وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

عن الانسحاب من مواجهة الرياضيين الاسرائيليين

نشر بتاريخ: 11/08/2016 ( آخر تحديث: 11/08/2016 الساعة: 11:26 )
عن الانسحاب من مواجهة الرياضيين الاسرائيليين
الكاتب: حيدر عيد
مع النجاحات الملحوظة لحركة المقاطعة و عدم الاستثمار و فرض العقوبات على دولة اسرائيل و اعتبارها "خطراً استراتيجياً" و "وجودياً" , تحاول الأخيرة ,و بجهود جبارة و دعم مالي كبير, أن تجمل صورة الإحتلال والأبارتهيد و التطهير العرقي وإعادة تسويق صورتها على أنها"حضارية, ديمقراطية, إنسانية, تقدمية,...الخ" و من الطبيعي في هذه الحالة أن تلجأ الحكومة الاسرائيلية, من خلال وزارة الشئون الاستراتيجية و الأمن الداخلي التي يترأسها الوزير جلعاد أردان,الى تزوير الحقائق و استخدام فنانين, مثقفين, أكاديميين, طلاب, و رياضيين من أجل الترويج لصورة "جميلة" عن هذه الدولة التي تمارس سياسات إضطهادية مركبة من إحتلال عسكري مباشر للضفة الغربية, تطهير عرقي ممنهج في القدس, حصار قروسطي محكم على قطاع غزة, و أبارتهيد مقنن ضد سكان فلسطين 48.

و في هذا السياق قام العديد من الرياضيين/ات العرب بالانسحاب من مباريات دولية تطلبت مواجهة لاعبين/ات إسرائيليين/ات. فقد قامت لاعبة الجودو السعودية جود فهمي بالانسحاب من مباراتها أمام لاعبة إسرائيلية في أوليمبياد ريو المقامة في البرازيل. و قد حاولت اللجنة الأوليمبية السعودية تبرير ذلك في بيان لها يدعي أن فهمي كانت "مصابة!" و قبل ذلك كان الوفد الأوليمبي اللبناني قد رفض أن يشارك الوفد الاسرائيلي حافلة نقل الرياضيين لدرجة أن رئيس الوفد استخدم جسده لإغلاق باب الحافلة. و يوم أمس قام بطل الجودو المصري إسلام محمود بالانسحاب من الأوليمبياد لرفضه مبارزة لاعب إسرائيلي. و تأتي هذه الخطوات في سياق رفض شعبي عارم في العالم العربي لمحاولات التطبيع التي تقوم بها بعض الأنظمة.
و لكن الغريب أن هناك من يجادل أن اللاعبين العرب يجب ألا ينسحبوا من مواجهة نظرائهم الاسرائيليين على الرغم من أنهم يمثلون دولة إسرائيل التي تمارس احتلال عسكري مباشر للضفة الغربية و قطاع غزة, و استعمار استيطاني بما يصاحبه من تطهير عرقي ممنهج و إبادة جماعية, و سياسة أبارتهيد ممأسسة!

و لكن السبب في مقاطعة اللاعبين/لت الاسرائيليين/ات,و الذي قد لا يفهمه البعض, هو نفس الدافع الذي جعل الكثيرين من رياضيي العالم يرفضون اللعب ضد رياضيي جنوب أفريقيا العنصرية. فان أي أنسان ذو ضمير حي لا يمكن أن يقبل بان يعطي الإنطباع الكاذب بأن الجلاد و الضحية متساويان! فاللاعب الإسرائيلي, من ناحية, يمثل دولة تمارس تطهيراً عرقياً ممنهجاً ضد الشعب الفلسطيني, و ارتكبت جرائم حرب تميزت بنزعة إبادية مؤخرا في غزة, و لا تتوانى عن تحدي كل القوانين الدولية نهاراً جهاراً. في حين أن كل لاعب عربي يمثل شعبا مضطهَداً, انتزع من أرضه و شتت في بقاع الأرض, و تمارس ضد من تبقى منه في فلسطين سياسة عنصرية غير مسبوقة.

