|
بعد المحاولة الانقلابية.. لماذا كلُّ هذا التجني والتحامل على أردوغان؟!
نشر بتاريخ: 31/07/2016 ( آخر تحديث: 31/07/2016 الساعة: 15:57 )
الكاتب: د.احمد يوسف
لم تكن المقالة التي كتبها الصديق حسن عصفور بعنوان "ولاية الفقيه السُنِّي؛ النظام الأردوغاني القادم!"، هي الأولى في سلسلة المقالات التي تهدف إلى تشويه صورة تركيا أردوغان، والتي يتناول فيها الوزير الفلسطيني السابق، ومدير موقع (أمد للإعلام)، الحديث عن أردوغان بلغة تغيب عنها مفردات العدل والإنصاف وموضوعية الكتابة والتحليل، حيث إن قراءة النص تكشف عن حجم التحامل وتشويه الحقائق، والذي يبدو أن هذا هو الغرض من وراء ما أورده صديقنا العزيز حسن (أبو على)، وذلك من خلال مراجعة ما كتبه – أيضاً - من مقالات سابقة تخص تركيا أردوغان.. فصديقنا العزيز حسن عصفور تنحرف بوصلته عن يتناول في كتاباته أي موضوع يتعلق بالإسلاميين، وتراه يعمل بمنطق "وعين السخط تبدي المساويا"، حيث إن عين الرضى لديه ليست لها مرافئ تجاه هذا البلد وزعيمه الذي حظى عن جدارة بثقة شعبه، وحتى بتأييد أحزاب المعارضة العلمانية التي أدانت الانقلاب ونددت به.
لقد كتب الصديق حسن عصفور في مقالته تلك، والتي نشرها بتاريخ 30 يوليو 2016، قائلاً: "رويداً رويداً تتكشف بعض الحقيقة عما حدث وسيحدث، وكيف تمَّ الإعداد والتجهيز للمحاولة الانقلابية السذاجة، التي لن يستمر زمن فضحها، بل وقد تفتح جروحاً تفوق كثيراً أدوات المشرط التركي السلطوي، التي تعمل لتطهير ما تراه ضرورة لفرض نظام الواحد الأحد الدنيوي"!! ما الذي يعنيه صديقنا حسن عصفور من وراء هذا القول؟! لا شكَّ أنه وبكل ذكائه وخبرته السياسية يحاول إقناعنا بأن كل ما جرى في تركيا من محاولة انقلابية فاشلة، وهذه الدماء التي سالت، إنما كانت مجرد مسرحية تمَّ إخراجها بهذا الأسلوب الهزيل لغرض خدمة الزعيم، ومنحه الأعذار للقيام بحملة التطهير الواسعة التي قام بها في كافة مؤسسات الدولة، بهدف الوصول إلى حالة من التفرد في سلطة الحكم، وتحقيق طموحاته بأن يصبح في موقع الرجل الذي "لا يُسأل عما يفعل"!! هل هذا هو فعلاً ما يريدنا الصديق العزيز حسن عصفور أن نقبله، ونسلم به من وراء هذا التحليل؟! وهل هو يطلب منا أن نقوم بتأجير عقولنا لحساب رؤيته، التي لا تخفى بواعثها في سياق الأيديولوجيا التي يؤمن بها؟! هل يجهل صديقنا العزيز أن حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه رجب طيب أردوغان هو الحزب الذي يتصدر مشهد الحكم والسياسية في تركيا منذ عام 2002؟ وهل تغيب عنه معرفة أن أردوغان هو رئيس البلاد الذي فاز بأغلبية شعبية في الانتخابات التي جرت عام 2014؟ ويضيف صديقنا العزيز قائلاً: "لعل الشكر يجب أن يُقدم لوزير الطاقة التركي؛ صهر الرئيس رجب طيب، ومفتاحه السري أو كما يقال دوماً صندوقه الأسود، الذي سجل اعترافاً واضحاً بأن المحاولة الانقلابية جاءت كـرد فعل مسبق لحركة التطهير الواسعة، التي كان الرئيس أردوغان وحكومته سيقومان بها داخل صفوف الجيش التركي.. ومع معرفتهم بتلك الحركة، سارعوا بالمبادرة للانقلاب!! إلى جانب أنه قدم كشفاً نادراً بأن يكون مصدر معرفة الانقلاب مواطن مجهول". يا أخ حسن ما