وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

هل بات التفكير الفلسطيني المغاير من المحرمات ؟؟

نشر بتاريخ: 15/08/2016 ( آخر تحديث: 15/08/2016 الساعة: 12:08 )
هل بات التفكير الفلسطيني المغاير من المحرمات ؟؟
الكاتب: د. غانية ملحيس
ترددت كثيرا في الرد على مقالة الأستاذ منير شفيق " هزال شعار دولة لمواطنيها في فلسطين" بتاريخ 27/7/2016 ، الذي تناول فيها مقالة المفكر والكاتب الأستاذ ماجد الكيالي المنشورة في جريدة الحياة بتاريخ 19/7/2016 تحت عنوان " هل ثمة تفكير سياسي فلسطيني خارج الفصائل ؟ " استعرض فيها نماذج لثلاثة كتاب فلسطينيين حاولوا التفكير خارج الخطاب النمطي الفلسطيني السائد ، فعمدوا إلى تشخيص الواقع الفلسطيني المأزووم ، وسعوا إلى تبيّن طرق الخلاص عبر محاولة تعريف المشروع الوطني التحرري الفلسطيني الجامع والمؤهل لاستعادة وحدة الوطن والشعب والقضية ، ( التي أسهمت السياسات والسلوكيات الفلسطينيّة الرسميّة والمعارضة على السواء ، وما تزال، في تفتيتها ) ، والقادر،أيضاً، على التّعامل الإنساني الخلاق مع الوقائع الدّيموغرافيّة الناجمة عن إقامة الكيان الاستعماري الاستيطاني الصّهيوني في فلسطين واستمراره لنحو سبعة عقود ، واستعانوا بدلالات التّجارب التاريخية لحل الصراعات المشابهة ، لاستشراف السبل المتاحة لكسر الدائرة المغلقة للصراع الوجودي الفلسطيني - الإسرائيلي، التي يسعى التحالف الإمبرياليّ الصّهيوني بكل قوته إلى إحكام انغلاقها .

وحاولت بداية الاكتفاء بمناقشة الأستاذ ماجد الكيالي للمقالة ، التي نشرها في حلقتين متتابعتين على صفحته الإلكترونية . لكن حسم ترددي وحفزني على الرد على الكاتب الكبير جملة أمور أبرزها :-

أولا : تصويب الخطأ "المحمود " الذي استهل به مقالته لدحض أفكار من دعاهم تارة ب "جماعة فكرية فلسطينية " وتارة أخرى ب " جماعة الدولة الواحدة لمواطنيها" إذ أنهم لم يرتقوا بعد إلى مستوى الجماعة ، رغم توقي الشديد شخصيا لذلك . وإنما هم مفكرون أفراد ، لم يسبق لغالبيتهم التعارف شخصيا حتى الآن ، جمعهم الانشغال بالهم الوطني ، والإدراك لعمق المأزق الفلسطيني وخطورة استمراره ، والوعي بأن الانحدار إليه لم يكن قدرا محتوما ، وإنما لأسباب موضوعية وذاتية أفضت إليه . ولا يرون من سبيل للخروج منه إلا بتبني مشروع نهضويّ تحرريّ إنساني فلسطيني جامع للكل الفلسطيني ويشكل نقيضا للمشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني العنصري، كي يتأهل لهزيمته .

ثانيا : الإيمان العميق بضرورة الدّفاع عن التّعددية بأنواعها كافّة ، وعن حريّة التفكير والاجتهاد وحريّة الرّأي وحقّ الاختلاف للجميع . لما لذلك من أهمّيّة قصوى في إثراء الفكر وتنمية المعرفة وتوسيع دائرة الشراكة في مناقشة وتقرير المصير الوطني الفلسطيني وتحصين الوحدة الوطنية والمجتمعيّة .

إذ بدى المفكّر الأستاذ منير شفيق في مقالته رافضاً للرأي الآخر ، شديد التشبث بالنظام الأبوي/ البطرياركي / في توقيت مفصليّ ، ما تزال فيه شعوب المنطقة تكتوي من التداعيات الكارثية لنهج الإقصاء للآخر فكرا وحضورا ومشاركة .
فعلى الرغم من أن الأستاذ منير شفيق معارض وناقد ، لم يتسع صدره لتفكير من خارج الصّندوق الذي تم احتجازنا فيه لعقود طويلة ، بدعوى أن " لا صوت يعلو فوق صوت المواجهة مع العدو " ، رغم تكررالعثرات وارتفاع كلفتها . وأبدى انزعاجه من محاولات البعض تسليط الضوء على مكامن الخلل الذاتي الفلسطيني ، وإسهامها، إلى جانب عوامل أساسيّة أخرى، في إخفاق الحركة الوطنية الفلسطينية في مواجهة المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني العنصري ومنع تقدمه على مدى أكثر من قرن .

