وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الخلافة ... القدوة ومروان ودحلان‎

نشر بتاريخ: 11/10/2016 ( آخر تحديث: 11/10/2016 الساعة: 11:28 )
الخلافة ... القدوة ومروان ودحلان‎
الكاتب: هاني المصري
فجأةً، أصبح ناصر القدوة النجم الساطع في السماء الفلسطينية، وإلى حد بعيد العربية والدولية، لأن الإعلامي الإسرائيلي إيهود يعاري تحدّث عبر القناة الثانية، بالتزامن مع إعلاميين إسرائيليين آخرين، عن معلومات مفادها أن أطراف اللجنة الرباعية العربية طلبت من الرئيس محمود عباس أن يعيّن ناصر القدوة خليفة له، بعد أن خلصت إلى أن مساعيها لإعادة محمد دحلان لم تنجح، على أن يكون القدوة جسرًا لتبوُّء دحلان مقاليد الأمور في المستقبل. وبهذه الأخبار يُساء للقدوة وللوضع الفلسطيني برمته بتصويرهما ألعوبة في أيدي الرباعية العربية، بالرغم من أن خطتها المذكورة بخصوص دحلان لم تنجح .

القدوة صاحب خبرة سياسية، وديبلوماسي مشهود له، ونظيف اليد واللسان، وموقفه وطني لا غبار عليه، لكنه يفتقد للقاعدة السياسية الشعبية، ويفضل الابتعاد عن الخوض في معارك ودهاليز الساحة الفلسطينية في ظل حالة الاستقطاب الحادّة الحالية، ما يجعله مرشحًا مناسبًا إذا جاء مع وإلى جانب مروان البرغوثي وغيرهما من المرشحين المحتملين المؤتمنين على القضية الوطنية، ضمن رؤية شاملة لإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني وتكامل أدوار وصلاحيات مسؤوليه ومؤسساته.

ونفى القدوة هذه الأنباء قائلًا بأنها عارية عن الصحة، فلو كان الزعماء العرب المذكورون يريدون تنصيبي لقالوا لي أولًا: مرحبًا. معتبرا أن مسألة الخلافة شأن فلسطيني يجب أن يتم التفاهم عليها فلسطينيًا قبل أي شيء آخر .

تُطرح مسألة الخلافة إذا قرر الرئيس عباس الاستقالة أو غاب عن المشهد السياسي لسبب أو لآخر. أما في ظل المعطيات الحالية، فكل ما يقال تكهنات إعلامية قد يكون هناك من سربها عن قصد أو من أهدافها حرق أسماء وتلميع أخرى، والإعداد لتقدم أسماء من التي لا تزال في خلفية المشهد.

بالرغم من أن يعاري إعلامي "خفيف" لا يعرف عنه الرصانة والحصول على المعلومات من مصادرها الأصلية العليمة، إلا أن ما جاء في تقريره فرض نفسه على الأجندة الإعلامية، وأصبح "تنصيب" القدوة خبرًا أولًا. وكما يقال "مطرب الحي لا يطرب"، وما دام الخبر مصدره إسرائيلي فيصبح للأسف محط اهتمام، مع أن هذا كله لعب إعلامية، وبالونات اختبار.

وللبرهنة على ما ذهبنا إليه، نشير إلى ما انتشر بعد طرح الخطة العربية مثل النار بالهشيم بأن دحلان قادم لا محالة، رغم الأنباء المتواترة سريعًا عن رفض الرئيس واللجنة المركزية والمجلسين الثوري والاستشاري لحركة فتح، إلى حد العزم على عقد مؤتمر "فتح" السابع في أواخر الشهر القادم، لقطع الطريق نهائيًا على عودة دحلان.

غير أن من لا يزال واثقًا جدًا بعودة دحلان الحتمية ينطلق من إيمانه بأن قرارنا ليس لنا، ولا يعتقد بأن الإرادة تحقق المعجزات إذا تسلّحت بالوعي والحكمة والخبرة، متجاهلًا بأن الاستعجال بالجزم حول عودته هابطًا "ببراشوت عربي" من شأنه أن يقضي أو يقلل، على الأقل، من احتمالات عودته إلى حد كبير. وكان دحلان سيعود لو كان هناك تفاهم فلسطيني عربي على عودته، إضافة إلى موافقة الرئيس، لكن الأخير لم يوافق، لأن عودة دحلان تسرّع في رحيله، لا سيّما أن طرح عودته مرتبط بالخلافة. ببساطة، لقد رفض الرئيس الموافقة على عودة من سيحل محله ويسارع في رحيله.

ليس لدى الرئيس ما يخشاه، لأنه مدرك بأن الكل يحتاج إليه ويخشى غيابه من دون ترتيب أمر خلافته. فهو مستمر كعنصر في بقاء الوضع الراهن، أو عدم تدهوره السريع، وفي السير على نهج البحث عن سراب السلام، ما يُبعد تكرار سيناريو سلفه ياسر عرفات، في هذه المرحلة على الأقل. فكل ما يُراد منه ترتيب أمر الخليفة، وهو يدرك أن هذه نقطة قوته التي لن يفرط بها بسهولة.

أدرك تمامًا أن هوية الرئيس الفلسطيني القادم بعد تجاوز "أبو مازن" الثمانين من عمره، وعدم معرفة الخليفة الفعلي له، وفي ظل عدم وجود نائب للرئيس، وعدم إمكانية أن يحل رئيس المجلس التشريعي محله؛ مسألة مهمة للغاية، وهي ليست قرارًا فلسطينيًا صرفًا فحسب، وإنما تساهم في إقرارها سلسلة من الأطراف والدول، تبدأ بإسرائيل والدول العربية المؤثرة في القرار العربي حاليًا، ولا تنتهي بتركيا وإيران وأوروبا والصين وروسيا والولايات المتحدة الأميركية.

