|
حماس في علاقاتها الإقليمية:سياسة إمساك العصا من المنتصف
نشر بتاريخ: 05/06/2016 ( آخر تحديث: 05/06/2016 الساعة: 11:22 )
الكاتب: د.احمد يوسف
حاولت حركة حماس منذ انطلاقتها عام 1987، أن تحافظ على علاقات متوازنة مع عمقها العربي والإسلامي، وخاصة بعد فوزها في الانتخابات التشريعية في يناير 2006، وتشكيلها الحكومة برئاسة الأخ إسماعيل هنية، وقد نجحت الحكومة - بدرجة ما - إقناع معظم دول المنطقة بذلك، بالرغم مما حظت به إيران من حظوة تقدمت خطوة ملحوظة عن الأخرين، إلا أن السبب كان واضحاً، حيث امتلكت هذه الدولة من الشجاعة أن تجاهر بأنها تدعم المقاومة الفلسطينية، وتقدم لها ما يطور إمكانياتها العسكرية ومهارات مقاتليها في الميدان. بعد الربيع العربي، وما جرى ويجري من مجازر دامية في كل من سوريا والعراق، تبدلت المواقف في المنطقة كلها، وأصبحت حماس في حيرة من أمرها لظهور تحالفات أظهرت تناقضات واسعة في سياسات الدول، وصارت الطائفية أحد ملامحها البغيضة.
وفي ظل ملاحم الدم التي استعرت في العراق وسوريا واليمن، واستباحة الحرمات الدينية والسياسية والأخلاقية، وانقسام المنطقة إلى فسطاطين: "إما معنا أو ضدنا"، وجدت حركة حماس نفسها في ورطة سياسية وقيمية كبيرة، وعليها انتهاج مواقف وسياسات ترضي الجميع، وتعكس حيادها، وأنها تنأى بنفسها عن تلك الصراعات، التي أخذت في بعض أبعادها شكلاً طائفياً مقيتاً، وأصبح من العسير على أي حركة تحرر وطني كحركة حماس أن تخلع عباءتها الإسلامية،وتصطف إلى هذا الطرف أو ذاك، لقد حاولت إمساك العصا من المنتصف والحفاظ على علاقات بمسافات متساوية من الجميع، ولكن دون جدوى. هذا هو واقع الحقيقة، التي سنتناول عرضها في ملف علاقات حماس العربية والإسلامية، فإلى أي حدٍّ نجحت هذه الجهودأو تعثرت هذا ما ستجيب عنه الصفحات التالية: أولاً) مصر الدولة والجوار الجغرافي بعد الأحداث المأسوية التي وقعت في يوليو 2013، والتي أدت إلى عزل الرئيس محمد مرسي ووضع الآلاف من الإخوان في السجون، والترديد المتكرر لوسائل الإعلام المصرية بتورط حركة حماس بما يجري في مصر، أرسلت حركة حماس العديد من الإشارات لنظام الحكم الجديد ببراءتها من أية اتهامات يجري تداولها إعلامياً، واستعدادها لتفنيد ذلك بالشكل الذي تراه الجهات الأمنية التي سبق لنا التنسيق والتعامل الأخوي معها للعديد من السنوات؛ أي جهاز المخابرات العامة، ولكن – للأسف – لم تتوقف الاتهامات على المستوى الإعلامي، وكنا من جهتنا نشعر بالأسى كون العلاقة مع مصر – العروبة والإسلام - تنساق في هذا الاتجاه. لم توقف قيادة حماس محاولاتها في التعبير عن رغبتها في التواصل والحفاظ على دور مصر ومكانتها تجاه الملف الفلسطيني، كما أبدت استعدادها للتعاون والتنسيق أمنياً بما يحفظ أمن الحدود، وعبَّرت من خلال تصريحات قادتها أن استقرار مصر هو مصلحة قومية فلسطينية، وظلت تسعى أن