|
"العمري" ..شاهد على تاريخ غزة
نشر بتاريخ: 06/06/2016 ( آخر تحديث: 03/04/2020 الساعة: 05:05 )
غزة- تقرير معا- في حي الدرج الأثري وسط مدينة غزة، يقع ثاني أقدم مسجد في فلسطين على مساحة 4100 متر مربع والذي يحتل أهمية دينية واجتماعية وسياسية لدى الفلسطينيين إنه "المسجد العمري الكبير" الذي سمى بهذا الاسم تكريما للخليفة عمر بن الخطاب صاحب الفتوحات، كما سمي بالكبير لأنه أكبر جامع في غزة، وقد وصفه الرحالة والجغرافي "ابن بطوطة" بـ"المسجد الجميل" في القرن العاشر الميلادي.
يقول فريج الصوراني مسؤول العلاقات العامة في "المسجد العمري" بغزة :"نظرا لما له من حب وحنين وشوق من المواطنين وعشق للجانب المعماري المميز والشكل الذي يأخذ صورة الأقواس التاريخية بالمسجد الأقصى بصورة كبيرة فإن المسجد يرتاده المصلون خلال النهار ويرتاده في بعض ليالي شهر رمضان المبارك ما يزيد عن الأربعة آلاف وخمسمائة مصل ترى منهم الساجد والراكع ومنهم من يرفع يديه إلى الله وعينه تفيض من الدمع بالدعاء لله تعالى خشية منه وطلبا لعفوه ورضاه، ومنهم من يجلس منعزلا عن الناس يقرأ القرآن الكريم". ويضيف الصوراني لمراسل "معا":" في زاوية أخرى من زوايا المسجد تجد أناسا يتجمعون حول أحد الدعاة يستمعون للدروس الدينية، فيما لا يتواني الشباب عن خدمة مسجدهم فترى منهم من هم في حال طوارئ مستمرة يعملون على نظافته وآخرين يقومون بتعبئة الثلاجات بالمياه الباردة العذبة وغيرهم يأمنون أبواب المسجد ويحفظون الهدوء داخله". وتابع:" أما في الغرفة المغلقة تجد مجموعة من الشباب ينهمكون في تجهيز السحور للمعتكفين في العشر الأواخر من الشهر الكريم". واستطرد قائلا :"هذا بعض ما يميز المسجد العمري الكبير من النواحي التي تخص العبادة ومحاولة شباب المسجد تيسير أمورها لزوار مسجدهم وعماره". وبحسب الصوراني "في الخفاء هناك جنود مجهولون يتحسسون منابع الخير ويسعون لها يطرقون أبواب الخير في كل مكان، رجال يتواصلون من هذا وذاك لتأمين لقمة تطعم يتيم أو مسكين أو فقير ثياب تكسو عاريا أو مشردا لا يبغون من كل ذلك سوى خدمة أبناء وطنهم ومدينتهم لا يرجون منهم راتبا أو مكافأة وإنما يطلبون أجرهم من الله عز وجل". وأوضح أن إدارة المسجد توزع المئات من الطرود الرمضانية والتي تحتوي على العديد من الأصناف الغذائية المهمة في شهر رمضان للمحتاجين وذلك للعام الثاني على التوالي، إضافة للتبرعات النقدية التي توزع على الفقراء والمساكين ومن توجب عليه الزكاة، ومشاريع القسائم الشرائية وتوفير الهدايا للأطفال وكسوتي العيد من أهل الخير والمؤسسات الخيرية في حي الدرج. وأشار إلى أن المسجد سيقوم هذا العام أيضا كما السبع سنوات الماضية بعمل وجبات إفطار صائم تتكون من التمر واللبن والمياه يقوم شبان المسجد وعند أذان المغرب بتوزيعها على السائقين والمارة المتأخرين عن منازلهم. وحول طقوس العشر الأواخر من رمضان ، قال الصوراني :" نسعى لتوفير ما لا يقل عن عشرة آلاف وجبة سحور للمعتكفين والمتهجدين، إضافة لتوفير مالا يقل عن 100 وجبة إفطار لمعتكفي المسجد العمري يوميا على مدار العشر الأواخر من شهر رمضان، إضافة لتوفير جميع مستلزماتهم المعيشية من مياه عذبة باردة للشرب وتجهيز المشروبات الساخنة لهم". وحول اعمار المسجد، قال إن لجنة اعمار المسجد سعت الى التواصل مع العديد من المؤسسات الدولية والمحلية من أجل إتمام عملية الترميم والتي بدأت أواخر حقبة