فانبرى للتشكيك بغاياتنا دون تمحيص . وانتقى من مقالاتنا حول المشروع التحرري الفلسطيني النقيض للمشروع الصهيوني ما يخدم مسعاه ، على طريقة
" لا تقربوا الصلاة " . واتهمنا ب " الهجوم على فصائل المقاومة الفلسطينية بالجملة والمفرق ، واعتبارها منتهية الصلاحية بسبب التقاط سلبية هنا وسلبية هناك " .
ولم يجد الكاتب المعارض غير دعاة بلورة المشروع التحرري الفلسطيني النقيض للمشروع الصهيوني لتحميلهم مسؤولية ما وصفه ب " حرمان الانتفاضة ومبادرات شبابها وشاباتها من الدّعم في التحول إلى العصيان الشعبي الشامل لدحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات وإطلاق كل الأسرى وفك الحصار عن قطاع غزة " .
وغاب عنه ، أن الحراك الشبابي الفلسطيني الذي يتسم بالفردية ، ويدعوه ب "الانتفاضة " ، ما يزال وحيدا في الميدان دفاعا عن أهله ومقدساته وممتلكاته
- للشّهر العاشر على التوالي - ، يتصدى بالسكين والمقص ومكابح السيارة لهجمات جيش الاحتلال وتغول مستوطنيه المنفلتين المدججين بكل أنواع الأسلحة الغربية المتطورة .

وربما لم يلاحظ بعد ، على الرغم من ثورة المعلومات والاتصالات ، أن الشباب الفلسطيني الفتي الثائر قد ترك ليواجه منفردا كتائب الإعدام الميداني بلا أي إسناد أو دعم أو حماية أو حتى رعاية واجبة من الفصائل والتنظيمات والأحزاب والقوى السياسية والمجتمعية كافة .
ويبدو أنه قد نسي أن مسؤوليتنا الوطنية والأخلاقية ، حتى كأفراد ، اتجاه الجيل الفلسطيني الفتي الثائر ، تقتضي منا جميعاً تبصيرهم بحصاد تجاربنا الثريّة في مواجهة الغزوة الاستعماريّة الغربية الصهيونية لبلادنا ، التي تعمدت بدماء مئات آلاف الشهداء والجرحى على مدى خمسة أجيال متتابعة . وبتضحيات مثلهم من الأسرى ، وبعذابات أبناء الشعب الفلسطيني، سواء الصامدين منهم داخل الوطن المحتل أم اللاجئين الملاحقين في الشتات .
فمن حقهم علينا تزويدهم بخلاصة ما تتضمنه تجاربنا الوطنية من منجزات مهمة ، قد تحجبها عنهم قتامة اللحظة الراهنة ، كي يجتهدوا في الدفاع عنها والبناء التراكمي عليها .

ومن واجبنا نحوهم ، أيضاً ، مصارحتهم بما شاب تجاربنا من أخطاء وخطايا كثيرة ، خلّف استمرار تجاهلنا لها وإحجامنا عن معالجتها ، تداعيات سلبية تراكمت تأثيراتها البنيويّة إلى درجة باتت تتهدد مجمل المصير الوطني الفلسطيني . ما يحتم عليهم إدراكها ، والاجتهاد في معالجتها ومنع تكرارها ، كي يتمكنوا من استعادة زمام المبادرة والمضي قدما في مواجهة المشروع الاستعماري الصهيوني العنصري ، والتهيئة الصحيحة لهزيمته .

ثالثاً : الوعي بضرورة التصدي لمحاولات نزع الشرعية المهنية والوطنية عن كل من يحاول الإفلات من نهج الوصاية ويمارس النقد الذاتي ويسعى لكشف مكامن الخلل الذاتي الفلسطيني . إذ لم يعد بالإمكان مواصلة التواري خلف العدو والاستمرار بالتذرع في تفسير كل خيباتنا بمؤامراته تارة ، وأخرى باختلال موازين القوى العالميّة والإقليميّة والعربيّة ، كما فعل كاتبنا الكبير ، سعيا وراء نفي مسؤوليّتنا التشاركيّة عن واقعنا الفلسطيني المأزووم ، إلى درجة توحي لجيل الشباب الفلسطيني الفتي بأننا كنا ملائكة ، وأنه لم يكن بالإمكان فلسطينيّا أحسن مما هو كائن .