تابعناه من ملفات وتحليلات حول ما جرى، أنه كان انقلاباً "مكتمل الأركان"، وحجم المشاركة من العسكريين تجاوز الثمانية آلاف، ولولا رحمة ربي ودعاء الصالحين من عباده، لكنا اليوم نشهد حمامات دم لا يعلم حجم مآسيها إلا من يتابع ما يجري اليوم في العراق وسوريا. أما إذا كنت معنياً بمسألة التطهير، فالأولى أن تتذكر ما يدور حولك، حيث كانت السجون مسرحاً لكتم أنفاس المعارضة أو تغييبها في سجون تئن فيها كفاءات الأمة، كما أن الناس من أوجاع ما يجري من تعذيب "يسمعون حسيسها"، ولم نر قلماً يكتب؛ لا من الليبراليين دعاة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ولا من أصحاب اليسار الذين اتخمونا بشعارات الدفاع عن طبقة البروليتاريا والمستضعفين. إن الذين يطالبون باحترام حقوق الانقلابيين في تركيا من الليبراليين واليساريين لم نسمع منهم صوتاً دفاعاً عن المسلمين في أمريكا، عندما قامت الأجهزة الأمنية هناك بحملة اعتقالات واسعة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001، تجاوزت ستة ألاف مسلم، تمَّ اعتقالهم على عجل وبدون محاكمات، وأدت حملة الاعتقالات تلك إلى هجرة الآلاف من جاليتنا المسلمة إلى كندا أو العودة إلى بلادهم الأصلية!! لم نسمع من زعيم عربي مناشدة للرئيس الأمريكي باحترام حقوق الأقلية المسلمة، ولعلي أتذكر لقاءً لنا بالرئيس السابق على عبد الله صالح، الذي جاء مهرولاً لأمريكا ليقدم لهم المعلومات التي لدى أجهزته الأمنية، والمتعلقة بتنظيم القاعدة.. وعندما طالبناه - كقيادة للجالية - بالتدخل لدى الإدارة الأمريكية للتخفيف من إجراءات الاعتقال، التي تتم في صفوف العرب والمسلمين هناك، قال لنا: إن الذي جرى في أمريكا لو حدث مثله عندنا في اليمن، لكنت اعتقلت نصف الشعب اليمني!! وتشاء الأقدار أن نشاهد ما الذي يفعله في بلاده الآن؛ لأن هناك من قام ينازعه المُلك، الذي أراده أن يكون عضوضاً، يتوارثه أهل بيته من بعده. نعم؛ إن ما يفعله القضاء التركي والأجهزة الأمنية هي اعتقالات واسعة، وبهدف كشف خيوط المؤامرة، وسيتم اطلاق سراح كل من لا تثبت ادانته بالمشاركة في المحاولة الانقلابية؛ سواء من العسكر أو أعضاء الكيان الموازي، وسوف نشهد بعد انتهاء التحقيقات عودة الكثيرين إلى بيوتهم وأعمالهم. إن الشيء الذي يبدو أن صديقنا العزيز يجهله أو يحاول تجاهله وهو الأغلب، أن "حزب العدالة والتنمية" ليس تنظيماً مؤدلجاً، فقد خلع أردوغان عباءة الأيديولوجيا منذ زمن طويل، حين قرر عام 2000 الخروج من التنظيم الذي أسسه السيد نجم الدين أربكان أواخر الستينيات باسم "مللي قروش"، والذي تطور فيما بعد إلى حزب سياسي تعددت تسمياته أكثر من مرة. وبعد خلافه مع إخوانه في "حزب الفضيلة"، غادر التنظيم مع عدد من القيادات والكوادر، ودعى إلى حزب جديد بأفكار ليبرالية مغايرة، ليس فيها مكان للإيديولوجيا الدينية بهدف بناء تركيا الحديثة، وأعطى في هذا الحزب الجديد الأولوية للوطن وخدمة الدولة التي كانت امبراطورية لا تغيب عنها الشمس، وهذه حقيقة يعرفها كل من هو خبير بالشأن التركي؛ فالعدالة والتنمية كحزب هي تيار وطني جامع؛ يلتقي فيه أصحاب اللحى والكأس، ويجتمع داخله البر والفاجر، وفي