يظل ملف المصالحة كذلك بأيدي مصر، وحاولت دائماً أن تعطي الانطباع - لكل من يسأل - بأن التواصل مع مصر ما يزال قائماً، وكنا نراهن على أي وساطة أو متغير إقليمي يمكن أن يعيدنا لمصر الشقيقة، ويعيد مصرنا الحبيبة لنا، ولكن - للأسف - كنا نشعر بالظلم والإحباط؛ لأن إخواننا في السلطة الوطنية وحركة فتح كانت لها حسابات أخرى من وراء إبقاء هذا الخلاف قائماً مع إخواننا في مصر. نعم؛ ربما كانت للنائب محمد دحلان، بحكم ما له من دالة عند الرئيس السيسي، بعض المساعي – كما سمعنا، وما كنا للغيب بعالمين - لتلطيف الأجواء، ولكنها لم تكن بالقوة الكافية لكسر جليد العلاقة مع مصر. كما أشرت، فإن قيادة حماس لم تتوقف عن محاولاتها بأمل إحداث اختراق في العلاقة، ولقد نجح د. موسى أبو مرزوق في إجراء تواصل مع القاهرة عندما غادر قطاع غزة باتجاه الدوحة نهاية شهر يناير الماضي، وأرسل إشارات مبشرة بأن الأمور في طريقها للحل. انتظرنا، ولكن – للأسف - لم يتغير شيء، حيث كان فتح المعبر أو إغلاقه هو المؤشر لقياس طبيعة العلاقة، من حيث الرفض أو القبول. إن التحركات على الأرض سواء في قطاع غزة أو سيناء تفرض على الطرفين أن يلتقيا، والتوتر الإعلامي لن يخدم أحداً، حيث كانت العمليات العسكرية تتصاعد في سيناء، وهذه ستلقي بتداعياتها السلبية - شئنا أم أبينا - على قطاع غزة، وهناك اتهامات حول عمليات تسلل تجري عبر الأنفاق، رغم الحديث عن تدميرها، كما أن هناك تصريحات - وشكل من أشكال الاتفاق - حول إنشاء ميناء في غزة برعاية تركية، وما لهذه القضية من انعكاسات على مستقبل علاقاتنا بمصر، وطبيعة الصراع مع إسرائيل...الخ كذلك لا يمكن تجاهل بعض الأسباب الأخرى خلف استمرار القطيعة في العلاقة مع مصر، إذ أنَّ اتهام السعودية لحركة الإخوان المسلمين بالإرهاب في عهد الملك عبد الله (رحمه الله)، وموقف الإمارات المعادي بشكل صريح ومستفز للإخوان، والذي لا نجد له – حقيقة - مبرراً على الإطلاق، إذ لا يمثل الإخوان المسلمون – بشكل عام – تهديداً لهذا البلد، والذي جعله الشيخ زايد (رحمه الله) بسخايا عطاياه وحكمته وطيب مواقفه بلداً حبيباً على كل قلب كل مسلمٍ في المنطقة، وخاصة نحن الفلسطينيين؛ إسلاميين ووطنيين.. لا شكَّ أن هذا الموقف الخليجي كان بمثابة التسونامي للإخوان في كل مكان، وأعطى الذريعة لاستمرار الجفوة وفتور العلاقة مع مصر. في 12 مارس 2016، سافر وفد من حركة حماس إلى القاهرة عبر معبر رفح، واستبشرنا خيراً، حيث استمرت اللقاءات لثلاثة أيام، وشاركت فيها قيادة الخارج كذلك برئاسة د. موسى أبو مرزوق، واعتبرنا – من طرفنا - أن هذا يمثل انفراجاً (Rapprochement) في العلاقة، وارتفعت أسهم التوقعات بإمكانية فتح المعبر، وتسهيل سفر الآلاف من العالقين من المرضى والطلاب وأصحاب الإقامات. كان اللقاء في القاهرة مناسبة للفضفضة، والدخول في تفاصيل بعض الملفات المتعلقة بأمن