رابعاً : مواجهة محاولات التشويه والافتراء على أصحاب الرأي المغاير ، إذ كان حريّاً بالكاتب والناقد الأستاذ منير شفيق ، أن يكون أكثر رويّة قبل الافتئات على المطالبين ببلورة المشروع النهضوي التحرري الفلسطيني النقيض للمشروع الاستعماري الاستيطاني الصّهيوني العنصري ، بأنهم " يتصرفون وكأنهم اكتشفوا النار ، مع أن دعوتهم ليست سوى تكرار بليد لما أتى به الأوائل ...وتصوروا أنهم يأتون بما لم يأت به هؤلاء " .
فلو تمهل قليلا ، قبل إلقاء التهم جزافا ، لاكتشف بسهولة أنهم قد نسبوا الفضل لأهله في مقال نشر في 1/6/2016 بعنوان " هل المشروع التحرري الفلسطيني النقيض للمشروع الصهيوني ترف فكري أم استحقاق وطني لا يحتمل مزيدا من التأخير؟ "، والذي تضمن ملخصا لكتاب نشر عام 1919 ، وافانا الدكتور نبيل قسيس مشكورا بنسخة إليكترونيّة عنه بعنوان " فلسطين وتجديد حياتها " من إعداد الأستاذ حنا صلاح ونخبة من المفكرين الفلسطينيين الطليعيين ، الذين استشعروا مبكرا الخطر الاستعماري الصهيوني على فلسطين وطرحوا في 207 صفحة ، رؤية ومنهجيّة شاملة لمواجهته في شتى المجالات . وضمّنوا خاتمة الكتاب تصورا متكاملا لمستقبل فلسطين ، أعده الأستاذ سليم شحادة جورج بعنوان
" نظرة إلى مستقبل فلسطين" عرض فيها رؤية عصرية متقدمة لدولة ديموقراطية حديثة في فلسطين ترتكز على مبدأ المواطنة .
ولأدرك ، أيضاً ، أن الأوائل في طرح مشروع " الدولة الديموقراطية التي ترتكز على مبدأ المواطنة " قد سبقوا بفكرهم الأوائل الذين عناهم الكاتب بأكثر من نصف قرن .

ولتبين له ، كذلك ، أن من اتهمهم " بالتصرف وكأنهم اكتشفوا البارود " لم يغفلوا عن أن حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح قد سبق لها وأن رفعت شعار " الدولة العلمانية الديموقراطية على كامل فلسطين " عام 1969 ، ثم دفعت به لتبنيه كهدف استراتيجي لمنظمة التحرير الفلسطينيّة في الدورة الثامنة للمجلس الوطني الفلسطيني عام 1971 . غير أنه سرعان ما تم النكوص عنه في الدورة الثانية عشر، عندما تبنى المجلس ذاته عام 1974 " برنامج النقاط العشر" ، الذي أسّس بعد بضع سنوات لنهج سياسي فلسطيني جديد ، يستعيض عن هدف مواجهة الصهيونية لهزيمتها وتحرير فلسطين ، بالسّعي لمهادنتها وإبداء الاستعداد للتعايش معها ، عبر استبدال الوطن بالدّولة ، وتقاسمه مع المستعمر وفقا للأقدميّة الزمنيّة لاحتلاله ( الاعتراف عام 1988 بقرار مجلس الأمن رقم 242 الذي تجاوز قرار التقسيم رقم 181 واكتسب الكيان الصهيوني شرعية وجوده منه ) ، وتبني الخيار التفاوضي كطريق وحيد لإقامة دولة فلسطينيّة على حدود العام 1967 / أي أقل من نصف المساحة التي خصصها قرار التقسيم ) إلى جانب دولة إسرائيل . ما مهد لاحقا لاتفاق أوسلو ، ثم لاستبدال القرار رقم 194 الذي ربط الاعتراف الدولي بشرعية إسرائيل بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وتعويضهم عما لحق بهم من خسائر ، بما اصطلح عليه بحل متوافق عليه لقضية اللاجئين ، والإبقاء لاحقاً على الالتزامات الأمنية والاقتصادية والسياسية الفلسطينية في اتفاق أوسلو ، حتى بعد انقلاب إسرائيل عليه والتحلل من كافة التزاماتها فيه .

خامساً : ضرورة التصدي لمنهج التخويف عبر التشكيك بوطنيّة أصحاب الاجتهاد المخالف ، الشبيه إلى حد التطابق مع المنهج التكفيري السائد حاليّاً ، الذي ينتهجه التيار المتطرف في الإسلام السياسي مع كلّ من هم خارجه . وهو نهج غريب ودخيل على الشعب الفلسطيني ، الذي تميّز عن باقي شعوب المنطقة - رغم صعوبة ظروفه - بديموقراطية نسبية وتعددية سيياسية وتنظيمية في إطار الوحدة الوطنية تواصلت عقوداً ، قبل أن يصاب في العقد الأخير بآفة الانقسام والإقصاء .

وهذا النهج مرفوض ومستغرب على وجه الخصوص من كاتب تفرد - ربما أكثر من غيره- بالتنقل بين التيارات السياسيّة والفكرية المتعارضة حدّ التّضاد ، وامتهن التنظير في كل منها ، سواء عندما كان عضوا في الحزب الشيوعي الأردني ، أوعندما انضمّ إلى حركة التحرير الوطني الفلسطيني/ فتح / ورئس مركز التخطيط لسنوات عدة في منظمة التحرير الفلسطينية، وتزعم التيار الماوي ، أو عندما حط رحاله أخيرا في الإسلام السياسي ووجد ضالته المنشودة في الخمينيّة .

