|
مركز ابو جهاد لشؤون الحركة الاسيرة....ابداع لصون ذاكرة الحرية
نشر بتاريخ: 16/08/2016 ( آخر تحديث: 16/08/2016 الساعة: 14:07 )
الكاتب: عيسى قراقع
اكبر من نصب تذكاري وأكبر من متحف اجده امامي في مركز ابو جهاد لشؤون الحركة الاسيرة الواقع في جامعة القدس ابو ديس والذي تشرف على إدارته الاسير المحرر د. فهد ابو الحاج، ففيه يجتمع الحي والميت، الحرّ والمقيد، يتوحد الموقف وتتكسر المرايا خارجة من الذات، وجدت هويتي واصدقائي وخربشاتي وحبات الخرز التي صنعت منها سفينة عودتي خلف القضبان ، ووجدت صور اصدقائي الشهداء: قاسم ابو عكر وعبد القادر ابو الفحم وعمر القاسم وفادي الدربي، وشادي درويش وميسرة ابو حمدية وابراهيم الراعي، وقافلة طويلة من الشهداء تزين لوحة صارخة في الطابق الاول من المركز.
قطعت المسافات من سجن الى آخرداخل المركز، بحثت عن كراساتي وكبسولاتي و قميصي البني، وسعالي وصوتي المدفون بعيدا، اجتزت الاسلاك الشائكة لأصل الى الطابق الثاني عثرت على قبة الصخرة المشرفة، ومجسمات القدس، وسمعت صلاة جماعية في سجن نفحة وعسقلان والنقب ، صوت اضرابات مفتوحة عن الطعام، مواجهات وهتافات نعم للجوع لا للركوع، نخلة عسقلان كبرت اضلاعا في اجسام بشرية. وفي الطابق الثالث وجدت رسائلي الى حبيبتي وقصائدي وكتاباتي، وهناك عثرت على قصيدة عسقلان عسقلان لمحمد ابو لبن، وعثرت على قصيدة يا نقب كوني ارادة لصلاح عبد ربه، وعثرت على ملحمة اضراب سجن نفحة، وكان سلاما الى علي الجعفري وراسم حلاوة واسحق مراغة، وعثرت هناك على لوحة فنية تحمل صورة أسد رسمها الاسير عيسى عبيدو في سجن بئر السبع، وعلى رسالة حسام خضر الى ابنته اميرة، وهناك عثرت على زجليات راجح السلفيتي، وقصص فاضل يونس بعنوان اليد التي تتحدى المخرز، وعثرت على قصيدة يا اسطبل خيل الفارعة لسميح فرج وهو يقول: يا اسطبل خيل الفارعة نأتيك شيبا او شبابا نأتيك عرسا او عذابا ناتيك برقا او سحابا فأغضب كثيرا واغضب كثيرا لا بد نكبر قد بلغنا من ملاحمنا النصابا وفي الطابق الثالث من مركز ابو جهاد وبين آلاف الوثائق عثرت على قصيدة معين بسيسو في سجن غزة التي قالها وهو مكبل اليدين صارخا : رغم بطش الجنود رفعت يدا اثقلتها القيود وصحت بهم انني عائد لجيش الرفاق لجيش الرعود لقد عثرت على الكثير الكثير، وصية شهداء الثلاثاء الحمراء في سجن عكا، كتابات ابو علي شاهين، التعاميم البيانات، كتابات محمد لطفي وحافظ ابو عباية وحسن عبد الله وخديجة ابو عرقوب، ربيحة ذياب وعائشة عودة وربحي حداد ويوسف عبد الحق واحمد الفيتوري وعبد الله علاونة وفوزي النمر، واحمد هزاع ومسلم الدودة، واحمد رشيد وقدورة فارس ومحمد طقاطقة ووليد هودلي ومحمد البيروتي وزياد ابو عين ومحمد اللحام وهشام ابو ضاحي ، وجبر وشاح، ومحمود الغرباوي، وابو السكر، وعلي جدة، وزكية شموط ومعاذ حنفي وغيرهم. في مركز ابو جهاد دم في عيني ، عثرت على نفسي، ولازال السجان مختفيا وراء ظلال الجريمة، يتربص بنومي وخطواتي، كان خائفا مسلحا، وكنت هادئا اغازل الشمس تطل من وراء