وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

رواية وميلو دراما ساق البامبو: قبول الآخر واكتشاف الذات

نشر بتاريخ: 05/08/2016 ( آخر تحديث: 05/08/2016 الساعة: 20:48 )
رواية وميلو دراما ساق البامبو: قبول الآخر واكتشاف الذات
الكاتب: تحسين يقين
"عندما كنا صغارا كانت أحلامي كبيرة، وعندما كبرت صارت أحلامي صغيرة"، تلك هي المفارقة الكبرى ليست في حياة عيسى قائل العبارة، حيث صار كل ما يهمه هو مجرد الحياة في بلد أبيه، بل إن تلك المفارقة هي في حياتنا جميعا في كل زمان ومكان.
استطاع طاقم المسلسل من خلال الصدق الفني والمهنية العالية في عناصر العمل الفني شدّ المشاهد العربي لفكرة المسلسل، بل والاندماج فيها، وهو، أي المسلسل، بما حمل من طاقة إنسانية شعورية وتأثيرية، منح الفكرة مشروعية التواجد بقوة ليس خلال شهر من العام، بل سيطول تأثيره الشعوري والفكري في المجتمع العربي ، والذي هو أيضا يمرّ بتحولات صاخبة بل ودموية أحيانا، في مجال العلاقات الداخلية وتقبل الآخر، أكان من المجتمع الواحد أو كان وافدا. ولو ضعفت عناصره الفنية، لما انجذب الجمهور للفكرة.
فكريا، كان الاندماج هو فكرة المسلسل من جهة، وقبول المجتمع للآخر المختلف من جهة أخرى. وكلا الأمرين متقاطعان، سواء اندمج الفرد مع الجماعة، أو الجماعة معه.
لقد استطاع العمل الفني الوصول إلى عقولنا وقلوبنا؛ ففي الوقت الذي كنا نذرف الدموع، كنا نفكّر في هذا الذي حدث ويحدث، هل يستحق كل هذه الدموع!
لذلك لم يكن غريبا أن يحظى مسلسل "ساق البامبو" الذي عرض في شهر رمضان على عدد من القنوات الفضائية، بنسب مشاهدة مرتفعة واهتمام كبير بين الجمهور العربي خاصة في الدول الخليجية.
فكر وشعور معا، تواجدا بهارمونية، بحيث يكون الشعور الإنساني مولدا للتفكير، ودافعا له من أجل الخلاص الإنساني، وبحيث يكون التفكير حاميا للشعور ليضمن له التزاما أخلاقيا ووجوديا.
وهو خلاص فردي وجمعي، فبالرغم من أن العمل الأدبي-الفني أثار جدلا بسبب كيفية تناول قضية البحث عن الهوية في الكويت ودول الخليج، والعالم العربي، والعالم أيضا، إلا أن اكتشاف الذات الإنسانية أمر في غاية الأهمية؛ فردود الفعل تجاه الآخر تكشف عمق الذات، الساعية إما لمصلحتها وخلاصها الفردي والأسري والوطني والقومي، وإما الخلاص الإنساني.
وأزعم أن "مسلسل ساق البامبو" يشكل مثلا على الصدق الفني-الفكري والاجتماعي، لعل الميلودراما-الرواية، حلقت خارج السرب التقليدي، بل واستطاعت كعدد من الأعمال الفنية التحرر من إسار المجتمع العربي في الخليج العربي بشكل خاص، والمجتمع العربي بشكل عام. وكونه عملا نقديا للفكر الاجتماعي والثقافي، وكونه نبع أدبا(الرواية) وفنا(المسلسل) من داخل المجتمع الكويتي، فإن لذلك دلالة استراتيجية حاضرة ومستقبلية تحمل مؤشرات واضحة شعبيا على مدى التعددية الفكرية، وهي التي ظهرت، برغم وجود معارضة لها، في مشاهد إحدى القضايا الانتخابية للعمة هند، وهي قضية البدون، والتي أصلا مهدت لها وواكبتها طوال الحلقات من خلال تعددية ردود فعل بيت الطاروف تجاه قدوم عيسى، ابن راشد، وابن العاملة الفلبينية.
عيسى الطاروف ابن ولد لخادمة فلبينية ورجل كويتي تزوجها سرا بدون علم أهله، استقر المقام بالابن في النهاية مع والدته في مدينة مانيلا الفلبينية لينشأ معها نشأة فقيرة، ويعيش في حالة شتات كبير بين هويتين وثقافتين مختلفتين تماما، وتتعقد المشكلة، حيث يموت اﻷب ويقرر عيسى حسم اﻷمر والسفر إلى الكويت للبحث عن عائلة والده، بالرغم أن المسلسل جعل غسان هو من استقدم عيسى وشجعه على العودة الى مسقط رأسه.
كانت رحلة عيسى "هوزيه" الطاروف الى الكويت وفيها رحلة فكرية، لكنها لم تكن مزهة بل معاناة متعددة الفصول، بحيث كانت إقامته فيها دافعا تدريجيا لترك المكان، والعودة إلى بلد الأم، بل لعله طرد بأسلوب غير مباشر، وهو الأقسى.
