|
الكونفدرالية الإسرائيلية – الفلسطينية.. إشارة تحذير من بريطانيا
نشر بتاريخ: 28/06/2016 ( آخر تحديث: 28/06/2016 الساعة: 13:29 )
ترجمة مرعي حطيني- موقع الميادين
هناك فرق كبير بين الإتحاد الأوروبي، وهو إطار أوروبي يضم 27 دولة في عضويته، وبين كونفدرالية إسرائيلية - فلسطينية برأسين، والذي سيكون الإطار فيها أبسط بكثير، إلا أن الحوار سيكون أشد ومشحوناً وذلك على خلفية الماضي والحاضر. إلاّ أن العبرة المهمة جداً من الاستفتاء البريطاني تكمن ليس فقط في ضعف النظام الكونفدرالي، بل أيضاً في المسيرة السياسية التي أفضت إلى هزيمته. طُرحت، في الفترة الأخيرة، فكرة الكونفدرالية كحل للنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني وذلك بمبادرة من حركة "دولتان، وطن واحد". وكان الإتحاد الأوروبي مصدر الإلهام الرئيسي لصيغة الكونفدرالية الخاصة بهذه الحركة، وهي الصيغة التي تشمل حرية الحركة والإتحاد الاقتصادي ومؤسسات عليا مشتركة مثل محكمة حقوق الإنسان إلى جانب الحفاظ على سيادة منفصلة للدول الأعضاء. وعملياً فإن الإتحاد الأوروبي هو الكونفدرالية الوحيدة التي تطبق هذه الصيغة. هذا وقد ركزت غالبية النقاش في مبادرة "دولتان، وطن واحد"، إلى الآن، على القضايا الرئيسية المعروفة جيداً وهي – اللاجئون والمستوطنات والقدس والسيادة والحدود. إلا أن النموذج الكونفدرالي نفسه يخفي بين طياته الكثير من الأسئلة، والآن، في أعقاب الأزمة الراهنة في أوروبا، فإن مثل هذه الأسئلة ستتعاظم، على النحو الذي يعترف به مؤيدو المبادرة. وعلى الرغم من أن تصويت البريطانيين كان، إلى درجة كبيرة تصويتاً احتجاجياً ضد الوضع الراهن وضد النخب القائمة فإن الحقيقة هي أن توجيه التذمر والغضب إلى الإتحاد لم يكن من قبيل الصدفة بل كان موجهاً إلى صميم بنية الإتحاد. لقد كانت المشكلة الأولى هي أزمة شرعية الإتحاد. فالشعار الذي صاغته بريطانيا كان "استعادة السيطرة" وإعادة السيادة إلى البرلمان في لندن. وتم تصوير مقر الإتحاد في بروكسل بوصفة جهازاً بيروقراطياً مترهلاً ومبذراً وغير ديمقراطي، كما أن زعماءه غير منتخَبين ولا يمكن تغييرهم. وهم، حسب إدعاء المعارضين، يفرضون على بريطانيا قوانين وتعديلات خلافاً لإرادتها ويعملون على تقويض سيادتها. ومثل هذه الإدعاءات لا تقتصر على بريطانيا وحدها بل تُطرح في أماكن أخرى من الإتحاد. وعلى الرغم من أن بريطانيا تمتلك حق النقض (الفيتو) على كل قرارات الإتحاد تقريباً، وهي كانت قد استخدمت هذا الحق أكثر من مرة، إلاّ أنه لا يمكن نفي أن الإتحاد يدار بشكل غير ديمقراطي. فغالبية مؤسسات الإتحاد ورؤسائها وممثليها يتم تعيينهم وفق صفقات تجري خلف الكواليس بين الحكومات الأوروبية، ولا يجري انتخابهم من قبل الجمهور الأوروبي. ولذلك هم لا يخضعون أيضاً للمساءلة أمام مواطني الإتحاد. وعليه فإنه ليس من المفاجئ أن هذه المؤسسات لا تحظى بدعم واسع من قبل الجمهور. وطالما أنه كان بوسع الإتحاد أن يضمن الدعم الاقتصادي والازدهار فإنه كان بالإمكان تجاهل ذلك. إلا أنه في الأزمة السائدة منذ عام 2008 شكل فقدان الشرعية تهديداً يقود باتجاه الانهيار المدمر. والحل الذي يقترحه وزير المالية اليوناني السابق، يانيس فاروفا كيس، هو إدخال الديمقراطية بشكل تدريجي إلى مؤسسات الإتحاد. إلا أن مثل هذه الخطوة ستحوّل الإتحاد إلى دولة – عليا فيدرالية تقضم من صلاحيات الدول السيادية. والفيدرالية الأوروبية هي فكرة غير شعبية ليس فقط في بريطانيا (المشككة بالوحدة الأوروبية)، بل أيضاً في دول أخرى يصل فيها الالتزام بالإتحاد درجات أكبر بكثير. الموضوع الثاني، وربما الحاسم بالنسبة لغالبية مؤيدي الانسحاب، فهو الهجرة المتسارعة خلال السنوات