|
اخر اخبار الاتفاق التركي الإسرائيلي
نشر بتاريخ: 25/06/2016 ( آخر تحديث: 25/06/2016 الساعة: 10:22 )
بيت لحم- معا- يوم الجمعة الماضي نزلت إلى طاولة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو رسالة من نظيره التركي حديث العهد في أنقرة، بينالي يلدريم. وكتب رئيس الوزراء التركي يقول: "نحن نصل إلى النقطة التي يعبر فيها الطرفان عن ارادة مصممة على التصالح". ويضيف بأن "الاتصالات تجري في هذه اللحظات تماماً ولم ينهِ الطرفان العمل بعد. ولكن هذا لن يستغرق زمناً طويلاً. الاهم هو رفع الحصار عن غزة، لأسباب إنسانية". ويلدريم، الذي تسلم مهام منصبه منذ أقل من شهر وكان وزير المواصلات السابق، معروف بأنه الرجل الاكثر طاعة وولاء في محيط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. فهو لم يصغ ولم يبعث الرسالة بناء على رأيه وقد أبقى عن قصد موضوع غزة في مسافة فرار في اللحظة الاخيرة.
ومن هنا تدحرجت الامور بسرعة: ظهر يوم الثلاثاء نشرت صحيفة "حريات" عنواناً عن الجدول الزمني للمصالحة المقتربة. وأول أمس، وافق رئيس الفريق التركي المفاوض فريدون سينيرلولو على أن يؤكد لي بأن الاعلان عن التوصل إلى اتفاق مصالحة بين اسرائيل وتركيا سيصدر يوم الاحد القادم، "ولكن هذا لن يكون بياناً عن إعادة السفيرين إلى أنقرة وتل ابيب"، كما أراد التدقيق. كما إدعى سينيرلولو أيضاً بأنه لا يعرف متى، أين وفي أي ظروف ستنشر الاعلانات – المتزامنة في تركيا وفي اسرائيل، في احدى العواصم الاوروبية، أو أن يكتفي الطرفان بنشر نص متفق عليه إلى وكالات الانباء. وبالمقابل، قرر وزير الخارجية التركي، مبلوط كابوسوغلو المماطلة المقصودة وفضل البقاء حذراً ومتحفظاً إذ أوضح قائلاً إن "مطالبنا بسيطة وسهلة على التنفيذ. ولكن وتيرة تنفيذ الصفقة ستبقى متعلقة، حتى اللحظة الاخيرة، بمواقف إسرائيل". بدا سينيرلولو منضغطاً وكانت أقواله قصرة وجوهرية. فلم يرغب من أن تفلت منه كلمة زائدة وأعلن "نحن لم ننه العمل بعد. فالعمل على الاتفاقات سيستمر حتى اللحظة الاخيرة". بعد ثلاثة أسابيع، وبعد أن تنتهي احتفالات شهر رمضان سيقف إلى جانب مدير عام وزارة الخارجية دوري غولد وشريكه في المفاوضات يوسي تشخنوبر، في أنقرة أغلب الظن، ليعرض تفاصيل الاتفاق الذي ينهي ست سنوات من العداء والقطيعة شبه التامة للعلاقات الرسمية. وسيكون مشوقاً الكشف في ذات عن شبكة العلاقات التي نسجت بين تشخنوبر وسينيرلولو، الجنتلمانيين من سافيون وأنقرة. خمس سنوات من الاتصالات المكوكية من خلال الابواب المؤصدة لا تذهب هباء. وهذا الثنائي حذر من امتداح الواحد الاخر. وقد يكون هذا خطيراً جداً. ولكن سينيرلولو هو مجرد العامل الذي كلف بالقيام بالعمل الاسود. فاتفاق المصالحة مع تركيا ولد وصمم، حسب الارتفاعات والانخفاضات في مزاج اردوغان، مناوراته في الشؤون الداخلية والحراكات في المصالح الدولية للدولة. وفي الجانب الاسرائيلي ايضاً سجلت انعطافة حادة: فلثلاث سنوات ضغطت اسرائيل للوصول الى اتفاق، بل إن نتنياهو وافق على أن يتفوه "بـأقوال آسفة" (وليس اعتذاراً، مثلما طلب اردوغان) على موت تسعة مواطنين أتراك ومواطن أميركي – تركي في الصدام مع جنود الجيش الاسرائيلي على دكة مرمرة، التي اعتدي عليها في أيار 2010 وهي في طريقها إلى غزة. كما ان اسرائيل وافقت على دفع 21 مليون دولار لـ "صندوق تعويضات" تأسس من