حشوده الإسلامي والعلماني، ومعيار الانتماء فيه هو للمبادئ والشعارات التي ينادي بها الحزب، وهي تعزيز العملية الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، من أجل تركيا القوية، القادرة على حفظ فضاءاتها الإقليمية والدولية تحت الشمس وبين الأمم. وفي عبارات مستفزة، ولكنها مألوفة فيما يكتبه صديقنا العزيز حسن عصفور، يقول: "وتجاهلا للكوميديا في كيفية المعرفة والمواطن الشريف، الذي عرف ما عجزت عنه كل أجهزة أردوغان الأمنية، فالأساس في اعتراف صهر الطيب، أن المسألة برمتها محاولة رد فعل على فعل، ما يعني أنه عمل داخلي سريع.. وبذا تسقط عنه كل الأكاذيب التي روجتها أدوات إخوانية قطرية، وبعض أصابع تركية في بلاد العرب وفلسطين، أنها مؤامرة كونية على النظام الإسلاموي الكبير"!! كالعادة، فالصديق العزيز حسن عصفور لا بدَّ أن يطال في مقاله قطر والإخوان المسلمين، فهؤلاء هم حلفاء أردوغان، وبالتالي فهم في دائرة الاستهداف والتشهير.. وأن كل ما أوردته التحقيقات مع هؤلاء الذين شاركوا في المحاولة الانقلابية، وهم جنرالات وكبار ضباط، يشي لكل متابع بأن الذي جرى كان مؤامرة محبوكة، وقد شاركت فيها أطراف من الخارج، وجهات استخباراتية غربية، والهدف من وراء ذلك هو اجهاض تجربة أردوغان في الحكم، وإعادة تركيا لبيت الطاعة الأمريكي، حيث إن تركيا أردوغان بدأت تتمرد، وترفع رأسها أكثر مما هو مسموح لها، لذا فلا بدَّ من كسر أنف أردوغان، الذي يجد فيه الإسلاميون في المشرق والمغرب زعيماً لأمتهم، والرجل القادر على إعادة هيبة الأمة الإسلامية، وتخليصها من التبعية الذليلة للغرب. قد تكون هذه القراءة للمشهد لا تعجب الصديق حسن عصفور، ولكن نحن الإسلاميين الذين تابعنا حالة الصعود لحركة النهوض العربي في عام 2011، ثم انهيارها بعد أن أوشكت على تغيير الخريطة السياسية للمنطقة، وكانت هناك فرصة لمنح الإسلاميين شيئاً من الحضور فيها. نعم؛ نحن شاهدنا حجم التآمر الغربي وتواطؤ العلمانيين العرب، لإجهاض هذه التجربة للربيع العربي.. ما جرى في تركيا - يا صديقي العزيز - هي استكمال للمخطط التأمري، لتظل أجنحتنا كإسلاميين مكسورة، ورؤوسنا في التراب. وعندما نقرأ ما كتبه جورج فريدمان؛ الخبير الاستراتيجي الأمريكي، قبل سبع سنوات أي عام ٢٠٠٩، في كتابه الموسوم "المائة عام القادمة"، والذي أشار فيه أن تركيا ستكون القطب المقابل لأمريكا خلال القرن الحالي، فإننا نستطيع فهم ما يجري ضد تركيا أكثر وأكثر. ويستمر صديقي العزيز حسن عصفور في تفسيره المتحامل لما يجري في تركيا بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة، وفق قراءة غير موضوعية وواضحة فيها لغة التحامل والتجني، حيث يقول: "والأهم، الآن هو كشف أن الحركة التطهيرية الواسعة جداً للجيش وفي الجيش، التي رتبها أردوغان حسب اعتراف الصهر، تضع علامات استفهام كبرى، حيث إن المسألة لم تنته بعد، لمعرفة كل الحقيقة، مع أن المؤشرات باتت غاية في الوضوح، أن الرئيس رجب طيب يريد أن يزيل من أمامه كل مطبات العرقلة لمشروعه الذي يسعى له.. فرض نظام رئاسي خاص يكون الرئيس عملياً هو صاحب السلطات ومرجعيتها العليا"!! صحيح؛ إن الرئيس أردوغان يتحرك في