وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

خبراء: أزمة ثقة وراء الموقف السلبي للمواطن من جهود مكافحة الفساد

نشر بتاريخ: 27/08/2016 ( آخر تحديث: 03/04/2020 الساعة: 05:10 )
خبراء: أزمة ثقة وراء الموقف السلبي للمواطن من جهود مكافحة الفساد
رام الله- معا- عقد الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة "أمان" لقاء تشاوريا حول أسباب وانطباعات المواطنين حول جهود مكافحة الفساد. 

وأظهرت نتائج استطلاعات الرأي التي أجراها ائتلاف "أمان" ومراكز بحثية محلية أخرى خلال السنوات الأخيرة، أن نسب وأعداد الفلسطينيين الذين يعتقدون بانتشار الفساد في القطاع العام الفلسطيني لم تتراجع وأحيانا ازدادت، وذلك بالرغم من الجهود المبذولة في تعزيز منظومة النزاهة ومكافحة الفساد من قبل الأطراف الرسمية والأهلية وفقا لما تم رصده في تقارير مختلفة.

النتائج متطرفة ولا بد من البحث في أسبابها
افتتح اللقاء المدير التنفيذي لائتلاف "أمان" مجدي أبو زيد بالإشارة إلى أنه وفي السنوات الأخيرة، وبالرغم من حدوث تحسن في منظومة تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد وفقا لما تم رصده بناء على مؤشرات موضوعية استخدمها إئتلاف "أمان" لإعداد مجموعة من التقارير ذات العلاقة بمنظومة النزاهة ومكافحة الفساد، إلا أن استطلاعات الرأي التي أجريت خلال نفس الفترة والتي عكست انطباعات الجمهور، أظهرت استمرار زيادة انطباعات الفلسطينيين السلبية تجاه انتشار الفساد ومكافحته.

وأشارت الإستطلاعات الى استمرار ازدياد نسبة الفلسطينيين الذين يعتقدون أن الفساد ينتشر في القطاع العام الفلسطيني، وكانت تلك الإنطباعات سلبية جداً وتعبر عن شعور متزايد بالقلق تجاه هذه الظاهرة التي تبدو في نظرهم متفشية على الرغم من الجهود المبذولة لمكافحتها. 

وأشار أبو زيد إلى أن الغرض من نقاش مثل هذه القضايا الحساسة هو محاولة فهمها وتشريحها والخروج بتوصيات بشأنها.

وأكد مستشار مجلس إدارة ائتلاف "أمان" لشؤون مكافحة الفساد عزمي الشعيبي، على أنه من خلال متابعة الواقع الفلسطيني والتقارير الموضوعية التي تم إعدادها وأشارت إلى تحسن في عدد واسع من المجالات وفي الجهود المبذولة في مكافحة الفساد، فإنه وبنفس الوقت لا يوجد تناسب ما بين هذه الجهود ورأي المواطنين، فضلا عن عدم تفاؤلهم بتراجع واقع الفساد في السنوات القادمة،

واعتبر أن إحدى أسباب هذا التفاوت هو اختلال الثقة والمصداقية في العلاقة بين المواطن والجهات الرسمية وعدم قناعة المواطن بالجهود التي تبذل لمكافحة الفساد، مع التأكيد على ضرورة عدم إهمال هذه المؤشرات من قبل القيادة الفلسطينية حتى وان كانت متطرفة او بعيدة عن الواقع، لان الواجب والمصلحة تحتم ضرورة البحث في الظروف والاسباب التي أدت إلى مثل هذه النتائج.

عدم وضوح تعريف الفساد جزء من المشكلة
وأشار مدير عام ديوان رئيس هيئة مكافحة الفساد سعيد شحادة إلى وجود تحسن وتطور حقيقيين في دور المؤسسات الرقابية العاملة في فلسطين، وأضحى الحديث عن الفساد يتم دون خوف أو تردد على عكس ما كان دارجا في السابق، وكان يتم الحديث عنه في غرف مغلقة، مؤكدا أن هناك مشكلة في تعريف الفساد في قانون مكافحة الفساد الذي لم يعط تعريفا واضحا للفساد وانما أعطى أشكالا مختلفة تدلل عليه.

