|
لماذا ندافع عن تركيا الحديثة بمنظور فلسطيني ؟
نشر بتاريخ: 25/07/2016 ( آخر تحديث: 25/07/2016 الساعة: 21:32 )
بقلم: مازن الحساسنة/ اسطنبول
في اذار من العام 1949 اعترفت تركيا رسميا بدولة الكيان الصهيوني وبدأت العلاقة بينهما تأخذ منحا استراتيجيا من خلال بيئة تتحكم في مرتكزاتها العديد من الاتفاقيات العسكرية والامنيه الاستخبارتية والدبلوماسية والاقتصادية وبدا واضحا أن تركيا في نهجها أبعد ما تكون عن القضايا العربية عامة والفلسطينية خاصة والفجوة متسعة بالقدر الكافي لوجود مسافة بين الطرفين الفلسطيني والتركي، بل ان المستوى الرسمي التركي كثيرا ما كان بالنسبة لاسرائيل حليفا يعتمد عليه خصوصا سياسيا وتتوج ذلك حينما عارضت تركيا قرارا صادرا عن الامم المتحدة يصف اسرائيل بالدولة المعتدية ابان حرب حزيران العام 1967 واعتراضها ايضا على قرار أخر صادر عن المؤتمر الاسلامي المنعقد في الرباط والذي يدعو الى قطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة الكيان، ناهيك عن سلسلة من المواقف المشابهة. ان المدرسة الاتاتوركية منذ انشاء الجمهورية في العام 1923 تنادي بالالتحاق بالركب الغربي قدر الامكان مقابل الانفكاك قدر الامكان من تلك المشتركات مع الشرق، وعلى الرغم من أن فلسطين تملك مجموعة هائلة من المشتركات مع تركيا الا انها لم تكن سابقا محورا اساسيا في اداء النظام السياسي التركي ، حتى مع وجود بعض العلاقات التي نسجها الشهيد عرفات مع عدد من النخب في تركيا ولكن دونما ديناميكية حقيقية تخلق حراكا تركيا دوليا او اقليميا يساند الثورة الفلسطينية ومطالبها المحقة، باستثناء مكسبا افرزته هذه العلاقة تمثل بافتتاح مكتب تمثيلي لفلسطين في أنقرة في العام 1988، مع البقاء على حالة الحياد ازاء الملف الفلسطيني بل أن تركيا كانت في وقت ما تعتبر الفلسطيني المتواجد فوق اراضيها مصدرا للقلق فلا يخفى على المرء منهجية المؤسسات الامنية التركية سابقا في التعامل معه فكانت الاعتقالات الاحترازية تتم بحق الفلسطيني اذا ما قام احد رؤساء الولايات المتحدة – على سبيل المثال- بزيارة تركيا، ولم تكن مساحة التعبير عن الرأي الفلسطيني داخل تركيا الا في اضيق الدوائر ومن خلال محاولات خجولة مما دفع الانسان الفلسطيني الذي يعيش في تركيا الى التقوقع اكثر خشية ردود الافعال الامنية التركية حتى انه كان يمنع انشاء جمعيات او مؤسسات تمثل الجاليات الاجنبية، مما خلق شللا في الحراك الفلسطيني في تركيا والذي يمنع التغلل اكثر في النسيج الاجتماعي التركي لتبيان الصورة الحقيقيه المشوهة لديهم. بعد سنوات طويلة من الانكفاء وعدم الرغبة في التقارب مع الدول العربية بدأت ملامح مشروع تركي جديد تظهر مع تولي حزب العدالة والتنمية مقاليد الحكم في اواخر 2002 وهو الحزب صاحب الخلفية الاسلامية الوسطية، فتكشفت محددات المرحلة القادمة من خلال خطاب تركي حديث غير تقليدي أهم بنوده فلسطين كحالة مركزية تتبناها دائرة صنع القرار في انقرة، مع الابقاء على علاقة متوازنة مع الجانب الاسرائيلي التي ترتبط واياه بالعديد من الاتفاقيات المبرمة مسبقا، ولقد ترافق ذلك ارتفاعا في حرارة التعاطف مع المسألة الفلسطينية من قبل الجماهير التركيه والمؤسسات الشعبيه وبعد أن كان الفلسطيني انسانا وقضية خارج نطاق الاهتمام التركي، بات العنوان الرئيسي وأيقن حين ذلك الفلسطيني أن البيئة ملائمة جدا للاعتماد على تركيا سياسا وانسانيا واقتصاديا التي لم تخذل التطلعات الفلسطينية في هذا الشأن فصارت النصير الاول وتعاملت مع الكل الفلسطيني دونما تفريق رغم الاستقطاب الداخلي التي تشهده الخريطة السياسية الفلسطينية فالقيادة التركية مدت جسور التعاون مع السلطة الوطنية الفلسطينية ممثلة بالرئيس عباس وصار الاكثر استقبالا في انقرة وأول زعيم يدشن القصر الجمهوري الجديد, من هنا تعددت أوجه الدعم السياسي فتبنت تركيا الملف الخاص بدعم