وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

"ذاكرة لا تصدأ" تسرد حكاية اللاجئ دغمان

نشر بتاريخ: 06/09/2016 ( آخر تحديث: 06/09/2016 الساعة: 15:53 )
"ذاكرة لا تصدأ" تسرد حكاية اللاجئ دغمان
طوباس - معا - فتحت مواسم الحج والأضحى جراح اللاجئ أحمد عبد الله دُغمان على مصراعيها، وراح يسترد تفاصيل وداع ضيوف الرحمن واستقبالهم، فيما لا زالت هدايا الحجيج وأناشيده تسكن في ذاكرته التي كانت قرية الكفرين بجوار حيفا مسرحًا لها، ولا تفارقه طقوس العيد والفرح بقدومه.
ورصدت الحلقة (53) من سلسلة "ذاكرة لا تصدأ" لوزارة الإعلام في محافظة طوباس والأغوار الشمالية واللجنة الشعبية للخدمات في مخيم الفارعة الأجواء التي كانت ترسمها زيارة بيت الله الحرام قبل النكبة، وعيد الأضحى.
وداع واستقبال
يروي بوجه يسيطر عليه الحزن وصوت منهك: كان آخر استقبال حجاج لي ووداعهم في الكفرين وأنا في عمر (12) سنة، فقد كان من ينوي الحج يودّع جيرانه وأهالي بلدته، ويطلب مسامحته على ما بدر منه، ثم يتوافد الأهالي إلى منزله لوداعه الطويل.
يقول دُغمان، الذي أبصر النور في الثالث من آذار 1936: كان معظم الناس يحجون على الخيول والدواب، وبعض النساء يركبن (الهودج) على ظهر الجمل، وكانت البلدة كلها تخرج لوداعهم واستقبالهم، وسط أناشيد دينية ومدائح نبوية لبيت الله ومدينة رسوله عليه الصلاة والسلام.
واستندًا إلى الراوي، فقد كان الحجيج يغيبون ثلاثة وأربعة أشهر؛ لطبيعة وسائل التنقل البدائية والبطيئة، وكانوا يحملون معهم الطعام والشراب والعجوة، ولم يكن هناك تسجيل رسمي لمن يرغب بتأدية شعائر الحج، ولا أي تطعيم طبي، كما انتشرت عادة توصية الحجاج على الهدايا من الأقارب والجيران ودفع ثمنها قبل رحلة الحج .
خيول وحنّاء
وتستقر في ذاكرة دغمان السنة التي أدى فيها عمه أسعد فريضة الحج، حين خرج من القرية على حصانه الأحمر المرقط بالأبيض، وانتظره مع أهالي القرية في المنطقة التي تتوسط أم الفحم بجارتها اللجون، مع أناشيد وابتهالات يقودها الشيخ عبد الله أمام المسجد ومؤذن القرية.
يبتسم ويكمل: أحضر لي عمي (دشداشة) بيضاء من مكة، فرحت بها كثيرًا، أما خالتي حليمة أبو سرّيس التي زارت بيت الله ثلاث مرات فقد أحضرت لي الحناء، ووزعت على الصبايا الخواتم، وسجاد الصلاة والمسابح. وكان الأهالي يذبحون الخراف والماعز حسب مقدرتهم، ويعدون الولائم للضيوف، فيما يحمل المستقبلون هدايا القطين والسكر للقادمين، ويشربون ماء زمزم ويأكلون من تمر الحجاز.
ولا تفارق ذاكرة الراوي، الزينة التي كانت توضع على بيوت الحجاج، وهي أوراق غار وأزهار دفلى تنصب كالقوس، بديلاً عن الزينة والإضاءة التي انتشرت هذه الأيام.
سمر وأضاحي
يوالي: كنت أشاهد الكثير من العادات والمظاهر التي لم تكن تتكرر إلا في العيد. ففي الليل، كانت العائلات تجتمع وتتسامر بعد التكبير في المسجد، ثم يجمع الأهالي ثمن الأضاحي لغير المقتدرين. وفي الصباح يخرج الرجال للصلاة، وتذهب النساء لزيارة القبور، فيوزعن الحلوى وبعضهن النقود، لمن يقرأ القرآن على أرواح الأموات.
يضيف: كانت "العيدية" تتراوح بين 5 و10 ملات ( أصغر وحدة في الجنيه الفلسطيني وقتها)، وكان ثمن الأضحية لا يتعدى الجنيه ونصف الجنيه، وكان الصغار يطيرون من الفرح، ويبحثون عن ألعابهم الشعبية كــ"الدوش" أو (الحجلة)، و"الطمامية"، و"نطاطة الشبرين"، فيما تذهب البنات إلى المراجيح المصنوعة من الحبال المربوطة بالأشجار.
يسرد: غالبًا ما كانت أمي مسعدة وسائر النساء والجارات يطبخن الذبيحة بأكملها يوم العيد الأول بتقليد اسمه (التطنيج)، فيضعن اللحم على النار في أوعية من النحاس، ويجعلنه يفقد الدم الموجود فيه، ويضفن له البهارات والتوابل، ويضعنه في أوعية زجاجية (مرطبانات)، ويبقى دون تلف عدة أشهر. وبعد الانتهاء من الأضاحي تتفرغ النساء لصنع البحتة ( الأرز بالحليب)؛ لأن الأطفال لا يغرمون باللحم ويفتشون عن الحلوى.
يبتسم: كنت أغافل أمي- رحمها الله- وأتناول اللحم المخزن أعلى السدة، ولا زلت أذكره طعمه الطيب، وما كانت تفعله بي حين تكتشف أمري.
وبحسب الراوي، فإن أطفال الكفرين كانوا لا يذهبون لبحر حيفا البعيد عنهم قرابة ساعتين ونصف مشيًا على الأقدام، وكانوا يكتفون بالتوجه إلى عيون: الحنانة، والصلاح (نسبة لصلاح الحسن)، والحنّانة.
يكمل: كان أهلنا يذهبون لحيفا ويشترون لنا القماش، ولم نكن نرافقهم غالبًا، وكانت المواصلات شحيحة، فقد كان الباص الوحيد يجمع ركاب القرية والبلدات المجاورةـ كصبارين وقنير وأم الزينات، ويأتي مرة واحدة صباحًا، ويعيد الركاب في المساء.
ينهي: الفرق بين أعياد ما قبل النكبة وهذه الأيام، علاقات حسن الجوار القوية، التي كانت لا تفرق كثيرًا عن الأخوة، وتبادل الطعام في العيد وغيره، وحرص الأهالي على إدخال بهجة العيد لبيوت الفقراء، وتوفير أضحية العيد لهم، فقد كانت بلدنا مشهورة بماشيتها.
مئة قصة ..مئة حياة
بدوره، أشار منسق وزارة الإعلام في طوباس والأغوار الشمالية، عبد الباسط خلف، إلى أن " ذاكرة لا تصدأ" جمعت حتى الآن أكثر من 100 رواية لقرية ومدينة ومهنة وحرفة وعادات ومواسم وأفراح وأحزان وتجارة ووصف للبيوت والأسواق والزراعة والمدارس.
وأضاف: تجولت الحلقات بين مناطق شمال فلسطين ووسطها وجنوبها، وقدمت 12 ومضة مرئية، وثقت مرارة الاقتلاع عام 1948، وقدمتها عدة قنوات فضائية في الذكرى الأليمة.