اتجاه تحويل النظام السياسي في تركيا من برلماني إلى رئاسي، وليس في هذا ما يثير الشكوك أو يفتح الباب للتفسيرات التضليلية، فهذه التحركات تتم في أجواء ديمقراطية، وهي لا تعني أنه يريد بناء مملكة له يرثها أحفاده من بعده، فتركيا – يا صديقي العزيز - هي دولة مؤسسات، ولكل حاكمٍ فيها أجل، ولم نسمع عن نظام التوريث فيها منذ قيام الجمهورية عام 1923، كما في ممالك وديمقراطيات بلادنا العربية، فالرجل الزعيم في بلادة يبحث عن صلاحيات أكبر، وليس في هذا ما يعيب، فهو من نجح بأفكاره وعبر سياساته في بناء تركيا الحديثة، وجعلها تتقدم الصفوف اقتصادياً، وتحظى بمكانة سياسية وحضارية متميزة. إن النظام الرئاسي موجود في الكثير من دول العالم، بل لعله من أكثر الأنظمة السياسية شيوعاً حتى في الدول الغربية، ويعطي مساحة أوسع للرئيس، ليمارس قناعاته وتحقيق طموحات شعبه. لذا، أراك – يا صديقي العزيز - قد تحاملت على الرجل بدون وجه حق، فقط لحاجة في نفسك؛ الله يعلمها، والكثير من أصدقائك المقربين كذلك. في الحقيقة إن كل ما أورده صديقي العزيز في هذا المقال شدَّني للتعليق عليه، فلم أرى ضعفاً في التحليل مثل ما رأيت هنا، حيث تخلى صديقنا (أبو على) عن ذكائه المعروف عنه، ليقدم رأياً للحدث التركي واضح فيه أن صاحبه سنَّ قلمه وجافاه الصواب في كل ما كتبه في هذا المقال.. إن صديقنا العزيز يقول: "باختصار، رجب طيب أردوغان، يريد انتاج نظام ولاية فقيه سنية، ومرشداً أعلى للدولة التركية، يكون هو صاحب القول الفصل، كما حدث بعد ثورة إيران، وبما يسمح له - أيضاً - أن يتمدد خارجياً عبر تنظيمات الإخوان المتأسلمة بكل تلاوينها، وما حدث من مظاهر احتفالية لكل فروع تلك الجماعة وملحقاتها، بما فيها فرعها الفلسطيني، يكشف أن مرحلة جديدة لنظام ولاية الفقيه قادمة"!! آسف جداً لمثل هذا التسطيح في التفكير والتحليل، فكما سبق أن أشرت أن تركيا دولة ديمقراطية، وشعب له تاريخ عريق حضارياً، ومثل هذا الكلام يمثل إهانة للدولة التي بسطت نفوذها على مستوى العالم لأكثر من ستمائة عامٍ، ومعالم هذا الوجود الحضاري ما تزال قائمة في العديد من الحواضر الأوروبية. أما أن نحتفل بفشل المحاولة الانقلابية فهذا حق لنا، واستحقاق للقائد والزعيم الذي لم يبخل على أمته بتقديم المساعدات المالية لها، وانتصر لمظلوميتها في المحافل الدولية، وبالنسبة لنا كفلسطينيين فقد كان سخياً في عطاياه ومواقفه السياسية، وكان من أنشط من تحرك دبلوماسياً - على المستوى الإقليمي والدولي - لوقف العدوان الإسرائيلي المتكرر على قطاع غزة. كما أن المشاريع التركية الإغاثية والإنسانية هي إلى جانب المشاريع القطرية أبرز ما يقدم من جهود لإعادة إعمار القطاع، والتخفيف من معاناة أهله، فهل تستكثر - يا صديقي - على أهل غزة أن يعبروا عن فرحتهم لفشل الانقلاب؟! هل كان يتوجب عليهم أن يُقيموا الليل كي ينجح الانقلاب لتعود تركيا إلى الحضن الصهيوني، ونفقد آخر قلاعنا في العمق الإسلامي؟! حقيقة؛ لقد لحنت كثيراً يا صديقي في قراءتك، وغاب في هذا التحليل ذكاؤك المعهود، وجعلتني أشعر بأن هناك أجندة إقليمية خبيثة تحرك مثل هذا اللغط الذي يضفي عليه البعض منطق التحليل.. إن