اللاعب العربي يفهم الصورة كاملة.
و الصورة, التي يرفض البعض رؤيتها, هي أن استضافة طرف إسرائيلي يمثل المؤسسات الرياضية للدولة هو عمل تطبيعي و بامتياز من حيت كونه يروج للانطباع الخاطئ بأن هناك "طرفين متساويين" و كل ما عليك عمله هو أن تحضرهما سوياً لابراز أنك تقف على مسافة واحدة منهما و أن الأمر "طبيعي!" و هل كانت معاناة نلسون مانديلا في جزيرة روبن المعزولة "طبيعية؟" و هل كان هناك "طرفان متساويان" في معادلة الاضطهاد العنصري الجنوب أفريقي؟ و لماذا كان الكل يرفض اللعب مع الفرق الجنوب أفريقية البيضاء؟ بل أن أي لاعب أجنبي, و ليس بالضرورة أفريقي, يقوم بغير ذلك يتم عزله و اتخاذ إجراءات عقابية بحقه.

و الرياضي العربي هو بالضرورة مشارك في الهم الفلسطيني, و بالتالي في النضال ضد الاحتلال و الأبارتهيد. فلا غرابة ألاتتردد جود فهمي و لا إسلام محمود و الفريق الأوليمبي اللبناني برئاسة نقولا الحاج فيرفض اللعب مع إسرائيليين على الرغم من كل الإغراءات و على الرغم من عدم قراءتهم لتعريف التطبيع الذي صدر عن المجتمع المدني الفلسطيني, ذلك التعريف الذي ينص على أن "التطبيع هو المشاركة في أي مشروع أو مبادرة أو نشاط، محلي أو دولي، مصمم خصيصا للجمع (سواء بشكل مباشر أو غير مباشر) بين فلسطينيين (و/أو عرب) وإسرائيليين (أفرادا كانوا أم مؤسسات) ولا يهدف صراحة إلى مقاومة أو فضح الاحتلال وكل أشكال التمييز والاضطهاد الممارس على الشعب الفلسطيني. وأهم أشكال التطبيع هي تلك النشاطات التي تهدف إلى التعاون العلمي أو الفني أو المهني أو النسوي أو الشبابي، أو إلى إزالة الحواجز النفسية........."

و هكذا فان قرار الأبطال العرب الانسحاب من مباراياتهم أم إسرائيليين هو رفض لخلق الإنطباع بأن هناك "مساواة" في تحمل مسئولية "الصراع" بين "الطرفين," و رفض لمبادرة "مبنية على الزيف القائم على تساوي المسؤولية في الصراع بين المستعمِر والمستعمَر، المضطهِد والمضطهَد و المضلِّلة للواقع بشكل متعمد" لأن هذه النوعية من المبادرات تسعى لتشجيع الحوار أو "المصالحة بين الطرفين" بدون الاقرار باللاعدالة وعدم تكافؤ القوى. وبالتالي فإن هكذا "مواجهات" تخدم التطبيع مع الاضطهاد والظلم.

ان كل اللقاءات والمشاريع, رياضية أو غيرها, و التي جمعت ما بين السود الأفارقة و مضطهديهم العنصريين كان يتم وضعها في السياق الصحيح لمناهضة العنصرية. فالأمرالطبيعي في هذا السياق هو ألا يكون هناك مكان للفرق الإسرائيلية في المسابقات الرياضية الدولية, كونها تمثل نظام تفرقة عنصرية و احتلال. و بالتالي يجب معاملتها كما عوملت الفرق الجنوب أفريقية البيضاء. فمن المعلوم أن أهم نوع مقاطعة مورس ضد نظام الأبارتهيدالعنصري كان المقاطعة الرياضية, ليس فقط من قبل الأفارقة بل من كل محبي الحرية و العدالة. الاحتلال و الأبارتهيد و الاستعمار الاستبطاني ليست ظواهر طبيعية يحب التسليم بها, بل هي جرائم ضد الإنسانية يتحتم على كل ضمير حي مواجهتها. و على كل فرد واجب أخلاقي أن يظهر ذلك, و الرياضة, كما الثقافة و الفنون, مجال مهم تحاول اسرائيل أن تظهر من خلاله أن نظامها الاضطهادي المركب"طبيعي."