وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

تقديم الأدب واللغة في التعليم

نشر بتاريخ: 15/06/2016 ( آخر تحديث: 15/06/2016 الساعة: 15:26 )
تقديم الأدب واللغة في التعليم
الكاتب: تحسين يقين
- أي النصوص المدرسية التي أحببتها؟
- نص كذا وكذا وأنت؟
- كل مرحلة وكانت لها نصوصها الخاصة، فمنها ما أحببتها، ومنها أثرت بي، ومنها ما له ذكرى خاصة.
في هذه الأثناء ستتداعى الذكريات والنصوص على اختلالفها وتنوعها بين أدبية وعلمية وتاريخية. وجزء منها ستتداعى فرديا، وآخر سيتداعى جماعيا.
العلم علم وتعليمه علم آخر.

والفن والأدب كذلك.
وهنا سنتحدث عن تعليم الأدب واللغة في مناهج التعليم العام، وما يرتبط به من أساليب تربوية.
يهدف سلم ما اتفق على وصفه بالفصول-الصفوف، في سنوات التعليم العام في المدارس، من الصف الأول حتى الصف الثاني عشر، إلى عدة أمور، سأركز في هذه المقالة على هدفين منها، هما:

- تمكين الطلبة بالحد الأدنى من المعارف المتنوعة، التي يحتاجها كمواطن، من خلال ربطه سلوكيا بما يترتب على هذه المعرفة، باتجاه تنمية تقديره للعلم من جهة، وللتخصصات في الحياة من جهة أخرى. فهو يتعلم اللغة لحاجته إليها قراءة وكتابة، للتواصل، كذلك الحساب، وهكذا. وهو رغم كونه منطلقا تقليديا، إلا أنه ما زال مستمرا إلى حد كبير. لذلك فإن التربية والتعليم تعرّض الطلبة لمعارف تتدرج حسب المرحلة العمرية، منه ما له علاقة بذات المتعلم/ة كفرد، ومنه ما له علاقة بالمتعلم/ة كمواطن ينتمي للمجتمع-الوطن/، مثال التربية الوطنية والمدنية (العلوم الاجتماعية)، ومنه ما له علاقة بانتماءات الطلبة قوميا وإنسانيا. ومنه ما له علاقة بعلوم ومعارف وتكنولوجيا العصر. وتعدّ الأخيرة وسيلة تمكين للمتعلم/ة في الاندماج مع المجتمع وعدم الاغتراب عنه، اجتماعيا واقتصاديا.
- منح من يشاء من الطلبة فرصة مواصلة التعليم العالي، للتخصص في آحد المجالات العلمية. وهي فرصة-وحاجة للمجتمع في تأمين التخصصات التي يحتاجها الآن وفي المستقبل، وفرصة للإندماج والتفاعل القومي والإنساني.

نعود للعلم والفن ومنه الأدب وما يتصل به من اللغة، ولعلّ تركيزنا على نصوص مناهج اللغة والأدب يعود إلى كمية النصوص، ونوعيتها، بما له علاقة بتفسيرات فنون وأدب الأطفال.
أمران تتقن المدرسة التقليدية القيام بهما: تعليم الطلبة نسخ النصوص وحفظها!
ويبدأ هذان الأمران في رياض الأطفال، التي تبدأ عملية ممنهجة في شغل الطفل ابن 4 سنوات بكتابة الحروف والكلمات، وتحفيظهم النصوص!
وفي المجمل لا الطفل عاش طفولته في الروضة قبل المدرسة، ولا خلالها خصوصا في السنوات الأولى؛ حيث ينشغل الطفل بالواجبات: النسخ والحفظ!
فحين نطلب منه التعبير عن مشاعره بأسلوبنا سيكون كلامه معادا مكررا لا حياة فيه ولا يجذبنا، إلا من يحب صناعة البشر على مقاسه، بينما حين نشجعه هو أن يعبر بحرية عما يحس سنرى انطلاق لسانه وتحرره، فيغدو كلامه حيويا ممتعا صادقا، لأنه يعبر عن تجربة إنسانية فريدة.

سيكون تعبيره من داخله لا من سطحه، سطحه الذي يقلد به سطوح آخرين مسطحي التفكير والمشاعر، من الجاهزين والمنمقين لغة شعرا وخطابة وعبارات المجاملة، من النمطيين المنمطين لصغارهم وفق ما يهوون.
كذلك، حين نريد أن نعلمهم الإبداع، كوسيلة ننهض باللغة بها، ونزيد من فعاليتها وحضورها وأثرها، لا يجب أن نختار لهم مواضيعنا نحن، لأنها لن تكون جذابة لهم، بل ستثير مللهم ومعاناتهم، من خلال تشجيعنا لهم بأن يعيدوا إنتاج الماضي.

ليس الماضي هو العيب، لأنه كان حاضرا وحيويا ضمن سياقات وقته، لكن السياقات الآن مختلفة، فلا بدّ من مراعاة الزمن والمحيط الثقافي والإنساني الذي يحيا فيه الطفل. ولم يعود من السهولة أن نعيد إنتاج الفكر الماضوي والشعور الماضوي بذات الطريقة، لأن ذلك سيجعل الإنسان ابنا للماضي لا للحاضر.
منطلق الحديث السابق هو منطلق فكري-فلسفي، ينتقد أسلوب إعادة إنتاج الماضي، بما يرسخ تجليات الطاعة، التي تتطلبها نظم الحكم التقليدية. وهي نوع من الميل للمركزية التاريخية الكلاسيكية، وانحياز لها ولاستحقاقاتها، كبديل مفترض للمعاصرة والحداثة المتهمة من قبل التربويين المحافظين ودعاة السلفية الثقافية والفكرية بالتناقض الثقافي مع الهوية القومية والدينية والأخلاقية.

