|
من النصرة إلى فتح الشام .. تعددت الأسماء والمنبع واحد
نشر بتاريخ: 04/08/2016 ( آخر تحديث: 04/08/2016 الساعة: 11:32 )
الكاتب: د. وليد القططي
بثت قناة الجزيرة القطرية شريطاً مصوّراً يظهر فه أمير جبهة النصرة أبو محمد الجولاني يُلقي كلمة أعلن فيها فك الارتباط مع تنظيم القاعدة وتغيير اسم الجهة إلى جبهة فتح الشام . وجاء هذا الإعلان عن تغيير اسم الجهة عقب إعلان أمير تنظيم القاعدة أيمن الظواهري أن بوسع جبهة النصرة الانفصال عن تنظيم القاعدة إن كان انتماؤها للتنظيم يهدد وحدتها . فهل هذا التغيير في الاسم يُشير إلى تحوّل في فكر الجبهة وتبدّل في ايديولوجيتها ؟ أم هو مجـــرد تغير شكلي في الاسم واستبدال قناع بآخر ؟ السطور التالية ستحاول الاجابة على هذا السؤال .
جبهة النصرة هي فرع تنظيم القاعدة في سوريا أُسست في بداية الحرب الأهلية السورية أواخر عام 2011 على يد ( أسامة الواحدي ) المعروف باسم ( أبو محمد الجولاني ) الذي كان يُقاتل في العراق تحت إمارة ( أحمد الخلايلة ) المعروف باسم ( أبو مصعب الزرقاوي ) مؤسس جماعة ( التوحيد والجهاد ) التي أصبح اسمها لاحقاً ( قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين ) فرع تنظيم القاعدة في العراق . وهو نفس الأصل الذي انبثق عنه ( تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام ) الذي أصبح اسمه لاحقاً ( تنظيم الدولة الاسلامية ) المعروف إعلامياً باسم ( داعش ) والذي أسسه ( إبراهم السامرائي ) المعروف باسم ( أبو بكر البغدادي ) . وهو التنظيم الذي سبق جبهة النصرة في الانفصال عن القاعدة على خلفية رفض البغدادي لأوامر الظواهري بالخروج من سوريا والاكتفاء بالعراق وترك سوريا للجولاني , ولكن انفصاله عن القاعدة كان كُرهاً بينما انفصال الجولاني كان ودياً . أي أن النصرة أو فتح الشام وداعش والكثير من الجماعات المشابهة التي تنتمي لنفس المدرسة الفكرية ولدوا من رحم تنظيم القاعدة الذي أسسه أسامة بن لادن . وأسامة بن لادن مؤسس تنظيم القاعدة لم يكن مؤسساً لمدرسة فكرية جديدة , ولم يكن له أي انتاج فكري خاص به , بل كان نتاجاً للمدرسة السلفية السعودية التي أسسها الشيخ محمد بن عبدالوهاب في القرن الثامن عشر , وعُرفت باسم ( السلفية الوهابية ) , وفي حضن هذه المدرسة نشأ أسامة بن لادن وبناءً على تحريض علمائها وشيوخها غادر إلى افغانستان ومعه ألاف العرب للقتال ضد القوات السوفيتية المحتلة تحت راية الجهاد , وبتمويل فائض أموال النفط العربي . وفي إطار الحرب الباردة بين القطبين الأمريكي والسوفيتي , حتى عاد إلى السعودية عام 1989 , ولم ينتظر طويلاً حين غزا الجيش العراقي دولة الكويت عام 1990 لتبدأ أزمة استدعاء القوات الاجنبية لتحرير الكويت التي حدثت داخل المدرسة السلفية الوهابية حيث احتاجت إلى فتاوى من العيار الثقيل تكفّلت بها المؤسسة الدينية السعودية الرسمية أعطت غطاءً شرعياً للاستعانة بالكفار في الحرب ,ورغم ذلك لم يقنع أسامة بن لاذن والتيار الأكثر تشدداً داخل المدرسة السلفية الوهابية فكان ذلك إيذاناً بالانفصال وفك الارتباط بين الطرفين . عاد أسامة بن لادن إلى افغانستان عام 1996 بعد خروجه من السعودية وتنقّله بين عدة بلدان ليلتقي الدكتور أيمن الظواهري أحد أقطاب حركة الجهاد الإسلامي المصرية والمتأثر بأفكار سيد قطب المتعلقة بمفاهيم الحاكمية والجاهلية والولاء والبراء ليتم الزواج بين المدرستين – الجهادية الوهابية والجهادية القطبية – لينتجا معاً تنظيم ( الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين ) التي عُرفت فيما بعد باسم ( قاعدة الجهاد ) ثم أُختصرت إعلامياً إلى ( القاعدة ) . فكانت هي المنبع الذي استقى منه معظم الجماعات ( الجهادية ) فكرهم وايديولوجيتهم والتي حملت أسماء عديدة موّزعة على شتى بقاع الارض العربية والإسلامية , فاختلفت أسماؤها ومنبعها الفكري واحد . فاختلاف الأسماء وتعددها وتغييرها أحياناً والانفصال التنظيمي عن القاعدة – التنظيم الأم – هو مجرد تغيير شكلي وتحوّل ثانوي طالما أن المنبع الذي يستقى منه الجميع فكرهم المتطرف واحد , هذا المنبع الفكري المتطرف هو نتاج لقراءة جامدة لمدرسة فقهية وعقيدية وفكرية للإسلام ترى أن رؤيتها واجتهادها هو الإسلام وليس اجتهاداً داخل الإسلام , وتتبع نمطاً معيناً من التفكير يتسم بأُحادية الرؤية والثنائية القطعية التسلطية . وتؤمن جميعها بفكرة الفرقة الناجية التي هي بمثابة شعب الله المختار عند من يؤمنون بها , فهم الفرقة الناجية الوحيدة التي تستحق الحياة في الدنيا والخلود بالجنة في الآخرة , وهي القراءة الخاطئة التي قادت اليهود إلى تقديس الذات واحتقار الآخر وبالتالي نزع الصفة الإنسانية عن الآخر تمهيداً لقتله . وهذه القراءة الجامدة للإسلام تخلط بين الدين السماوي نفسه والفكر الديني البشري , ولا تفّرق بين النصوص الشرعية – الكتاب والسنة – واجتهاد علمائهم في فهم هذه النصوص , وتفهم نظرية الحكم في الإسلام بطريقة خاطئة تعتمد على الشكل دون المضمون فتحاول استنساخ صور نمطية مشوّهة من الماضي لتطبقها في الحاضر وتتجاهل مبادئ وقيم الحكم التي وضعها الإسلام الصالحة لكل زمان ومكان كالعدل والشورى وحق نقد ومعارضة الحاكم ونظام الحكم وعزله وتغييره اذا ما أخل بشروط العقد والبيعة ... وغيرها من المفاهيم التي تدل على وحدة المنبع الفكري لتلك الجماعات مهما اختلفت أسماؤها وتعددت مسمياتها , والتي لا يمكن أن تتغير جوهرياً إلاّ بتغيير ذلك المنبع الفكري باتجاه الوسطية والاعتدال والتسامح والرحمة والمرونة والتعايش المجتمعي السلمي , والأهم من كل ذلك تقبّل الآخر المختلف وقبوله داخل الدائرة الإسلامية أولاً ثم داخل الدائرة الإنسانية ثانياً . |