|
ثقافاتنا وتربيتنا الفلسطينية: التنوع والاختلاف
نشر بتاريخ: 21/08/2016 ( آخر تحديث: 21/08/2016 الساعة: 12:00 )
الكاتب: تحسين يقين
وأثر ذلك على الهوية والمصير!
وإنما ابتدأت بهذه العبارة إكمالا للعنوان، حتى لا يكون طويلا. مستخلص: التنوع والتعددية لا تعني الخلاف والاختلاف والانقسام فالاحتراب! في سنتي الدراسية الأولى بمصر، اكتشفت أن الطلبة الأردنيين أقرب لنا ثقافيا وشعوريا من الطلبة الغزيين، فاستغربت ذلك، وخف شعوري كفتى صغير بالذنب حينما بدأت أتعرف على مصادر الثقافة والفكر لجميعنا: طلبة الضفة والقدس، وطلبة غزة وطلبة الأردن الشقيق، والطلبة المصريين، ذلك أننا طلبة الضفة كنا نتعلم وفق المنهاج الأردني، فيما يتعلم طلبة غزة المنهاج المصري. بعد أقل من عام اندمجنا جميعا في الثقافة العربية في مصر، دراسة أكاديمية، وإعلاما وثقافة وفنا، كما اندمج معنا الطلبة الوافدين من الأقطار العربية. والسبب هو التعرّض لمصادر ثقافية وإعلامية متقاربة، قرّبت ما بيننا إيجابا. بعد اكتسابنا بعض الوعي صرنا ننتقد أحادية النظرة الإعلامية، واقتصار مناهج الأدب العربي على الإنجاز المصري، والبث الإعلامي الفني على الدراما المصرية. لقد أحببنا الفن والثقافة في مصر، واندمجنا مثلا بليالي الحلمية كالمصريين، لكننا أحببنا أن نرى الدراما العربية، وحينما عرض التلفزيون فيلم كفرون لدريد لحام احتفلنا. ترى ما هي الدلالات وطنيا وقوميا؟ تشتيت الفلسطينيين لم ينته، وهو ليس تشتيتا مكانيا فقط بل فكريا ونفسيا وتربويا وشعوريا وثقافيا. بعد عام 1948، صار الفلسطينيون: فلسطينيي الضفة الغربية، وفلسطينيي قطاع غزة، وفلسطينيي الداخل عام 1948، وفلسطينيي الشتات في البلاد العربية، وفلسطينيي المهجر. بعد الرابع من حزيران 1967، لم يتغير الوضع كثيرا، رغم فتح الضفة على غزة، فقط زاد فلسطينيو الشتات، وبدأت تنمو خصوصية لحملة البطاقة المقدسية. وبالرغم من التعامل مع القدس بعد الاحتلال عام 1967 كجزء من الضفة الغربية، إلا أنه سرعان ما بدأت تتكون خصوصية جديدة لها، باتجاه فصلها ما أمكن تربويا وثقافيا، وللحق فقد كان للمؤسسات الإعلامية المقدسية في كبح جماح التهويد والأسرلة، بل كان لتلك المؤسسات دور وطني جامع، انسجم مع الدور الوطني للمنظمة. ولكن للأسف الشديد، فقد قل الزخم الوطني في بداية التسعينيات، وصولا إلى رحيل المؤسسات وإقفال بعضها إثر قيام السلطة الوطنية، حيث استفرد الاحتلال بالقدس تاركا القليل ثم أقله مع الأيام، حيث يستشرس الاحتلال اليوم في أسرلة التعليم، ويبالغ في الاستشراس في التهديد بإلغاء الوصاية الأردنية كوصاية عروبية إسلامية على الأماكن المقدسة. وقد شكلت الثقافة الفلسطينية في لبنان بوجود مركز منظمة التحرير على مدار عقد من السنوات كينونة فلسطينية في المنفى، كان من الممكن أن تكون حاضنة كبرى لكل الفلسطينيين، لتلم شتاتهم ثقافيا ومعنويا، حيث خضع استمرارها بعد ذلك لظروف حدّت من هذا الاتجاه. ومع قيام السلطة الوطنية، بدأنا نلم شتاتنا الفكري والثقافي، فكانت خطوة توحيد التعليم في الضفة وغزة خطوة استراتيجية، باتجاه جسر الفجوة الشعورية، تلك التي عانينا منها، وللأسف منذ عقد من السنوات، إثر الانقسام البغيض، بدأت تتكون في القطاع ثقافة غزية بطابع جديد ساهم في تعميق الخلاف والاختلاف. وعليه، فإنه رغم كل هذا التمزيق، فمازلنا قادرين على توحيد أنفسنا معنويا رغم اختلاف أماكن الإقامة في الوطن والمهجر. التربية والثقافة والإعلام والرياضة والأوقاف! - ما الذي دفعك للجمع بين تلك المجالات؟ - الهدف والمستهدفون/ات. - ...............! من خلال مناهج التعليم العام الموحدة، نستطيع استراتيجيا جمع الأجيال الفلسطينية في بوتقة واحدة، تراعي التنوع والتعددية، وتراعي الإجماع الوطني. بل أزعم أن هناك مجال استراتيجي لعمل مناهج تربوية عربية تراعي الخصوصية القطرية، والقومية والعالمية أيضا، والتي تشكل صمام أمان لحماية الحلقة القطرية-الوطنية أيضا، لأن ضرب القومية هو ضرب للوطنية نفسها، والتشظي القطري اليوم هو ثمرة للتشظي القومي. والعمل الثقافي هو جزء مكمل بل مؤسس لخلق هذه الحالة وطنيا باتجاهات قومية وإنسانية، كوننا جزء من هذا المحيط، وجزء من هذا العصر. والإعلام المكتوب والمسموع والمرئي والالكتروني والاجتماعي هو حاضنة حيوية تستقطب الأجيال الجديدة، التي مدّت جسورا بينها فلسطينيا وعربيا وعالميا. وتخلق في الوقت نفسه وطنا للجميع، بل وحدة عربية افتراضية تشكل بذورا إستراتيجية في ظل هذا التشظي العربي القطري والقومي. أما الرياضة، فلربما تأملنا الحالة الرياضية الفلسطينية قبل وبعد قيام السلطة الوطنية في العمل الوطني، حيث أخذت مؤخرا زخما ترك أثرا طيبا واستراتيجيا، ينبغي الاستمرار به، واستثماره وطنيا وقوميا وإنسانيا، وتوفير التمويل اللازم له، علما بأن التربية الرياضية أيضا تساهم في بناء الأجيال، وتفرغ طاقاتها إيجابيا. بقيت الأوقاف كونها مسؤولة عن اتصال الخطباء بجمهور المصلين خصوصا أيام الجمعة، حيث لا بد أن يتكامل الجهد لا أن يتناقض، من أجل الحفاظ على الحد المقبول من الثقافة الوطنية، حري القول أن هناك نقلة مقبولة في هذا الاتجاه، لكن بحاجة إلى دعم التنوير، من خلال المؤسسات الدينية. محطتان مهمتان عملتا على الجمع الفلسطيني: - محطة بيروت، حينما شكلت المنظمة وطنا معنويا للفلسطينيين، حيث ازدهرت الثقافة الوطنية كثقافة وطنية وقومية وإنسانية، ومعها بدأت بذور تشكيل أنوية العمل المجتمعي الاقتصادي والصحي...وما اقتضاه الوجود الوطني، ووجود اللاجئين أيضا، ومن عاش تلك الفترة يستطيع تفصيل الأمور ودلالاتها في التأسيس للكيانية الفلسطينية المستقبلية، والتي انتقل جزء منها الى خارج لبنان بعد الخروج، وما المجلس الأعلى للتربية والثقافة والعلوم إلا أحد عناصر هذه الكيانات الثقافية. - محطة السلطة الوطنية، وتلك عشناها على مدار العقدين، من أول الشباب حتى أبواب الكهولة. والمطلع يرى أنه في مجال الشخصية الوطنية الثقافية فقد تم إنجاز عدة أمور منها: أولا توحيد التعليم، والذي يعني الوحدة الشعورية-الفكرية، حتى إذا التقى شبابنا وشاباتنا في الوطن والشتات لا يشعرون بالفجوات ولا بالاغتراب الذي شعرناه، ونحن نعبر مرحلة التعليم العالي. وثانيا، ازدهار العمل الثقافي والإعلامي في الفترة من عام 1995 حتى العام 2000، بشكل خاص في الضفة (ليس هناك للتأكيد على القدس فيها لأن منظورنا هو كذلك) وغزة. وحتى يتعمق هذا الادعاء، فقط يمكننا إجراء مقارنة في المرحلة التالية، وصولا إلى الانقسام البغيض، الذي على مدار عقد قام بإعادتنا إلى الوراء، وساهم في تشظي ثقافة الشباب بشكل خاص، ممن هم بين العشرين والخمس وثلاثين بشكل خاص، حيث باتوا يعانون الاغتراب، ولولا مساهمة الاعلام الاجتماعي بالأثر الإيجابي لزادت الفرقة. وهناك أمور أخرى يمكن أن تكون مجالا خصوصا الهبئة العامة للإذاعة والتلفزيون التي تستحق مقالا خاصا. في ظل هذا التأمل، يقع على عاتق نظام الحكم الوطني الفلسطيني مراقبة هذا الاتجاه ودعمه والبناء عليه، كون أن ذلك يقع ضمن سيطرتنا. بهذا نمنع ونحصّن مجتمعنا من الظاهرة الداعشية، ونحاصر أسباب الظاهرة ونجتثها من أرضنا العربية. مصيرنا نقرره إن أردنا! وهويتنا كذلك! الجيل الحالي والمستقبلي هو كنزنا وهو استثمارنا، الذي يجب أن نمنحه طاقاتنا الإيجابية، وأن نقرر خلقيا ووطنيا وإنسانيا ألا نورثه عيوبنا، وأن نفعل المطلوب لنحرره منها مستقبلا. بين أيدنا الكثير لو ندري، لنكون معا معنويا وثقافيا، في ظل محدودية تحقيق المصير على الأرض الآن؛ وكلما كنا معا، سنستطيع أن نقرر ذلك على الأرض، تلك سيرورة التاريخ وصيرورته أيضا. |