وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

تأملات في واقع حركة فتح ....

نشر بتاريخ: 09/08/2016 ( آخر تحديث: 09/08/2016 الساعة: 14:59 )
تأملات في واقع حركة فتح ....
الكاتب: يونس العموري
كثيرا هو الظلم الذي لحق بفتح وما زال يلحق بها جراء الكثير من الممارسات التي لا تمت لفتح بصلة ولا تعبر عن حقيقة فتح وادبياتها ومنطلقاتها النضالية الكفاحية ومسيرة نهجها السياسي على كافة المستويات والصعد. ومن يدعون انهم يلبسون الثوب الفتحاوي وهم براءة من هذا اللباس.

إن حركة (فتــح) التي رسمت منذ انطلاقتها على جبينها البعد الوطني الفلسطيني والعمق العربي، والامتداد الدولي، والإنساني قررت رفضها منذ اللحظات الأولى الانكماش والانغلاق، ورفضها لدعاة المبادرات اللاواعية ولمحاولات عزل القضية الفلسطينية عن الوضع الإقليمي وتطوراته، ومدركة كيفية استمرار المسيرة الوطنية والتعبير عنها بالرؤية القيادية والقرار القيادي اللذين يحققان أمل الشعب في القدرة على الانتصار والتعبير عن المواقف في كل الظروف المتغيرة.

إن حركة (فتــح) المحصنة في هذا الوعي والمسؤولية، تدرك أنها رائدة النضال وضمير الشعب، تحصنت بالإدراك العميق للحسابات السياسية أمام المتغيرات الدولية، ولذلك تعاملت دون تردد بإقدامها على المبادرات العديدة التي تمنح للشعب الفلسطيني قدرته على الصمود، إضافة إلى المكتسبات الوطنية وتألقه الدولي في المحطات السياسية العالمية التي أدركت بشكل قاطع أن الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط، لن يتحققا إلا من خلال استقرار الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس، وفق قرارات الشرعية الدولية. إن حركة "فتــح" قد أنجزت هذا الوعي المتنامي، ليس عن طريق البلاغة والخطابات التي تأتي من هنا وهناك بالشكل التحريضي والتحشيدي والتجيشي، بهدف الاستقطاب والتحريض والإثارة، دون التوضيح لأبناء شعبنا كيفية الخروج من المأزق والأزمات من خلال الانجازات التي تنمي حياته الوطنية والمعيشية وقدرته على التفكير المسؤول الواعد، الذي يضع العالم في رؤيته وأحلامه وآماله، ويضعه أيضاً في رؤية العالم الذي يستقبله بانبهار، تقديراً لجهوده من أجل السلام، الذي لن يتحقق إلا بتحقيق أهدافه الوطنية المشروعة، بعيداً عن الشعارات الواهمة، وسلوك التضليل، وفرض الغربة والعدمية على الوطن والمواطن.

ان حركة التحرير الوطني الفلسطيني - فتح - تظلم اليوم ويتواصل ظلمها اكثر من اي وقت مضى وفي هذا السياق ارى لازما علينا ان نضع الأمور في نصابها الصحيح، انطلاقا من فهم بسيط ان فتح جاءت لتكون حركة تحرير لا حركة سلطوية بأي ثمن وبأية اساليب وان ظهرت بالأوانة الأخيرة كذلك، وان فتح قد استطاعت ان تكون الحاضن الطبيعي والواسع للكثير من التناقضات والأفكار جامعة اياها في الإطار الفتحاوي عموما وذلك على قاعدة ان فلسطين وطن للجميع وتحريرها يتطلب جهد الجميع وان لا تناقض اساسي او رئيسي الا مع الاحتلال. وان الشعب الفلسطيني بكل تشكيلاته وتجمعاته له هويته الوطنية العربية القومية التي عبرت عنها فتح بشكل او بأخر...