وهو نهج مستهجن أكثر من مفكر يعترض على مبدأ الفصل بين اليهوديّة والصّهيونيّة ، رغم أنه استقر أيديولوجيّاً في تيّار يدعو جهاراً إلى التمييز بينهما . ومع أن أصحاب الدعوة إلى بلورة المشروع التحرري الفلسطيني النقيض للمشروع الاستعماري الصهيوني ، يعتمدون على ذات المبدأ الذي يميز بين اليهود والصهاينة . ويدعون إلى استعادة نهج مواجهة الصهيونية لهزيمتها باعتبارها حركة استعماريّة استيطانية رجعيّة عنصرية ، ويطالبون بمراجعة مدى صوابية تقديم أولويّة إقامة الدّولة القومية على خمس الوطن واعتبارها الشكل الوحيد لبلوغ الحرّيّة وتقرير المصير ، على حساب تحرير كامل الوطن الفلسطيني وعودة لاجئيه . ويستحضرون رؤية الأوائل حول مفْهوم الدّولة الوطنيّة التي تمكن الشعب العربي الفلسطيني من إحقاق حقوقه الوطنية والتاريخية الثابتة غير القابلة للتصرف ، ومرتكزها الحرية والعودة وتقريرالمصير على كامل أرض وطنه .

ويدركون في الوقت ذاته تعذر إمكانية إعادة عجلة التاريخ للوراء ، ويعرفون أن تحقيق العدالة المطلقة لا يقدر عليها سوى الخالق وحده ، وأنها لم تتحقق على الأرض منذ بدء الخليقة وربما لن تتحقق حتى قيام الساعة . لكنهم يعون تماما أن العدالة النسبية ممكنة التحقق ، وجوهرها التسليم بحق الإنسان المتساوي في الحياة، وبتساوي الحاجات الإنسانية الأساسية ، وبتماثل القيم المتصلة بالحرية والكرامة والعدالة لدى جميع بني البشر ، بغض النظر عن لونهم أوعرقهم أو جنسهم أو عقيدتهم أو مكان عيشهم أو مستوى تطورهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي ، والتسليم ، أيضا ، بتساوي التطلعات الإنسانية لبلوغها ، والاستعداد الفطري للتضحية بالذات دفاعا عنها . ولذلك ، يطالبون بالتعامل الخلاق مع الوقائع الديموغرافية التي استجدت عن الغزوة الاستعمارية الصهيونية لفلسطين ،
وملخصها :-
* أن الشعب العربي الفلسطيني الذي تم اقتلاع غالبيته الساحقة بالقوة من وطنه عام 1948 ، ما يزال حتى الآن قيد الاستهداف الاستعماري لتغييبه وإخضاعه .
سواء لنصفه المقيم داخل الوطن (6.22 مليون) أو للنصف الآخر في الشتات
( نحو 6 مليون ) .

فالنصف المقيم داخل الوطن ( 39.8 % منهم لاجئون ) ، ما يزال يتعرض لهجوم شرس يستهدف وجوده المادي ، سواء منهم أولئك الذين تعذَر اقتلاعهم من الجزء المحتل عام 1948 ، وتم مصادرة معظم أراضيهم وممتلكاتهم ومنع غالبيتهم من العودة إلى مدنهم وقراهم الأصلية بعد إقامة الكيان الصهيوني ، وباتوا يحملون الجِنسيّة الإسرائيليّة / 1.47 مليون / ، ويشكلون حاليا نحو خمس سكّان الكيان الصهيوني ، ويواجهون تمييزا عنصرِيّا على الأصعدة التشريعية والتنفيذيّة والقضائيّة في كافّة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة، ويعاملون كفائض سكانيّ معاد غير مرغوب باستمرار بقائه .
أم أولئك المقيمون منهم في قطاع غزة / 1.85 مليون / 69% منهم من لاجئي الجزء المحتل منذ عام 1948 / ، وما يزالون يتعرضون لحروب إبادة متتالية / أربعة حروب خلال أقل من عقد / ، وإلى حصار مركب محكم في البر والبحر والجو يستهدف استئصالهم من الوطن الفلسطيني جغرافيا وديموغرافيا .

أم سكان الضفة الغربية / 2.9 مليون / 26.7% منهم لاجئين / ، يحشرون في أقل من 30% من مساحتها ، ويحرمون من 85% من إنتاجها المائي ، ويتعرضون للتضييق والخنق الاقتصادي ، ولتقييد حركتهم ومصادرة أراضيهم وهدم مساكنهم وتطويق المستعمرات الاستيطانية الصهيونية لها ، وللاعتداءات الوحشية المنتظمة عليهم ، التي لا يستثنى منها الأطفال والشيوخ والنساء ، والمنقولة بالبث الحي عبر وسائل الإعلام ، دونما خوف من محاسبة أو مساءلة من العالم " المتحضر" الذي ما يزال يستثني الكيان الصهيوني من نفاذ القانون الدولي والإنساني .