أجل عائلات القتلى. عملياً، كان يمكن الاعلان عن الاتفاق واعادة السفيرين حتى قبل ثلاث سنوات. وعندها أدخل اردوغان "عنزة" غزة الى المفاوضات. فكلما لاحظ الحماسة الاسرائيلية هكذا ازدادت عنده الشهية للخروج بطلاً في العالم العربي ومنقذاً لقيادة حماس عنده في الداخل. "افهموا"، يقول الصحفي التركي سليم نشبان، "فالتضامن العاطفي من أردوغان مع حركة حماس في غزة لا ينبع من دوافع إنسانية. وأردوغان هو في الواقع حماس. وتضامنه مع حركة الاخوان المسلمين في مصر عميق وحقيقي. ايديولوجيتهم هي فكره". هكذا طرح أردوغان مطلب رفع الحصار عن القطاع كشرط ثالث لاتفاق المصالحة، أعلن بأنه يعتزم الوصول بنفسه إلى غزة ورفض بعناد إغلاق مكاتب حماس في تركيا. وتفككت المفاوضات وعاد الوسطاء إلى الديار. وحذرت الاوراق الاستخبارية من أنه "طالما كان اردوغان رئيساً للوزراء (وقد كتب هذا قبل أن ينتخب اردوغان رئيساً لتركيا) فلا أمل في الوصول إلى تسوية". وحذرت الاستخبارات من أنه "حتى لو تحققت تسوية فانها لن تصمد الا حتى انفجار الغضب التالي من جانب اردوغان". الحوت الذي في الغرفة وعليه، فماذا تغير؟ "في مرحلة معينة صحوتم"، يقول سوعات كينيكيولو، الذي انسحب بطرقة باب من حزب اردوغان وأسس معهداً لبحوث الشرق الاوسط في أنقرة "في اللحظة التي اشارت فيها اسرائيل الى اردوغان بأنها لم تعد تعتزم الركض وراءه أو مغازلته، أمسك بالخيوط وأصدر ضوء أخضر وأطلق إشارات إلى القدس بأنه مصمم على الوصول إلى اتفاق". اما د. يوسف شفاكي، الاقتصادي والمستشار في شؤون الطاقة، فمستعد لأن يقسم بأن نتنياهو تغلب على نفوره من اردوغان بسبب صفقات الغاز الطبيعي. "فمع اكتشاف مخزونات الغاز في حقل لافيتان (حوت)، فإن اسرائيل باتت تستعد للحفر وللبيع. فالحديث يدور عن ارباح بمقدار مئات مليارات الدولارات واسرائيل بحاجة الى السوق التركي. وحسب المعلومات لدينا فان اسرائيل ملزمة بالحفاظ على علاقات سليمة مع تركيا كي تمرر عبرها انبوب الغاز الذي سيصل، ان شاء الله، الى الاسواق في اوروبا. وبدون المحطة في تركيا سيتبخر الغاز، مثلما ستتبخر المليارات". وفي اذار شوهد وزير الدفاع يوفال شتاينتس في واشنطن وهو يتحدث مع اردوغان. وفي تركيا بالذات سارعوا الى تعريف الحديث بينهما بأنه "هام" و "ايجابي على نحو خاص" وقدروا بأن الرجلين "وضعا الاساسات لتمرير أنابيب الغاز". مصر، الضلع الثالث في صفقات الغاز المخطط لها وفي اتفاق المصالحة المقترب، توجد في مكانة الغائب – الحاضر "افترض أنه بفضل علاقاتكم الممتازة مع مصر، حرص رئيس الوزراء نتنياهو على نقل رسائل مهدئة ومؤيدة للرئيس السيسي"، كما يقدر السياسي السابق والاكاديمي في الحاضر، سوعاد كينيكيولو الذي شارك الاسبوع الماضي في مؤتمر هرتسيليا. "السيسي يوجد في وضع غير بسيط: من جهة يطارد حركة الاخوان المسلمين في مصر ويكافح ضد الذراع العسكري لحماس والان حليفه الاسرائيلي يتصالح مع اردوغان، سيد الاسلاميين والخصم واللدود للسيسي. وأنا اسمح لنفسي بأن أخمن بأنه يجري بينكم وبين اجهزة السيسي حوار تنسيق، تمهيداً لتطبيع العلاقات مع تركيا". بعد الاختراق، إذ بدا لاردوغان بأن اتفاق المصالحة يصعد الى الطريق السليم، استدعى اليه خالد مشعل. واطلع مشعل الذي يحمل ايضا جواز سفر تركي على المفاوضات وتقدم بقائمة مطالب. ميناء بحري في غزة، توسيع مجال العمل البحري للصيادي، رفع