فلسطين للاعتراف بها دولة عضو غير دائم في الامم المتحدة، بل ان الرئيس اردوغان استضاف وترأس اجتماعا تاريخيا لجميع سفراء فلسطين في العالم في اسطنبول بحضور الرئيس عباس حيث تم الاتفاق عليه على كيفية الترويج لمشروع عضوية فلسطين في الامم المتحدة كما ويتأكد الموقف التركي النبيل حينما كانت الدولة الوحيدة الى جانب الرئيس الفلسطيني في احتفالية رفع العلم الفلسطيني في سماء نيويورك، ان ذلك يجعلنا امام قراءة سياسيه فارقة بين عهدين: قديم شبه فارغ وعهد جديد مليء بالتراكمات والانجازات التركيه نحو فلسطين تستحق من الطبقة الفاعلة فلسطينيا ابرازها وانصافها بدلا من تأويلها واعتبارها مسلسلا دراميا تركيا يبرع اردوغان في اداء دور البطولة فيه. لقد تعاظم الدور التركي فشرعت ابوابها امام الفلسطيني وامام احتياجاته وتأسست العشرات من الجمعيات والمؤسسات الفلسطينيه في تركيا دونما قيود وبدأت هذه المؤسسات مرحلة نضاليه على النطاق المدني والاغاثي والثقافي وباتت صوتا فلسطينيا له تأثيره في الداخل التركي وفي الاقليم الى جانب ذلك استمرت الحكومة التركيه بادائها الاستثنائي فقامت على مدار سنوات عديدة باستقبال الجرحى الفلسطينيين ذوي الاصابات المستعصية ضمن اعلى معايير الرعاية الطبيه واحتضنت الاسرى المحررين ومنحتهم استنثاءات خاصه وشهدت الشوارع التركية مئات التظاهرات نصرة لفلسطين وعملت على تسيير قوافل المساعدات الاغاثية والطبية والانسانيه بل وقدمت التضحيات الجسام حينما استشهد 9 ناشطين اتراك برصاص الجنود الاسرائيليين حينما هوجمت سفيتة مافي مرمرة الذاهبة لكسر حصار غزة والتي أدت الى انهيار بالعلاقة بين الكيان الصهيوني وتركيا وتم سحب السفير التركي وترحيل السفير الاسرائيلي وتخفيض مستوى عددا من التعاملات الدبلوماسيه والعسكريه والاقتصادية. وكما هو الحال سياسيا واخلاقيا ينسحب ذلك الى الدعم الاقتصادي فقدمت انقرة دعما كبيرا في هذا التوجه حينما نظمت جمله من المؤتمرات المعنيه بتنشيط ودعم الاقتصاد الفلسطيني ووقعت اتفاقية تجارة حرة بين الجانبين وتم تأسيس العديد من الاطر الاقتصادية المشتركة بل ورفعت الجمارك عن بعض المنتجات الزراعية الفلسطينيه وخاصة التمور, وقامت الحكومة التركيه بانشاء منطقة صناعية مساحتها الف دونم باستثمار تركي كبير , وانشات المدارس والمستشفيات والمشاريع المدنية العديدة وقدمت مؤسسة تيكا التركيه في هذاالمجال ما يقارب ال 400 مليون دولار منح داعمه, كما زار فلسطين عددا من رجال الاعمال الاتراك الراغبين في الاستثمار هنالك , وهاهي القدس تشهد ازديادا ملموسا بالالاف من الاتراك الزائرين لها كاسرين حاجز فتوى التحريم والمنع الصادرة عن حكومات بعض الدول العربيه والاسلامية. نعم انها شهادة حق أن الشعب التركي العظيم هو الحامل للهم الفلسطيني والذي لا يكاد ينفك عن البوح عمليا بحب فلسطين والتزامه بقضاياه العادلة. لذلك انني اضع بين ايديكم وخصوصا اولئك الذين يهاجمون تركيا مقارنه جليه بين ما كانت عليه وما آلت اليه وجهة النظر التركيه، فما يعنينا نحن معشر الفلسطينيين هو الاستفادة من الرؤى المشتركة بل وصياغتها والتمسك بها والبحث عن سبل توطيدها، لا ان نعرقل عملية المساندة والتعاطف بسبب ان النظام التركي يتعامل مع الخصم اللدود (حركة حماس) . للكل الحق في التعبير عن فكره ورؤيته ولكن لا يعقل ان لا نكون منصفين وعادلين ونحن الامة الباحثه عن الحق بل ودفعنا الدماء وقدمنا التضحيات من اجل ذلك, انني اطرح تساؤلا مباشرا ماذا لو تغير النظام في تركيا ما هي المكاسب الفلسطينية؟؟ ستكون خسارتنا ثقيله بالقدر الذي سيجعلكم تندمون, ان ما اواكبه انا واخوتي في تركيا وكشهاد من الواقع فان هنالك ثورة تركيه حقيقيه في التعامل مع الشأن الفلسطيني بكل المقاييس وما ذكرته آنفا هو فيض من غيض فالممارسات التركيه بحق فلسطين قيادة وشعبا ونضالا لا يمكن ان تتضمنها بعض من الكلمات. |