الحدود والميناء، وبالتأكيد كانت هناك فرصة لكل طرف أن يتبادل مع الطرف الآخر ما يراه عتاباً وشكوى. ربما لم تأت الزيارة بكل ما كنا نطمع به ونتطلع إليه، إلا أنها كانت جيدة بشكل عام، وإن كانت بدون نتائج إيجابية، يمكن أن يلمسها المحاصرون في قطاع غزة. إن مصر بالنسبة لنا هي أهم دولة مركزية في المنطقة، والتنسيق معها مسألة مهمة واستراتيجية، وهي – تاريخياً - خاضت إلى جانبنا حروباً مع إسرائيل، وقدمت عشرات الآلاف من أبنائها شهداء من أجل فلسطين، ولا يمكن أن يزايد على حب أهلها لنا أحدٌ من العالمين، فهي أيقونة العرب والمسلمين، وتضحيات مصر – في الماضي - لنصرة أمتنا، ووقوفها إلى جانبنا في الحاضر القريب، لا تخطئها عين البصير، فمهما قست علينا مصر، فهي لنا تبقى بمثابة الشقيقة الكبرى، التي لا نفكر أبداً إلا في كسبها، والتحالف معها من أجل فلسطين؛ القضية المركزية للعرب والمسلمين. وكما أشار الصديق د. أسامة الفرا بأن "العلاقة مع مصر أكبر من فتح معبر". وتأسيساً على تلك الزيارة، قامت وزارة الداخلية بعد هذه الزيارة لوفد الحركة للقاهرة بإجراءات واسعة لتعزيز أمن الحدود مع مصر، بهدف قطع الشك باليقين لشقيقتنا الكبرى أننا كنا وسنبقى سهماً لها لا عليها، وفيما يتعلق بحدودها مع قطاع غزة، فنحن – كنا وسنبقى - الحارس الأمين على سلامة أمنها واستقرارها. ثانيا) السعودية: إطلالة جديدة في عهد الملك سلمان منذ أن تولى الملك سلمان بن عبد العزيز أمور البلاد، عقب وفاة أخيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله (رحمه الله)، في 23 يناير 2015، أخذت الأمور تنحو باتجاه إعادة ترتيب العلاقة مع الإسلاميين، وخاصة الإخوان المسلمين. لا شك إن بعض سياسات الملك عبد الله تجاه الإخوان كانت مقلقة، وكانت هناك خشية من انعكاسها على حركة حماس وسلطتها في قطاع غزة، إلا أن رحيل الملك عبد الله (رحمه الله) أدى إلى تحول استراتيجي في سياسات المملكة، حيث عاد التحالف مع الإسلاميين مع عاصفة الحزم، وعودة العلاقات مع تركيا أردوغان بصورة أقوى من سابقتها. تنفس الإسلاميون في المنطقة الصعداء، ومن بينهم – بالطبع - حركة حماس، حيث يأمل الجميع أن ينعكس ذلك إيجابياً على مصالحة بين الإخوان المسلمين والنظام في مصر، تتحقق معه انفراجة سياسية نجني من ورائها تحسناً وتطبيعاً في العلاقات، وتخفيفاً للإجراءات على المعابر والحدود، والتي شكلت معاناة قاسية لتحركات الفلسطينيين وتنقلاتهم في الداخل والخارج. في الحقيقة، كانت السعودية وما تزال هي الدولة الوازنة والأهم في حشد الدعم العربي والإسلامي للقضية الفلسطينية، وأنه لا غنى عنها إذا ما أردنا التمكين لمشروعنا الوطني.. قد تكون المملكة - الآن - مشغولة بالحرب والصراع القائم في اليمن من ناحية، وفي ترتيب علاقات المنطقة المتوترة جراء الصراعات الطائفية، وسياسات الهيمنة والنفوذ، ومحاولات بناء تحالف