إذا كانت فكرة القبول والاندماج القومي هي الفكرة الرئيسية، والتي تجلت في عيسى-آل الطاروف، فقد كانت هي نفسها فكرة لا تقل أهمية في مستويات قبول المجتمع لنفسه، الذي أيضا يعاني من طبقية ما، وقد تجلى ذلك في حالة غسان-مقابل آل الطاروف، وهو ما جعل غسان متضامنا مع عيسى، وجعل عيسى يلوذ بغسان.
مستويات القبول نفسها داخل آل الطاروف، تجعل هناك أيضا معادلة أخرى داخلية بينية: آل الطاروف مقابل آل الطاروف: الأم وإحدى بناتها، مقابل الآخرين، علما، وهذا يسجل للروائي والمخرج، فإن جزءا من الآخرين، بمن فيهم الكاتبة والناشطة مدنيا العمة هند، أصلا مروا في تحولات عميقة وصولا لقبول عيسى بينهم.
ولعلنا هنا نشير إلى قيمة الرواية، للكاتب سعود السنعوسي، والتي ربما بتفاعلها مع السرد الفني، كانت سببا في حصولها على جائزة البوكر للرواية العربية عام 2013، وقد كان لتعاون الكاتب مع معد السيناريو والحوار رامي عبدالرازق سببا لنجاح الرواية دراميا.
أما حديثنا عن المستويات الاجتماعية في القبول: الخارجي والداخلي والبيني هو مدخل مهم فنيا لتقييم التمثيل، والذي جاء ليس فقط معبرا عن هذه التعدديات بل ومقنعا جدا.
وهنا لا بد من تحليل سوسيولوجي-سيكولوجي للسيدة الأم الكبيرة، التي جسدت دورها باقتدار السيدة سعاد عبد الله، كونها امرأة ترأس أسرة؛ فهي من جانب تحمل صفات المجتمع من حيث الرفض، ومن ناحية أخرى، فهي عبرت عن المرأة-الإنسانة التي أيضا تقمع ذاتها. ورغم بعض الحنان الذي ظهر في آخر لقاء لها مع عيسى، إلا أنها استمرت بتلك القسوة ليس على عيسى بل على نفسها. ولم تكن في جميع الحالات راضية.
ويسجل للمخرج أيضا قدرته على إخراج فريد من نوعه، حيث استطاع المخرج محمد القفاص والمخرج المنفذ فهد مندي فعل الإخراج الإبداعي، على ثلاثة مستويات:
- إخراج تمثيل الشخصيات العربية معا على حدة.
- إخراج المشاهد التمثيليةغير العربية، بلغات مختلفة الفلبينية أساسا.
- وإخراج المشترك.
استطاع المخرج التعامل مع تعددية الأماكن المختلفة قوميا، لكنه لم يستطع تماما عرض كل الأحداث التي كانت في الفلبين، بسبب الحاجة لطواقم كثيرة.
بل وجعلنا ندخل حالة فنية إبداعية كمشاهدين عبر المقارنة بين القوميتين المختلفتين في الأداء والتعبير عن الشعور. وكانت قمة الإبداع في شخصية عيسى الطاروف تلك التي أداها باقتدار الفنان الكوري "وون هو تشونغ".
ونزعم أننا وجدنا قدرات تمثيلية عالية جدا في الجانب العربي، مما سيكون له دلالة مستقبلية في تشجيع مخرجين غير عرب، بإدخال مشاهد عربية كاملة وشبه كاملة ضمن العمل غير العربي.
ولربما يحتاج المسلسل مقالا خاصا بعنصري التمثيل والإخراج، ربما يلقي عليه أحد المتخصصين الضوء، في الوقت الذي شكلت الموسيقى تصويرية للفنان جمال القائد، سينار يو آخر لا يقل أهمية وإبداعا وتأثيرا عن السيناريو العادي.
الكويت الشقيق من الدول العربية التي شهدت اختراقات واضحة في الديمقراطية، في الحكم والإعلام والفنون، وهي أرض إصدارات الفكر والأدب العربي، حيث يفخر العرب بما قدمته المؤسسات الكويتية لقضية الثقافة العربية، وما السلاسل العربية والمترجمة إلا دليلا على ما مضينا به. لذلك ربما يحقّ لنا تمني عرض المسلسل في تلفزيون الكويت الشقيق، حسما لجدل سابق.

وأخيرا في مجال تحول الأدب لدراما، لنا أن نتذكر ما قالته الإعلامية خديجة خطاب في حقبة التسعينيات عن الأفلام التي مصدرها الروايات: "إما أن يرتفي الفيلم بالرواية الأدبية فنقول نعم، وإما أن يهبط بها فنقول لا"، كان ذلك في برنامج "سينما نعم سينما لا على القناة الثانية في التلفزيون العربي-ماسبيرو.
نختتم بالأحلام كما ابتدنا بها، حيث يغبط عيسى-هوزيه سيقان نبات البامبو، التي مجرد دفعها في التراب تنمو، في حين أن الإنسان لا يستطيع العيش بسهولة بين قوم يرفضونه.
ساق البامبو روايو وميلودراما، عمق الفن وصدقه وجرأته في تناول فكرة القبول والاندماج.