جانبان إذن في التعرض لتاريخ الأدب والفن، شخصي وآخر جمعي (عام) في التكوين الثقافي-الشعوري للطلبة. وهذا له علاقة بما ابتدأنا به مقالنا من تساؤلات.
العمل الإبداعي أدبا وفنا يعيش من خلال الحياة، فمنذ الطفولة، وحتى النضج، ونحن نتعرض كطلبة، ونعرّض كتربويين طلبتنا، لهذه النصوص. فإذا راعت مسألة تعليم النصوص المراحل العمرية، وجاذبية النصوص، ومدة تلبيتها حاجات الطفل/ة في الزمان والكان، نكون قد استجبنا للأطفال، ونجحنا في جعل النص-الدرس محببا. أما إذا كانت اختياراتنا ماضوية تتحاز لفترات أدبية (مرتبطة بالعصور الزاهية!) ،فإننا سنقطف فشلا حتى ولو كان تحصيل الطلبة عاليا.
شعوريا، وفكريا، نختار نصوصا تلائم المرحلة التي نحن بصدد تعليمها. أما حين نريد التعرض لتعليم الطلبة شيئا من التراث، فعلينا التأكد والتأكيد، بأن الطلبة سيدركون أن هذا النص هو مخرج لمرحلة اجتماعية وثقافية معينة، وقد وضع للتعرف على ظواهر معينة، بمعنى أنه ليس النموذج، وأنه نص يحمل وجهة نظر مؤلفه، نتعرف عليها لا لكي تصير وجهة نظرنا كذلك. من تلك النصوص مثلا ما علاقة للمرأة والرجل وعلاقاتهما معا، والتي أصبحت من الماضي الذي هو جزء من هويتنا وتراثنا، لكن ليس جزءا من وعينا وقناعاتنا وفكرنا وشعورنا المعاصر.

لذلك لا أنصح بتعليم أية نصوص يمكن أن تقولب الطلبة بطريقة ما، إلا وفق ما هو مجمع عليه في القيم والأفكار والمشاعر؛ وبذلك نتخلص من تأثيرات الأيديولوجيا لدى المؤلفين. وأعتقد أن قانون التربية والتعليم يجب أن يكون واعيا على ذلك، حتى لا تسبب المناهج خلافا واختلافا، ومزيدا من التشظي، الذي يختلف عن التنوع الثقافي الإيجابي الذي يجب التربية عليه، وتضمين المناهج له.
إننا حين نعلم الأولاد والبنات، نعلمهم المعلومة، لكننا نعلمهم أسلوبنا في التعامل معها، ونعلمهم تفكيرنا، ثم نعلمهم طوعا وجبرا كيف يصبحون مثلنا، وهذا هو تقييمنا للعمل، إنه تقييم يرى أن اقتراب الطالب من معلمه كي يحاكيه هو التميز، أما المخالفة فهي التأخر.
إننا نصبغهم بصبغتنا النفسية والسلوكية والانفعالية، حيث ما إن يمرّ أحدهم بحادث ما، فإنه لا يفكر كيف يشعر به بحرية، بل يستدعي شكلا جاهزا مكن المشاعر والأفكار، فتراه يحكي الآخرين ويقلدهم، بل يمتد التقليد إلى تقليد التفاصيل الخاصة لمن يقلدون.

حتى اللغة لم تعد ذائقتنا الجديدة تستهوي أسلوب القدماء، والذي نحبه وندرسه، ضمن سياقات ذلك الماضي المشرق؛ حيث أننا حين نريد أن نعبر عن أنفسنا، لن نستطيع التعبير إلا بلغتنا الآن، بأسلوب حياتنا، لا أسلوب حياة القدماء الذين نجحوا حين عبروا عن زمانهم، حتى أننا رأينا كيف كان يجدد بعضهم، فيلام، لكن سرعان ما يلحق بهم القوم.
- هل صرخ إنسان أو همس لنفسه هكذا دلالة العثور على مفتاح الحياة؟
- التربية؟
- والتعليم!

العلوم علم، لكن تدريسها شيء آخر، الموسيقي مثلا قد لا يكون المعلم الفضل لتعليمها. ولو كانت التربية والتعليم هي الكتب العلمية بل وأمهات الكتب، فمعنى ذلك لتم الاستغناء عن المعلمين وخبراء المناهج.
العلم علم وتعليمه علم آخر. والفن والأدب كذلك، يدخل في التعليم إعداد المناهج. فلا يضير متخصص في مبحث ما أن يقدم علمه لخبير يعد المناهج، ولمعلم خبير في تعليمهما.

فحين يبدأ الطالب/ة بالتفكير الذاتي نستطيع ملاحظة الإبداع والحيوية، ينطلق اللسان بما هو ليس جاهزا، كما ينطلق الشعور بما هو صادق، لا ما هو متكلف لإرضاء الآخرين.
فان نحرر الأبناء في البيت والطلبة في المدارس والجامعات من أنفسنا وسلطتنا ومشاعرنا وذائقتنا سيكون بداية الطريق.