|
المخابرات
نشر بتاريخ: 18/06/2016 ( آخر تحديث: 18/06/2016 الساعة: 15:17 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
بعد تردد طويل ، أستطيع ان أكتب اليوم ان المخابرات الاسرائيلية باتت عمياء في الضفة الغربية . وها قد طوت انتفاضة القدس تسعة شهور واسرائيل تعمل بالطرق القديمة ، تبطش وتنكل بالناس وتمنع خلق الله من السفر ، وتحرم القرى من التصاريح وتستخدم العقوبات الجماعية ، وتهدم المنازل وتشن عمليات دهم واعتقال ، في غالبها عشوائي دون جدوى . فهي لم تنجح في منع عملية واحدة ، وقد وصل الرصاص الى تل ابيب وبات يام ومدن الساحل دون ان تعرف المخابرات الاسرائيلية من هؤلاء المنفذون ؟ ومن أين جاءوا ؟
وفي غالب الاحيان لا تملك المخابرات الاسرائيلية ملفات لمنفذي العمليات ، ولا يوجد أية ملاحظة في كمبيوتراتها عن هؤلاء المنفذين ، ولا حتى فاتورة كهرباء او مياه ، ولا رخصة سياقة ولا صورة للمنفذ . والتفسير الوحدي لذلك هو ما يلي : اعتمد جهاز الشاباك الاسرائيلي طريقة في جمع المعلومات والسيطرة على السكان في الأراضي التي تحتلها اسرائيل . وهذه الطريقة نجحت في تزويد الشاباك بقاعدة بيانات ولكنها تسببت في استعداء كبير وحاد وشرس بين السكان وبين الاحتلال ، فكانت اسرائيل في عام 1967 لا تعرف اي شئ عن سكان الاراضي التي احتلتها في الضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء وغور الاردن والجولان ، فأجبرت سكان الارض المحتلة على المرور بمكاتبها من أجل تسجيل المواليد وتغيير العنوان ومعاملات الحصول على موافقة تركيب خط للهاتف الارضي او رخصة سياقة او دخول المستشفى او الشهادة الجامعية او النقل من مدرسة الى اخرى او السفر او القدوم من السفر . وهكذا افتعل الشاباك نقاط تماس اجباري مع السكان لابتزازهم وتجنيد نزر يسير من العملاء وترهيب الغالبية العظمى . وحين احتلت اسرائيل جنوب لينان عام 1982 ، لم تعرف كيف تتعامل مع السكان , فاستخدمت نفس الطريقة واعتقدت أن التجربة ستنجح مرة اخرى لكن الويلات نزلت على رأسها وانتصرت المقاومة وهرب الاحتلال من جنوب لبنان . وفي بعض الروايات ان انتفاضة الحجارة جاءت متاخرة عشرين عاما ، اي بعد حرب 67 بعشرين سنة ، وان السبب في هذا التأخير هو التعامل " الطيب " و" اللين " مع السكان والسماح لهم بالتنقل ودخول الخط الاخضر وتلقي العلاجات في المشافي الاسرائيلية واستخدام المواصلات والمطار . بالتزامن مع حملة اعلامية اسرائيلية هائلة عنوانها ( المخابرات الاسرائيلية أكثر " رحمة وشفقة " من المخابرات العربية ) . ولكن ومع الاجراءات الصارمة من الحاكم العسكري في الثمانينيات ضد السكان انفجرت انتفاضة الحجارة . اليوم نشأ جيل جديد ، جيل صغير العمر ينفذ عمليات الانتفاضة، ولكن الشاباك لا يملك اية معلومات عن هذا الجيل - كما لا تملك التنظيمات واجهزة أمن السلطة اية معلومات عنه - وهذا الجيل لا يحمل رخصة سواقة ولا رخصة بناء ولم يسافر من قبل ، وبالتالي صارت اسرائيل عمياء يالكامل ولا تعرف شيئا . وقد سمعت مؤخرا خطابات عديدة لقادة أمن اسرائيل ، يدّعون فيها انهم مسيطرون على الوضع ويعرفون كل شئ . ولكنهم ببساطة كاذبون ، يكذبون على الجمهور الاسرائيلي وعلى وسائل الاعلام وعلى أنفسهم طلبا لزيادة المخصصات المالية . لان أهل منفذ العملية لا يعرفون شيئا عنه وأمن السلطة لا يعرف عن المنفذ شيئا وفي معظم الحالات كان اصدقاء المنفذ لا يعرفون شيئا !! ومن أجل تعويض هذا النقص سعت اسرائيل الى تغليظ الاحكام والبطش بالسكان ، ومن ذلك قانون " مكافحة الارهاب " الذي قدمته وزير القضاء الاسرائيلي ايلات شكيد ، ورفع الاحكام الى 60 سنة سجن لمحاولة المشاركة في تنفيذ عملية و25 سنة سجن لمن يترأس منظمة و15 سنة سجن لمن يقدم خدمات للتنظيم و9 سنوات سجن لمن يتلقى تدريبا في تنظيم و5 سنوات سجن لكل من يقدم الطعام او الشراب لمطارد و3 سنوات سجن لكل من يجاهر علنا بتأييد تنظيم . وسنتان سجن لمن يعيد نشر منشورات التنظيم . وفي معظم تجارب التاريخ ، غالبا ما يجري تحميل فشل المخابرات الى المؤسسة العسكرية التي يطلب منها المستوى السياسي قمع الناس ، وحين تفشل هي الاخرى ، يجري ازاحة الفشل ونقله الى الجهاز القضائي . وحين يفشل الجهاز القضائي تنهار الدولة . وهكذا ينهار الاحتلال . بعد فشل المخابرات والمؤسسة العسكرية ، تريد اسرائيل ان تجرب أداة البطش القضائية . وهي مسألة وقت حتى يستسلم القضاة ويعترفون بفشلهم ، واريد ان أذكركم بأن " المراهقة السياسية " ايلات شكيد هي التي كانت جربت في شهر اب الماضي سن تشريع في الكنيست للحكم بالسجن عشرين عاما وعشر سنوات على كل طفل من القدس يرشق القطار بالحجارة . وكانت النتيجة اندلاع انفاضة القدس . ملاحظة - هذا التحليل لا يخصّ الاحتلال لوحده ، بل يشمل الحكم في جميع انظمة الحكم ودول العالم سواء كانت جمهورية او ملكية او اسلامية راديكالية او "اباحية" .. وحين تفشل المخابرات ينزل الجيش ويقمع ، وبعدها يفشل . فيطلب النجدة من " القضاة " الذين يبيعون أخلاقهم وضميرهم فيصدرون الاحكام الظالمة على عباد الله . فتنهار الدول . |