|
غزة أجمل .. صمود ومقاومة
نشر بتاريخ: 18/08/2016 ( آخر تحديث: 18/08/2016 الساعة: 11:43 )
الكاتب: غسان مصطفى الشامي
تختلف الحياة في غزة اليوم عن أيامها قبل آخر انتخابات تشريعية ورئاسية خاضها الشعب الفلسطيني في ربوع الوطن قبل عشر سنوات، ليرسم المواطن الفلسطيني الخريطة السياسية الجديدة عندما قرر أن يختار ممثليه بالذهاب إلى صندوق الانتخابات.
وقد شهد القاصي والداني بنزاهة الانتخابات التشريعية عام 2006م التي شهدت منافسة شديدة، وتنافست فيها الأحزاب الفلسطينية على مقاعد المجلس التشريعي، وفازت حركة حماس فوزًا ساحقًا بأكثرية مقاعد المجلس التشريعي. وعد المحللون والمراقبون السياسيون فوز حماس في الانتخابات بمنزلة بركان سياسي يهز المنطقة، وقد تقبل الكل الفلسطيني نتائج هذه الانتخابات، ودعا الرئيس محمود عباس حركة حماس كونها فازت بالانتخابات إلى تشكيل الحكومة العاشرة، وخاضت هذه الحكومة عقبات وتحديات برسم المعاناة والآلام في إدارة الحكم والتواصل بين جناحي الوطن، وسط عراقل كبيرة وضعها الكيان الصهيوني، واعتقال وزراء الحكومة، ومنع الوزراء من التحرك والوصول إلى الضفة المحتلة، ووقف دفع الضرائب، ثم الحصار الدولي والسياسي لهذه الحكومة، ووقف الأوربيين دفع المستحقات المالية حتى تعترف هذه الحكومة بشروط الرباعية الدولية وبالكيان الصهيوني، ورفضت حكومة حماس الاعتراف بشروط الرباعية، وتحملت الحكومة بكل ثقلها وتبعاتها، وأوقفت الرواتب عن الموظفين، وتكفلت حماس بدفع رواتب الموظفين، وبعدها تطورت الأحداث إلى أن شكلت حكومة وحدة وطنية، وهي كذلك لم تنجح في حل الكثير من الإشكالات، وبعدها حدثت تطورات ميدانية ثم توالت الأحداث وبدأ الانقسام السياسي إلى أن شكلت حكومة الوفاق الوطني. قطاع غزة الشريط الساحلي الضيق تحت ظروف الحصار والمعاناة حقق إنجازات، وسجل انتصارات على التحديات والواقع المرير والحصار الجائر، الذي جعل غزة في مقدمة مدن العالم في صعوبات وعقبات الحياة، لكن أهل قطاع غزة تحدوا الواقع المرير، ولم تهزمهم مؤامرات الحصار، ولم يهزمهم الدمار ولم تهزمهم شرور الحياة، وقد صنع أهل غزة العجائب للانتصار على الحصار، يوم أن حفروا بأيديهم وأسنانهم الأنفاق مع مصر من أجل إدخال الطعام والشراب للمحاصرين في القطاع إلى أن أصبحت الأنفاق شريان الحياة الرئيس في قطاع غزة، وتوفر كل احتياجات المواطنين من طعام وشراب ووقود وأخشاب ومواد بناء، واستطاع الغزيون فرض معادلة الأنفاق، وأنه يمكن الاستغناء عن الأنفاق بعد رفع الحصار عن قطاع غزة وفتح المعابر. إذًا الشريط التاريخي لعشر سنوات سابقة بين الانتخابات التشريعية واليوم (الاستعداد إلى الانتخابات المحلية) مليء بالتحديات والآلام والمكابدة، ومع ذلك هنا في غزة شعب يستحق الحياة وشعب مبدع يعيش الأمل والأمن والسلام في قلبه قبل أن يعيش على أرض. لم يترك الاحتلال الصهيوني غزة خلال السنوات العشر السابقة على حالها، بل كان المصدر الأساسي لتدمير آمال وأحلام شعبنا الفلسطيني في العيش بأمن وسلام، ولم يترك غزة يومًا؛ فقد شن الاحتلال الصهيوني خلال السنوات العشر ثلاث حروب كبيرة على غزة، هذه الحروب كفيلة أن تدمر غزة وتطحنها طحنًا، لكن إرادة الله ومشيئته أكبر، وكانت غزة تخرج من كل حرب أقوى على مجابهة العدو، لا ننكر أن الحروب التدميرية الإسرائيلية الثلاثة أثرت تأثيرا كبيرا على قطاع غزة، حيث دمرت عشرات الآلاف من الوحدات السكنية والبنية التحتية والمؤسسات الحكومية والخاصة، لكن استطاعت غزة أن تنهض من جديد، والمتجول اليوم في شوارع القطاع يشعر فيها أن بغزة مواطنًا يأبى الانكسار، ومواطنًا يأبى الهزيمة ويتحدى الصعاب، ويمتلك عزيمة قوية وروحًا معنوية تأبى الاندثار، فإن غزة الصامدة تصنع الحياة من وسط الركام والدمار، وتصنع المستحيل من بين الأحجار وغبار الحرب. اليوم غزة تتعافى من الدمار، وبحمد الله أزيل ركام الحرب، والناس في غزة يعيدون اعمار منازلهم، ففي كل حي وشارع تجد البنيان والإعمار، أما طواقم البلديات وموظفو الحكومة فهم جنود مجهولون لخدمة أبناء شعبهم وخدمة الصابرين في غزة، وفي كل بلدية من بلديات غزة قصة تحدٍّ وقصة إنجازات من وسط الركام والآلام، إنجازات في العمران والبنيان، وإنجازات في الطرق، وإنجازات في الخدمات البلدية وتحسين مياه الشرب في الكثير من المناطق الريفية وتحسين الواقع المعيشي في المناطق النائية، أما الكهرباء فما زال قطاع غزة يعاني من مواصلة انقطاع التيار الكهربائي، ومشكلة الكهرباء سياسية بالدرجة الأولى، وتحتاج إلى حلول جذرية لإنهاء معاناة أبناء القطاع من هذه المشكلة المتفاقمة. غزة تشكر كل المحبين، وتشكر المخلصين الداعمين والمساندين لفلسطين الأرض والإنسان والحضارة، غزة أجمل بوحدة أبنائها ووحدة الخطاب السياسي، وغزة أجمل بترفعها عن الصغائر، وتخطيها حواجز الانقسام، واستقبالها الأحرار وشرفاء العالم ومناصري القضية الفلسطينية ومحبي العدالة والحرية. غزة على أعتاب مرحلة سياسية جديدة، تستعد بعدها إلى انتخابات تشريعية ورئاسية، لتقول للعالم كله: إن غزة تصنع الأمل وتحب الحياة وتنتصر على آلامها وحصارها. |