وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

موسكو وجمع المتناقضات

نشر بتاريخ: 05/09/2016 ( آخر تحديث: 05/09/2016 الساعة: 13:51 )
موسكو وجمع المتناقضات
الكاتب: د. حسن عبد الله
تسعى روسيا لسد الفراغ الذي تركته الإدارة الأمريكية في منطقتنا، فبعد أن فرضت نفسها على الساحة السورية، وبرهنت انها اللاعب الرئيس، ولا حل في سوريا بمعزل عن دورها ومصالحها، ها هي تحاول تحريك عملية المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية، التي توقفت بسبب الممارسات والسياسات الإسرائيلية.
تنطلق روسيا في تحركها من كونها تتمتع بعلاقات قوية مع الجانبين، ومن توازنها وعدم انحيازها، وتعتقد انها مصدر ثقة بالنسبة إلى الفلسطينيين الذين طالما شكل لهم الموقف الامريكي المنحاز والداعم لإسرائيل، مصدر قلق وريبة.
وفي حال عقد اللقاء برعاية روسية، بين الرئيس عباس ونتنياهو، هل يتوقع له أن يخرج بنتائج ستعيد دورة الحياة للمفاوضات؟

الأمر هنا يتعلق نتنياهو، الذي باتت أوراقه واضحة مكشوفة، حيث سيحضر إلى موسكو لتكرار مواقفه السابقة من الاستيطان والقدس والقضايا الساخنة الاخرى، وبذلك فان نتيجة اللقاء ستكون محكومة بالفشل، لا سيما وأن الموقف الفلسطيني من هذه القضايا معروف، ولا يمكن تجاوزه، فالتنازل عن قضايا جديدة، يعني التخلي عن أضلاع أساسية للدولة، فقد قدم الفلسطينيون كثيراً، دون أن يحصدوا شيئاً جوهرياً في المقابل، لكن للدبلوماسية الفلسطينية حساباتها، وفي صدارتها عدم الاضرار بالعلاقة الفلسطينية الروسية وبالتالي عدم اغلاق الباب أمام مساعيها، وتقريب الصورة أمام العينين الروسيتين، لتكون القيادة الروسية قادرة على رؤية الأمور عن قرب وبدقة، أي انها ستخرج بنتيجة مفادها عدم جهوزية نتنياهو لاتخاذ أية خطوة جدية على طريق السلام.
وفيما تحضر موسكو لقمة فلسطينية اسرائيلية تجمع المتناقضات والمواقف المتضادة، فإنها تهيء في الوقت ذاته لقمة متناقضات أخرى تجمع الأسد واردوغان، والتحضيرات لهذه القمة جارية وجدول الاعمال في لمساته الأخيرة.

فروسيا التي استعادت علاقاتها مع تركيا بعد فشل الانقلاب العسكري، أخذت تبنى وبسرعة جسوراً من الثقة مع أنقرة، يساعدها في ذلك الأزمة المتفاقمة بين تركيا والغرب وبخاصة الولايات المتحدة، على خلفية الانقلاب، الذي لم تبرئ تركيا الغرب منه، في حين اتخذت الدبلوماسية الروسية موقفاً أكثر توازناً بالاعتماد على قراءَة اشتشفافية انضج وأدق.

واعتقد أن مؤشرات النجاح الروسي في قمة الأسد اوردوغان هي أقوى من مؤشرات لقاء الرئيس عباس – نتنياهو، لأن تركيا بعد الانقلاب الفاشل عدلت من وضعية بوصلتها، واتخذت جملة من القرارات التي قد يكون لها انعكاسات مهمة في السياسة الخارجية، بتغيير بعض اتجاهاتها في سوريا، بعد تأكدها من أن استمرار اشتعال النار على ساحة الدولة الجارة، يسهل انتقالها إلى ساحتها، والدلائل أصبحت معروفة للأتراك وحملتها أكثر من رسالة ارهابية انفجرت تخريباً وتدميراً واستهدافاً لمواقع وتجمعات سكانية مدنية.

وفيما لو نجحت الدبلوماسية الروسية، في التوصل إلى حلول وسط بين الطرفين التركي والسوري، استنادا إلى مقترحات ورؤى بدأت تتناولها وسائل الاعلام، فان روسيا ستحقق عدداً من المكاسب الاستراتيجية منها ترتيب الاوراق على الساحة السورية بما يخدم توجهاتها ومصالحها، فليس من مصلحة روسيا أن تقحم نفسها في حرب طويلة الأمد، لها انعكاساتها وتداعياتها العسكرية والسياسية والاقتصادية، والنقطة الأهم ستؤكد أن عودتها إلى المشهد الدولي ليست عودة شكلية او استعراضية، وإنما عادت لتكون لاعباً قوياً ومؤثراً يحسب له الحساب في السياسة الدولية، وهذا يحمل رسائل شديدة الوضوح للدول الكبرى.

وإذا كان الحد الأدنى متوافراً في امكانات التجاح بخصوص تركيا وسوريا، فإنها بلا حظوظ نجاح على الصعيد الفلسطيني الإسرائيلي، حيث تلوح في الأفق مؤشرات فشل تفوق آلاف المرات مؤشرات النجاح، لكن السؤال ما الذي ستحققه موسكو ما دامت النتيجة ستسجل صفراً؟

الجواب يتعلق بالدور والوجود والتأثير الروسي الذي عنوانه التحرك في كل الاتجاهات، الا ان المهم بالنسبة إلى الروس عودة قوية للتعامل من جديد مع هذا الملف الاكثر سخونة في السياسة الدولية.