وشددت مدير عام الشؤون القانونية في هيئة مكافحة الفساد رشا عمارنة على وجود عدة عوامل ساهمت في خلق الفجوة بين انطباعات المواطنين حول الفساد وحجم الفساد الحقيقي، ويرى المواطن الفساد مضاعفا عن حجمه الحقيقي في حين يرى جهود مكافحة الفساد أقل من الواقع ما يعطي صورة خاطئة عن حجم انتشار الفساد ومكافحته. 

وأوضحت عمارنة إلى أنه من بين الأسباب المؤدية الى الفجوة هو وجود فهم خاطئ لمفهوم الفساد بسبب توسيع المفهوم واخراجه من سياقه، فضلاً عن أن جهود مكافحة الفساد نفسها التي وصفتها بأنها سيف ذو حدين تعطي انطباعا معكوسا بوجود الفساد خاصة مع تداول اخبار محاكمة الفاسدين وملاحقتهم.

وأكد حسن سليم مدير عام شؤون منظمة التحرير في ديوان الرئاسة على ارتباط الفساد بالموقف السياسي من السلطة، الأمر الذي لوحظ في سنوات الإنقسام أكثر من غيرها.

الفساد موجود وحالة الإحباط ضخمت حجمه الحقيقي في عين المواطن
وفي سياق آخر، أقر مدير مركز قياس لاستطلاع الرأي أيوب أيوب بصحة نتائج الإستطلاعات التي أشارت الى وجود الفساد، مشيرا إلى أنه بالإمكان إضافة عدد من الأسئلة التفصيلية الخاصة بالتحسن في حالة مكافحة الفساد خاصة وأن الإستطلاعات تتأثر بعدد من الظروف المحيطة كالأوضاع الإقتصادية والسياسية.

واعتبرت مديرة البرامج في مؤسسة مفتاح لميس الحنتولي بوجوب أخذ استطلاعات الرأي بعين الاعتبار بغض النظر عن كيفية صياغة السؤال أو طرحه، خاصة في ظل تكرار الإجابات والتوجهات عاماً بعد عام مشددة على ضرورة دراسة هذه الأرقام وتحليلها من قلب المؤسسات المختلفة المعنية بقضايا الفساد ومكافحته لمعرفة معنى هذه النتائج وانعكاساتها.

من جانبه أشار مصطفى الخواجا من الجهاز المركزي للإحصاء إلى أن هدف الاستطلاع ليس الكشف عن ظاهرة الفساد فحسب بل ورصد اتجاهه في المجتمع ايضا. مؤكدا انه بغض النظر عن نسبة وجود الفساد في استطلاعات الرأي فإن هناك مشكلة تثير القلق. وأشار الخواجا أيضا إلى أن مسؤولية مكافحة الفساد هي مسؤولية جماعية وان على الحكومة أن تقود هذه الجهود.

في ذات السياق اعتبر المستشار في المعهد الفلسطيني لدراسات وابحاث التنمية د. فتحي أبو مغلي أنه لا يمكن الإدعاء بعدم وجود فساد، وأن المزاج العام هو محصلة إحداث وظروف مختلفة تخلق رأيا عاما قد يفرض حالة من الإحباط على المواطن خاصة في ظل ظروف استثنائية كغياب المجلس التشريعي وتبعات هذا الغياب فضلا عن الإنقسام وعدم تكافؤ الفرص أمام المواطنين ما يترك الأثر السبي الأكبر على آرائهم.

الحالة السياسية وانعدام تكافؤ الفرص
من جانبه، أكد الكاتب ومدير مركز مسارات هاني المصري على وجود الفساد بل وارتقائه الى مستوى الظاهرة، نافيا أن تكون المشكلة ذات علاقة بتعريف الفساد، مؤكدا أن غياب المجلس التشريعي وتفرد السلطة التنفيذية واحتكار السلطة في يد مجموعة من الأفراد في الضفة وقطاع غزة والتي تزايدت في سنوات الإنقسام بحيث أضحى كل طرف مشغولا بحماية جماعته على حساب الطرف الآخر.

وأشار الكاتب جهاد حرب إلى أن انطباعات الناس الواردة في الإستطلاع مبنية على غياب الثقة بالنظام السياسي وهو السبب الأهم، معتقداً أن ما يمكن أن يساهم في تغيير هذه الانطباعات هو الرسالة التي تحملها الحكومة وممثلوها وما يطبقونه يحملونه من شفافية ومصداقية في الممارسة الأمر الذي يؤثر على الرأي العام.