يحجم من طموحات إيران، التي ترى فيها المملكة ودول الخليج أنها تمثل تهديداً لأمنها واستقرارها من ناحية أخرى. ولكن المملكة لن تكون بعيدة – بالطبع - عن أية تطورات يمكن أن تحدث سياسياً فيما يتعلق بملفات القضية الفلسطينية. لذلك، تبقى حركة حماس ميَّالة في توجهاتها إلى الاقتراب أكثر من المملكة، والعمل على كسب تأييدها ودعم مواقفها إقليمياً ودولياً. باختصار: نحن في الحركة الإسلامية - وكإخوان مسلمين وحماس - لا نتصور غياب المملكة عن مشهد الصراع مع المحتل الغاصب، فالمملكة بدعمها ومواقفها وتأييدها لقضيتنا هي في قلب الحدث، وهي أمينة بثقلها السياسي ومكانتها الدينية على تأمين حماية الحشد العربي والإسلامي للقضية، دفاعاً عن حقوقنا المسلوبة ومقدساتنا التي تتعرض للتهويد والمصادرة والتدنيس من قبل المحتل الإسرائيلي الغاصب وغلاة المستوطنين. إن محور مكة (المسجد الحرام) والقدس (المسجد الأقصى) استراتيجي في تفكير الإسلاميين وعقيدة الأمة، وكذلك في رؤية حركة حماس، وأن ديمومة التواصل والترابط هو ما سيحفظ للقدس إسلاميتها ولفلسطين عروبتها. ثالثاً) إيران: استمرار التواصل، والحفاظ على أكثر من "شعرة معاوية" لا يختلف اثنان أنه مع صعود الإخوان المسلمين في مصر بانتخاب الرئيس محمد مرسي، فقد ساد شعور لدى حركة حماس بأن الزمن القادم هو "زمن الإخوان"، وعليه أخذت تصرفات الحركة في علاقاتها السياسية تتحرك في هذا الاتجاه، وبالتالي أعادت هيكلة تلك العلاقات في السياق الذي ينسجم وهذه الخريطة الجديدة، حيث ظهرت إشارات بأن حجم التحول باتجاه أن يتصدر الإخوان سدة الحكم في العديد من الدول العربية هي حالة في إطار التشكل وبسط النفوذ. ومن باب الأمانة والتوضيح، فإن قراءة حركة حماس لبعض جوانب المشهد لم تتغير كثيراً من جهة أن القضية الفلسطينية هي قضية الأمة، وهي تتطلب جهد الجميع، وهذا يفرض علينا في علاقاتنا السياسية أن نكون على مسافات متساوية ومتوازنة من كل عواصمنا العربية والإسلامية. ربما كان ابتعاد حركة حماس عن سوريا هو الملف الأشد صعوبة والأكثر تأثيراً على الحركة، وذلك بحكم ارتباط هذا الملف بكل من إيران وحزب الله، والتي تجمعهما مع حركة حماس مسيرة تاريخية ومواقف نصرة ودعم طويلة، شعر الجميع أنها تأثرت سلباً، وشكلت – في الواقع - خسارة حقيقية للحركة؛ لأنها فُهمت وكأنها تحولات في سياق التحالفات، التي طرأت بعد الربيع العربي أو التي استجدت بعد انتكاسته. لم يكن الأمر سهلاً على الحركة عندما اتخذت قرارها بمغادرة دمشق، ولكنه كان قراراً لا بدَّ منه، وإلا لوجدنا أنفسنا في دائرة الاتهام بالتواطؤ مع نظام بشار الأسد، وخسارة الكثير من دعم أمتنا الإسلامية وشعوبنا العربية. نعم؛ نحن نقدر للقيادة الإيرانية وقوفها معنا، ودعمها المتميز للمقاومة، وهذا فضل لهم نقرُّ به ولا ننكره، كما أن فصائل المقاومة الإسلامية لا تتوقف عن الإشادة بهذا