|
ما بين بين ....
نشر بتاريخ: 26/10/2016 ( آخر تحديث: 26/10/2016 الساعة: 10:14 )
الكاتب: عيسى قراقع
ما بين بين، عنوان معرض رسم للوحات فنية حول الاسرى الفلسطينيين ومعاناتهم في سجون الاحتلال، نظمه مركز ابداع في مخيم الدهيشة باشراف مركز العمل الشبابي للتنمية المجتمعية وبالتعاون مع مؤسسة ستارت للفنون، وقد شارك في المعرض عشرة من الفنانين الفلسطينيين الذين عبروا خلال لوحاتهم عن حياة الاسرى في فترات متعاقبة.
هي لوحات رسمتها اصابع شقية، مرتعشة، عبرت عن شعب مسجون بين جدارين وشباكين، غارق في الخيال والاستعارات، يتوارى خلف ظل الواقع بعيدا وقريبا، يظهر كشبح وراء هويته المهشمة. ما بين الامل واليأس، لون الموت اسود، اللوحة لم تصرخ ، لأنه لا احد هناك ليسمع او ليشهد، بعد ان طرد لون الضحايا من المشهد والكلام. ما بين المنفى والعودة، لا نبحث الا عن الحاضر ، بعد ان جرف الاسرائيليون التاريخ وطهروا المكان والذاكرة، وفي الحاضر نقوم مع قيامة الانتفاضات جيلا يكرم حياتنا السابقة وحياتنا القادمة. ما بين شهقة ونطفة، ارى اطفالا في اللوحات قادمين من شبق السجون، هنا الولد والبيت والعائلة، وهناك خلفنا مؤبد السنوات القاحلة. ما بين حلم وحلم، تدربنا على المفاجأة، جنود يعتقلون الاطفال بعد منتصف الليل، دولة اسرائيل تلاحق الصغار المتمردين الصاعدين الى اشجارهم العالية، يكتب احد الجنود: اصبحنا مجانين ومرضى في دولتنا الخائفة. ما بين الحي والميت، ارى شهيدا يعود بعد 14 سنة في السجن قتيلا، وكانت ام الشهيد ياسر حمدونة تقدم العزاء لنا قائلة: حقق ياسر نبوءته التي سكنته طوال العمر، عاد الى جنين دليلا على صحة الولادة. ما بين الدولة والثورة، انشغلت اكثر في دراسة احوال الغيب والغد، دولة لم تولد ، وثورة تغير شكلها وابناؤها ، وانا بين بين، اتعثر بالحواجز والمستوطنات وبالرصاص، اعيش بين التباس مرحلتين. ما بين بين، الحرب وصلت البيت واللغة وكتاب المدرسة ، والحرب على الماء و الصخرة والينبوع والشجرة، لافرق بين السلام والحرب، اللوحة مشتعلة ، وفلسطين معلقة بقضايا لم تشبع هويتها الجائعة. ما بين الغموض والوضوح ، الوان تحدد مصائر القتلى، قناصون هناك، تنزف اللوحة، زنزانة يحشر فيها شعب من الاسرى والفقراء والمشردين، دلالة وجودية، آليات دفاع عن حياة اكثر وضوحا وانبهارا، يتحول السجان الى مسجون في التراجيديا الفلسطينية. ما بين الجمال و الحرية، بشر يقاومون محو طبيعتهم الانسانية، يعشقون ويغنون، يحصدون الجوائز العالمية، يلعبون كرة القدم في كل الساحات، لا يابهون بقصف القنابل او تجفيف احلامهم على هذ الحاجز العسكري او ذاك. ما بين بين، قلت لها احبك على فرحي الصغير، واحبك على ضفاف الاقحوان المشع في اللوحة، هذا لونك، وهذا لوني، هذا كأسك وهذا كأسي، نتوحد في الخروج من العتمة، نحمل خبزنا وعدة الضوء. ما بين اليوم والامس، ازداد عدد المستوطنات والمستوطنين والمعتقلين والشهداء والاسماء العبرية، والارض تنسحب من تحت اقدامي، ولا ادري اين سيقع بيتي بين حل الدولتين. ما بين صلاة وصلاة، صوت جرس كنيسة وآذان جامع، الانبياء خائفون، يقتفون آثارهم ونبوءاتهم ولا يجدون سوى مذبحة، طيور تقاد بالحديد وبالاسلحة. ما بين مؤبد ومؤبد، يجلس كريم يونس في صحراء سجن النقب، لم يجد غير دمه وغبارا كثيفا ليكتب الاغنية ، رفعته رياح الحرية الى فلك في السماء، جرح يتنقل على جسد الفضاء. |