وأكد الاستاذ في جامعة القدس داوود الوعري، أن ما أظهرته الإستطلاعات المذكورة ينم عن غضب المواطن وعدم رضاه عن أداء المؤسسات الحكومية في تقديم الخدمات العامة بشكل شفاف ونزيه، إضافة إلى ضرورة تحسين دور المؤسسات العاملة في مجال مكافحة الفساد، مشددا على ضرورة البحث عن حلول لواقع وأشكال الفساد في المجتمع الفلسطيني التي من شأنها أن تخفف من غضب المواطنين وترفع من جودة الخدمات المقدمة لهم.

غياب المعلومات يجعل الانطباع أقوى من الحقيقة
الأستاذ في جامعة القدس عبد المجيد سويلم، اعتبر أن غياب منظومة تداول المعلومات في المجتمع الفلسطيني بشكل سلس وشفاف ساهمت في صياغة هذه الانطباعات لدى المواطن في ظل حرمانه من حقه في الاطلاع على المعلومات مهما كان موقعه، مؤكدا على أنه ومنذ بدء الخليقة لا يوجد سلطة بدون فساد ولكن افتقاد المحاسبة التي تفرزها الحالة السياسية هي أحد أهم أسبابه.

وأكد الصحفي محمد دراغمة على ضرورة تداول المعلومات بحرية مع المواطنين معتبرا أنه في ظل غياب المعلومات يصبح الإنطباع أقوى من الحقيقة ويترك أثرا طويل المدى على رأي المواطن، فضلا عن أن التطور والتغير في جهود مكافحة الفساد رافقها تطور على أشكال الفساد التي أضحت أذكى وأكثر قدرة على الممانعة.

وأشار الباحث عزيز كايد إلى انه لا يجوز التشكيك في المواطنين وفي استطلاعات الرأي كمحاولة للهروب من استحقاقات معالجة الفساد لأن انطباعات الناس تتشكل مما يرونه يوميا على الأرض.

وأشار الصحفي رامي مهداوي إلى ضرورة عدم التركيز على المؤسسات الحكومية فقط على اعتبار أن الأسئلة التي تناولتها الإستطلاعات كانت حول انتشار الفساد في المؤسسات الفلسطينية بشكل عام، مؤكدا مهداوي على ضرورة تطوير أدوات مكافحة الفساد لتتماشى مع تطور أشكال الفساد فضلا عن أهمية العمل على تغيير الأسباب المؤدية إلى الانطباعات التي يتم نقاشها وليس تغيير الانطباعات نفسها.

وفي الختام أجمع الحضور على أن المواطن الفلسطيني يعاني من أزمة ثقة مع عدد من المؤسسات العامة في الضفة والقطاع، ساهم فيها بالأساس الجانب المتعلق بتدخلات الإحتلال إضافة إلى غياب الجوانب الديمقراطية ومؤسساتها الرقابية، وضعف المشاركة والإنفتاح والشفافية في إدارة الشأن العام، وما أحدثه الإنقسام وما سببه من تجاذبات، ناهيك عن ظهور بعض حالات الفساد التي عرفت بين الناس وتم تداولها في وسائل الإعلام الاجتماعي بشأن تعيينات أبناء المسؤولين ما خلق حالة من عدم الثقة بجدية الجهود المبذولة لمكافحته. 

ورأى المجتمعون أنه لا بد للمسؤولين أن يعتمدوا سياسات أكثر انفتاحا ونزاهة وان يحرصوا على نشر المعلومات ومحاربة حالات الفساد وعدم التهاون معها.

واكد الحضور على ضرورة تعزيز دور مراكز البحث وقياس الرأي والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني كأحد الأدوات الضرورية لقياس مدى رضا المواطن في الجهود المبذولة لمكافحة الفساد. 

ويذكر أن اللقاء حظي بحضور واسع من الجهات ذات الصلة من المؤسسات الرسمية والأهلية والإعلاميين والأكاديميين من الجامعات المختلفة والباحثين وخبراء ومراكز استطلاعات الرأي.