إن حجم التأثير الخارجي يمكن أن يكبر أو يصغر ويكون حاسمًا أو هامشيا بقدر عمق التفاهم الذي يتحقق بين الفلسطينيين. ويرتبط التأثير بعدد من القضايا، ومنها: استمرار الانقسام وتعمقه أكثر أفقيًا وعموديًا، وتواصل سياسة البقاء والانتظار المعتمدة من القيادة الفلسطينية، وعدم تحديد آلية انتقال السلطة بعد "أبو مازن" في ظل تنافس عدد وافر من أصحاب الطموح من داخل حركة فتح وخارجها، إضافة إلى عدم وجود شخصية وازنة لأي من المتنافسين باستثناء مروان البرغوثي القابع وراء جدران الأسر في السجون الإسرائيلية، الذي لا يستطيع أحد ضمان متى يمكن إطلاق سراحه، مع أهمية أن تبقى معركة الإفراج عنه مفتوحة على كل المستويات، الرسمية والشعبية، إلى جانب أحمد سعدات وكل أبطال الحرية القابعين في المعتقلات الإسرائيلية. مروان رقم صعب في معركة الرئاسة، لدرجة أنه سيكون رئيسًا، أو لا يمكن أن يكون هناك رئيسٌ من دون دعمه.

طبعًا، لا تقرر "فتح" وحدها هوية الخليفة، لأن "حماس" أصبحت لاعبًا مهما لا يمكن تجاوزه، فهي تنافس "فتح" على القيادة والتمثيل، وفي صناديق الاقتراع، وتسيطر على قطاع غزة، وبمقدورها أن تسهّل أو تصعّب مسألة الخلافة.

ولذلك، من المهم عقد "فتح" مؤتمرها السابع بعد استكمال الاستعدادات والتحضيرات المناسبة التي تضمن إعادة، أو على الأقل، بدء سير "فتح" لاستعادة ألقها وتنوعها وانفتاحها، ولعب دورها الوطني الفعّال والمبادر، الذي يعد شرطه الأول الخروج من أسر أوسلو وقيوده الغليظة، واعتماد مسار سياسي جديد قادر على توحيد الشعب كله، وليس "فتح" و"حماس" والفصائل وحدها فقط، وصب طاقاته وجهوده في مجرى الكفاح لإنهاء الاحتلال، وتجسيد حق تقرير المصير، والعودة والسيادة والاستقلال الوطني.

كما أن عقد مجلس وطني توحيدي ينبغي أن يندرج في سياق إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير على أساس برنامج وطني موحد، بصورة تجعلها تضم مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي، وتأخذ الدروس والعبر من التجارب السابقة والحقائق الجديدة والخبرات المستفادة، فما كان صالحًا في أواسط الستينيات من القرن الماضي لم يعد صالحًا الآن، مع أهمية الحفاظ على المؤسسة الوطنية الجامعة المستندة إلى أن ما يوحد الفلسطينيين يبقى رغم كل شيء أكثر مما يفرقهم، وهو كثير أيضًا.

في حال تم ترتيب البيت الفلسطيني، فسيدعم العرب، راغبين أو مكرهين، ما يختاره الفلسطينيون. أما إذا استمرت حالة التيه، وما أدت إليه من تداعيات خطيرة على القضية والأرض والحقوق والمؤسسة، فهذا يفتح كل أبواب جهنم لكل أنواع التدخلات، ويشعل حرائق تتسع ويمكن أن تمتد إلى الجيران إن لم تكن قد امتدت فعلًا.

ليس الأمر الجوهري والحاسم من هو الرئيس القادم، بل الإجابة عن الأسئلة المطروحة: أين نقف الآن، وإلى أين نريد الوصول، وكيف نحقق ما نريد؟

بعد الإجابة عن هذه الأسئلة يمكن شق الطريق الذي يتوجب السير فيه، وبلورة البرنامج الذي يحتاج إليه الشعب للصمود والبقاء أولًا، والتقدم على طريق الخلاص والتحرر الوطني والديمقراطي ثانيًا. بعد ذلك يمكن اختيار الرئيس والقادة القادرين على الوفاء بمتطلبات هذا الطريق، وذاك البرنامج.

إذا كان الفلسطينيون يتجهون للمقاومة المفتوحة فعليهم اختيار رئيس مناسب، وإذا كانوا أمام فرصة للتوصل إلى اتفاق سلام فعليهم أن يختاروا بقاء الوضع الحالي، أو إعادة إنتاج ما نحن فيه، وربما بما هو أسوأ. وإذا كانت المرحلة لا تحتمل الحرب وليست مُقدِمة على السلام - كما هو الحال الآن - فيمكن اختيار من يستطيع الحفاظ على الحقوق والأهداف والمكتسبات، وتقليل الأضرار والخسائر، وتوفير شروط الصمود والبقاء والمقاومة الناعمة وسط العواصف العاتية التي تهدد باقتلاع كل شيء، إلى "أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا".

وأيًا يكن الرئيس القادم، فهو لا يملك عصا سحرية، ولا يجب أن يجمع كل السلطات والمناصب، وإنما لا بد أن يكون فردًا ضمن قيادة تحكمها الوطنية، والديمقراطية التوافقية، والمشاركة السياسية الحقيقية، والمؤسسة الجماعية؛ لكي يتحمل جميع أفرادها أعباء المرحلة الخطيرة القادمة التي ستحسم أن تكون القضية الفلسطينية أو لا تكون.