التسعينيات من القرن الماضي وتوقفت بفعل نقص الموارد المالية لذلك كانت الاستجابة الفورية من دولة قطر وأعلن السفير محمد العمادي، رئيس اللجنة القطرية لإعادة إعمار قطاع غزة أنه أوعز لطاقم المكتب الفني في غزة بالبدء باتخاذ الترتيبات اللازمة لتنفيذ مشروع إعادة ترميم المسجد العمري الكبير بمدينة غزة. وبدأت عمليات الترميم قبل أسبوعين حيث أعيد تنظيم شبكة كهرباء جديدة متطورة وترميم الحمامات القديمة وإعادة ترميم الجدران والأرضيات المهترئة بالإضافة لترميم الأعمدة الرخامية التي تعرضت للدمار خلال الحرب العالمية حيث قصف المسجد قديما. بدورها، قالت الباحثة هيام البيطار والمختصة في علم العمارة الإسلامية القديمة :"إن الجامع العمري الكبير واحد من أقدم المساجد الأثرية في غزة والأقدم بعد القدس ويعود تاريخ المبنى الأصلي للعصر الصليبي عندما احتل الصليبيون قطاع غزة وقاموا بهدم الجامع العمري الكبير وإنشاء كنيسة أخرى في مكانه وعرفت باسم كنيسة القديس يوحنا المعمدان". وتابع البيطار لمراسل "معا":" بعد انتهاء الوجود الصليبي في غزة وانتصار المماليك تولت السلطة المملوكية لزمام الحكم في غزة باعتبارها جزء من فلسطين وتم إعادة تغيير المبنى الكنسي لكي يكون جامعا عرف باسم الجامع العمري الكبير". وعن تسميته بهذا الاسم، عرف بهذا الاسم نسبة للصحابي الجليل وثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب الذي تم في عهده الفتح الإسلامي لفلسطين. وأردفت البيطار قائلة :"الجامع العمري الكبير ما زالت أهميته في نفوس أبناء غزة إلى يومنا هذا باعتباره واحدا من الشواهد الأثرية القديمة على تاريخ غزة بالإضافة إلى أنه مسجد جامع له الأثر الكبير في الحياة ليست الدينية بل الاجتماعية والسياسية". وشيد معظم الهيكل العام للمسجد من الحجر الرملي البحري المعروف محليا باسم كركر، كما يحيط صحن المسجد أقواس دائرية، وقد قام المماليك وفي وقت لاحق العثمانيون بتوسعة جانبي بناء المسجد من جهة جنوب وجنوب شرق البلاد. وقالت :"يوجد على باب المسجد نقوش مكتوب عليها اسم السلطان المملوكي قلاوون، وهناك أيضا نقوش تتضمن أسماء السلاطين لاجين وبرقوق"، كما يتسع المسجد لأكثر من ثلاثة آلاف مصل ويضم في طابقه الأول قاعة رئيسية للصلاة ومصلى للنساء، في حين يضم في طابقه العلوي مدرسة لتعليم القرآن الكريم، أما الطابق السفلي فهو يحتوي على قاعة استقبالات وقاعة أثرية يتعدى عمرها ألفي عام مجهزة لتكون متحفا إسلاميا. ويوجد وسط صحن المسجد أربية مقببة تعود للحقبة الصليبية وقد تم فصل العنابر عن بعضها البعض بواسطة أقواس مدببة عرضية مع بعض التشكيلات الجانبية مستطيلة الشكل، أما ممرات الصحن فهي تقع على قاعدة مرتفعة وتم دعم ممرات الصحن بركائز أرصفة صليبية الشكل مع عمود من كل جانب، كما أن اثنين من ممرات المسجد الحالي أيضا أربية مقببة. كما يوجد محراب صغير في المسجد مع نقش يعود تاريخه إلى عام 1663، ويحتوي على اسم والي غزة موسى باشا خلال الحكم العثماني، ولا يزال موجودا حتى اليوم. وقالت البيطار :"خلال الحرب العالمية الأولى ما بين 1914 و1918، أصيب المسجد العمري بفعل قصف الطائرات البريطانية لغزة بأضرار فادحة وهدمت أجزاء كبيرة منه، كما فقدت فيه مكتبة أنشأها الظاهر بيبرس عندما زار غزة وكانت تحتوي على 20 ألف مخطوطة كتبها أبناء غزة العلماء الأجلاء الذين ساهموا في كتابة التاريخ الفكري والديني". تقرير: أيمن أبو شنب |