وعلى هذا الأساس كانت فتح ومنذ البدايات مدركة لحقيقة الواقع الفلسطيني وبالتالي العربي الأقليمي والدولي وحددت لنفسها جملة من الثوابت التي لا يمكن ان تقفز عنها والتي بقيت محافظة عليها حتى الأمس القريب وقبل الغوص في الوقائع الفتحاوية اليوم لابد بداية من العودة لأستذكار طبيعة هذه الثوابت الفتحاوية والتي تتلخص بالأتي:

أولاً: ان حركة فتح، بمناضيلها وقادتها المؤسسين، كانوا يدركون منذ البداية تلازم المقاومة مع الوحدة الوطنية، وصون الوحدة الوطنية بالحوار والديمقراطية، وبالتالي فأي تفريط بأحد اركان الثالوث المعّمد بدم الشهداء، هو تفريط بفلسطين ذاتها، قضية وثورة، كياناً وشعباً.

ثانياً: ان حركة فتح التي رفعت منذ انطلاقتها شعار"استقلالية القرار الوطني الفلسطيني" كانت تدرك ان نقل الصراعات العربية والاقليمية الى الساحة الفلسطينية هو اقصر الطرق للاجهاز على فلسطين وقضيتها، وهي بالتالي اليوم مدعوة مع غيرها من الفصائل الى صون هذا الشعار وتفعيله، لا سيما في وجه مخططات تل ابيب وواشنطن التي تمارس بالنار العدوان والاحتلال وتستدرجنا بالغواية الى منزلقات الفتنة والاقتتال.

ثالثاً: ان حركة فتح بشهدائها ومناضليها وقادتها كانت تدرك ان العمق العربي والاسلامي والانساني هو ضمانتها في معركتها من اجل تحرير الارض، وبالتالي فهي جزء لا يتجزأ من حركة المقاومة العربية والاسلامية والانسانية، بل هي الابن الشرعي لهذه المقاومة في بعض مراحلها، وهي الاب الشرعي لهذه المقاومة في مراحل اخرى.

وبالتالي كانت فتح راعية للمشروع الوطني، مستوعبة لكل الخلافات والتشنجات الناشئة على الساحة الفلسطينية وان كانت فتح بالكثير من الأحيان جزء لا يتجزء من هذه الخلافات والتشنجات الا انها كانت على الدوام مبادرة لإحتواء الأزمات وعدم السماح لها بالتصاعد والتوتر والتوتير على اعتبار انها راعية المشروع الوطني كما اسلفنا، وانطلاقا لفهمها العميق لمتطلبات المرحلة في ظل التحرر والتحرير، وتعقيدات الخارطة الساسية الإقليمية وتشابكاتها الدولية وطبيعة الظرف العربي بشكله العام بعنواينه العريضة وتداعيات الأزمات الدولية ومتغيراتها. ان فتح بحق قد قادت المسيرة الفلسطينية في احلك الظروف مأساوية وسوادوية، مع العلم ان الكثير من الملاحظات النقدية من الممكن تسجيلها على الأداء الفتحاوي على مدار العقود الأربعة المنصرمة من عمرها الا انها كانت دائما تحاول توجيه بوصلتها نحو الواجهة الصحيحة.

الا ان فتح اليوم وبشكلها الراهن اليوم تبدو باهتة وغير قادرة على الإمساك بزمام المبادرة الوطنية من جديد جراء ضياع المفاهيم الفتحاوية الحقيقة عن ذهنية قادتها فهي متلهية بصراعاتها الداخلية وبتناحر الكثير من امراءها وقبائلها... كل هذا في ظل غياب وتغيب المنهاج السياسي الفتحاوي وتغيب ادبياتها الصريحة والواضحة حتى باتت فتح مجرد خاضعة لأراء شخصية، الذين صادروا مؤسساتها واستأثروا بالقرار.

واخيرا لابد من التذكير ان ابو عمار الرمز الفتحاوي الشامخ لم يحاصر في المقاطعة حوالي السنوات الثلاث، ولم يدس له السم لتصفيته، بسبب ما يمكن ان ينسب اليه من أخطاء وسلبيات، بل لأنه بقي أميناً صادقاً على منطلقات الثورة، وفياً لدماء الشهداء، قادراً على التمييز بين مرونة تكتيكية يفشل فيها مخططات الاعداء وصلابة مبدئة يحمي فيها حقوق وطنه، فنجح في ذلك ان يكون رمزاً لوحدة الشعب الفلسطيني فاغتالوه ليغتالوا بعد ذلك الوحدة ذاتها، كما نرى اليوم في ربوع غزة هاشم، العصية بالامس على الاحتلال، والتي نتمنى ن تكون عصية على الفتنة والإقتتال الداخلي.