أما النصف الآخر من الشعب الفلسطيني المقيم في الشتات / 6 مليون/ فغالبيتهم الساحقة يعيشون كلاجئين في الدول العربيّة /5.34 مليون / ، فيما يتوزع نحو 675 ألفا على مختلف دول العالم . ويقيم نحو ثلث اللاجئين الفلسطينين المسجلين في 31 مخيما في ثلاث دول عربية /لبنان 12، الأردن 10، وسوريا 9 / وتتعرض مخيماتهم للاستهداف الدائم ، سواء عبر الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة عليهم ، أم من خلال إقحام المخيمات قسرا في الحروب الأهلية والدولية الجارية على أراضي الدول العربية المضيفة ، بهدف إنهاء ظاهرة المخيمات الفلسطينية ، بتصفيتها عسكريا كما حدث في تل الزعتر وجسر الباشا وضبيّة ونهر البارد ومعظم مخيم صبرا وشاتيلا في لبنان ومخيم اليرموك في سوريا ، فضلا عن الاستهداف الجاري حاليا لمخيم عين الحلوة والرشيدية والمية ومية في لبنان ، وباقي المخيمات الفلسطينية في سوريا . أو عبر محاصرة ما ينجو منها بتقليص خدمات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين تمهيدا لتصفيتها نهائيا بذريعة انعدام الموارد المالية . بغية إعادة تهجير اللاجئين الفلسطينيين وإدماجهم مع اللاجئين الجدد وتصفية قضيتهم الوطنية .

* بالمقابل ، يعيش حاليا على أرض فلسطين نحو / 6.251مليون/ من المستوطنين اليهود الذين تم اقتلاع معظمهم ، أيضاً ، بالقوة من مواطنهم الأصليّة ودفعهم قسرا لاستيطان فلسطين ، التي جرى تسويقها كأرض بلا شعب . غالبيتهم العظمى (88.6%) قَدِموا للاستيطان فيها بعد نجاح التحالف الامبريالي الصهيوني الرجعي في إقامة الكيان الصّهيوني عام 1948 .
وتظهر البيانات الإحصائية الإسرائيلية الحديثة أنّ 73.5% من المستوطنين اليهود قد ولدوا في فلسطين المحتلّة ، إلا أنّ هذه النّسبة تنخفض إلى 41.1% فقط عند احتساب المستوطنين المولودين هم أو آبائهم خارجها . ورغم أن الإحصاءات الإسرائيليّة الرّسميّة لم تعد تظهر الموطن الأصلي للمستوطنين اليهود في فلسطين ، في إطار الجهد المبذول لاستحداث قوميّة إسرائيليّة ، إذ باتت تقْصر بيانات بلد المنشأ ، فقط ، على أولئك المولودين هم أو آبائهم في الخارج . إلا أن المعطيات المتاحة تشير إلى أن اليهود الغربيين الأوروبيين والأمريكيين / الأشكناز/ الذين شكلوا الغالبية العظمى من المستوطنين الأوائل /معظمهم استوطنوا فلسطين إبان عهد الانتداب البريطاني على فلسطين /1922- 1948/ الذي أوكل إليه التأسيس لإنشاء الكيان الصهيوني ، وأسند إليهم مهمة إنشاء الكيان الصهيوني وفقا للنسق الاستعماري الغربي . فقد باتوا أقلية نسبية ،نحو 41 % من إجمالي المستوطنين اليهود حاليا . 46.2% منهم من جمهوريات الاتحاد السّوفيّتي السابق (ثلثيهم قدموا للاستيطان في أواخر ثمانينيّات ومطلع تسعينيّات القرن الماضي ) ، وآخرون قدموا من دول المعسكر الاشتراكي بعيد تفككه .

ويتمتَّع مُعظم المستوطنين الأشكناز بازدواجيّة الجنسيّة ، إذ ما تزال غالبيَّتهم تحتفظ بالجنسية الأصليّة وما يترتَّب عليها من حقوق في الدول التي قدموا منها ، إلى جانب جنسيتهم الإسرائيليّة المكتسبة. ومعظمهم كانوا ينتمون للطبقات الفقيرة والشريحة الدّنيا من الطبقة المتوسطة ( إذ بقي أثرياء اليهود في مواطنهم الأصليّة، واستقرّ معظمهم في أمريكا الشّماليّة وأوروبا الغربية ) . واستوطن الأشكناز في المدن الساحلية والمناطق الحضرية المتقدمة / المركز/ ، ويشكلون مجتمع الصّفوة في المجمَّع الاستيطاني الصّهيوني، ويسيطرون على كافّة مراكز صنع القرار الإسرائيلي في مختلف المجالات السّياسيّة والاقتصادية والعسكريّة والأمنيّة ، ويشكّلون الطبقة العليا في البنيان الاجتِماعي الإسرائيلي .