الحصار، توسيع قائمة البضائع التي تدخل الى القطاع، مستشفى جديد (بتمويل الماني – تركي)، تحسين البنى التحتية، بناء احياء سكنية لسكان المناطق التي هدمت في حملة الجرف الصامد. وطلب مشعل طرح موضوعين آخرين على طاولة المفاوضات: اقامة محطة كهربائية تعفي حماس من العلاقة غير المباشرة مع اسرائيل والرفض التام للمطلب الاسرائيلي الصارم لاغلاق مكاتب حماس في تركيا. "لا يوجد اي احتمال في العالم في ان يغلق اردوغان مكاتب حماس"، تقول الصحافية الكبيرة تولين دلغلولو. "اسرائيل ستضطر الى التسليم والابتلاع". وفي الغداة أكد وزير الخارجية التركي مبلوط كبوسوغلو اقوالها. "سنواصل عقد الاتصالات مع حماس ولن نغلق مكاتبها عندنا"، قال بالقطع، "احد لن يتدخل في علاقاتنا مع حماس، التي تستهدف الوصول الى سلام مستقر. فبدون حماس لن يقوم سلام يمكن ان يصمد". وفي خلف الكواليس يوجد أيضاً صلاح العاروري، من حماس الذي نظم دون إذن من مشعل واسماعيل هنية لخطف الفتيان الثلاثة في غوش عصيون، كما خطط لعمليات اخرى احبطت معظمها لشدة الحظ. فقد أخذت اسرائيل العاروري من السجن في ذروة اتصالات لتحرير جلعاد شاليط ورفضت السماح له بالانتقال إلى غزة. فوصل إلى تركيا. حصل على مكاتب وأقام لنفسه "منظمة" تتماثل مع حماس ولكنها لا تطيعها مئة في المئة. قبل تسعة أشهر اختفت آثار العاروري دفعة واحدة وهو يسعى الان للعودة الى تركيا. وهنا يمكن أن نلاحظ توافقاً – ليس الاول – بين نتنياهو ومحافل الامن وبين مشعل والاذرع العسكرية لحماس: كلا الطرفين معنيان بإزاحة العاروري وعرقلة مخططاته العنيفة. ورغم التصريحات الصادرة من غزة، فحماس غير معنية بتكرار اختطاف مدنيين أو جنود يكلفها ثمناً باهظاً. وهكذا، فان العاروري الذي رفض في دول عربية، يتراوح اليوم بين قطر والسودان. ويمكن التخمين في أنه كلما تلقى تقريراً عن تصفية خفية، يعرف بأن اسمه يلعب دور نجم في مكان عال كالتالي في الطابور. ويجمل كينيكيولو فيقول: "اعتقد ان الطرفين حضرا نفسيهما للتسوية. وفي الايام القادمة سيكشف النقاب عن هوية السفيرين اللذين سيعودان الى المكتبين في تل ابيب وفي أنقرة. ومع وصولهما سيكون مزيد من الحوار وسيعاد تصميم صيغة العلاقات والاتصالات بين الاجهزة ومنظومات الامن عندنا وعندهم". المرحلة التالية: ثورة في الجانب التركي صعب جداً أن نجد حماسة أو احساساً بالخفة في الاوساط الثقافية، بين رجال الاعمال ووسائل الاعلام. وحتى في الطبقة الوسطى والدنيا أيضا،ً التي صوتت للحزب الاسلامي الحاكم، لن يهتفوا للتسوية التي ستعيد عشرات الاف السياح الاسرائيليين. "أنا لا افهم ماذا سيضيف لكم العلم التركي الذي سيرفع فوق كرسي السفير في تل أبيب واي قيمة اضافية ستكون لتعيين سفير اسرائيلي في انقرة"، يقول لي البروفيسور عليان بودرغوت من دائرة العلوم السياسية في جامعة أنقرة. وبالتوازي من الصعب أيضاً انتزاع انتقاد على "جنيكيز خان التركي" – اللقب الجديد لاردوغان – ينشر بهوية المنتقد الكاملة. اردوغان ينتقم، يمقت ويطارد منتقديه، والمصالحة مع اسرائيل يفترض أن تساعده في التركيز على خططه التالية: عرض دستور جديد. "من يتابعه يمكنه أن يلاحظ كم هاما له اغلاق الملف الاسرائيلي وانهاء القضية كي يتمكن من التفرغ لعرض الدستور الجديد الذي سيصمم وجه تركيا"، يقول احد المثقفين البارزين في اسطنبول. المصدر: يديعوت أحرونوت الميادين |