العطاء، وتحرص على تظهير ذكره في كل المناسبات والفعاليات الوطنية التي تقوم بها. حجر الزاوية وبيت القصيد، إن مشاكل إيران – اليوم - قد كثرت وتعقدت، وقد شاهدنا خلال القمة الإسلامية نوعاً من الإدانة لها في بعض صراعات المنطقة، وهذا ما يجعلنا نتعامل بحذر شديد مع الملف الإيراني، حتى لا تُفهم الأمور بشكل خطأ، وتنحرف البوصلة بزاوية نخسر معها دولة إسلامية عريقة بحجم الجمهورية الإسلامية، والتي نكنُّ لها ولمواقفها تجاه قضيتنا احتراماً كبيراً، وتقديراً خاصاً لوقوفها شبه الثابت إلى جانب المقاومة، ودعمنا سياسياً ومالياً لسنوات طويلة من المحنة والحصار. رابعاً) تركيا أردوغان: الأمل في اجتماع شمل الأمة في ظل حالة الحصار الظالم المفروض على قطاع غزة، ومع تكرار كافة أشكال العدوان الإسرائيلي على قطاعنا الحبيب، والمحاولات التركية للتخفيف من هذا الحصار، وتوجيه الانتقادات القاسية للسياسة الإسرائيلية واتهامها من قبل رجب طيب أردوغان بأنها تمارس إرهاب الدولة، وترتكب جرائم بحق الإنسانية على أرض فلسطين، وكانت مواقفه في دافوس عام 2009 المنددة بإسرائيل واتهامها بقتل الأطفال، ثم تحركاته الواسعة لحشد الدعم الإقليمي والدولي لوقف العدوان عن قطاع غزة، ثم تشجيعه لسفينة "مافي مرمرة" بالانطلاق لكسرالحصارعن قطاع غزة في مايو 2010، وقطعه للعلاقات الدبلوماسية ووقف التنسيق الاستراتيجي مع دولة الكيان الإسرائيلي، وتحريك تركيا أردوغان لدبلوماسيتها النشطة والقوية لدعم الموقف الفلسطيني عام 2012، والذي تمخض عنه التصويت لصالح اعتبار فلسطين دولة بصفة مراقب في الأمم المتحدة. إن تركيا لم تبخل في مساعداتها المالية لدعم الاقتصاد الفلسطيني، والتي بلغت حوالي نصف مليار دولار بين إنشاءات عمرانية وأنشطة إغاثية وإنسانية لا تخطئها عين الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة. واليوم، مع وجود تركيا على رأس منظمة التعاون الإسلامي، فإن طموحات الفلسطينيين وخاصة في قطاع غزة تتعاظم بأمل تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام من ناحية، وفك الحصار من ناحية الأخرى، إضافة لتحشيد الموقف العربي الرسمي خلف قضية المسلمين الأولى، والعمل على إيجاد حلٍّ يتمكن فيه الفلسطينيون من إقامة دولتهم الحرة المستقلة. إن تركيا أردوغان بالنسبة لنا هي دولة فوق الشبهات، وهي إحدى أهم الدول المركزية بالمنطقة كمصر والسعودية، ونحن نطمئن إلى مواقفها تجاه دعم قضيتنا والوقوف إلى جانب شعبنا، ونأمل أن تكون قادرة - وهذا التحدي الذي ينتظرها - في إصلاح علاقاتها مع مصر، لتتكامل بذلك أركان القوة والرؤية في بناء موقف عربي موحد تجاه دعم القضية الفلسطينية إقليمياً ودولياً. خامساً) قطر: المكانة والدور والأمل المرجو بالرغم من صغر دولة قطر جغرافياً، إلا أنها نجحت بحكم سياساتها الحكيمة، وجهودها لفض النزاعات ورأب الصدع بين بعض دول المنطقة، أن