فيما يشكل المسوطنون السّفارديم أغلبية نسبية متنامية لارتفاع معدلات المواليد لديهم مقارنة بالأشكناز ، خمسهم تقريبا من أصول إفريقية ، غالبيتهم العظمى ( 83.9% ) من أصولٍ عربيّة ( 55% من المغرب ، 15% من تونس والجزائر ، 7.6% من ليبيا ، 6.3 % من مصر) .
أمّا اليهود القادمون من دول غرب آسيا فيشكّلون حوالي 15 %، أكثر من نصفهم ( 58.8%) من أصولٍ عربيّة (33.7 % من العِراق ، 20% من اليمن ، 5.1% من سوريا ولبنان) ، فيما يشكِل المستوْطنون القادمون من إيران نحو 20.5% ، و من تركيّا 11.2% ، ولم تزد نسبة المستوطنين اليهود القادمين من الهند وباكستان عن 8% .

وغالبيّة يهود البلاد العربيّة والإسلاميّة جرى التواطؤ بين التّحالف الاستعماري الغربي الصهيوني وأنظمة الحكم فيها لاقتلاعهم من النسيج المجتمعي العربي والإسلامي وتهجيرهم إلى الكيان الصّهيوني المستحدث ، الذي كان بحاجة ماسة لهم في العقود الأولى لإنشائه من أجل إحكام السيطرة اليهوديّة على الأراضي الفلسطينية المحتلة التي تم تفريغها من معظم سكانها الأصليين ، ولتلبية حاجته للعمالة . ومع أن معظمهم كانوا ينتمون إلى الطّبقات الميسورة نسبيا في بلادهم الأصلِيّة / العربيّة والإسلاميّة / ، وفقدوا بتهجيرهم إلى الكيان الصهيوني معظم ثرواتهم ، وأسقطت عنهم جنسيّاتهم الأصليّة وما يترتب عليها من حقوق . فقد تعرضوا لتمييز عنصري من الأشكناز ، إذ تم احتجازهم لفترات طويلة في معسكرات الاستيعاب ، وجرى توزيعهم على المناطق الريفية والحدودية ، واختطف الآلاف من أطفالهم / اليهود اليمنيين والتونسيين والليبيين/ وتم بيعهم إلى اليهود الأشكناز داخل الدولة وخارجها، وهددت أسرهم لالتزام الصمت ، قبل أن يبدأوا مؤخرا حراكا للمطالبة بكشف الوثائق الخاصة باختفاء أبنائهم ، والتي كان قادة الكيان الصهيوني الأشكناز قد حددوا موعدا للإفراج عن سريتها في العام 2066 أملا في أن يموت الكبار وينسى الصغار . وما تزال الأجهزة الرسمية في الكيان الصهيوني تتذرع بالاعتبارات الأمنية والمصالح العليا وتشكل اللجان لتهدئة المعترضين .
ويشكّل السفارديم الطبقات الوسطى والشَّرائح العليا من الطبقة الدّنيا في المجمّع الاستيطاني الصّهيوني ، ويعتبرون مواطنون من الدّرجة الثّانية بعد الأشكناز .
يليهم يهود الفالاشا الذين تم استقدامهم للكيان الصهيوني في أواخر القرن الماضي ولا تزيد نسبتهم عن 2.2% / حوالي 135 ألفاً / ويشكلون الفئات الأكثر فقرا من المستوطنين اليهود ، وما يزالون يواجهون ِتمييزاً عنصريّاً يحول دون اندماجهم في المجتمع الاستيطاني الصهيوني ، ويقعون في أسفل الهرم الاجتماعي للمستوطنين اليهود .

وعندما يرتكز دعاة بلورة المشروع النهضوي التحرري الفلسطيني النقيض للمشروع الصهيوني العنصري على الوعي بالواقع القائم ، ويطالبون بتحرير كامل فلسطين من الاستعمار الكولونيالي الصهيوني العنصري ، ويستحضرون دلالات التجارب التاريخية الناجحة في حل الصراع مع المشاريع الاستعمارية الاستيطانية العنصرية ، ولا يرهنون المستقبل بالمراهنة على الزمن المفتوح على كل الاحتمالات ، ويحاولون تلمس السبل الممكنة لإحقاق الحقوق الوطنية والتاريخية الثابتة غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني وجوهرها ، كما سبقت الإشارة ، الحرية والعودة وتقرير المصير . ويرتكزون ، أيضاً ، على الوعي المعرفي بتركيبة البنية الاستيطانية الصهيونية ، ويقرنون المشروع التحرري الفلسطيني لهزيمة الكيان الاستعماري الصهيوني العنصري بفتح نافذة الفرص أمام من يرغب من يهود إسرائيل المشاركة في بناء مستقبل واعد مشترك مع أصحاب البلاد الأصليين، عند تخليهم عن العقيدة الاستعمارية الصهيونية العنصرية ، والقبول بالعيش المشترك المتساوي مع أصحاب البلاد الأصليّين بديلا للبقاء على حد السيف كما يعدهم قادة الكيان الصهيوني .

