وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

وجع العيد.. جراح الحقيقة

نشر بتاريخ: 18/09/2016 ( آخر تحديث: 18/09/2016 الساعة: 14:37 )
وجع العيد.. جراح الحقيقة
الكاتب: رامي مهداوي
في كل عيد اجمع خياراتي وابحث عن سبل جديدة لاستمتع باجازة تليق به، فمرة أقضيها مع الأصدقاء ومرة اكتشف عوالم جديدة... ولكن هذه المرة مختلفة.. فقد قررت ان أمضي عطلة عيد الأضحى هذا العام بأسلوب مختلف عن الأعوام التي مضت فالأيام المتاحة لي الان أطول والمساحة أوسع ...
عدت الى شويكة بيت العائلة الدافىء كي أقوم بأعمال لم أنفذها منذ زمن بعيد، فكنت العامل الذي يرفع وينقل الحصى والبلاط في محاولة للمساعدة ببناء منزل العائلة، فتكسرت عضلات جسدي تعباً، وكنت الفلاح ابن ابي الذي يجزّ العشب ويقلّم الأشجار ويقطف الثمار عن أمها ... فنالني ايضا قسطا من ذاك التعب الجميل.
وقررت ايضا في زحام العيد أن أتواصل مع أصدقاء ومعارف من الماضي منذ زمن وسنوات لم يتاح لي الوقت لرؤيتهم في خضم الأحداث اليومية او التحدث معهم ومشاركتهم افراحهم وأتراحهم ، وهم من أبناء بلدتي شويكة أو من محافظة طولكرم .

استمعت لأجيال جديدة من أبناء بلدي في محض صدفة عند بائع الفلافل الذي يتوسط القرية " محل ابو منصور"، فكنت ذاك اللص الذي يسترق السمع لنقاشهم دون التدخل بأحاديثهم، واسمع غصات حديثهم، فأغلبهم يتحدث عن التصاريح التي وعد بها الإحتلال الإسرائيلي فترة العيد، فتجدُ من يعبّر عن ذلك بسعادة وهناك من لم يحالفه الحظ فيعبّر عن الموضوع بطريقة أخرى، لكنهم جميعاً يريدون سبر أغوار البحر..
ليلة العيد سهرت حتى الصباح أتحدث مع بعض من كادر حركة فتح، كانت أشبه بجلسة تنظيمية، تم فيها تشخيص الواقع في مدينة طولكرم على كافة الأصعدة، وتحدث كل شخص بما يجب أن يكون، وعن عدم الرضا من تشكيل قائمة الحركة في الإنتخابات المحلية، حيث كان بالإمكان أن تكون أفضل بكثير من واقعها الحالي، ويعود ذلك الى العمل في الوقت الضائع وعدم إشراك من يجب أن يشاركوا بهذه العملية، وان كان ذلك على اقل تقدير بآرائهم في أدوات وتحديد آليات الإختيار؛ وأجمعنا بأن هناك ناراً تحت الرماد، فان لم تستشعرها القيادة اليوم فسيشعروا بها غدا، فان اختارت الا تراها فهي ستشتعل بهم لا محالة .

مصادفة أجتمع مع هؤلاء الاصدقاء، حالة من الغضب تجمعهم ضد كل من حولهم، فهم كالبركان يثورون إن تحدثت دفاعاً عن السلطة والحكومة؛ يتهكمون على واقعهم ويحزنون على ماضيهم بكلمات أقلّها: أنا لم أناضل طيلة حياتي كي نصل الى ما وصلنا اليه اليوم، أيام "شلومو" أفضل من أيام سلطتك... كلماتهم حرقت قلبي ومزقتني إربا، فمنهم من حدثني عن احتياج طفله للعلاج!! ومنهم من حدثني عن همه الوحيد وهو توفير طعام يومهم وتأمين إحتياحات أسرهم.
في شوارع المدينة والقرية وجدت أكواماً من النفايات المتراكمة، وقد يصيبك الدوار ما بين بشاعة المنظر ورائحة المكان، ويصيبك الحزن لما وصلنا اليه من حالة مزرية مهما كانت الأسباب: فالبعض يبرر هذا المشهد بالإنتخابات التي تم تأجيلها، او نتيجة لإقتتال داخلي في البلدية، والمحاولة في إفشال شخص ما استلم منصباً جديداً في البلدية. ومهما كانت ماهية الأعذار والأسباب فهي لا تعني المواطنون الذين يتطلعون الى حياة آمنة ومستقرة، فلماذا نقتل أنفسنا بأنفسنا؟! ولماذا نخوض حروب ضد ذاتنا؟ ان الألم الذي سببه لي العمل والجهد العضلي، كان بسيطاً مقارنة بالواقع الذي عشته؛ مما سبب لي حالة من التعب الذهني ربما من حيث المقارنة والفكير من جهة، واسترجاع الماضي وذكرياته.

ان أصعب درس تعلمته بأن لكل منّا معركة مختلفة في الحياة ، نتصارع معها منفردين غير مكترثين للمعركة التي تجمعنا وأثرها على حياتنا اليومية والمستقبلية وعلى أطفالنا وأجيالنا القادمة، حتى القضايا التي يجب أن نقاتل من أجلها بشكل جماعي، فقدنا الإيمان بقيمة هذا العمل من أجل حلها!! وتفردنا بحلها فالجميع يسعى لتسجيل أهدافه في الاخر حتى لو كان على حساب العمل المجتمعي، والكل يلعب دور الحاكم ويطلق الحكم الرباني، وعلى الجميع أن يقول سمعاً وطاعة.
وبين فنجان قهوة وآخر نستذكر طفولتنا.. ونستذكر يوم إستقبالنا القيادة الفلسطيينة في أريحا... نستذكر ماضٍ كنّا نرسم به مستقبلا بمفاهيم غدت بعيدة كل البعد عن واقعنا الآني!! ومع كل شفة قهوة ما زلت مؤمنا اننا برغم ذلك سنبقى متمسكين بالحلم الذي رسمناه ونتشبث به الى حين تحقيقه.