تركيا أردوغان ليست دولة فاشلة لكي تتحدث عنها بالشكل الذي تتحدث عنه، بل هي دولة نالت مكانتها بإنجازات قيادتها الحكيمة، التي يمثلها الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية . للأسف، وبنفس الرؤية والخيال، الذي تسكن هواجسه قلم صديقنا العزيز، يقول: "يمكن معرفة جوهر الحرب الأردوغانية على معارضة مؤسسات الدولة للحلم الخاص بإعلان ولاية فقيه سنية ومرشد أعلى لها، من خلال حركة رقمية تطهيرية غير مسبوقة في عالمنا المعاصر، وفقاً لمدتها الزمنية"!! أيُّ أرقام تطهيرية يا صديقي؟! إن مصطلح "التطهير" لا ينطبق على ما يجري في تركيا، ولكن له مشاهدات نحفظها في الكثير من دول العالم، فما فعله ستالين من نفي ممنهج لملايين أهل القرم المسلمين للموت في سيبيريا، هو أحد مآسي التاريخ المعاصر، وما جرى للمسلمين في البوسنة والهرسك وكذلك في كوسوفو من قبل الصرب هو رواية مأساوية أخرى، وما قامت به أمريكا في أفغانستان والعراق على مدار أكثر من عقد من الزمان هو صفحة عار في تاريخ الغرب، وما يجري - الآن - من صور إبادة وإهلاك للحرث والنسل في سوريا، باسم التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، وفي سياق مؤامرة استعمارية تتشكل أبعادها لتمزيق شمل الأمة، وتركيعها لهيمنة إسرائيل والدول الغربية. هذا هو "التطهير" يا صديقي، وليس الذي يجري في تركيا من ملاحقات واستدعاءات تتم في إطار النظام والقانون بهدف حماية الدولة والمسار الديمقراطي في البلاد. ويستطرد صديقنا العزيز حسن عصفور في تجنيه على ما تقوم به تركيا أردوغان من تعديلات وإصلاحات في مؤسساتها العسكرية والقضائية والتعليمية؛ باعتبار أن هذه ضربة - من وجهة نظرة - تسبق ما يفكر فيه تجاه معالجة الملف الكردي، الذي يشكل صدعاً مزمناً للدولة، حيث يقول: "وتركيز أردوغان في حربه على معارضة المؤسسة الرسمية الظاهرة، وليس الأحزاب والقوى بما فيها حزب الشعوب الممثل لأكراد تركيا، ليس سوى مسألة زمنية لا أكثر، ولن تدوم طويلاً، عندما ينتهي المرشد الأعلى القادم من ترتيب أسس نظام ولاية الفقيه، وفقا لنظرية التمكين الإخوانية، وعندها ستصبح تلك المعارضة الخصم الوطني الديني للحكم الأردوغاني، والتهم قد تكون جاهزة أصلاً قبل فشل المحاولة الانقلابية، ولكن تلك المعارضة الرسمية قطعت الطريق على الجماعة الأردوغانية برفضها الانقلاب العسكري مهما كانت مبرراته"!! يبدو هنا – أيضاً - أن صديقنا العزيز قد غابت عنه الجهود التي كان يبذلها أردوغان للتصالح مع الأكراد منذ عدة سنوات، بهدف وضع حدٍّ للصراع التاريخي القائم بينهما، وقد تمَّ الكشف عن هذه التحركات التي كان يقوم بها سرِّياً رئيس دائرة الاستخبارات حقان فيدان عام 2013. إن أردوغان يدرك أن حلَّ المشكلة الكردية هو بإدماجهم في النظام السياسي، وكانت خطوة شدَّهم لدخولهم البرلمان هي فكرة في منتهى الذكاء، ليشعروا أنهم جزء من المكونات التشريعية والسياسية والثقافية للدولة التركية، فلا يعاودوا التفكير في الانفصال عنها. وبالمناسبة، فقد وقفت كل أحزاب المعارضة ضد المحاولة الانقلابية الفاشلة، وقامت جميعها بالتنديد بها؛ لأنها تدرك أن حكم العسكر الذي خبرته طويلاً لن يأتي لها