|
بخصوص نقاط ناصر القدوة ال10 للخروج من المأزق الحالي
نشر بتاريخ: 10/06/2016 ( آخر تحديث: 10/06/2016 الساعة: 13:55 )
الكاتب: حيدر عيد
سأحاول في هذه المقالة نقد النقطة الأولى من ال10 نقاط للخروج من المأزق الحالي التي طرحها د. ناصر القدوة و الداعية, كما يقول, "لإعادة تحديد الهدف الوطني المركزي وصياغته بصورة واضحة، وهو يتمثل بإنجاز الاستقلال الوطني وممارسة السيادة في دولة فلسطين على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية...ويقوم هذا الهدف على استبعاد "الكلام الرومانسي الضارّ" حول ما يسمى بحل "الدولة الواحدة." و لا شك ان نقاط الدكتور تحتوي على إيجابيات عديدة, و لكنها, للأسف, تقوم على اساس "واقعية," و بشكل ما, حتمية تطبيق النقطة الأولى, أي حل الدولتين, دولة فلسطين على 22 % من فلسطين و دولة إسرائيل على 78%.
لا يأخذ حل الدولتين, وهو بجوهره إقصائي, الذي تقوم على أساسه هذه النقاط ال10 العيوب الأساسية التي وقعت بها اتفاقيات أوسلو التي لم تشمل آليات تطبيق قرار الأمم المتحدة 194 المتعلق بعودة اللاجئين، ولا الحق بالمساواة الكاملة لـ 1.4 مليون مواطن فلسطيني من سكان دولة "إسرائيل" على اعتبار أن قضيتهم يتم التعامل معها كقضية إسرائيلية داخلية لا يحق للمفاوض الفلسطيني التطرق لها. و بناء على ذلك تبرز مجموعة من الأسئلة المؤلمة التي تم التغاضي عنها لمدة 23 عاماً من خلال اتباع سياسة النعامة و عدم الاعتراف بالواقع, مع ادعاء العكس, و أن اي طروحات أخرى, ومنها حل الدولة الديمقراطية العلمانية, هي إما "طوباوية" أو, في أحسن أحوالها, "رومانسية". ولكن ماذا لو رفض الفلسطينيون حل الدولتين العنصري, حتى لو تم الادعاء بوجود تأييد أممي له؟ و ما هي البدائل لذلك؟ أصبح من المعلوم للقاصي والداني أن اعتراف منظمة التحرير بإسرائيل, دون اعتراف الثانية بحقوق الشعب الفلسطيني الأساسية و لا حتى حقه بتقرير المصير, يرتبط بتبرير براجماتي يقوم على أساس تجنب توجيه اللوم للطرف الفلسطيني من قبل الولايات المتحدة وبالتالي ما يعقب ذلك من نتائج وخيمة. والحقيقة أن عدم التزام "إسرائيل" بتجميد الاستيطان، الذي لم يتوقف منذ توقيع اتفاقيات أوسلو، وتخليها عن التزامها الشكليّ بحلّ الدولتين العنصري، و بالتالي توجيهها رصاصة الرحمة لهذا الحل الذي يقوم على الفصل بين السكان الأصليين على أساس هويتهم الدينية, مسلمة و مسيحية, و مجتمع الاستعمار الاستيطاني بهويته الإثنية-الدينية (اليهودية-الأشكنازية). و لنحاول في هذا السياق الرجوع لتعريف الأبارتهيد حتى نستوعب محاولات تعليب أوسلو و حل الدولتين العنصري. وبالعودة للنتائج التي كانت يمكن أن تنجم عن عدم الرضوخ للضغوط الأممية فهي تتلخص بإيقاف المعونات المالية التي قامت على أساسها السلطة الوطنية الفلسطينية, التي تم الترويج لها على أساس انها "نواة" الدولة الفلسطينية المستقلة, ولا زالت تشكل شريان الحياة الوحيد لها ومبرر وجودها فلسطينياً. 23 عاما من الاقتصاد الاستهلاكي غير المنتج، المعونات المرتبطة بضمان أمن دولة "إسرائيل"، أديا لنشوء طبقة ريعية من البرجوازية الجديدة غير الأصيلة ارتبطت مصالحها عضوياً في بالترويج لحل عنصري يقوم على وهم عبثي و سراب ما هو إلا امتداد لفنتازيا ابتدعها مهندسو نظام الابارتهيد المقيت من خلال التركيز على صنمية "الاستقلال" الوطني على بقعة من الأرض يتم حشر السكان الأصليين بها مع إعطائهم علم و نشيد وطني و "جيش" من الأجهزة الأمنية تعمل على حماية مصالح الطبقة الحاكمة. في حدود علمي فإن أفضل العقول الفلسطينية هي تلك التي نادت بحل الدولة الديمقراطية الواحدة التي تضمن حقوق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى القرى و المدن التي طهروا منها عرقياَ, و الحقوق القومية و الثقافية لسكان الأرض الأصليين و هم من غير "الرومانسيين" أو "الطوباويين"! إدوارد سعيد, نصير عاروري, غسان كنفاني, على أبو