|
الحمل الكاذب
نشر بتاريخ: 09/08/2016 ( آخر تحديث: 09/08/2016 الساعة: 10:33 )
الكاتب: رائد محمد الدبعي
أثبت أسلوب تعاطي الفصائل الفلسطينية مع الانتخابات المحلية المزمع تنظيمها في الثامن من تشرين أوّل المقبل نقاء سريرتها، وطيب قلبها، ورحابة أفقها، فيما أظهرت ضيق أفق المواطنين، ومخزون سوء الظن الذي يستفحل في قلوبهم تجاه الأحزاب والفصائل التي تواصل الليل بالنهار لخدمتهم، والارتقاء بأحوالهم، فما اشتراك رؤية الحركتين الأكبر، وإعلانهما التوجه نحو تشكيل قوائم مهنية، تتكون من الكفاءات، وذوي الاختصاص، القادرة على توفير أجود الخدمات للمواطنين، إلا دليل على أن الجماهير لا غيرها، ومصلحة الوطن والمواطن، هما بوصلتهما في القرار، وأن الكرسي لا يشكل سوى أداة لخدمة الوطن، والارتقاء بأحوال المواطنين، كما أثبتت تلك الانتخابات أن الفصائل الفلسطينية إن تطلب الأمر، ودعت الضرورة الوطنية، قادرة على تجاوز جرح الماضي، من أجل مستقبل الأجيال، وما الجهود التي تبذل لتشكيل قوائم مشتركة، تضم قيادات من الحركتين الأكبر، إلا دليل على ذلك، على الرغم من إصرار الجماهير الفلسطينية في جناحي الوطن، على الاستمرار في إساءة الظن، والشك المذموم، دون دليل ملموس، أو بينة واضحة، سوى قضية هامشية، كان من الأحرى بالجماهير تجاوزها، إذ أكل عليها الدهر وشرب، ألا وهي، استمرار الانقسام لعشر سنوات خلت.
مهلا، فما من سبب يدعوك لتصديق كل هذا الهراء، وليس من الحكمة محاولة تصوير ما يجري بصحوة ضمير فصائلية، وتيقظ متأخر للقيمة الحقيقية للجماهير، والدور الهام لنخبهم المعرفية في المشاركة بمسيرة البناء، فما من مؤشر منطقي، ولا من قراءة وازنة منطقية تدعم ذلك، وأي محاولة لتسويق هذا الافتراض الوهمي ، ستصطدم بوعي الجماهير، وتجربتهم المريرة خلال السنوات العشر الماضية من عمر الانقسام، وستواجه بعدد من الحقائق التي تهدم تلك الفكرة من أساسها، لعل أبرزها احتكار الفضاء السياسي، والقرار الوطني، خلال العقد المنصرم من قبل الفصائل، مقابل تهميش ممنهج، للنخب الثقافية، والأكاديمية، والشباب، والمرأة، والكفاءات المستقلة عن المشهد بشكل تام، وتفشي عدم الثقة بالأحزاب والفصائل من قبل النخب المجتمعية، والكفاءات، والذي ينعكس في حالة اللامبالاة التي تبديها تلك النخب في تعاطيها مع الحراك الفصائلي لإدارة العملية الانتخابية، مما يجعل أي ادعاء بأن استحضار تلك النخب لخوض الانتخابات المحلية يندرج في إطار إيمان التنظيمات بدورها من السذاجة والقبح والاستهتار إلى حد كبير، فقد غيبت قطاعات واسعة من المجتمع عن ممارسة أي دور حقيقي في جهود إنهاء الإنقسام، كما أغفل دورها في صناعة القرار، وتحديد الأولويات، بل أن حبل التواصل مقطوع بين النخب والفصائل منذ زمن، مما خلق حالة من الإغتراب عن الوطن، والانكفاء الاحتجاجي عن العمل العام، أو انحصار جهد النخب المجتمعية بخلق عالمها الخاص، مع من تشاركه القيم والمعتقدات والرؤى، وعدم الثقة بالفصائل، وفقدان الأمل بتحقيق أي تقدم على الصعيد الوطني في المستقبل المنظور، وهو الأمر الذي تعززه سلوكيات فصائلنا يوميا من خلال بناء المزيد من الأسوار بينها وبين نخب المجتمع، وقواه الحية، فيما يشكل قرار الفصائل هذا اليوم العودة لاستحضار تلك القوى لإنقاذ ماء الوجه، تراجيديا سياسية محزنة، ومؤشر هام على ما آلت إليه أوضاع البيت الداخلي في فلسطين. لإزالة قمح القضية عن زوانها، فلا بد من قراءة واقعية للتوجهات الحالية لحركتي فتح وحماس، فلو كان قرار الحركتين انتقاء نخب مجتمعية من مختلف قطاعات المعرفة لإدارة أمور البلديات يندرج في إطار رؤية شاملة، ومراجعة وطنية تقوم على ضرورة استثمار كل طاقات المجتمع، لكان هذا أمرا يستحق الثناء والإشادة، ولو كان هذا التقارب الملحوظ في مواقف الحركتين من إدارة العملية الإنتخابية، واقترابهما من تشكيل قوائم مشتركة تضم الخصمين اللدودين في بعض المدن الرئيسية، يأتي في إطار رؤية مشتركة لاسترداد دور الطبقة الوسطى لدورها، وللنخب المعرفية لمكانها الطبيعي في القيادة والقرار، لكان ذلك مؤشرا يدعو للتفاؤل والثناء، إلا أنه وللأسف، يأتي كنغمة وازنة في نوتة نشاز، للتهرب من الإختبار المباشر المتمثل بمواجهة الجماهير، وذلك من خلال تشكيل قوائم ضبابية، لا لون لها ولا رائحة، هروبا من مقصلة اختبار الشعبية والاوزان الحقيقية للفصائل في الشارع الفلسطينية، وما الحمل الذي ينتفخ يوميا في بطن الوطن، مبشرا بولادة نهج جديد، قائم على بناء جسور مع النخب المجتمعية والكفاءات المهنية والمعرفية، والتأسيس لمرحلة جديدة من العلاقة البينية بين الفصائل الفلسطينية، قائمة على الشراكة والتعاون، إلا حمل كاذب، أو غير شرعي في أحسن الحالات، لأن منح النخب دورها الحقيقي في المجتمع، لكي يكون مؤثرا، فلا بد أن لا يكون موسميا، ومؤقتا، ولا بد أن يكون رحبا بحجم الوطن، وعميقا بحجم التحديات، أما ما نشهده من وقف للتصريحات التوتيرية بين قادة الفصائل، فما هو سوى مناورة جديدة، ستنتهي مع إغلاق الصناديق الانتخابية، وبدء جولة جديدة من المناكفة، سيكون عنوانها هذه المرة، "لولا وجود ممثلنا على رأس القائمة لما فازت" ، وبالتالي فنحن الرابحين، بينما سيرد الآخرين، لولا وجود أبناء حزبنا في متن القائمة لما حصلت على الثقة، فما قيمة العناوين البراقة للقصائد دون متن وازن، فيما سيعود المواطن والنخب للعب دورها المعهود، المراقبة، والشتم، والإحباط. بكل الأحوال، تثبت فصائلنا يوما بعد يوم ذكاء منقطع النظير، وقدرة لا محدودة على المناورة، والتكتيك، والخروج من الأزمات بأقل الخسائر، في جميع الأزمات البينية، بينما تظهر العكس في العلاقة مع تحديي الاحتلال، والانقسام. |