجم الاستحقاقات الشكلية التي تُدخلنا في صراعات وتنافسات غير مجدية وتؤثر سلبيا في مشروعنا الوطني ولا تتناسب مع تطلعات وحاجات شعب واقع تحت الاحتلال. ألم يحن الوقت للمراجعة والوقوف عند الهموم الحقيقية بعيدا عن الترقيع ولف الأمور وتأجيل التصويب؟ مما يولّد المزيد من التراكمات والضبابية المفرطة وينعكس على انعدام ثقة المواطن بالدولة وحتى انعدام ثقة المواطن بنفسه في ظل تردّي القيم وتقهقرها.

يستحق الهم الفلسطيني التفكير والروية والتركيز على الهدف والمشروع والابتعاد شيئا فشيئا عن الشخصنة لصنع المؤسسة وقيادتها لا أن تقودنا المصالح الخاصة والشخصنة التي تعود بالوبال على الكل الفلسطيني. إن تحقيق الهدف الأصيل والمصلحة الخاصة لا يلتقيان، لذا فالبديل هو التخلي عن النزعة الفردية التي سيطرت على الكثيرين ربما يكون بالتخلي عن مواكب ورسميات عبثية يمكن الاستغناء عنها بيسر وسهولة؛ فالتخفيف من العبء المادي يقودنا إلى الثقة والأمان والتواصل البناء بين أفراد ومجموعات تنتمي لأصل واحد يمتد بجذوره إلى تاريخ نضالي عظيم.

ماذا لو اقتصر المخطط على تسيير أعمال بعيدا عن الشكليات التي تبعدنا عن هموم الوطن والمواطن، والأغرب هو النزاع والتنافس الهدّام الذي بات يسيطر علينا في مؤسساتنا الرسمية وغير رسمية دون ورع وفي ظل انعدام للثقة في ذات الفرد وبين أفراد المجتمع بتنا نبحث عن داعمين لبناء القيم ووتصويب المعتقدات! هذه الصراعات تقودها نزعات فردية غريبة لا تمت لقضيتنا ولا حجة لنا بها.

تستحق المرحلة التفكير في بناء الإنسان بشكل سليم وبعيدا عن الواقع المُعاش حتى نصل إلى عصور المجد والفخار ولا يقع الطفل ضحية النزعات الفردية والصراعات على سلطات وهمية ومكاسب رخيصة سيطرت وفاقت المصلحة العامة للوطن بقيادة فئة خططت لنفسها وبحثت عن المادة للتجارة أو عن مجد وهمي في كل مجال من مجالات الحياة لتحقيق المصلحة الخاصة والتباهي والتفاخر بكفاح مناضلين قادة للبناء، وكأن للنضال ثمن وكأن للشهادة ثمن وكأن للثورة والثوار ثمن؟!

إن الشعور بالخجل والخوف من المصير يلاحق الكثيرين ... ولكن الثقة بمقدرات الشرفاء باقية ما بقي أطفال المجد والعزة، هم الذين سيصلون ما انقطع من أمجاد، هم يتطلعون ببراءة بعيدة عن المصلحة الخاصة أؤلئك يتغنون بنضال أجدادهم من أجل النهوض لا الارتداد. هم من سيجسرون الفجوة ويتحررون من الذاتية المفرطة ويستثمرون الإمكانات المتاحة أمامهم لصالح الوطن، سيعودون إلى الذات الفلسطينية الأصيلة التي انطلقت قبل عقود وأنجبت الهوية والكرامة الفلسطينية.