تترك لها أثراً وبصمة على الكثير من القضايا الإقليمية، كما أن دعمها المشهود لدول عربية وإسلامية ووقوفها لنصرة القضية الفلسطينية، ومتابعاتها لتطوير قطاع غزة الذي دمرته الحرب، واستجابتها لإغاثة الملهوف في قطاعنا الحبيب قد رفع من منزلتها في الشارع العربي والإسلامي، وجعلها طرفاً فاعلاً في السياسة الإقليمية لدول المنطقة. لا شكَّ أن أواصر العلاقة التي تجذرت بينها وبين تركيا أردوغان قد أسهمت في الحفاظ على توازن مواقف المنطقة سياسياً، كما أن اتساع هذا التحالف بوجود السعودية سيؤدي إلى نزع فتيل التوتر والخلاف القائم بين تركيا وكل من مصر والإمارات. سيبقى ملف النزاع في سوريا والعراق يؤثر سلبياً على علاقات هذه الدول بإيران، وحالما انتهت حالة الاصطفاف القائمة حالياً، فإن العلاقات ستأخذ شكلاً أفضل من التنسيق والنصرة للقضية الفلسطينية. إن قطر دولة تعرف حدودها وإمكانياتها في إطار الجغرافيا والبترودولار، وهي تسعى أن تكون حكيمة في تصرفاتها، ولا تستعدي أحداً، وإن كانت حساباتها هي في اتجاه إقامة علاقات قوية واستراتيجية مع كلٍّ من تركيا والسعودية. إن موقف دولة قطر وسياسات أميرها الشاب ومن قبله والده الشيخ حمد، هي مع دعم الإسلاميين واحتضان القضية الفلسطينية، وهذه شهادة مبنية على رؤية عايشتها بنفسي خلال عملي في الحكومة العاشرة، وكذلك للسنوات التي أعقبت الأحداث المأساوية في يونيه 2007، حيث ظلت قطر وفيَّة لالتزاماتها تجاه دعم الشعب الفلسطيني، وقدَّمت لغزة وللسلطة الفلسطينية من المساعدات المالية ومشاريع إعادة الإعمار ما لم تقدمه دولاً أخرى لا تقل ثراء عنها، واستدعت أن تظل ألسنتنا تلهج لها بالثناء: شكراً قطر. وعليه؛ فإن مكانة قطر ليس فقط في أنها شكلت مثابة آمنة لقيادة المكتب السياسي لحركة حماس، وأنها تعهدت قطاع غزة بتصدر جهود الإعمار، وحرصت على رعاية ملف المصالحة الفلسطينية بسبب انشغالات مصر في همومها الداخلية، بل لأنها الفاعلة سياسياً - كذلك - في إيجاد مخارج وحلول للأزمات التي يعاني منها أهالي قطاع غزة، وخاصة في قطاع الطاقة؛ أي الكهرباء والغاز. باختصار: إن قطر - اليوم - هي شريان حياة بالنسبة للفلسطينيين في قطاع غزة، وهي دولة يمكننا الوثوق في تحركاتها الإقليمية والدولية لدعم شعبنا وقضيتنا الفلسطينية. ختاماً.. نحن لا ندَّعي العصمة، ولا نزعم أننا حُزنا على الطهارة السياسية من كل جوانبها، أوأننا نجحنابإقناع الجميع في تظهير حيادنا الإيجابي،وذلك بالابتعاد عن كل مناطق الصراع في المنطقة، لكننا - وهذه حقيقة – حاولنا، وما زلنا نجتهد في المحاولة، أن نكون عنصر بناءٍ لوحدة أمتنا واجتماع صفها.. إن رؤيتنا اليوم، لا تقتصر على الحفاظ على وسطية مواقف الحركة وسياساتها، بل وتجنب الانزلاق في أيٍّ من ملفات الخلاف، التي أخذت أشكالاً طائفية، لا تبقي معاركها المدمرة مودةً بين دول المنطقة، ولا تذر. |