وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الأمن القومي:"الثورة الأخلاقية"و "الثورةاللاأخلاقية"خيارات المرحلة

نشر بتاريخ: 29/09/2016 ( آخر تحديث: 29/09/2016 الساعة: 15:27 )
الأمن القومي:"الثورة الأخلاقية"و "الثورةاللاأخلاقية"خيارات المرحلة
الكاتب: د. ياسر عبد الله
الأمن القومي: "الثورة الأخلاقية "و "الثورة اللاأخلاقية" خيارات المرحلة القادمة
عاش الشعب الفلسطيني حياته خلال العقود الماضية في أوضاع متقلبة غير مستقرة، بين ثورات وانتفاضات ضد الاحتلال، وبين صراعات داخلية في الحزب الواحد أو بين الأحزاب والحركات المختلفة. هذا ما قبل توقيع اتفاق أوسلو، وكل ما حدث كان في الشتات رغم الانعكاسات التي كانت تحدث على أرض الوطن لتلك الصراعات ولكن سرعان ما كانت تتلاشى؛ لأن الشعب يعيش تحت احتلال ويتوحد أمام القمع والانتهاكات الاسرائيلية، فقد حدث انشقاقات في تلك الأحزاب والحركات –أيضا -حدثت معارك بالسلاح راح ضحيتها المئات من خيرت شباب الوطن والثورة نتيجة خلافات القيادة والصراع على زعامة تلك الأحزاب والحركات ، وذلك نتيجة انصياع البعض إلى أجندات خارجية عربية كانت أم غير ذلك.

وبعد العام 1993 وقدوم قوافل الثوار والفدائيين "العائدين" والذين عاشوا تلك الصرعات والنزاعات الداخلية بين احزابهم وحركاتهم، عادوا إلى الوطن بعد توقيع اتفاق أوسلو، ولأن الشعب الفلسطيني المرابط على أرض فلسطين شعبٌ طيب وعاطفي؛ استَقبلهم بالورود والهتافات، ولم تطول تلك الأيام الوردية الكثير حتى تشكلت طبقة من المتنفذين في الوطن جعلت الشعب يعاني الإهمال وبالتميز بكافة اشكاله، ومن ثم بدأ الصراع مع الاحتلال يأخذ اشكالا متنوعة، فقد حدثت انتفاضة النفق وجبل أبو غنيم والأقصى وتم محاصرة أركان السلطة الوطنية التي تشكلت وفق بنود اتفاق أوسلو، واستمر الحصار حتى انتهى باغتيال الرئيس الراحل أبو عمار بطريقة دراماتيكية غير تقليدية ، وبقي الجاني والقاتل طليقاً ومجهول الهوية حتى يومنا هذا واستمرت الحروب في غزة وبقي الشعب يعاني ويلات الاحتلال ويقاوم بما يستطيع من امكانيات .

وكانت تجربة فلسطين الديمقراطية الأولى؛ أقصد انتخابات العام 2006، لأن ما جرى في انتخابات العام 1996 كان انتخابات داخلية في السلطة بين فصائل منظمة التحرير أو بعض من فصائل منظمة التحرير، والمختلف في انتخابات العام 2006 هو انتخابات بين ايديولوجيات مختلفة في الفكر والعقيدة ، في التحالفات الداخلية والخارجية ، في الدعم العربي والدولي للأطراف المتنافسة على مقاعد البرلمان في حينه ، ولكن حدث ما حدث وتمت الانتخابات ، ولم تلاقي الرضا، والترحيب من الجميع، وبدأت المناكفات، والاتهامات، والمعوقات حتى العام 2007 حيث نفذت حركة حماس انقلابها الأسود، والذي راح ضحيته اكثر من 380 شهيد من حركة فتح وأكثر من الف جريح ، واستلمت حماس السلطة في غزة وحافظت فتح على سلطتها في الضفة الغربية وبقيت القدس وباقي الأراضي الفلسطينية تحت سيطرة الاحتلال . 
وصدق المفكر "جورج شو" حين قال: "ان الديمقراطية لا تصلح لمجتمع جاهل، لأن اغلبية من الحمير سوف تحدد مصيرك"

وبعد عشر سنوات من الانقسام أصبح الشعب يعاني قمع وقهر مزدوج جزء من الاحتلال والأخر من السلطات التي تحكم في غزة والضفة، فعناصر المعارضة او الجماعات المطلبية في الضفة تُفرَض عليه قيود وإجراءات، وفي قطاع غزة فإن سلطة حماس تمارس القمع وتكميم الأفواه ولجم الحريات لكل فصائل منظمة التحرير وحتى الإسلامية التي لا تتوافق مع سياستها – فقد قتلت السلفين في بيت الله بدم بارد- وبدأت تشكيل اركان دولتها في كافة مجالات الحياة وتنفصل تدريجياً عن السلطة الوطنية حتى انها أنشأت كلية امنية " كلية العودة الجامعية" لتأهيل وتدريب ضباط امن ومخابرات خاصة بحركة حماس وكيانها في قطاع غزة بهدف محاصرة أبناء فتح وملاحقتهم. ونحن اليوم بعد مرور عشر سنوات ما زلنا نعاني من تبعات الانقلاب، وما زلنا نعيش ظروف اجتماعية قاصية ومريرة. فالبطالة في صفوف خريجي الجامعات أصبحت شبح يهدد الأمن القومي وارتفاع التكاليف على الطلاب في الجامعات وعدم تحقيق أي إنجاز على أرض الواقع يلبي أدني آمال وطموحات الشعب، أصبح يهدد وجود أي سلطة تحكم هذا الشعب الصامد.