ويبدون الاستعداد لقاء ذلك للاعتراف لهم بحقوق مواطنة مكتسبة حصرية لهم ( وليس لعموم اليهود ) في موطنهم الجديد فلسطين ، في إطار دولة ديموقراطية عمادها المواطنة التي تكفل للجميعِ حقوقا (أصيلةً ومكتسبة ) متساوية في العيش الآمن الحر الكريم وتقرير المصير ، ويلتزم جميع مواطنيها ببناء دولة مدنيّة حديثة وعصريّة تحترم التّنوع والتعدّديّة دون تمييز عرقيّ أو قوميّ أوإثنيّ أو دينيّ أو طائفيّ أو مذهبيّ أو في اللون ، أو النوع الاجتماعي إلخ... ويقبلون التشارك بتأسيس نظام حكم ديموقراطيّ كفؤ جامعٍ مستوعب لكافّة مكوّنات المجتمع ، يحترم التّمايز والخصوصيّات الثّقافيّة للْأفراد والجماعات على السّواء ، ويحمي حقوقهم ، ويكفل لهم الحرّيّات الأساسيّة ، بما في ذلك حرِيّة المعتقد والعبادة وممارسة الشعائر الدينيّة وحريّة الفكْر والتعبير ، ويضمن تساوي حقّ جميع أفراد المجتمع بالمشاركة في الحياة السّياسيّة ، وفي إدارة الشّأن العام ، ويوفر بيئة قانونيّة تنمويّة محفزة للنُّمو والتّقدم والرّخاء الفردي والمجتمعي ويكفل العدالة المجتمعيّة ، ويؤمن فرص وآليّات تحققها ، ويضمن سيادة القانون واستقلال القضاء .
فإنهم ، بذلك ، لا "يتخذون من الحديث عن القضية ككل ذريعة لبقاء الاحتلال واستشراء الاستيطان " كما يتهمهم الأستاذ منير شفيق .

سادساً : الادعاء على دعاة بلورة المشروع التحرري الفلسطيني النقيض للمشروع الصهيوني ب"إسقاط الهوية العربية والفلسطينية ".
وهنا ، إما أن يكون الكاتب متجاهل عمدا ، أو غافل حقا لحقائق التاريخ والجغرافيا ، التي تثبت أن الغزاة الأجانب الذين تعاقبوا على منطقتنا العربية منذ فجرالتاريخ ، وحكمها بعضهم لحقبات زمنية طويلة ، قد فشلوا جميعاً في تغيير هويتها ، وبقيت هذه المنطقة على مرالعصور ، عربية في لغتها وحضارتها وثقافتها ، إذ حافظت على تنوعها العرقي والإثني ، وأفادت من ثراء الرسالات السماوية الثلاث التي بات يدين بها أكثر من 60% من البشرية ، واحتمت بقوة التعددية التي حصنت وعززت هويتها العربية الجامعة وزادت مناعتها .

سابعا : الادعاء المضلل ، أيضاً ، بأن المشروع النهضوي التحرري الفلسطيني النقيض للمشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني العنصري ، هو مشروع تفاوضيّ بقوله " أن دعاة مشروع الدولة لمواطنيها يطالبون بالمفاوضات الشاملة لحل كلي" . ومع أنه قد لا يكون الأستاذ منير شفيق وحده أسيرا للخيار التفاوضي ، وربما أن لا يكون وحده ، أيضاً ، مسكونا بهاجس ما يريده العدو الصهيوني ويسمح به ، وليس بما يريده الشعب العربي الفلسطيني وما هي حقوقه الوطنية والتاريخية، وكيف يمكن إحقاقها في إطار القانون الدولي والإنساني . ولهذا ، استرسل بإجابات متخيلة استعصت عليه من قبيل " كيف سيقنعون يهود إسرائيل الذين سيكونون مواطنين في الدولة بالتخلي عن عقيدتهم الصهيونية ؟ " ويستطرد " هنا عندنا : النظام.. الدولة.. الجيش.. أجهزة الأمن.. ميليشيات المستوطنين الجدد، كيف سيفرض عليهم التفكيك أولاً ؟ ثم عندنا "المستوطنون الكولونياليون" الذين يراد إقناعهم بالتخلي عن عقيدتهم الصهيونية ، كيف سيقتنعون بإعادة البيوت التي يسكنون فيها لأصحابها، وكذلك الأراضي التي يزرعونها ؟ هنا طامة كبرى لأن 94% من أرض فلسطين عام 1948 كانت ملكية فلسطينية "
هل حقا يعتقد المفكر والمنظرٍ الأستاذ منير شفيق أن مشروعا تحرريا يستهدف هزيمة الحركة الصهيونية ويجاهر بعدم إمكانية مهادنتها والتعايش معها ويدعو إلى هزيمتها يصلح لأن يكون مشروعا تفاوضياً ؟