الاثنتي عشر الأخيرة. فمنذ بداية القرن الحالي انضمت ثلاث عشرة دولة جديدة إلى الإتحاد الأوروبي – وكلها تقريباً من أوروبا الشرقية. وقد سمحت حكومة طوني بلير، على خلاف غالبية دول الإتحاد، لمواطني هذه الدول بالدخول إلى بريطانيا والعمل فيها بدون أية قيود وبدون فترة انتظار. وقد قفزت الهجرة من القارة إلى بريطانيا من عشرات الآلاف إلى مئات الآلاف في كل عام. وهي ازدادت بشكل أكبر مع الأزمة المتواصلة في كتلة اليورو. ويوجد اليوم في بريطانيا حوالى مليون بولندي، وما يزيد على مليوني مواطن أوروبي من دول أخرى. لقد أثارت الهجرة نقاشاً صاخباً. فغالبية الرافضين ينفون أن يكونوا عنصريين أو كارهين للأجانب، وهم يشيرون إلى الصعوبات الناجمة عن الهجرة مثل: أن التنافس في سوق العمل يخلق مجموعة من العمال غير المؤهلين وبأجور متدنية، وأن الخدمات العامة تجد صعوبة في تحمل أعباء الأعداد المتزايدة من الناس، وأن المدارس مكتظة والمستوصفات والمشافي تكاد تنهار تحت الضغط. وتضم هذه الإدعاءات الكثير من المبالغة، وذلك لأن الصعوبات التي تواجه الخدمات العامة تنبع في الأساس من سياسة التقشف الحكومية. إلا أنه من الواضح أيضاً أن العاملين ذوي التأهيل المحدود في المناطق النائية في شمال إنكلترا، والتي كان النمو الاقتصادي قد تجاوزها، يشعرون بمنافسة غير عادلة مع المهاجرين، ويشعرون بأنه قد تم إهمالهم من قبل الحكومة. وعلى الرغم من أن حوالى نصف المهاجرين فقط يصلون من الإتحاد الأوروبي، فإنه لا توجد للحكومة أية سيطرة على أعدادهم وذلك لأن قواعد الإتحاد تحظر عليها منع الدخول لأي شخص. وفي هذه النقطة وجدت الحكومة صعوبة في تقديم إجابات جيدة، وفشلت تماماً في الوعود التي قدمتها لتخفيض الهجرة إلى ما دون مائة ألف شخص في العام. ومن المناسب هنا أن نبدي ملاحظتين. الأولى، هي أن إجراء الاستفتاء الشعبي على الخروج من الإتحاد تم في الأصل لأن بريطانيا ليست عضواً في كتلة اليورو. فبالنسبة للدول الأعضاء في منطقة اليورو ليست هناك أية إمكانية لمغادرتها، ليس فقط من الناحية القانونية بل أيضاً لأن خطوة كهذه، والتي ستستغرق شهوراً أو حتى سنوات، ستؤدي إلى انهيار اقتصادها تماماً. وعلى الرغم من أن بريطانيا ستدخل الآن إلى حالة من التباطؤ، فإن قرارها بالحفاظ على عملتها المستقلة لم يساعدها فقط على مواجهة الأزمة المالية بل منحها هامشاً للمناورة مع الإتحاد. والملاحظة الثانية هي إن الاستفتاء الشعبي تم حسمه من قبل الجيل القديم، البالغ خمسين عاماً فما فوق، والذين عاشوا في بريطانيا منذ ما قبل انضمامها إلى السوق المشتركة. ويبدو أن الحنين إلى الماضي لعب دوراً غير قليل في تصويتهم. وفي مقابل ذلك فإن الشباب أيدوا البقاء بنسبة عالية (تزيد على السبعين بالمائة)، وهو ما يدل على نجاح فكرة الإتحاد على الرغم من عيوبه وعلى الرغم من "العجز الديمقراطي" فيه. ويتضح أن الأشخاص الذين ولدوا وترعرعوا في واقع أوروبي مشترك يتضامون بشكل عميق مع الفكرة ومع الواقع ويرون أنفسهم كأوروبيين وليس كبريطانيين فقط. وهذه المواجهة بين الأجيال، بين جيل الأحفاد الذي صوت لصالح الإتحاد وبين جيل الأجداد الذي صوت ضده، من شأنها أن تتعاظم في الفترة القريبة. إن المشاكل التي دفعت مواطني بريطانيا للتصويت لصالح الخروج من الإتحاد تنطبق أيضاً على النموذج الكونفدرالي الإسرائيلي – الفلسطيني. ففي ما يتعلق بقضية السيادة والمؤسسات المشتركة، حتى وإن توفرت النية بأن التعاون ضروري لإنجاح التسوية، فإن هناك العديد من الأسئلة: كيف ستقام المؤسسات التي تتمتع بالصلاحية والشرعية؟ وكيف سينظر الإسرائيليون والفلسطينيون إلى صلاحية محكمة العدل العليا لحقوق الإنسان، على سبيل المثال، أو المجلس الأعلى للتنسيق الاقتصادي؟ ويبدو أن الطريق الوحيد لضمان بقاء وعمل هذه المؤسسات، في ظروف الأزمة، هو الانتخابات المباشرة، إلا أن نموذجاً كهذا يشبه إلى حد كبير الفيدرالية أكثر من الكونفدرالية. والقضية الثانية ترتبط بقضية حرية الحركة وسوق العمل المشترك. إذ يوجد في البلاد سوق عمل مشترك فعلاً إلا أن حجمه محدود. ولكن إزالة القيود أمام الحركة الحرة للعمل أو للزيارات قد تؤدي إلى رد مضاد عنيف. وحتى إذا تجاوزنا رواسب الصراع المريرة وركزنا على الجانب الاقتصادي المحض، فإن الهجرة الضخمة للعمالة، على النحو المعروف لنا في البلاد وخارجها، ستخلق حالة من الإحباط في أوساط الطبقات الضعيفة. وسيشعر الكثير من الأشخاص أن وضعهم يسوء أكثر فأكثر. وسيحظى الديماغوجيون بتربة صالحة لتضخيم كل الشرور وإلقائها على الأجانب. وإذا كانت حرية الحركة في إسرائيل – فلسطين أمراً حيوياً للمصالحة، ولضمان وطن مشترك وللاعتراف بالصلة المتبادلة للجميع بالبلاد، فكيف يمكن التعامل مع عدم المساواة الاقتصادية؟ إن هذه النقاط لا تفي النقاش حول الصيغة الكونفدرالية حقه. إذ أن هناك فرقاً كبيراً بين الإتحاد الأوروبي، وهو إطار أوروبي يضم 27 دولة في عضويته، وبين كونفدرالية إسرائيلية - فلسطينية برأسين، والذي سيكون الإطار فيها أبسط بكثير، إلا أن الحوار سيكون أشد ومشحوناً وذلك على خلفية الماضي والحاضر. إلاّ أن العبرة المهمة جداً من الاستفتاء البريطاني تكمن ليس فقط في ضعف النظام الكونفدرالي، بل أيضاً في المسيرة السياسية التي أفضت إلى هزيمته. إن الجانب المدهش هو أن الإتحاد الأوروبي، حتى وإن لم يكن في يوم من الأيام ذا شعبية في بريطانيا، فإنه لم يشغل بال مواطنيها كثيراً. وقد أدارت مجموعة من اليمين البريطاني خلال السنوات الأخيرة حملة ضده إلا أن تأثيرها على الجمهور كان محدوداً. وهذا الاستفتاء لم يأتِ نتيجة لمظاهرات عارمة في الشوارع، إنما بعض الصعوبات السياسية داخل حزب المحافظين دفعت رئيس الحكومة كاميرون إلى الالتزام بذلك كحيلة لإسكات معارضيه. وكانت غالبية المختصين تقريباً ترى أن الإتحاد، على الرغم من مساوئه، هو الإطار الأفضل لبريطانيا وأن الخروج منه سيتسبب بضرر كبير في كل المجالات: التجارة وحماية عن حقوق الإنسان وحقوق العمال وأمن المملكة المتحدة والحرب ضد الإرهاب والاستثمارات والمكانة الدولية لبريطانيا وجودة البيئة. إلا أن كل ذلك لم يساعد: فسيطرة الإحباط العميق السائد في المناطق النائية دفعت باتجاه الاستفتاء، وكان التصويت بالرفض هو قبل كل شيء تصويتاً بعدم الثقة بالنخبة الحاكمة. ولم تكن محاسن ومساوئ الإطار الكونفدرالي، في نهاية المطاف، هي القضية الرئيسية، بل القدرة السياسية للدفاع عن هذا الإطار أو إسقاطه. ومن هذه الناحية فإن السؤال المطروح على مؤيدي الكونفدرالية في البلاد هو ليس حول مزايا النظرية بل حول الإستراتيجية السياسية التي ينوون بواسطتها حشد الدعم المطلوب لتطبيقها والدفاع عنها في وجه معارضيها. من الممكن أن تكون المشاكل الأوروبية بالنسبة لقسم من مؤيدي مبادرة "دولتان، وطن واحد" كـ "مصائب الأغنياء": إذ أنه في أوروبا، وفق ما كتب ميرون ريبوبورت، حتى وإن كانت هناك مشاكل في الإتحاد فإن هذا الأمر لن يتدهور إلى حرب. إلاّ أنه ليس من الممكن تجاهل خطورة الأزمة: فقوى اليمين الراديكالي هي في حالة صعود في القارة، وحوار كراهية الأجانب في ازدياد والعنف السياسي أصبح أمراً واقعاً. وفي الفترة القريبة سنرى إلى أين تسير بريطانيا، لكن المخاطر الكامنة في تفكك الإتحاد هي مخاطر عظيمة، وتتطلب دراسة وتفكيراً عميقين من قبل مؤيدي فكرة الكونفدرالية في أماكن أخرى. *المصدر: منتدى التفكير الإقليمي - يائير فيلخ |