وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

يرقبك وأنت تبلغ الغزالة إلى الشهيد محمود رأفت بدران

نشر بتاريخ: 22/06/2016 ( آخر تحديث: 22/06/2016 الساعة: 12:54 )
يرقبك وأنت تبلغ الغزالة إلى الشهيد محمود رأفت بدران
الكاتب: المتوكل طه
الوردة بين الأشواك جعلته يبذل أوردته وردةً للسياج البعيد، حتى لا تنهب الوحوش غابتنا الممطرة.
هذه الأرض المتوّجة التي إنْ حَلَّت فينا تدفعنا مثل الأحصنة الوحشية، لنقول ما لا يُقال، وقد مضغنا حديد اللجام ونثرناه زبداً في الهواء.
عندما تحطّ بيننا يزدهر النداء فينا وتنكشف فوهات البراكين المكتومة، ويعود القتلى بدمهم اليانع ويتسلّقون الجدران كاللبلاب المتشعّب النّضر الكثيف، وأباريقنا مليئة بالنعناع والحرقة الطازجة.
وثمة دمعة رجل قدَّ ثلثَ عمره وراء القضبان ،
لعله كان يرقبك وأنت تبلغ الغزالة ،
لكن السنوات لم تسعفك وخذلتك الدنيا المنافقة ،
وتجرّأ الحزن ثانية على أبيك وأمك .. فلا بأس !
فأنتَ ما زلت حيّاً رغم الغياب المؤقت ..
وليقع الزلزال، ولتنفجر الينابيع المكتومة بالزبد والنار،
وليخرج النحل الشرس
من أشداق الخشب الظمآن،
ولتنفث الأفعى ما لديها في البرد والدخان،
وليأكل الضبع ما تغضّن في الذبيحة،
وليكن الفزع كاملاً في فراغ المقصلة
الممتدة الصدئة،
لأن البسيطة افتقدتْ أناقةَ التقلّب
على سرير المواسم،
والقدرةَ على الطيران كالأسماك الملوّنة
في غبش المتعة.
والنجوم تهرُّ من السقف المتهادي،
على البطن المنهوب بالعسل.
لا أفق يكرز فيه الوحش،
الذي حوّل الغابة إلى شحوب وعطش،
فكيف للغزال أن يشمّ النبيذ في عنقود امرأته،
والحنين يكشف أسرار الماس المصهور في جرّات القرون.
لقد آن للوهاد أن تلامس بلّور السماء،
لتعطي الثمار رضاب الغيوم،
وتمشي الجداول بخيلاء الحرير على مساطب السهوب،
وتختفي التشققات الحادة عن أسيل البراري،
التي شطفتها السهول، ونادتها لتعيد من أحشائها الجنّة،
التي أسقطها المشعوذ في مطحنة الغياب.
ونرى طنين العروش الباذخة،
والرحيق يلمع على الأجنحة التي
رشفت وانغمست،
ففاض الكهرمان السماوي،
وبرأت السحجات من كيّ الدّبغ،
وتعود مزهّوة ببريق القمر الجديد.
.. عندها ستخلع الحيّة آخر أثوابها الملطّخة،
وتركن في جُحرها الأخير ليجد الحراثون هيكلاً
من الجير الباهت، فيهيلون عليه التراب.
ويمضي الخائف بقوائمه المتبجّحة وملابسه المضحكة،
إلى أقصى ما وصلت إليه الصفاقة من عدم.
.. بعدها سنلتقي تحت أفياء بيت عور
والميرميةتنبض في أضلاعنا،
لنشرب ريق قهوتنا الطفلة،
وثمة هالة تنفلت من جسد الزيتون ،
تحيط بكَ وترميك في حضن الجبل،
وتكون فارساً أنتظرك مرّة أُخرى .. لتعود،
وتغفو تحت جلده المتفجّر بالطيّون والبرق.
سأسدل ليلي النهاري وراء ظهري،
وأتلاشى معك وبك ولك وفيك،
ولن ترى السماء غير فَراشة طفلة،
ولن يتبقى في الكأس
سوى جرعة من نهار راعف،
بعد ليلة من الدم الرمضاني ..
الذي لن يكون لنا بعده
سوى عيد واحد
هو عيد الخلاص من الموت .