نعمة, عمر البرغوثي و غيرهم, إلا إذا كان المقصود هو رومانسية الثوار الذين يتحدون الأمر الواقع الإضطهادي الذي تخلقه قوى استعمارية. نعم كان مانديلا"رومانسياَ" عندما قامت قوات النظام العنصري باعتقاله عام 1964 يحلم بجنوب أفريقيا غير عنصرية يعيش بها كل السكان السود و البيض متساوين في الحقوق و الواجبات. كذلك مارتن لوثر كينج الذي دفع ثمن "رومانسيته" و حلمه بأمريكا تحكمها المساواة. و لكن لأن المساواة لم تكن في يوم من الأيام جزءا من الخطاب السياسي الفلسطيني, فتم تصغير مفهوم التحرير, أي الحرية و العودة و المساواة التي يضمنها حل الدولة الديمقراطية, إلى استقلال الضفة الغربية و قطاع غزة و تسميتهما "فلسطين" من خلال الادعاء بواقعية هكذا حل. و لكن ما لا تريد هذه الواقعية الفلسطينية أن تراه هو أن 23 سنة من تطبيقها قد أدت إلى حصار إسرائيلي على غزة حوّل القطاع، حسب منظمات حقوق الانسان الدولية، إلى "أكبر سجن مفتوح على سطح الكرة الأرضية", على الرغم من ادعاء "تحريره!" و لكن الأخطر هو إنهاء حلم تلك "الواقعية" بالاستقلال من خلال قيام اسرائيل بالاستمرار بقضم ما تبقى من الضفة الغربية،أو ما "نحلم" بأن يكون الدولة الفلسطينية المستقلة. أضف لذلك تكملة بناء نظام الأبارتهيد في الضفة الغربية من خلال مواصلة بناء جدار الفصل العنصري. ما هو الانطباع الذي تولده هكذا "واقعية" لدى المجتمع الدولي, كما حصل في مؤتمر باريس الأخير, بدون حضور طرف فلسطيني؟ أن الأمور على ما يرام و يتم علاجها على طاولة المفاوضات بين "الطرفين المتنازعين" في "صراعٍ صعب الفهم". و هكذا تقوم "إسرائيل"، كما فعلت منذ 64 عاما حتى يومنا هذا،بخلق حقائق على الأرض يصعب تغييرها, لكن هذه المرة بغطاء فلسطيني رسمي يحلم بدويلة على 22% من أرض فلسطين التاريخية. و هنا يبرز السؤال المنطقي التالي: هل أعادة خلق العجلة, عجلة أوسلو و مبادرة جنيف القائمتان على حل الدولتين العنصري هو الجواب على السؤال الذي طرحه مركز مسارات, مشكوراَ, كعنوان لسلسلة ندوات " ما العمل؟" هل المطالبة بالحرية و العدالة و المساواة ضرب من الخيال و "الرومانسية؟" هل حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني يتعارض مع الواقع الدولي؟ و هل حق تقرير المصير يقتصر على إقامة دولة فلسطينية مستقلة لسكان الضفة الغربية و قطاع غزة؟ و نظرة أولى لهذه الصياغة, النقاط ال10, تقود للاستنتاج أن الحل الجنوب افريقي كان "رومانسيا ضارا" لأنه لم يقبل بالبانتوستانات العرقية المسخ التي "سمح" نظام الأبارتهيد بقيامها! بالإضافة لعدم التطرق, في هذه النقاط ال10, باي شكل من الأشكال للتمسك بتطبيق قرار الأمم المتحدة 194 لتناقضه مع الدعوة لحل الدولتين. ناهيك عن غياب أي مرجعية لفلسطينيي ال48 الذين في أحسن الأحوال سيتم التعامل معهم "كأقلية" تناضل من أجل حقوق ليس للشعب الفلسطيني ( الذي ينتمي له فقط سكان مناطق ال67!) أي علاقة بها, فد تكون في أحسن أحوالها ذات طابع تضامني! و بالتالي فإن ما قامت به اتفاقيات أوسلو, بعد كامب ديفيد, من تصغير الشعب الفلسطيني إلى سكان الضفة الغربية و قطاع غزة, الذي تحول إلى جيتوإسلاموي معزول و مكروه من قبل النخبة السياسية الحاكمة المعترف بها دوليا, بعد فترة أوسلوية كانت قد تباهت بجعله بانتوستان يعيش على بوادر "حسن النية" من الاحتلال و معونات غربية. و هذا هو جوهر النقاط العشرة التي تم طرحها مع تجميل لغوي شكلي. الحقيقة ان المراجعات التي يكتبها بعض أفراد من التنظيمين الرئيسين, و/أو برامج النقاط للخروج من الأزمة التي يتحملان مسئوليتها, ليست جدية بالمطلق كونها تجميلية و شكلية لا تتحدى جوهر القضية التي فشل كل منهما في الارتقاء الى مستواها. و ما هذه "المراجعات" و/أو "النقاط" إلا محاولة لإعادة تدوير العجلة و إبراز هؤلاء الأفراد كأصوات خارج المنظومة القمعية السلطوية , و أحيانا التفريطية, التي خلقها التنظيمان السائدان! |