إلا بالويل والثبور وعظائم الأمور. ويختم صديقنا العزيز كلمته التي هي أشبه بفصل الخطاب، بالقول: "ما يحدث في تركيا - سلوكاً وممارسة - ليس سوى تأسيس لنظام سياسي جديد، لحلم أردوغاني منذ زمن، حاول تنفيذه بعد الانتخابات الأخيرة، لكنه اصطدم بمعارضة قوية من مؤسسة القضاء التركية بقوة القانون والدستور، وبعض مراكز الجيش والإعلام.. الانقلاب الأردوغاني كان ضرورة لتمرير ما سبق رفضه.. ولذا، قادم الأيام ستكشف أن جوهر المسألة ليس سوى إعادة إنتاج النموذج الإيراني في الحكم، ولاية الفقيه والمرشد الأعلى، مع الأمل بالتمدد والانتشار الخارجي عبر أداة جاهزة للتنفيذ باتت معلومة ومكشوفة...قادم الأيام، سنكون أمام المرشد الأعلى للدولة الاسلامية؛ مبتدأها في تركيا وحلمها كل ما طاب له أن يكون أداة لتلك الدولة ومرشدها الأعلى السني الجديد!". الصديق العزيز حسن (أبو علي) يريد أن يقنعنا بأن تركيا العلمانية حتى النخاع في كل مرافقها السياسية ومؤسساتها العسكرية وأنظمتها التعليمية، ستتحول - الآن - وبقدرة قادر أو بحركة تطهير للعناصر الانقلابية إلى جمهورية إيران الإسلامية، التي يحكمها الوليِّ الفقيه؟! هل يعقل هذا؟ وهل بالإمكان تغيير أسس نظام عمره أكثر من تسعة عقود بمثل هذه التحركات التي نشهدها الآن. اسمح لي يا صديقي أن أقول لك إنك لا تعرف تركيا، وليس لك دراية بالشعب التركي، ولا حتى بالإرث الذي تركه كمال أتاتورك، والذي ما يزال رمزاً للغالبية العظمى من الأتراك. تركيا يا صديقي هي بلد علماني، والناس فيه تحترم قيمها الإسلامية وتاريخها العثماني، وصور وتماثيل أتاتورك موجودة في كل مؤسسات الدولة وفي معظم البيوت، والشعب التركي لا يساوم على ما حققه من مكتسبات ديمقراطية، ولذلك فإن مشاركته في الانتخابات هي الأعلى في العالم، وقد انتخبت الغالبية حزب "العدالة والتنمية"، ودعمت رجب طيب أردوغان؛ لأنه عزز تلك المكتسبات، وحفظ للناس كرامتهم، وأخرجهم من حالة الفقر وتواضع المكانة بين الأمم إلى دولة قفزت في اقتصادياتها إلى مصاف الدول العظمى، بل وأصبحت تتصدر - عالمياً - في العديد من المجالات. ختاماً.. لصديقي العزيز الأستاذ حسن عصفور وبالمختصر المفيد، إن أردوغان ليس طاغية كما تظن بل هو زعيم أمة عن جدارة، ولا أظنه - كما عرفته في العديد من اللقاءات الخاصة والعامة - يتطلع إلى "ولاية الفقيه"، كما تحاول تصويره في المقال، فالرجل يملك قلباً كبيراً ينبض بالحب والاعتزاز لأبناء شعبه، وهو قائد وزعيم لهذه الأمة، فمواقفه تجاه اللاجئين الذين وفدوا إلى بلاده بالملايين من العراق وسوريا ومصر وليبيا ومن البوسنة وأفغانستان وتقديم أفضل الرعاية لهم، تؤكد لنا أننا أمام قامة متميزة في مكانتها السياسية والإنسانية، وهي تستحق عن جدارة ما تتمتع به من حب واحترام بين جموع أمتنا الإسلامية. بالمختصر المفيد أقول للصديق العزيز حسن عصفور هناك فرق كبير بين الذكاء الفطري والمكتسب الذي تمتلك شيئاً منه، وبين التذاكي الذي خسرت جولته في حديثك عن تركيا أردوغان، حيث قدَّمت طرحاً يغلب عليه التحامل والتجني والإسفاف. نعم؛ هنا نختلف معك ولكننا نبقى أصدقاء، وقديماً قالوا: إن اختلاف الرأي لا يفسد للودِّ قضية. |