نستخلص من ذلك أن الواقع الفلسطيني سوف يمر بسناريوهات أربعة حتمية لا مجال لغيرها لأن الوقت يمر، والشعب يعاني، والاحتقان في أشده، ولن يتحمل الشعب أكثر مما تحمل خلال السنوات الماضية فهو اليوم يردد شعار " نعيش تحت ظل الاحتلال أرحم فالاحتلال يبقى احتلالاً". السناريو الاول هو: "ثورة أخلاقية" يقودها المثقفين والمتعلمين: المعلمين، المهندسين، الخريجين، الطلاب، وبعض النخب القليلة من الأكاديميين المناصرين لتلك الفئات من المجتمع، وهذا الخيار يبقى للشعب هو الخيار الأقل ضررا بالقضية الفلسطينية، فما يثور من أجله الشباب هو لقمة العيش وحياة كريمة. 

أما السناريو الثاني: فهو ثورة لا أخلاقية تحتاج إلى بضع سنوات لا تتجاوز في أحسن الأحوال عشر سنوات، يكون خلالها الفقر والبطالة قد نالت من الشباب الخريجين والعاطلين عن العمل، وحولت البعض منهم إلى شباب محبط لامبالي وإلى شباب منحرف أخلاقيا وأمنيا بسبب الفقر والبطالة المتزايدة عام تلو الآخر دون حلول أو سياسات لحمايتهم من ذاك الخطر ، وخلال هذه السنوات حتماً سوف تنتشر ظواهر اجتماعية خطيرة منها: ظاهرة المخدرات؛ ونراها قد بدأت وقد ظهرت بوضوح خلال العامين الماضيين، والانحرافات الجنسية بأشكالها المختلفة : الشذوذ، الاسترزاق، والفلتان أمني هنا وهناك، تقوده وتغذيه جهات ذات مصالح سرعان ما تتحول إلى عصابات في كل المحافظات، وبالتالي فإن "الثورة اللاأخلاقية" سوف يقودها أولئك الشباب الذين وقعوا ضحية الفقر، والبطالة فانحرفوا عن الصف الوطني، وسوف يغذي تلك الثورة الاحتلال وكل من له مصلحة بإنهاء المشروع الوطني ،

والخيار الثالث: قد تتحول تلك الاحتجاجات الى ثورة خليطة "أخلاقية ولا أخلاقية " وهي مرحلة رمادية يقف المواطن حائراً بين هذا وذاك، يُخوِن أحدهم الاخر، ويؤيد الآخر وتنقلب الأمور على المواطن، وعلى فكره، ومعتقده وهذا السناريو بالعادة يعمر سنوات طويلة ويخلف دماراً يصعب معالجته بسهولة فهو يشكل حالة من التلوث في فكر ومعتقدات الأجيال القادمة .

اما السناريو الأخير؛ وهو ضعيف جدا في ظل المشهد الفلسطيني السوداوي المعتم، وفي ظل الانقسام، وهو أن يتوحد الشعب في غزة والضفة، وان تتفق حماس مع فتح، وننتهي من حقبة سوداء من تاريخ القضية، تتُشَكل بعدها منظمة تحرير موحدة تضم كافة الفصائل وتتلاءم مع المرحلة تكون فيها قادرة على الوقوف في وجه الغطرسة الصهيونية والدعم الأمريكي-البريطاني لها. وهذه المنظمة سوف تكون قادرة ان تقود المشروع الوطني الى بر الأمان وتجنب الشعب الفلسطيني ويلات أي من الخيارات الثلاث التي سوف تهتك بالقضية الفلسطينية ان بقي الحال على حاله.

والسناريوهات الأربعة تحاكي الواقع الفلسطيني -الفلسطيني بعيدا عن مخططات الاحتلال وسيناريوهاته المحتملة، ولا اعتقد ان "موشي يعلون" وعاموس يادلين" يعبثون في الامن القومي الاسرائيل في "معهد دراسات الامن القومي الإسرائيلي(INSS) “، وانما هم يخططوا لسناريوهات محتملة، محلياً، وإقليمياً، ودولياً. فقد سبقهم معهد "يافي للدراسات في تل ابيب " حين وضع سناريوهات "السلام ما بعد الانتفاضة الأولى" في العام 1988.
فهل يملك الفلسطينيون معهدا موازيا لهذا المعهد يشخص الواقع الفلسطيني ويهدف لإنقاذ الشعب والأرض وتحقيق الامن الوطني للفلسطينيين؟