|
استمرار الانقسام يعني تشظي الشعب والقضية والثقافة والحلم
نشر بتاريخ: 31/07/2016 ( آخر تحديث: 31/07/2016 الساعة: 12:21 )
الكاتب: د. حسن عبد الله
البيانات التي تصدر عن هذا الطرف أو ذاك حول الرغبة في إنهاء الانقسام لا معنى ولا قيمة لها، ولقاءات المصالحة التي تعقد في هذه العاصمة أو تلك لا قيمة لها، والحديث عن وطن واحد موحد يصبح مجرد إنشاء، إذا استمر الانقسام وإذا ما ترسخت الكيانية الانقسامية وترسمت وتم التعبير عنها بسياسات وتوجهات وبرامج.
لا أحد منا يقرأ بيانات تتغزل في المصالحة، ولا يصدق التصريحات المتشابهة المكررة الممجوجة، إذا بقيت الأمور معلقة في الهواء دون تطبيق وتجسيد، فالقضية لا تحتاج إلى مزيد من التسويف والتعطيل والذرائع والحجج واكالة الاتهامات وتحميل كل طرف المسؤولية للآخر، دون مبادرات عملية وسريعة تننهي الانقسام وتوحد الطاقات. لا أريد التكرار في هذه المقالة والقول إن الاحتلال هو المستفيد الأول من الانقسام، فهذه بهديهية وكتب حولها مقالات وتحاليل لا حصر لها، ولا أريد القول إن ما يعطل المصالحة يطعن القضية في عنقها، فقد أشار إلى ذلك كتاب في عشرات بل مئات المقالات، لكن الذي أريد تأكيده أن استمرار الانقسام سيحمل لنا كوارث سياسية واقتصادية واجتماعية واخلاقية مدمرة أوجزها وأكثفها في النقاط التالية: أولاً -يضرب شعار الدولة المستقلة في مقتل، فلا مجال للحديث عن دولة مستقلة واحدة في الضفة والقطاع في ظل كيانية انقسامية مقيتة ومدمرة. ثانياً- جعل الانقسام خطابنا الموجه إلى العالم هزيلاً متشظياً مزدوجاً، فكيف يمكن أن نقنع الآخرين بصدق توجهاتنا وخياراتنا، إذا كان شعبنا نفسه يتشكك في كل هذه التوجهات، لأنها تعبر عن مصالح حزبية وعن مصالح المنقسمين، ولا تعكس وحدة حقيقية ولا تندرج تحت لواء استراتيجية واحدة، لا سيما وان الاستراتيجيات المتناقضة على أرض الوطن تجد تعبيراتها إنقساماً وتناقضاً في خطابنا الموجه إلى دول العالم. ثالثا: أبقى الانقسام الضفة تقبع في تحدياتها ومشكلاتها بخاصة الاقتصادية المعيشية، والقطاع يقبع في حصاره وينشغل في جملة لا تتعدى حدود " فتح واغلاق معبر رفح"، فقد كان الهم والتوجه قبل الانقسام موحداً وصار الهم محصوراً في الجغرافيا، فمن كان يجرؤ في الانتفاضة الأولى على سبيل المثال لا الحصر القول إن هذه المشكلة تخص أهل القطاع أو إن هذه القضية محصورة في أهل الضفة؟!، كان الشعار والخطاب والهم والحلم وحدة واحدة لا تتجزأ. رابعاً: أصبحت الثقافة هي الأخرى منقسمة على نفسها، فكتاب القطاع ينشغلون في قضاياهم، ونحن هنا في الضفة نكتب عن قضايانا، لتصبح كتاباتنا مجزأة منقسمة هي الأخرى، واخشى لو طال زمن الانقسام أن نقف بعد سنوات أمام ثقافيتين بخصائص مختلفة، أو على الأقل يصبح الكاتب في الضفة ينظر إلى ما ينجته زميله كما ينظر لنتاجات أي كاتب في أية دولة أخرى. خامساً - التكوين النفسي سوف لن ينجو من غول الانقسام، فإذا استمر هذا القطع وانحصرت المعيشة والحياة وغرقت في تفاصيل المجزأ من الوطن دون تواصل وتفاعل وتزاوج واندماج في المؤسسات التعليمية، في ظل إعلام مختلف، ومؤسسات مختلفة ومستوى معيشي غير متجانس، فإن الواقع المأساوي هذا سيخلق تكوينين نفسيين متباينين لكل تكوين مقوماته وآلياته في التعبير. سادساً - سيفرض علينا الانقسام كيانين اجتماعيين، ومع الزمن سيكون للقطاع تقاليده وطرقه المعيشية الاجتماعية وسيكون للضفة تقاليدها وطرقها، وستتسع الهوة سنة بعد أخرى، لنحقق بأنفسنا ما عجز الاحتلال عن تحقيقه بكل أساليبه وفرقه السياسية و الأمنية والاجتماعية النفسية والاقتصادية. وانني اتساءل هنا هل فكر القادة في أطراف الانقسام بهذه النتائج، وهل اخضعوها للدراسة والبحث، وهل وقفوا على مخاطرها وتداعياتها الكارثية؟؟ إذا كان الجواب كلا فإنها مصيبة حقيقية وإذا كان نعم، فالمصيبة أكبر، فهل يعقل أن تدرك الأطراف خطورة ما يجري وتصر على الاختباء خلف بيانات وتصريحات جميلة عن انهاء الانقسام، لتحسين الوجه والصورة في الإعلام بينما الصورة على الأرض في منتهى القبح!!! إذن فليكف الجميع عن إصدار بيانات المصالحة، وليكفوا عن الاعراب عن استعداداتهم لانجاحها، فقد شبعنا بيانات، وقيل قديماً بأن خطوة عملية أفضل من دزينة برامج، فهل تطغى خطوة عملية واحدة على أطنان البيانات وتضع أقدامها عليها وتشق طريقها نحو الفعل والتطبيق؟ سؤال مطروح يبحث عن اجابة عملية شجاعة. |