وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

في وجوب ما يجب بعد وضوح الواضح

نشر بتاريخ: 23/06/2016 ( آخر تحديث: 23/06/2016 الساعة: 15:04 )
في وجوب ما يجب بعد وضوح الواضح
الكاتب: ياسر المصري


إن دولة الإحتلال هي دولة مؤسسات ، وقد إعتمدت منذ إحتلالها لفلسطين على تحقيق أهدافها الإستراتيجية في سياق سباقها مع الزمن لتثبيت وجودها ، وإن جميع الحروب اللتي خاضتها وسعت إليها ، كانت دوما تسعى لتحقيق هدف إستراتيجي ثابت لم يتغير رغم كل المتغيرات الإقليمية والدولية وحتى المتغيرات الداخلية في هذا الكيان ، وقد كان هذا الهدف هو تثبيت الوجود وإطالة أمد الإحتلال زمانيا ، ومن هنا كانت التسوية بالنسبة لها إستراتيجيا تشريع الإحتلال وإكتساب الوقت وإفتعال الفعل لمبادلته بفعل يظهر بأنه تكتيكي ليتحول مع الوقت إلى إستراتيجي .
وإن هذا الكيان قد سعى للتخلص من التسوية وإستحقاقاتها من خلال تغييب رابين وقتل الإساس اللذي قام عليه إتفاق أوسلو من حيث الإرتكاز على المرحلية في التطبيق لتكون المرحلة الإنتقالية هي مرحلة نهائية من حيث إعادات الإنتشار وخطوات وأليات بناء الكيان الفلسطيني
لتأتي بعدها مرحلة أخرى لتحقيق نفس الهدف في الشكل والمضمون من حيث إعتبار قيام الدولة الفلسطينية المستقلة خطر وجودي على دولة الإحتلال ، ومن هنا قام شارون بالإنسحاب احادي الجانب من قطاع غزة والتأسيس لمرحلة ما بعد الإنسحاب من حيث ميلاد الإنقسام اللذي رعاه الجنرال الأمريكي دايتون وساعد على وجوده أدوات أستخدمت جيدا لطعن القضية الفلسطينة إضافة إلى ذهاب حماس بغرورها لأن ساهمت بتكريس الإنقسام واقعا بكل الأبعاد ، وقد يكون شارون هو أخر جنرالات الحركة الصهيونية اللتي كان لها من الدور في رسم طرق المستقبل لدولة الإحتلال ، وقد يكون إسهامه في البدء بمرحلة إعتبار قيام الدولة الفلسطينية كخطر وجودي على دولة الإحتلال ما دفعه للإعلان عن نيته تغيب ياسر عرفات لما سيسهم ذلك في إنجاح مشروع التصفية للقضية الفلسطينية وتثبيت الإنقسام السياسي والجغرافي وإشعال العداء بين الضفة وغزة.
مهما كانت طبيعة الجنرالات اللتي تتولى مهامها الأمنية والعسكرية في دولة الإحتلال ، ستبقى أدوات تعمل وفق إستراتيجية معينة ، وقد يختلفوا في طريقة التعبير لفظيا ، لكنهم سيبقوا مرهونين سلوكا وقرارت لعقيدة امنية واحدة تحكم كامل مؤسسات دولة الإحتلال ، فلن يختلف بوغي يعلون عن أفغدور ليبرمان أو حتى عن هيرتسوغ في تنفيذ ما يجب عليهم وإلا سيكون لهم مصير أمنون شاحاك أو رابين أو أي جنرال يحاول أن يضع رؤيته بديلا للإستراتيجية الأمنية اللتي تحكم ملف التسوية ، وهذه الإستراتيجية باتت منذ أخر عهد شارون النظر إلى السلطة ووضعها في تصنيف العدو.