اليقين . وعندما بدأت اتصفح الكراسات والاوراق المليئة بالرطوبة والعرق، واقرأ في كلمات قادمة من الاكسات والزنازين، رائحة انفاس آدمية تقف وجها لوجه امام الجلادين والمحققين ، وجدت امامي الاسير الشاعر محمد عبد السلام مقيدا في زنزانة رقم 51 في سجن بئر السبع يوم 29/1/1975 يكتب وصيته قائلا: إذا مت في القيد لا تحسبي باني انتهيت بعز الشباب لسوف احرض اهل القبور واشعلها ثورة في التراب وفي مركز ابو جهاد : تحرر الاسرى من مقصلة ليبرمان، حولوا السجون الى اراض ذي زرع، وبصراحة لقد عثرت عليكم جميعا ايها الناس وعثرت على الغائبين هناك في المنفى او في الآخرة. في مركز ابو جهاد وجوه بشرية تخوض اضرابا عن الطعام، بلال الكايد، محمد ومحمود البلبول، الرفيق احمد سعدات، محمد القيق، محمد علان، سامي جنازرة، وسامر العيساوي، ملح يسيل في الاوردة، نار تشتعل في الارواح العنيدة ، ابتسامات واثقات تملأ السماء. وتحت غبار من رمل ودم عثرت على قصيدة فضاء الاغنيات للمتوكل طه عندما اعدم قائد معسكر النقب الشهيدين بسام السمودي واسعد الشوا وهو يقول من قلب الصحراء: اعصف فإني عاصفة ودماء قلبي راعفة وجموعنا في كتسعوت الموت هبت واقفة لا الموت يكسرنا ولا رعب الدماء النازفة وتحت اثقال 35 عاما، رأيت كريم يونس ونائل البرغوثي يسيران مقيدان في ساحة الفورة في سجن هداريم، ولمحت يدا تشير الى حيفا، وأخرى الى القدس، يدوران في فلك السنين يتأهبان للوصول. هذا المركز، هذه الوثائق الحقائق، هذا التاريخ العظيم لأسرانا واسيراتنا هو القوة الثقافية الانسانية الاخلاقية التي نواجه بها القوة الفاشية الطاغية في اسرائيل ، نواجه بها العنصرية والكولونيالية والتطرف المتصاعد والجرائم التي تمتد في كل ساحات فلسطين، هنا صوت يقول: نحن اكثر حرية من السجانين لاننا اعطينا لمعاناتنا معنى الحياة، وأن اعظم شجاعة هي شجاعة المعاناة . هنا وجدت ابداعات تصون ذاكرة الحرية، وفي هذا المشوار الاطول في الظلام، شموع من لحم ودم تضيء العتمة، وكلما ذابت اردادت اشتعالا ، يقترب البعيد من القريب، والقريب من البعيد، نبوءة تتسلق جدران الموت، تنفجر نشيدا للحياة والوحدة والحب في قسيدة جبر وشاح التي كتبها عام 1986 في سجن نفحة . يدا بيد ضد التيار برغم الاعصار زرعنا الحب كلمات سجينة، عثرت عليها في مركز ابو ابو جهاد بخط اليد كتبت عام 1976، لا اعرف ان كان كاتبها حيا ام ميتا، لكنه ترك لنا ذلك التحدي وتلك البطولة ، وكجندي مجهول لم يذكر اسمه المتشظي في تلك المراحل الصعبة . برغم السجن والسجان والقيد ورغم زنازين التعذيب والتحقيق والتعليق من قدم ومن زند ورغم مطارق الجلاد واللعنات يرسلها ورغم القيء والبرد سيعلو صوتي المحبوس كالرعد ولن اركع هذا المركز يتردد في صداه صوت الشاعر الكبير محمود درويش وهو يقول: ان تاريخنا ليس آثارا رومانية اعاد الاحتلال تشكيلها، بل يحمل رسالة تقول بأن للضحايا حياة أخرى هنا وفينا، نحمي الزمن من هيمنة الراهن، فالمستقبل هو ماضينا القادم بكل ما نملك من قوة البرهان والارادة. |