هل نسي أن الشعب الفلسطينيّ هو الشعب الوحيد على وجه المعمورة الذي ما يزال حتى الآن يرزح تحت الاستعمار الكولونياليّ ، وأن التاريخ الإنساني حافل بعديد التجارب للشعوب التي تحررت قبلنا ، آخرها شعب جنوب إفريقيا الذي هزم النظام الكولونيالي العنصري قبل نحو عقدين ؟
للعدو الصهيوني يا أستاذ منير شفيق مشروعه الاستعماري الاستيطاني الإجلائي - الإحلالي العنصري في كامل فلسطين وجوارها ما أمكن . وهذا المشروع لاستيطان فلسطين بالتحديد ، معلن على الملأ منذ المؤتمر الصهيوني السابع في العام 1905، وما تزال حكومات إسرائيل المتعاقبة وقواه المتنفذة كافة تؤكد التزامها الكامل به ، وما تزال تنطلق في كافة سياساتها وسلوكياتها وبرامجها لاستكمال مخططها الاستعماري الإجلائي - الإحلالي لتهويد كامل فلسطين واجتثاث أهلها وتطويع من يتبقى منهم .

ونحن مجموعة أفراد فلسطينين ، ولسنا حتى الآن "جماعة " ونأمل أن نكون . ننطلق مِن الإيمان العميق بوحدة الشعب والوطن والقضية ، ومن الفَهْمٍ الواضِحٍ للحقوقِ الوَطَنِيَّة والتّاريخِيّة الثّابتة غير القابلة للتّصرّف للشَّعب العربي الفلسطيني في أرض وطنِه . فلا نفرق بين حقوق أيّ من مكوّناته في الوطن والشّتات ، وليس لدينا أي استعداد لمقايضة حقوق جزء منه بحقوق بقية أجزائه . كما أننا لا نميّز بين الأراضي الفلسطينيّة وفقا للأقدميّة الزّمنيّة لاحتلالها ، دون أن نغفل عن إمكانية التدرج في تحريرها ، ونلاحظ توفر فرصة دوليّة مواتيّة لتحرير الجزء الفلسطيني المحتل منذ العام 1967 ، فيما لو أحسنت القيادة والنخب الفلسطينية استثمارها ، وانتهجت سياسات واستراتيجيات صحيحة ، بعد أن بات العالم بأسره ، الذي سبق لغالبيته الساحقة التواطؤ في تغييب شعبنا الفلسطيني عن الخريطة الجغرافية الدوليّة ، وبات بفضل نضال الشعب الفلسطيني المتواصل وصموده الأسطوريّ واستعصائه على الإذعان لمنطق القوة المنفصل عن الحقوق ، يعترف بالهوية الفلسطينية لهذا الجزء ويطالب بضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي له /177 دولة عضو في الأمم المتحدة / . ولذلك ، نجاهر بأن المشروع التحرري الفلسطيني النقيض للمشروع الاستعماري الصهيوني ، ليس بديلا اعتراضيا لدولة فلسطينية على حدود العام 1967 ، إذ نعي إمكانيّة التدرج في تحرير الوطن وهزيمة الكيان الاستعماري الاستيطاني الصهيوني العنصري ، الذي تم إنشاؤه ، أيضاً ، بالتدريج . ونعتبر ، ذلك ، مهمة نضالية ذات أولوية ، تستوجب تكثيف النضال الفلسطيني بكافة أشكاله المشروعة ، لرفع كلفة الاحتلال وتوفير موجبات موازين قوى جديدة تفرض دحره من الأراضي التي جرى احتلالها عام 1967 ، دون أن نكبل المستقبل بقيود تمنع تحرير كامل وطننا الفلسطيني من الاستعمار الصهيوني .

وبما أنكم يا أستاذ منير تدّعون بفشل الدولة الديموقراطية على كامل فلسطين بقولك بأننا " لم نتعلم من سلبية الفكرة الأولى الأصلية " ، رغم أنه يفترض أنك تدرك تماما أنها لم تتعد حدود الفكرة والشعار ، ولم يسبق لها أن تحولت إلى مشروع جدي للحركة الوطنية الفلسطينية ، سواء عندما طرحها المفكرون الأوائل في بداية القرن الماضي ، أو عندما تبناها من تدعووهم الأوائل بعد ذلك بنصف قرن .

وبما أنكم تشككون بأهليّة هذا الطرح من أساسه ، فعقولنا مفتوحة للتعرف على جوهر مشروعكم التحرري البديل وأساسه الفكري ومنطلقاته والقيم التي يسترشد بها ، ونأمل ، أيضاً ، أن تقرنوه برؤى واضحة لسبل تنفيذه .
وحيث أنه قد سبق لي وأن سمعت منكم شخصياً في إحدى محاضراتكم التنويريّة في مطلع سبعينيات القرن الماضي في بيروت ، تعريفا علميا للهدف بحتمية ارتباط تحقيقه بزمن معلوم ، فإنني أتساءل عن الجدول الزمني الذي ترونه ضروريا لتحقيق مشروعكم بتحرير فلسطين ، بشقيه المرحلي لتحرير الأراضي المحتلة عام 1967 ، والنهائي لتحرير كامل فلسطين ودحر كافة مستوطنيها اليهود .