وقد كان خطاب أرئيل شارون في مؤتمر هرتسيليا في شهر 12 من العام 2004 هو تعبير عام عما ستكون عليه مستقبل العلاقة مع السلطة وإطار الإستراتيجية القائمة ، حيث حمل في خطابه هذا وعد لبقاء إسرائيل لخمسين عام قادمة في إطار قوة وإزدهار، وما يخدم هذا الوعد ما تقدمه الظروف الحالية من حيث وجود جريمة الإنقسام وتحطم شكل الدولة في الإقليم ، وبروز اولوية جديدة يتبناها العالم والمجتمع الدولي وبعض مهم من الدول العربية فيما يتعلق بأولوية محاربة الإرهاب ، وهذه الأولوية اللتي تقدمت لتكون بديلا عن أولوية إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي .
ويأتي في إطار تفسير هذه الإستراتيجية وتصنيف السلطة بالعدو من قبل دولة الإحتلال ما صرح به بوغي يعلون لصحيفة إسرائيل اليوم في شهر 9 من العام 2014 من أن إسرائيل تريد قيادة فلسطينة تعمل على إدارة الصراع وليس إنهائه وإن إسرائيل لن تسمح بقيام دولة فلسطينة ومن هنا تأتي سياسة دولة الإحتلال إتجاه الرئيس الفلسطيني وكيفية التعامل معه ، ويدفع الإحتلال لمنع إنهاء الإنقسام وأخذ دور بالتحالفات الإقليمية اللتي بدأت تتشكل بعد ما سمي بالحرب على الإرهاب ، وهذا أيضا ما يؤكده تصريح نتنياهو في مؤتمره الصحفي الثاني من الحرب الأخيرة على قطاع غزة حين قال بأن منجزات هذه الحرب هو وجود تحالفات مهمة مع دولة عربية لمحاربة الإرهاب .
واليوم وليبرمان وزيرا لحرب دولة الإحتلال قد أكد بما لا يجعل مجالا للشك بأنه ماضي كسلفه بغض النظر عن هذا السلف لتطبيق ما عليه من حيث الحفاظ على تنفيذ إستراتيجية إعتبار قيام الدولة الفلسطينية هو خطر وجودي على دولة الإحتلال وأن الإبقاء على الإنقسام هو مصلحة إسرائيلية عليا ، وقد يكون ما كتبه المحلل العسكري لصحيفة يديعوت أحرونوت أليكس فيشمان تحت عنوان عودة دحلان ، من حيث إستعانة ليبرمان بدحلان للإطاحة بحكم حماس لغزة وتنصيب دحلان عليه هو أمر طبيعي من حيث أن هذا التوجه سيخدم إستراتيجية الإحتلال من منع قيام دولة فلسطينية والإبقاء على تصنيف السلطة برئاسة الرئيس الفلسطيني بالعدو ، دحلان هو اداة قدمت الكثير من الإسهامات لخدمة دعاية الإحتلال ومحاولة الإنقلاب على الرئيس عرفات كما حاولت وتحاول مع الرئيس محمود عباس .
هو نفسه دحلان اللذي صاغت معه حماس قبل سنتين تحالف لإضعاف الرئيس محمود عباس ، وأتفق ثلاثة اطراف على أضعاف الرئيس الفلسطيني متمثلة هذه الأركان بدحلان من داخل حركة فتح قبل طرده منها وبعد وحماس بحكم غزة وإصرارها على تكريس الإنقسام و اللاعب الأخطرالإحتلال من حيث محاربته وإضعافه سياسيا وشعبيا بما يقدمه إعلام الإحتلال من تشويه وضرب للوعي الوطني الفلسطيني الكلي ، لن تستفيق حماس بما يجب عليها ان تفعله قبل فوات الأوان من ضرورة تسليم القطاع للسلطة الوطنية الشرعية ومن ضرورة ان تتحرر من تحالفاتها الإقليمية اللتي لا ترى وزن للمصالح الفلسطينية حين تحضر مصالحها ، الفرصة التاريخية مواتية لكل من جماس والرئيس عباس لنفض المؤامرة والخيانة وردها بوجه أدوات تنفيذها وأصحابها.